«لا اتفاقية بشأن ترحيل التونسيين»: ما حقيقة مذكرة التفاهم بين تونس والاتحاد الأوروبي؟

في جويلية/يوليو 2023، وقّعت تونس مذكرة تفاهم مع الاتحاد الأوروبي معلنةً عن شراكة "استراتيجية" في مجالات الاقتصاد والطاقة والهجرة. وبعد مرور ما يقارب العامين، لا يزال هذا النص غير الملزم قانونيًا يواجه صعوبة في تحقيق نتائج ملموسة، فاتحاً بذلك الباب لمختلف التأويلات. ما بين الشروط الاقتصادية، والتعاون غير المتوازن في ملف الهجرة، والوعود المبهمة في مجال الطاقة، تقدم إنكفاضة قراءة في محتوى النص.
بقلم | 07 أفريل 2025
7 دقائق
متوفر باللغة الفرنسية
بالرغم من أن مذكرة التفاهم تغذّي النقاشات والتأويلات السياسية، إلا محتواها الفعلي لا يزال مجهولًا إلى حد كبير. وعلى عكس الخطابات التي تتحدث عن وجود "اتفاق بشأن الترحيلات"، لا ينص محتوى المذكرة على استقبال مهاجرين·ـات غير تونسيين·ـات ولا على إنشاء مراكز في تونس. ورغم تقديمه باعتباره ردًا "مبتكرًا" على أزمة الهجرة وعدم الاستقرار الإقليمي إلا أن هذا النص لا يحمل أي صبغة قانونية ملزمة. هو فقط إطار سياسي، بينما تبقى عملية تنفيذه رهينة اتفاقات لاحقة وتمويلات محددة.

اتفاقية أم لا؟

تصريحات قيس سعيّد التي يؤكد فيها أنه لم يوقّع "أي اتفاقية" مع الاتحاد الأوروبي بشأن ترحيل التونسيين·ـات يمكن قراءتها على ضوء التمييز بين أداتين مختلفتين في التعاون الدولي: الاتفاقية ومذكرة التفاهم. كلاهما يُستخدم في العلاقات الدولية، لكن يختلفان جوهريًا من حيث الإلزامية القانونية والدبلوماسية.

فالـ"اتفاقية الدولية"، والتي يُشار إليها أحيانًا بالمعاهدة أو الاتفاق، يُعد التزامًا قانونيًا رسميًا بين دولتين أو أكثر أو بين منظمات دولية. ويتم التفاوض بشأنها وتوقيعها من قبل ممثلين مخوّلين رسميًا، ويُعرض غالبًا على الهيئات التشريعية الوطنية للمصادقة. وبعد ذلك، يُسجّل لدى الأمم المتحدة بموجب المادة 102 من ميثاقها لتُصبح مُلزِمة قانونيًا. ومن الأمثلة على ذلك اتفاقيات إعادة القبول، أو معاهدات السلام، أو اتفاقيات التجارة الحرة.

أما مذكرة التفاهم (Memorandum of Understanding أو MoU)، فهي أداة دبلوماسية غير ملزمة تُستخدم لتأطير النوايا السياسية أو تنظيم تعاون مستقبلي، ولا تتطلب مصادقة برلمانية، ولا تُسجَّل رسميًا، ولا تُلزم الأطراف المعنية بموجب القانون الدولي. وهي غالبًا ما تُستخدم لاختبار توافق ما أو لوضع أسس تعاون أو لتأطير شراكة مرنة.

تتّسم لغة مذكرة التفاهم بالغموض، ما يتيح هامشًا واسعًا للتأويل، غير أنها قد تُفضي إلى نتائج عملية حين تقترن بتمويلات أو وسائل تقنية أو توافق سياسي قوي، كما هو الحال في مذكرة التفاهم الموقعة بين تونس والاتحاد الأوروبي سنة 2023.

دعم اقتصادي مشروط: بين المساندة والضغط

أعلنت المفوضية الأوروبية عن دعم مالي يمكن أن يصل إلى 900 مليون أورو، مشروطٍ بالتوصل إلى اتفاق مسبق مع صندوق النقد الدولي، إضافة إلى 150 مليون أورو كمساعدة فورية للميزانية التونسية.

وتنص المذكرة على هذه المساعدة المصحوبة بـ105 ملايين أورو إضافية من الدعم الثنائي، يُفترض بها أن تساهم في استقرار الاقتصاد التونسي. غير أن هذا الدعم مشروط بالتوقيع على اتفاق مع صندوق النقد الدولي، وهو ما لا يزال الرئيس قيس سعيّد يرفضه. وقد أعادت هذه الشروط التي يُنظر إليها كنوع من التدخل، إحياء التوترات المتعلقة بالسيادة الاقتصادية.

