طرد المهاجرين·ـات إلى الحدود: أيّة مسؤولية للاتحاد الأوروبي؟

منذ صائفة 2023، تفيد بلاغات من المهاجرين·ـات المُعتَرضين·ـات في البحر أو على التراب التونسي بأنهم قد تمّ تهجيرهم جماعيا إلى مناطق صحراوية حدودية مع ليبيا والجزائر. لكن لا يبدو أن هذه العمليات تثني الاتحاد الأوروبي وأعضائه عن التعاون مع تونس على حساب حقوق الإنسان.
بقلم | 27 ماي 2024 | reading-duration 15 دقيقة

متوفر باللغة الفرنسية
هذا المقال هو ثمرة تحقيق مشترك قامت به إنكفاضة بالتعاون مع لايت هاوس ريبورتس، ذي واشنطن بوست، دير شبيقل، الناس ميديا، لوموند، إيربي ميديا، تاغاشاو، بور كاوسا، و إِل باييس.

قصر قرطاج، 17 أفريل 2024: يستقبل رئيس الجمهورية قيس سعيد مرة ثانية جيورجيا ميلوني في رابع زيارة لرئيسة الوزراء الإيطالية في ظرف سنة واحدة. رافقتها خلالها بعثة حكومية مدعّمة بنائب وزير الخارجية ووزير التعليم العالي والبحث ووزير الداخلية.

في خضم الزيارة، شكرت جيورجيا ميلوني مساعي رئيس الجمهورية على "العمل الذي نحاول تحقيقه معا ضدّ المتاجرين بالبشر" على حد قولها، في الوقت الذي شرعت فيه الحكومة التونسية من جهتها وبشكل تدريجي في تبني خطاب معاد للمهاجرين·ـات. إذ يقول نص البلاغ الرسمي المنشور بعد لقاء 17 أفريل أن رئيس الجمهورية يتمسك بـ "موقف تونس الثابت الرافض لأن تكون بلادنا مستقرا أو معبرا للمهاجرين غير النظاميين".

ويُؤكد البلاغ المنشور على صفحة رئاسة الجمهورية أن "تونس المتشبثة بالقيم الإنسانية بذلت جهودا كبيرة لرعاية المهاجرين غير النظاميين لكنها لا يمكن لها كأي دولة تقوم على القانون أن تقبل بأوضاع [أشخاص في وضعية] غير قانونية على أراضيها.

لكن السلطات التونسية آخذة منذ قرابة السنة في تنظيم عمليات طرد للمهاجرين·ـات نحو المناطق الحدودية مع ليبيا والجزائر، وهو أمر نددت به منظمات حقوق الإنسان جراء المخاطر التي تتسبّب فيها لهم. من جانبه، أعرب المجتمع الدولي خلال صائفة 2023 عن قلقه حيال هذه السلوكات إذ دعت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة إلى احترام حقوق المهاجرين·ـات، بينما صرح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بأنّه "قلق جدّا".

ورغم ذلك، تبدي الدول الأوروبية دعمها لطريقة تعامل السلطات التونسية مع موجات الهجرة مثلما تُوحي بذلك الزيارة الأخيرة لجيورجيا ميلوني. ويظهر هذا التحقيق الجماعيّ الذي شاركت فيه إنكفاضة عن دعم وتمويل الاتحاد الأوروبي لسياسات دول شمال أفريقيا إزاء الهجرة ولاسيما عبر أجهزتها الأمنية الحدودية المتورطة بشكل مباشر في عمليات الطرد.

ولئن لا يظهر الاتحاد الأوروبي، صراحةً، دعمه لسياسة إجبار المهاجرين·ـات على العودة نحو المناطق الحدودية إلا أنّ دوله الأعضاء لم تفرض إلى حد الساعة أي شرط مقابل تعاونهم، مما يستتبع تورّطهم.

