خيوط | مبيدات إسرائيلية قاتلة في مزارع اليمن

تتسرب إلى السوق اليمنية اليوم ومنذ اندلاع الحرب في 2015 عشرات الأصناف من المبيدات الزراعية المحرّمة دوليا. تُستعمل هذه المواد السامة في زراعات القات والخضر والفواكه، وتشكل خطرا قاتلا على صحة اليمنيين·ـات من فلاحين ومستهلكين. لكن الأعظم هو أن العديد من هذه المبيدات إسرائيلية الصنع. مقال ظهر في الأصل على موقع خيوط اليمني.
بقلم | 01 جويلية 2024 | reading-duration 8 دقائق

متوفر باللغة الفرنسية
في منطقة همدان (جنوبي العاصمة اليمنية صنعاء)، كان المزارع محمد الحازي يُشرف على عملية ري مزرعة "القات" الخاصة به. خلال عملية الري، سقط أحد العاملين في تلك المزرعة مغشيًّا عليه، وحينما أُسعِف إلى إحدى المراكز الصحية القريبة من المنطقة، أفاد الأطباء أن هذا العامل دخل في غيبوبة بسبب استنشاقه غازا سامّاً.

اتضح فيما بعد أنه استنشق مادة "بروميد الميثيل" وهي مادة سُّمية يؤكّد بعض تجار أسواق المبيدات والأسمدة بصنعاء، خلال أحاديثهم لـ"خيوط"، أنّها أصناف إسرائيلية. تحقّقت "خيوط" من ذلك واكتشفت انتشار عشرات الأصناف من المبيدات المحظورة المصنَّعة بعضها في إسرائيل.

في قصة مشابهة حدثت على بعد 160 كم من العاصمة صنعاء، أُدخِلَ ثلاثة شبان من عائلة واحدة إلى مستشفى يريم الحكومي الواقع في منطقة يريم التابعة لمحافظة إب. كان الشبان قد استنشقوا مادّة سامّة من مبيدٍ حشريّ يسمّى "التوباز" خلال رشه في مزرعة والدهم الحاج علي غلاب.

لم يخرج منهم من المشفى سالمًا إلا شابٌ واحد تم إسعافه إلى مشفى في صنعاء، بينما فارقَ الحياةَ شقيقاه الأصغر منه سنًّا. جاءت الصدمة موجعة لوالدهم ولعائلتهم ولكافة أهالي المنطقة بحسب وصف عبدالرقيب غلاب، أحد أقاربهم، الذي اشتكى لـ"خيوط" الآثار المؤلمة التي عانتها عائلتهم بسبب الاستهتار واللامبالاة عند القيام برش المحاصيل الزراعية بموادّ سامّة، من دون اتباع معايير السلامة المهنية التي تستوجب ارتداء ملابس وأدوات واقية.

ومنذ ذلك الحين، بدأ أهالي المنطقة باستشعار خطر المبيدات الحشرية، خصوصا منها تلك التي تُعرف بأنها قادمة من إسرائيل إلى السوق اليمني، كما يفيد غلاب لـ"خيوط".

تورط مسؤولين حكوميين وتجار

تُظهِر خطابات مكتوبة حصلت "خيوط" على نسخة منها، تواطؤ قيادات في وزارة الزراعة اليمنية ومسؤولين حكوميين، مع تجار وشبكات تهريبٍ تعمل على إغراق السوق اليمنية بالمبيدات الحشرية السامّة والخطيرة.

من بين تلك الخطابات، رسالة موجهة من "الإدارة العامة لوقاية النباتات" في وزارة الزراعة اليمنية، إلى وزير الزراعة في حكومة صنعاء، انتقدت سماح وزارة الزراعة بالإفراج عن كميات محتجزة من مبيدات حشرية، ومِن ثَمّ قيام مستورديها من التجار ببيعها في السوق على مرأى ومسمع الجهات الرقابية بصنعاء.

رسالة أخرى أيضًا تم توجيهها تعاتب التوجيهات الوزارية التي تقضي بضرورة الإفراج عن شحنة من مبيد "بروميد الميثيل"، المحجوزة في منفذ الراهدة بمحافظة تعز، على الرغم من التوضيح للوزير خطورةَ المبيد المُدرج ضمن المبيدات الخطيرة التي لها علاقة مباشرة بتلوث البيئة.

أصبح من النادر أن تجد مزرعة في اليمن لا يعتمد مالكوها على المبيدات الحشرية المهرّبة والسامّة لأنها تعمل على تعجيل نضج الثمار.

هذه المشكلة لها تداعيات خطيرة يتجاهلها الكثير من المزارعين، إذ إن بعض أنواع المبيدات تتسبّب بوقوع أضرار فادحة على الزراعة، إلى جانب أنها قد تتسبب في تغيير البيئة الخصبة للأراضي الزراعية.

في رسالة ثالثة موجهة من "الإدارة العامة لوقاية النباتات" في وزارة الزراعة اليمنية إلى "إدارة الحجر النباتي"، طالبت فيها بإبلاغ رؤساء الفرق الزراعية في المنافذ الجمركية اليمنية بعدم الإفراج عن أي شحنات نباتية واردة، ما لم تكن حاصلة على شهادة فحص الأثر المتبقي وبخلوها من المبيدات.

لكن المسؤولين في وزارة الزراعة بصنعاء ضربوا عُرضَ الحائط بأية توجيهات تقضي بمحاسبة ومنع الاتجار بمبيدات مهربة وخطيرة.

