على الطريق إلى ألمانيا: الممرضون التونسيون ضحايا البيروقراطية الألمانية ومكاتب التوظيف التونسية

حاجة ألمانيا المتزايدة للعاملين·ـات في مجال الرعاية الصحية دفعت العديد من الممرضين·ـات التونسيين إلى البحث عن مستقبل فيها، غير أنهم غالبا ما تواجههم عراقيل إدارية خلال عملية الهجرة وقد يقعون في فخ مكاتب التوظيف المشبوهة. وعلى الرغم من القوانين الألمانية الأخيرة التي تهدف إلى تسهيل هذه العملية، لا يزال المسار معقدًا ويترك العديد عرضة للاستغلال.
بقلم | 09 سبتمبر 2024 | reading-duration 10 دقائق

متوفر باللغة الفرنسيةالإنجليزية
أشعة شمس ربيعية تشرق على مبنى أبيض صغير في مدينة سوسة. هذا المبنى هو مقر لواحدة من العديد من وكالات التوظيف بالخارج التي تتعامل مع الممرضين·ـات والمنتشرة في جميع أنحاء تونس. زد على ذلك، هي أيضًا مدرسة يتلقى فيها الراغبون·ـات في الهجرة بعض المؤهلات اللازمة لعملهم في ألمانيا وبالطبع يتعلمون فيها اللغة الألمانية.

حان وقت الاستراحة، يتدفق الطلبة من أقسام الدّرس إلى الفناء المشمس، من بينهم أميرة، ممرضةٌ تبلغ من العمر 24 ربيعا تخطط للهجرة إلى ألمانيا عساها تكسب المزيد من المال لدعم عائلتها.

لمواجهة النقص البالغ في العاملين·ـات في المجال الطبي، تبذل ألمانيا ما في وسعها لاستجلاب عمالة ماهرة جديدة في مجال الرعاية الصحية من كل أنحاء العالم. وقد جاب السياسيون·ـات الألمان في السنوات الأخيرة دولا عديدة كالبرازيل وفيتنام والمغرب للترويج لسوق العمل الألماني.

منذ صدور قانون ألماني في سنة 2020 بشأن هجرة « العمالة الماهرة المتخصصة» أضحت تونس بالخصوص من بين دول أخرى قبلةً للتزويد بالممرضين·ـات حيث بلغ عدد تأشيرات العمل الصادرة في العام الماضي لفائدتهم 2060 تأشيرة وفقا لوزارة الخارجية الألمانية، مما يجعل تونس ثاني أكبر مزود لألمانيا من خارج الاتحاد الأوروبي بالعاملين·ـات في مجال الرعاية الصحية.

الأرقام في هذا الرسم البياني تخصّ سنة 2023.

في سنة 2023، صدر قانون آخر، يبشّر هذه المرة بالتسريع في وتيرة عملية الهجرة بالنسبة لهذه الفئة من العاملين والعاملات. إلا أن ذلك لم يغير من حقيقة أن العملية تستغرق على الأقل عامًا، هذا في حال كانت جميع المستندات صالحة ومقدمة بشكل صحيح، مما يكلف الممرضين·ـات التونسيين الراغبين في الهجرة إلى ألمانيا وقتا ومالاً وجهدا عصبياً.

غابة بيروقراطية

قبل أن تبدأ أميرة العمل في ألمانيا، يتوجب عليها إرسال وثائق تثبت مؤهلاتها المهنية وخبرتها العملية إلى مكتب الهجرة بالتوازي مع الشروع في دراسة اللغة الألمانية. يحتاج الممرضون·ـات إلى مستوى لغة B2 الذي يعني إلماما جيدا باللغة الألمانية، بعضهم يحصّله في غضون سنة واحدة ولكن الأغلب يستغرقون وقتًا أطول.

يسلّمها مكتب الهجرة الألماني إثر ذلك وثيقة تسمى « وثيقة الإفادة» (Defizitbescheid) وهي عبارة عن قائمة المؤهلات الناقصة والتي تحتاج الممرضة إلى تداركها كي تعتبر مؤهلة للعمل في ألمانيا. وبالتوازي مع ذلك، يتعين على أميرة إرسال وثائقها إلى مختلف السلطات الألمانية للحصول على تصريح عمل يتيح لها العمل كممرضة مساعدة، في انتظار اجتياز امتحان الاعتراف بمؤهلاتها كممرضة بصفة كاملة. 