الجزء الأول من التحقيق

دعم متزايد لمكافحة "تيارات الهجرة غير النظامية"

للاتحاد الأوروبي برامج دعم كثير في تونس باعتباره الشريك الاقتصادي الأول لها. في جويلية 2023، تجددت سياسة التعاون في مختلف المجالات من خلال توقيع مذكرة تفاهم حول شراكة استراتيجية شاملة. وتذكر مقدمة الاتفاق المذكور أن أولوية الطرفين ستتمثّل في "مكافحة والحد من تيارات الهجرة غير النظامية" حيث يتوقع الاتحاد الأوروبي تخصيص 105 مليون أورو لمسألة الهجرة.

في خضم توقيع هذه المذكرة، اتجهت الأنظار نحو تونس بسبب شهادات المهاجرين·ـات العديدة حول طردهم نحو الحدود في صائفة 2023. واهتمت عديد التقارير الصحفية التي أنجزتها فرانس 24 و الجزيرة و دويتشه فيله وحتى البي بي سي بهذه المسألة. كما مكّن التحقيق الذي ساهمت فيه إنكفاضة معيّة شركائها من التثبت من وقوع 11 عملية طرد منظمة على أقل تقدير، جرت بعضها في شهر سبتمبر وأكتوبر وديسمبر 2023. لكنّ ذلك لم يمنع الاتحاد الأوروبي من مواصلة التعاون مع تونس في نفس الفترة.

وفق وثيقة داخلية للمفوضية الأوروبية بتاريخ ديسمبر 2023 سُرِّبت إلى منظمة "ستايت واتش"، اتّصل المفوضون الأوروبيون بوزير الخارجية التونسي في مناسبتين يومي 11 و 21 سبتمبر 2023. جاء ذلك في سياق وفود حوالي 10 آلاف مهاجر.ة على جزيرة لامبيدوزا الإيطالية في الأيام العشرة الفاصلة بين الاتصالين. وفي نفس الأسبوع، زار وفد تونسي المقر الرئيسي لفرونتكس، الوكالة الأوروبية لإدارة التعاون في العمليات على الحدود الخارجية للدول الأعضاء، بالعاصمة البولندية وارسو في إطار "زيارة تعارف".

في نوفمبر 2023، حدث لقاء آخر في روما جمع بين وزراء الداخلية التونسي والليبي والإيطالي، في الوقت نفسه الذي كانت تتم فيه عمليات طرد إلى الحدود الليبية شاركت فيها قوات أمنية تونسية وجماعات مسلحة ليبية تابعة لوزارة الداخلية مثل اللواء 19 لحرس الحدود الليبي وجهاز دعم الاستقرار (SSA).

في صائفة 2023، كان للاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء اتصالات دورية مع السلطات التونسية حول التحكم في الهجرة، بالرغم من الشهادات العديدة التي تفيد بحدوث عمليات طرد تمارسها تونس.

ينخرط توقيع مذكرة التفاهم في سياق تواصل الدعم المالي الممنوح سابقا. فبين سنتي 2014 و2022، قدمت بروكسال حوالي 1.7 مليار أورو لتونس في إطار "الشراكة الثنائية التي تتضمن الدعم في مسائل الهجرة". وبين سنتي 2015 و2021 منح الاتحاد الأوروبي قرابة 91 مليون أورو لصندوق الطوارئ الاستئماني لافريقيا، مخصصا 38 مليون منها لـ "الإدارة المتكاملة للحدود".

تهتم الدول الأوروبية عند منحها الأموال لتونس للتحكم في تيارات الهجرة بمسائل من قبيل "الهجرة المهنية" أو "حماية الشعوب وضمان استقرارها" في حين يبدو أن بعض التمويلات الأخرى أُسندت خصيصا لدعم الأجهزة الأمنية المعنية بمكافحة تيارات الهجرة. حيث تلقت تونس سنتي 2012 و2022 مثلا 35 مليون أورو لدعم عمليات "البحث والإنقاذ" و"إدارة الحدود".