أصناف تفتك بصحّة اليمنيّين

تساهم المبيدات الحشرية بمضاعفة معاناة اليمنيين من جراء الحرب التي تدور رحاها في بلادهم منذ تسعة أعوام مضت. إذ تعجّ المستشفيات داخل اليمن وخارجها بالكثير من المصابين بمختلف أنواع السرطان وغيرها من الأمراض الأخرى الناتجة عن وجبات يأكلونها أو روائح يستنشقونها، غالبيتها ملوثة بمبيدات حشرية سامَّة محرَّمة دوليًّا.

في حديثه لـ"خيوط"، يشير الدكتور حمدي اليافعي وهو طبيب يمني، إلى تزايد أعداد مرضى السرطان في اليمن خلال فترة الحرب لأسباب عديدة؛ أبرزُها استهلاك اليمنيين·ـات لنبتة "القات" والفواكه والخضروات التي يتم رشها بمبيدات حشرية سامّة.

إلى جانب مرض السرطان، تتزايد حالات الإصابة بالأمراض التي تصيب المعدة بحسب اليافعي، وكذلك الجهاز التنفسي كالالتهابات الرئوية والربو، وأمراض الجلد والحساسية، وجميعها ناتجة عن المبيدات الحشرية السامّة التي تدخل اليمن.

منظمة الصحة العالمية لفتت إلى تزايد أعداد المصابين·ـات بمرض السرطان في اليمن. إذ تقدّر المنظمة العالمية، بحسب بيانات اطلعت عليها "خيوط"، أنّ هناك 35 ألف مريضٍ·ـة مصاب·ـة بالسرطان، منهم 11 ألف حالة جديدة يتم تشخيصها في البلاد كل عام.

يلجأ الكثير من المزارعين في مختلف المناطق اليمنية إلى استخدام المبيدات الحشرية من أجل تسريع فترة تسوية ونضج الثمار، خاصة نبتة القات التي يحصل المزارعون من جراء بيعها على أموالٍ طائلة لتزايد الطلب عليها من معظم اليمنيين.

يشرح الباحث في العلوم الزراعية علي العنسي لـ"خيوط" أن المزارعين يعمدون إلى تكثيف استخدام المبيدات الزراعية لرش شجرة القات لأن ذلك يساهم في تكرار عملية الإنتاج مرات عديدة، ومِن ثَمّ يستطيعون جني القات الجاهز للبيع ثلاث أو أربع أو خمس مرات في العام الواحد، بدلًا من مرتين فقط حينما يتم رشها بأسمدة طبيعية ومبيدات غير سامّة ولا محرّم استخدامها دوليًّا.

يضيف العنسي: «حتى في مزارع الخضروات والفواكه، استغل المزارعون عدم وجود رقابة عليهم من الدولة فعملوا خلال فترة الحرب على تكثيف رش المحاصيل الزراعية بمبيدات حشرية محرّم استخدامها دوليا».

يقول المُزارع عزيز جباري (38 عامًا): «أصبح من النادر أن تجد مزرعة في اليمن لا يعتمد مالكوها على المبيدات الحشرية المهرّبة والسامّة. لأنّها تعمل على تعجيل نضج الثمار. وهذه المشكلة لها تداعيات خطيرة يتجاهلها الكثير من المزارعين؛ إذ إنّ بعض أنواع المبيدات تتسبّب بوقوع أضرار فادحة على الزراعة، إضافة إلى أنها قد تتسبب في تغيير البيئة الخصبة للأراضي الزراعية في مختلف المناطق اليمنية».

40 صنفًا خطيرًا رائجًا

في الآونة الأخيرة، تكشف "خيوط"، استنادًا إلى معلومات وبيانات ومصادر معنية -منها تأكيدات مسؤول في وزارة الزراعة والري- عن دخول 40 صنفًا من المبيدات الحشرية المحظورة إلى صنعاء، كثير منها أصناف إسرائيلية.

يؤكد أصحاب المحالّ التجارية الخاصة ببيع المبيدات الحشرية في صنعاء، بأنهم يبيعون مختلف أنواع الأسمدة والمبيدات الحشرية المستوردة حتى الأصناف المحظورة منها، بحسب حديث هاني قايد (40 عامًا) لـ"خيوط"، وهو تاجر يعمل في بيع الأسمدة في سوق شعوب بصنعاء.

يتابع قايد: «مِن أبرز المبيدات الإسرائيلية التي تباع في السوق تحت مسميات عديدة: (الفيل)، و(الديوكسين)، و(الجرانيت)، و(النمرود)» وغيرها من الأصناف.

ويدخل السوق اليمنية 800 اسم تجاري، بكمية تصل إلى ثلاثة ملايين لتر من المبيدات الممنوعة والمحرّم استخدامها دوليًّا، بحسب دراسة نُشرت في العام 2016، أي بعد عامٍ من اندلاع الحرب الجارية في اليمن.

جاء في تدوينةٍ قديمة لوزير الثقافة اليمني الأسبق، خالد الرويشان، أنّ أحد رجالات الأردن قال له إنّ المواطنين الأردنيين مندهشون من مرأى الشاحنات الإسرائيلية وهي تفرغ حمولتها من السموم كي تُحمَّل مرة أخرى على شاحنات تسافر بها صوب اليمن، بعد أن تم تغيير اسم البلد المصنّع المطبوع على العبوات. وحتى لو لم يتم تغيير أسماء الماركات الإسرائيلية، فإن الوصول إلى الأسواق مضمون؛ وذلك إما عبر التهريب أو عبر المنافذ الغافلة النائمة والدائخة، وربما المتواطئة.

في حين يظل التساؤل الذي حير الكثير في اليمن حول أسباب تسهيلات دخول المبيدات الحشرية من إسرائيل إلى اليمن، وكيف يتم ذلك، ومن الذي يتحمل المسؤولية، وهل للحرب والصراع في البلاد علاقة بذلك؟   

اتبع·ـي هذا الرابط لقراءة المقال على موقع خيوط