قد يبدو كل ذلك مربكا ومعقّدا وهو ما دفع أميرة كغيرها الكثيرين إلى التعامل مباشرة مع مكتب توظيف بتونس. تقول أميرة «أنا سعيدة للتعامل مع وكالة وبدونها كنت سأتوه. كل هذه الإجراءات البيروقراطية - ومعظمها باللغة الألمانية فقط - بالكاد أستطيع التفرغ لها إلى جانب عملي 38 ساعة في الأسبوع فضلا عن دروس اللغة الألمانية اليومية.»

سوق مزدهرة لمكاتب التوظيف

في مقهى صغير بمدينة هانوفر الألمانية، يتصفح أيمن أخصائي العلاج الطبيعي ذو الـ 26 عامًا آلاف الرسائل المتبادلة مع مكتب التوظيف الذي تعامل معه في السابق. قبل ثلاث سنوات، عندما اختار أيمن هذا المكتب، كان «شابًا عديم الخبرة» ومتأثرا بالآراء الإيجابية المنشورة في مجموعات فايسبوك على حد قوله. مرت على ذلك سنتان كلّفتاه 2500 أورو، ولكنه وصل أخيرًا إلى ألمانيا.

نبتت في السنوات الأخيرة في جميع أنحاء البلاد مكاتب عديدة للتوظيف بالخارج تقدم كلٌّ منها باقة خدمات خاصة بها: دروس اللغة الألمانية وترجمة الوثائق وحتى التدريب على كيفية التصرف في المقابلات. شركاتٌ جديدة تطفو على السطح طوال الوقت ولكن ما بين الواحدة والأخرى تختلف جودة الخدمات اختلافا كبيرا.

في سبتمبر 2019، سحبت وزارة التشغيل والتكوين المهني الترخيص من مؤسستين تونسيّتين للتوظيف بالخارج على خلفية التحيل والابتزاز وتقديم عروض عمل مزورة استنادا إلى القانون التونسي الذي يمنع فرض أي رسوم على العمال المرشحين للهجرة من قبل مكاتب التوظيف. كما دعت الوزارة طالبي·ـات الشغل بالخارج إلى «التعامل فقط مع المؤسسات المتحصلة على ترخيص ممارسة نشاط التوظيف بالخارج» وعددها حاليا 48 وفقا لتصريحات المدير العام للتوظيف بالخارج أحمد المسعودي

ومع ذلك، فإن العديد من المؤسسات النشطة فعليا غير مدرجة لدى الوزارة. إما لأنها ليست مؤسسات مقيمة بتونس، أو أنهم يتقنّعون تحت مسميات الاستشارة، أو ببساطة لا يبادرون بالحصول على ترخيص لدى الوزارة. وتتكرر قصص الاحتيال على الأشخاص من خلال مطالبتهم بمبالغ باهظة أو إبرام عقود تجعلهم في وضعية ارتهان لدى شركة التوظيف وتحت طائلة غرامة مالية إذا ما قرروا إيقاف التعامل. وفي بعض الحالات القصوى يصبح الأمر عبارةً عن تحيل واضح ومفضوح: بعد أن يقوم طالب·ـة الشغل بدفع الرسوم، لا تعاود المؤسسة الاتصال به مطلقا.

العثور على وكالة حسنة السمعة ليس بالأمر الهين إذ يمكن الاطلاع على العديد من الآراء والشهادات على الانترنت إلا أنها قد تتباين في تقييماتها وتتناقض فيما بينها. وأحيانا يكون مصدرها الوكالات نفسها، مما يضع المرء في موقف حرج إزاء اختيار أي منها يوليها ثقته.