دعم مادي وبشري للقوات التونسية

تدخّل أوروبا في المسألة يقع على مستويات متعددة، فهي تساهم في تكوين المتدخلين الأوائل في عمليات الطرد أي قوات الأمن التونسية، من خلال برامج ثنائية للتكوين بين تونس والدول الأعضاء. من 2015 إلى أوت 2023، ساهمت ألمانيا مثلا في تكوين 3395 عون من الحرس الوطني وشرطة الحدود، 657 منهم فقط بين سنتي 2022 و2023.

ويركز الاتحاد الأوروبي على برامج تكوين مكثفة وموضوعة خصيصا لإدارة تيارات الهجرة. وفي هذه النقطة، تعتمد أوروبا كثيرا على المركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة، (ICMPD) وهي مؤسسة دولية مستقلة لها برامج كثيرة في تونس.

في نوفمبر 2023، افتتح هذا المركز "مؤسستين للتكوين المشترك للتصرف في الحدود" في كل من نفطة ووادي الزرقاء. ويقول ممثل عن المركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة، فضّل عدم الكشف عن هويته، عن المركزين "أنهما مخصصان للأجهزة الثلاثة المتدخلة في إدارة الحدود أي الحرس الوطني وشرطة الحدود والديوانة" مؤكدا أن المركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة لا يقدم الدورات التكوينية بصفة مباشرة. أما الأجهزة الأمنية المتمتعة بهذه الدورات التكوينية فهي الجهة الفاعلة الأبرز في عمليات الطرد، كالحرس الوطني مثلا.

ويشرح ممثل المركز الدولي الأمر قائلا: "لا يعنينا بناء المركزين بقدر ما تعنينا الأدوات البيداغوجية التي وضعناها لتكوين الأعوان. فالهدف أن يتمكن التونسيون من إنجاز هذه الدورات التكوينية بأنفسهم".

ودون ذكر دقيق للمحتوى التكويني الذي سيوفره هذان المركزان، يفيد ممثل المركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة بأن بعض المحاور قد تختص مثلا بـ"إجراءات العمليات المعيارية وأوجه التدخل" أو "القانون الدولي لحقوق الإنسان"، مشيرا إلى أن غاية المركز هي خلق "تفاعل بين الوكالات" حتى يتسنى للأعوان التونسيين·ـات التنسيق في ما بينهم على نحو أفضل.

ساهم الاتحاد الأوروبي كذلك في توفير المعدات لهذه الأجهزة الأمنية، التي قد يكون بعضها استُعمل في عمليات الطرد نحو الحدود. فعلى سبيل المثال، تلقى الحرس البحري التونسي من الاتحاد الأوروبي تجهيزات مراقبة قادرة على تيسير عمليات الاعتراض في البحر مثل الكاميرات الحرارية وأنظمة الرادار المتنقلة.

ومن جهتها، أرسلت الحكومتان الإيطالية والألمانية، بين 2017 و2023، ما لايقل عن 106 شاحنة رباعية الدفع من طراز نيسان نافارا إلى وزارة الداخلية التونسية، 56 منها فقط بين فيفري 2022 و ماي 2023. وتظهر إحدى هذه الشاحنات في صور تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي بتاريخ 4 جويلية 2023 مرافقةً لحافلة تقل مهاجرين·ـات تم اعتراضهم، وبعد تقص جغرافيّ تبين أن مقطع الفيديو صُوِّر في ولاية صفاقس. وتذكر عديد الشهادات أن الإيقاف والتجميع في حافلة هي أولى مراحل عملية الطرد إلى الحدود.

ورغم الاتصال المتكرر بالسفارة الإيطالية في تونس عبر الهاتف والبريد الالكتروني، إلا أنها لم ترد على طلباتنا لتنظيم مقابلة.

