مساء الإثنين، أمام المسرح البلدي بالعاصمة، ردد آلاف الأطباء الشبان شعارات من قبيل: "تمرمدنا". ورفعت اللافتات عبارات غاضبة مثل "هنا يعذب الطبيب خلسة"، "دينار" إشارة لقيمة الساعة في النوبات الليلية، و "لا للتهجير الممنهج للأطباء".
يأتي هذا التجمع في إطار إضراب وطني دعت إليه عدة هياكل نقابية بداية من 1 جويلية. وقبل أيام من ذلك، أعلنت المنظمة التونسية للأطباء الشبان عن مقاطعة عملية اختيار مراكز التربص، بنسبة استجابة بلغت 96.5%. وتشمل هذه الحركة أيضًا توزيع التربصات في طب العائلة.
وأكدت المنظمة في بيان لها أن "هذه النسبة تؤكد متانة الموقف الجماعي للأطباء الشبان"، مضيفة أن "دعوات الوزارة لاختيار مراكز التربص قوبلت بالتجاهل احتجاجًا على غياب الحوار الجدي"، وفق تصريح بهاء الدين ربيعي، نائب رئيس المنظمة لوكالة تونس إفريقيا للأنباء.
مطالب الأطباء الشبان في خضم الأزمة القطاعية
في صميم هذه التحركات، تبرز جملة من المطالب، أبرزها:
- مراجعة التعيينات التي توصف بالعشوائية، وغياب التشاور أو مراعاة الاختصاصات والظروف الفعلية للمؤسسات الاستشفائية؛
- الترفيع في منحة النوبات الليلية، المحددة بـ3 دنانير في الساعة، والتي – حسب شهادات عديدة – لا تُصرف في ثلثي المؤسسات الصحية؛
- ضعف الأجور الشهرية التي لا تتجاوز 750 دينارًا، مع غياب التغطية الاجتماعية؛
- المطالبة بتقييم شفاف للتربصات للحد من القرارات التقديرية؛
- المطالبة بالاعتراف بحقوق اجتماعية مثل إجازة الأمومة والحماية أثناء أداء الخدمة المدنية.
في 29 جوان، وخلال اجتماع عام، تعرض عدد من الأطباء الشبان إلى تهديدات بتتبعات قانونية في حال تواصل الحراك، حسب ما أفادت به آلاء التليلي، طبيبة وعضوة في المنظمة. كما تم التلويح بإمكانية الاستعانة بأطباء أجانب، من الصين أو المجر، لتعويض المضربين.
أزمة متواصلة منذ سنوات
الغضب الحالي ليس إلا امتدادًا لأزمة هيكلية موثقة منذ سنوات. ففي 2022، صرح طبيب مقيم يدعى عزيز* في مقابلة مع إنكفاضة:
"مع نقص المعدات وغياب الأدوية، نقف عاجزين أمام الأمراض والفيروسات التي تغزو مستشفياتنا. هذه العوامل تدفع الأطباء إلى الهجرة وتفسر نقص الموارد البشرية وتدهور الصحة العمومية."
وفي عام 2018، وصفت ياسمين*، طبيبة داخلية آنذاك، واقع الإهمال بقولها: "في أول منوبة لي بقسم الاستعجالي، تُركت بمفردي دون دعم. (...) من دون هؤلاء الأطباء الشبان، تنهار المستشفيات."
ويصعب التعبير عن هذا السخط أحيانًا بسبب الخوف من العقاب: "علينا أن ننجح في التربصات بنهاية العام، وهذا ما يجعلهم يمتلكون وسيلة ضغط فعالة."
أرقام تنذر بالخطر
تشير الإحصائيات إلى تراجع الإنفاق على الصحة العمومية من 6.4% من الناتج المحلي الإجمالي سنة 2010 إلى 5.3% سنة 2020، ما فاقم تدهور البنية التحتية والظروف المهنية.
بين 2017 و2021، غادر حوالي 3100 طبيب تونس. وفي 2024 وحدها، بلغ عدد المغادرين 1450 طبيبًا، بحسب ريم غشام عطية، رئيسة المجلس الوطني لعمادة الأطباء. وتشمل الوجهات الأكثر شيوعًا: فرنسا، ألمانيا، السعودية، وقطر. ومع مغادرة أكثر من 4500 طبيب خلال أقل من عقد، تتزايد التحذيرات من الداخل بالتوازي مع تسارع وتيرة الهجرة والاحتجاج.
في نفس الموضوع
ردود رسمية متباينة
وزارة الصحة بررت سياسة التعيينات بالحاجة إلى ضمان التغطية الصحية في المناطق الداخلية. غير أن المحتجين يرفضون هذا التبرير بسبب غياب التشاور وغياب التكييف مع ظروف المؤسسات الصحية المحلية، إضافة إلى التهديدات الموجهة إليهم.
وبخصوص الجدل حول الأطباء الأجانب، صرّح مبروك عون الله، رئيس ديوان وزارة الصحة، بأن التصريحات نُقلت خارج سياقها، وأنه " لم يتم التطرق إلى تعويض الأطباء الشبان بأجانب" ، في تصريح لإذاعة موزاييك.
وأكد أن الاستعانة بأطباء من الخارج – إن حصلت – ستطرح تحديات قانونية ولوجستية، ولن تكون مجرد إجراء ظرفي سهل.
وفي فيديو نُشر مساء الاثنين على صفحة رئاسة الجمهورية، دعا قيس سعيّد إلى "إصلاح عاجل للمنظومة الصحية"، منتقدًا ما وصفه بـ " التجاوزات المؤسساتية "، وداعيًا إلى "إطار قانوني جديد يرتكز على الإنصاف والمسؤولية"، دون الرد مباشرة على مطالب المحتجين.
إلى أين؟
يمثل الإضراب الذي انطلق في 1 جويلية نقطة تحوّل في الحراك. وقد حذّرت النقابات من تصعيد محتمل في حال عدم تلبية المطالب المالية والاجتماعية. ودعت عمادة الأطباء والمجلس الوطني لعقد طاولة حوار تشمل الوزارة، والرئاسة، والنقابات، والطلبة، للخروج من الأزمة.
منذ أكثر من عشر سنوات، يطالب الأطباء الشبان بتحديد وضعهم القانوني. فلا يوجد اليوم إطار واضح يحدد المسؤوليات في حال حصول خطأ طبي، رغم أنهم يمارسون في الغالب تحت إشراف محدود. هذه الضبابية، إلى جانب ظروف العمل الصعبة، فاقمت الأزمة.
ورغم حصول اتفاق مبدئي مع وزارة الصحة في فيفري 2017، لم يُنشر أي نص قانوني حتى اليوم. وفي 2018، عادت التعبئة بشكل واسع، دون نتائج ملموسة. سبع سنوات وثمانية وزراء لاحقًا، لا يزال الإطار القانوني في طيّ الانتظار.