لم يكن أيمن يعلم بعد أن الشركة التي تعامل معها غير مسجلة في تونس، وحتى لو علِم لما كان ذلك سيمنعه إذ أن شاغله الأول كان الذهاب إلى ألمانيا في أسرع وقت. وبالفعل استغلت شركة التوظيف حماسه وطالبته بمبالغ لم يُتفق عليها مسبقا بينما العملية لا تكف عن التأخير. لم يتلق أيمن إيصالات مقابل دفوعاته وكان عليه أن يسلم الأموال لا إلى مكتب التوظيف بالخارج وإنما في ظرف مغلق إلى امرأة يجهل هويتها في الشارع.

يقول أيمن أنه لم يعد يحتاج إلى المرور عبر مكاتب التوظيف بالخارج: «إذا عشت التجربة مرة ستفهم كيف تتم الأمور».

يراود الشاب في بعض الأحيان الخجل من سذاجته آنذاك لكنه سرعان ما يتذكر أيضا حالة اليأس التي دفعته للمجازفة.

  قانون ألماني جديد

صار من الواضح للمشرع الألماني أن شيئا ما يجب أن يتغير في عملية التوظيف واستقطاب العمالة المتخصصة إلى ألمانيا. ذلك أن حاجيات البلد من الممرضين تناهز الـ 700,000 ممرض·ـة إضافي على مدى السنوات الـ25 المقبلة، وفق التوقعات التي أعلن عنها مكتب الإحصاء الفيدرالي الألماني في شهر جانفي من السنة الجارية. الوضع على ما يبدو ملحٌّ ويبقي السياسيين والمشغلين الألمان في وضعية ترقب.

تعتبر وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فايزر العمال الأجانب المتحصلين على تعليم ذي جودة «ضماناً لازدهار ألمانيا»، وقد عملت الأخيرة في جويلية 2023 على سن قانون جديد بشأن سياسات الهجرة للعمالة الماهرة المتخصصة، دخل حيّز التنفيذ في شهر نوفمبر 2023. ويهدف القانون إلى الزيادة في سرعة ونجاعة عملية جلب العمال المهرة إلى سوق العمل الألمانية. 

يظهر الرسم البياني التالي تطور عدد تأشيرات العمل الممنوحة للممرضين والممرضات التونسيين في ألمانيا من 2020 إلى 2024، مع زيادة ملحوظة في سنة 2023.

لكن نظرة متمعّنة على القانون تكشف عن عدد قليل من التدابير الجديدة ذات الأهمية، يُذكر منها أنه صار يسمح للأشخاص الذين ليست بحوزتهم شهادة رسمية بالقدوم إلى ألمانيا والعمل فيها. هذا التساهل في سوق العمل الألماني ذي الطبيعة الصارمة للغاية هو «لبّ القانون الجديد» كما يقول هولغار كولب، عضو مجلس الخبراء للهجرة والإدماج. 

ويسمح القانون الجديد للأجانب الذين بإمكانهم إثبات خبرتهم المهنية بدخول ألمانيا والبدء في العمل دون متاعب إجراءات الاعتراف بالشهائد التي تأخذ وقتا طويلا. كما يقدّم القانون كذلك إجراءً جديدا يتمثل في «بطاقة الفرص» (Chancenkarte) وهي منظومة تقوم على احتساب النقاط. يمكن للمرشح·ـة كسب نقاط معيّنة مقابل تجاربه المهنية المختلفة، وإذا استوفى عددا معينا من النقاط يمكن له دخول البلاد والبحث عن وظيفة.

ما يبدو جذابًا على الورق تشوبه في واقع الأمر عدة مشاكل إذ «لا توجد استراتيجية واضحة لتقييم مختلف تجارب العمل الفردية» يقول كولب. ويتوقع خبير الهجرة أن المسؤولين الألمان مستقبلا «سيجدون صعوبات في معالجة الكم الهائل من المطالب»، إضافة إلى صعوبات أخرى تتمثل في مدى إمكانية تصنيف العمال الأجانب وفق مجالات عمل توافق سيرهم الذاتية وتجاربهم المهنية على تنوعها واختلافها.

ومن بين عيوب القانون الأخرى، ارتباط التأشيرة بالوظيفة التي إذا فقدتها ولم تتمكن من العثور على أخرى على الفور فهذا يعني فقدانك حق البقاء في ألمانيا. هذه الوضعية تعطي سلطة واسعة للمشغلين الألمان على موظفيهم الأجانب وقد تفسح المجال للاستغلال.