في المقابل، يرى الأوروبيون·ـات أن هذا الدعم يهدف إلى مرافقة إصلاحات في ظل أزمة اقتصادية خانقة، بينما تعتبر السلطات التونسية أن هذه المقاربة تمثّل ضغطًا خارجيًا يحد من قدرتها على المناورة. وأدى غياب اتفاق مع صندوق النقد إلى تجميد بعض التمويلات، مما جعل المساعدة الأوروبية رمزية مقارنة بحجم الحاجيات الفعلية.

الهجرة: تعاون أمني في اتجاه واحد

إدارة تدفقات الهجرة تُعد من أبرز نقاط التوتر، إذ وعد الاتحاد الأوروبي بتقديم 105 ملايين أورو لـ"مكافحة الهجرة غير النظامية" وتعزيز مراقبة الحدود. لكن عمليًا، يشبه هذا التعاون شكلًا من أشكال إسقاط عبء السياسات الأوروبية في مجال الهجرة على كاهل دول العبور.

ورغم تأكيد قيس سعيّد عدم توقيع أي اتفاق بشأن الترحيلات، إلا أن بند "الهجرة والتنقل" ضمن مذكرة التفاهم يضع إطارًا واضحًا لتعاون معزّز بشأن الإعادة. إذ لا يقتصر الأمر على ترحيل المواطنين·ـات التونسيين·ـات من أوروبا، بل يشمل أيضًا ترحيل مهاجرين ومهاجرات من إفريقيا جنوب الصحراء من تونس إلى بلدانهم الأصلية.

"يتّفق الطرفان على تعزيز دعم العودة وإعادة القبول من الاتحاد الأوروبي للمواطنين التونسيين في وضعية غير نظامية، بما يراعي القانون الدولي وكرامتهم وحقوقهم المكتسبة، ويلتزمان بالعمل سويًا على إعادة إدماجهم الاجتماعي والاقتصادي في تونس، خاصة عبر دعم مشاريع اقتصادية مستدامة ومولّدة للتنمية المحلية وفرص الشغل." – مقتطف من مذكرة التفاهم

في الوقت ذاته، تكرّر تونس مقولة أنها ليست بلد استقبال للمهاجرين·ـات غير النظاميين·ـات، مما يتيح عمليا عمليات الطرد الجماعي التي نفّذتها السلطات في الأشهر الماضية على حدودها.

ومن منظور أوسع لإدارة أدفاق الهجرة، تعرض المذكرة مقاربة "شاملة" تربط بين التنقّل والتنمية والرقابة. إذ يتعهّد الاتحاد الأوروبي بدعم العمليات التونسية من خلال التجهيزات والتكوين والتمويل ويروّج لتعاون في مكافحة شبكات التهريب. لكن هذه المقاربة، على مستوى الممارسة، تبقى أمنية بالأساس وتركّز على هدف الحدّ من عمليات المغادرة، دون نتائج تُذكر في ما يتعلّق بفتح مسارات هجرة قانونية.

ومنذ توقيع المذكرة، تم تنفيذ العديد من أحكامها ميدانيًا من قبل السلطات التونسية. إذ ارتفعت وتيرة الترحيلات في الأشهر التي تلت التوقيع على المذكرة وقد شهدت الحدود الصحراوية مع ليبيا والجزائر طرد مئات المهاجرين·ـات، خصوصًا القادمين·ـات من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء، في ظروف لا إنسانية دون ماء أو مساعدة. ورغم انتقادات المنظمات الحقوقية وتحقيقات الصحافة واصل الاتحاد الأوروبي في تمويل عمليات "إدارة الحدود" في تونس، مما اعتُبر بمثابة تشجيع غير مباش على هذه الممارسات.

وفي مقابل ذلك تكثَّف التعاون العملي، حيث بلغت اعتراضات المهاجرين·ـات في البحر مستويات قياسية (أكثر من 30 ألف شخص بين جانفي/يناير وماي/مايو 2024) وتم تجهيز خفر السواحل. وقد كشفت وثائق سرية من بينها تقارير مسرّبة من وكالة الحدود فرونتكس حققت فيها إنكفاضة، أن تونس أصبحت فاعلًا محوريًا في منظومة الرقابة الأوروبية على الهجرة.

أمّا الأثر على التدفقات فكان مؤقتًا: إذ تراجع عدد المغادرين·ـات في خريف 2023 تلاه ارتفاع جديد في ربيع 2024. لكن بنية الشراكة في ملف الهجرة صارت واقعًا فعليًا.

من جانب آخر لم يتم تفعيل أي "برنامج شراكة حول الكفاءات" مثلما تذكر المذكرة، ولم يشهد ملف التنقّل القانوني (تأشيرات، هجرة مهنية) تطوّرًا ملموسًا. كما لم يرتفع عدد تأشيرات شنغن الممنوحة من بلدان غير فرنسا، وتم الترفيع في رسوم التأشيرة في جوان/يونيو 2024، في تناقض مباشر مع الالتزامات المُعلنة في المذكرة.