غياب الرقابة على المستوى الإقليمي

أمام هذا العدد من الشهادات حول عمليات الطرد التعسفية التي ظهرت منذ أواسط سنة 2023، اعترف عديد المسؤولين الأوروبيين رسميا بوقوعها. ففي سبتمبر 2023، وعندما سأله ناشط سويدي بشأن الموضوع، رد نائب رئيس المفوضية الأوروبية المكلف بقضايا الهجرة، مارقاريتيس شيناس، قائلا: "لا يذهب سنتيم أوروبيّ واحد نحو تمويل هذه الحوادث". أما ممثل المركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة الذي فضل عدم الكشف عن هويته فيقول أنهم "يراقبون ما يحدث في البلاد" مؤكدا أن للمنظمة "خطوطا حمراء".

يقول ممثل المركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة: "إذا لاحظنا في أي وقت أن بعض الممارسات أصبحت ممنهجة، فإننا نحتفظ بالحق في الانسحاب من برامج التعاون"، مُعتبرا عمليات الطرد "ممارسات فردية بادر بها بعض المسؤولين".

وعند سؤاله عن تفاصيل الرقابة، مثل مدى تواتر التقييمات والخطوط الحمراء المفروضة وآليات الحوار مع السلطات التونسية وغيرها، لم يقدم المركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة والجهات الأوروبية مزيدا من المعطيات التي تسمح لنا بتبرير الشراكة مع قوات الأمن التونسية المشاركة في عمليات الطرد. ولم يرغبوا في توضيح كيفية ضمان عدم استخدام السلطات التونسية لمساعداتهم في تلك الممارسات.

يبدو إذن أن نظام تقييم الوضع تشوبه نقائص، ويصبح الأمر مقلقا أكثر لا سيّما أن الشراكة مع تونس تُصوَّر كمثال يحتذى به في المنطقة. إذ قالت وزارة الداخلية التونسية بمناسبة تدشين مركز التكوين بنفطة، أنها تنوي اقتراح "دورات تكوينية لكافة الأجهزة الفاعلة في مجال الهجرة في ليبيا والجزائر ومصر وكل دول المنطقة".

ويُفترض أن تكون مذكرة تفاهم جويلية 2023 نموذجا لأسس التعاون الثنائي التي يمكن تكرارها مع مصر والمغرب. وهو ما تشهد عليه الشراكة التي وقعتها أورسولا فون دير لاين في القاهرة يوم 17 مارس المنقضي والتي ستمتد على فترة 3 سنوات. أما الرباط و نواكشوط التي توفر لها الجهات الأوروبية دعما في مسائل التصدي لتدفقات الهجرة فهي تطبق نفس الممارسات التي تلجأ إليها قوات الأمن التونسية برعاية الاتحاد الأوروبي، وفق ما كشفه التحقيق الذي شاركت فيه إنكفاضة.

تتلقى قوات الشرطة في موريطانيا مساندة مباشرة من الحرس المدني والشرطة الإسبانية في العمليات التي تقوم بها في مدينة نواذيبو الواقعة على الحدود المغربية. إذ يتم إرسال الأشخاص الموقوفين·ـات على الأراضي الموريتانية إلى الحدود المالية بالقرب من مدينة كوجي، حيث يجد المهاجرون·ـات أنفسهم وسط منطقة حرب تنشط فيها جماعات جهادية كثيرة محسوبة على تنظيم القاعدة.

وفي المغرب، تقوم قوات الأمن بحملات ضدّ المهاجرين·ـات في المدن الكبرى مثل الرباط وطنجة وفاس والعيون الواقعة في الصحراء الغربية. ومن ثمة يتركونهم في مناطق نائية داخل البلاد أو على الحدود الموريتانية. وتستعين القوات المغربية خلال هذه العمليات بالكلاب البوليسية والعربات الممولة من الاتحاد الأوروبي.

يشير باحث في مسألة الهجرة يفضل عدم الإفصاح عن اسمه: "لا يجب أن ننسى أن ممارسات الطرد على المستويات الوطنية، تنسجم لتكتسب معا أهمية على المستوى الإقليمي".