إلا أن التغييرات في القانون الجديد لا تنطبق على معظم الوظائف المنظمة بما في ذلك الممرضون·ـات الذين تحاول ألمانيا بشدة جذبهم، كما يشير كولب. ويرى خبير الهجرة أن القانون لا يحلّ العقبتين الرئيسيتين أمام دخول العمال المتخصصين : بيروقراطية التأشيرات وعمليات الاعتراف بالمؤهلات التي تستغرق وقتًا طويلاً. 

«بالنسبة للباحثين عن عمل في ألمانيا فإن العملية تظل كما هي نسبيًا» يلخص كولب. 

هذا يعني أن مكاتب التوظيف من المرجح أن تستمر في لعب دور حراس البوابات على الطريق إلى ألمانيا. إذ لا ينص القانون الألماني الجديد على تنظيم هذه المؤسسات مما سيسمح للكثيرين بالتربّح من سوق هجرة العمالة المتخصصة في سياق اقتصادي صعب في تونس.

مراقبة وكالات التوظيف

عدد مكاتب التوظيف النشطة بين تونس وألمانيا غير واضح لكونها غير ملزمة بالتسجيل في ألمانيا، مما يجعل كذلك من المستحيل مراقبة عملها.

في سنة 2021، أنشأت ألمانيا شهادة جودة أطلقت عليها اسم «ختم التوظيف الأخلاقي»* الذي يهدف إلى ضمان «التوظيف المبرر أخلاقياً والمزيد من الشفافية» في العمليات اليومية لمكاتب التوظيف المتعاملة مع ألمانيا، والتي بإمكانها التقدم طوعاً للحصول على هذه الشهادة. وإذا كانت الوكالة تعمل مع مؤسسات أخرى مثل مدارس اللغات، فهي مسؤولة عن ضمان هذه المعايير في سلسلة الخدمات بأكملها. وتحمل هذا الختم 13 وكالة توظيف تتعامل مع تونسيين·ـات من قائمة بحوالي 50 وكالة.

 يضمن الختم مبدأ «المشغّل يدفع» الذي يمنع طلب أي رسوم على المرشحين·ـات للعمل بما في ذلك تكاليف دروس اللغة وترجمة الوثائق.

معظم مكاتب التوظيف المتحصلة على الختم هي من اللاعبين الكبار نظرا إلى أن رسوم الحصول عليه تبلغ 5100 أورو (17 ألف دينار تقريبا) لتغطية تكاليف عمليات الرقابة كما يجب تجديده كل سنتين وسداد نفس المبلغ. فإذا اعتبرنا أن عددًا كبيرًا من مؤسسات التوظيف النشطة في تونس هي شركات صغيرة فليس من العجب أن أغلبها يعمل بدون الختم.

تقول آن كريستين ويديكينج رئيسة مكتب الجودة الذي يمنح الختم «يمكن للعاملين في مجال الرعاية الذين يتعاملون مع وكالة لديها الختم الاتصال بنا في أي وقت وسنستمع إلى شكاويهم». ومع ذلك تكمن المشكلة في أن قلة قليلة من الناس على علم بذلك.

الختم هو خطوة تتخذها ألمانيا نحو توظيف أكثر أخلاقية ولكن يبدو أنها عاجزة عن تحسين واقع هذا السوق مما أثار الحديث عن ضرورة انشاء آليات إلزامية لمراقبة هذه المؤسسات من قبل الطرف الألماني.

«وفي الأثناء اكتسبت كبرى المؤسسات الختم ولكن نصيب الأسد من عمليات التوظيف على حد علمنا تقوم بها المكاتب الصغيرة المقيمة في بلدان المنشأ أو خارجها» يقول مارتن فارغا، محامٍ لدى اتحاد النقابات العمالية الألماني (DGB).

في سنة 1997، قدمت منظمة العمل الدولية مجموعة من المبادئ التوجيهية لممارسات التوظيف العادلة، والتي تشكل نموذجا للعديد من البلدان الأوروبية في تقنين استقدام اليد العاملة. لكن ألمانيا لم تصادق عليها حتى يومنا هذا ويرجع ذلك إلى رسوم التوظيف التي تحظرها المبادئ التوجيهية لمنظمة العمل الدولية ويسمح بها القانون الألماني.