ومنذ توقيع المذكرة، تكاثرت عمليات الطرد نحو الحدود الصحراوية وتضاعفت الاعتقالات، في تناقض صارخ مع مبادئ الحماية التي يتضمنها النص. وبالتالي، وراء الالتزامات المُعلنة، تنكشف نية الاتحاد الأوروبي لتوكيل الرقابة على حدوده بما يرافقها من انتهاكات موثّقة لحقوق الإنسان.

انتقال طاقي: طموحات ضبابية واستثمارات معلّقة

تعهّدت المذكرة بتعزيز التعاون في مجال الطاقات المتجدّدة والهيدروجين الأخضر، وهو ما كان يفترض به أن يضع تونس في موقع أساسي لتزويد أوروبا بالطاقة. لكن بعد قرابة العامين من توقيعها لم يرَ أي مشروع بنية تحتية النور.

يهدف الاتحاد الأوروبي إلى تنويع مصادر طاقته، خاصة في سياق الحرب الروسية الأوكرانية، وتُعتبر تونس خيارا منطقيا بحكم قربها الجغرافي. غير أن هذه الشراكة تُثير مخاوف بشأن نمط الحوكمة الخاص بمشاريع الهيدروجين الأخضر.

إذ تثير ندرة النقاشات العامة حول شروط إرساء هذه المشاريع وآثارها الاجتماعية والبيئية تساؤلات حول مدى عدالة توزيع المنافع، خاصة في ظل هيمنة الشركات الأوروبية على القطاع. كما أن غياب البنى التحتية وخطط التنفيذ الواضحة يضعان محلّ شكٍّ جدوى هذا المشروع من أصله.

فرص اقتصادية... مفقودة

تتحدث المذكرة عن جهود لتنشيط الاستثمار وتوسيع المبادلات التجارية لكن دون أن توضّح الإطار اللازم. كما لا يزال مشروع اتفاق التبادل الحر الشامل والمعمّق (ALECA) الذي انطلقت مفاوضاته منذ 2015 معلّقًا.

أما الدعم الأوروبي للقطاع الخاص التونسي فيظل محدودًا، ويبدو أنه يرتبط أساسًا بأهداف مرتبطة بالهجرة أكثر من كونه دعمًا حقيقيًا للنمو الاقتصادي. بالتالي هي شراكة ترتكز على البعد الأمني أكثر من الاقتصادي مما يزيد من الانتقادات التي تحوم حولها.

تعاون بلا شفافية ولا اتزان

من أبرز الإشكاليات في مذكرة التفاهم هو غياب آليات رقابة مستقلة حيث لم يتم إنشاء أي هيئة مشتركة لضمان الشفافية في استخدام التمويلات، أو لتقييم أثر المشاريع أو السياسات الخاصة بالهجرة. وعمليًا، تظلّ منظمات المجتمع المدني في تونس مقصيّة من هذا المسار، من دون أدوات لمساءلة السلطات التونسية أو الأوروبية بشأن التزاماتها المعلنة.

هذا الغياب للشفافية يُضعف شرعية المذكرة، وفي ظل غياب رقابة ديمقراطية ومشاركة مواطنية، يبدو هذا التعاون أقرب إلى أداة دبلوماسية تخدم مصالح جيوسياسية من كونه مشروعًا تنمويًا مستدامًا. وقد أدانت عدة منظمات، على غرار العفو الدولية، هذه العلاقة غير المتزنة التي تسمح للاتحاد الأوروبي بفرض أولوياته، خصوصا منها الأمنية وتلك المرتبطة بالهجرة، على حساب الحاجيات الاجتماعية والاقتصادية لتونس.

تم توقيع مذكرة التفاهم في جو من البهرج الرسمي بحضور أورسولا فون دير لاين، رفقة جورجيا ميلوني ومارك روته. وكان من المفترض أن تؤسّس المذكرة لمرحلة جديدة من التعاون "الاستراتيجي" بين تونس وبروكسل. غير أن الحصيلة بعد عامين لا تزال هزيلة والنتائج الملموسة مفقودة. بينما تتجلى خلف وعود الشراكة علاقة غير متكافئة تتمحور حول الهواجس الأوروبية، أين تجد تونس نفسها تتحمل مسؤوليات دون مقابل واضح، ودون احترام فعلي لسيادتها.

Inkyfada Landing Image

منصة إعلامية مستقلة في طليعة الابتكار التحريري

أنشئ حسابك الآن وتمتع بميزات النفاذ الحصري ومختلف الخاصيات المتقدمة التي توفرها لك. تحصّل على عضويتك وساهم في تدعيم استقلاليتنا.

منصة إعلامية مستقلة في طليعة الابتكار التحريري. تسجيل الدخول