يسمح القانون الألماني بفرض أسعار تصل إلى 000 2 يورو (6700 دينار) على خدمات التوظيف. على سبيل المقارنة فإن الأجر المتوسط لتونسي·ـة ذي خبرة يعمل في مجال الرعاية الصحية هو حوالي 1400 دينار في الشهر.

فرض رسوم على المرشحين·ـات للهجرة أنفسهم يتيح لمكاتب التوظيف إنفاقا أقل على عملية التوظيف ككلّ وتقديم خدمات توظيف أرخص للمشغّلين مما ينقل العبء على كاهل العامل. 

«سيتم نقل العبء الاقتصادي إلى المهاجر الذي هو أضعف حلقة في هذه العلاقة» يقول مارتن فارغا. 

فلترة المهاجرين·ـات

اليوم، أميرة وأيمن انتقلا إلى ألمانيا وباشرا العمل. نجحت أميرة في امتحان الاعتراف بالمؤهلات مما يجعلها ممرضة معترفا بها رسميًا. كما أنها تأقلمت بشكل جيد مع حياتها الجديدة مما شكّل مفاجأة لها: «أنا حقا لم أكن أتوقع ذلك كنت خائفة للغاية في البداية»، قائلةً إن فكرة ترك عائلتها والسفر بعيدًا عن منزلها كانت صعبة. واليوم تتحدث مع أقاربها عبر الهاتف كما أعادت الاتصال بصديقة قديمة تعمل هي أيضا كممرضة في بلدة قريبة منذ عدة أشهر وصارت الشابتان تلتقيان بانتظام في أماكن مختلفة في المنطقة.

أما أيمن فقد قطع تعامله مع مكتب التوظيف رغم تهديد مديره له. وأخذ على عاتقه العملية الإدارية المعقدة وحالفه الحظ بالعثور على وظيفة جديدة وفرصة تكوين مهنيّ. وهو اليوم واثق بقدرته على إيجاد طريقه في متاهات البيروقراطية الألمانية وإرشاد غيره، كصديقته مثلا التي ساعدها خلال عملية الهجرة دون الحاجة إلى أي مكتب توظيف. وقد وصلت إلى ألمانيا للعمل في قطاع الرعاية الصحية هي أيضا.

 الطريق إلى ألمانيا لا يزال أشبه بمضمار عقبات للراغبين·ـات في الهجرة. لكن من منظور أوسع، يبدو أن كل هذا التعقيد والشروط الصارمة هي جزء من أجندة سياسية أكبر.

أمضت تونس في جويلية 2023 مذكرة تفاهم مع الاتحاد الأوروبي يضمن لها تمويلات كبيرة مقابل تشديد الرقابة على الحدود في إطار سياسة الاتحاد الأوروبي لتصدير حدوده إلى بلدان «ثالثة». وفي الوقت نفسه، فإن بلدانا مثل ألمانيا وفرنسا وإيطاليا تواجه شيخوخة السكان، في حاجة ماسة إلى العاملين المهرة في مجال الرعاية الصحية مثل الأطباء والممرضات.

ولضمان أن يستطيع هذا الصنف من المهاجرين·ـات الدخول والعمل، توازن الدول الأوروبية ما بين تخفيف القيود على الهجرة بقدر كافٍ للسماح للمهاجرين·ـات الذين تحتاج إليهم بالدخول وإبقاء البقية خارجاً. غير أن الاتحاد الأوروبي يتغاضى عما قد تعنيه هجرة الأدمغة من عواقب على بلدان مثل تونس، أين كان للصعوبات الاقتصادية المتراكمة منذ سنة 2011 بالغ الأثر على قطاع الصحة العمومية. 

وفي حين أن الظروف التي يواجهها المهنيون·ـات المتخصصون خلال عملية هجرتهم إلى ألمانيا ليست من أولويات المسؤولين الألمان، يمكن لهؤلاء التعويل على الضرورة الملحة التي تدفع مهنيي·ـات الصحة التونسيين إلى خوض الرحلة بكل تعقيداتها هربا من الخصاصة الاقتصادية.