سلمى المولهي، 12 سنة من التسلّط على رأس الجامعة التونسية للتنس

قبعت سلمى المولهي على رأس الجامعة التونسية للتنس على مدى 12 سنة، وأدارت هذه المؤسسة الرياضية بقبضة من حديد وسط مناخ من الغموض والتوتّرات الداخلية. بعد إزاحتها مؤخرًا من المكتب الجامعي، تعود إنكفاضة على خفايا تاريخٍ من التسلط الرياضي.
10 دقائق
متوفر باللغة الفرنسية
قررت وزارة الشباب والرياضة مؤخرا حل مكتب الجامعة التونسية للتنس بعد أكثر من عقد من رئاسة سلمى المولهي التي كرّست منظومة مغلقة وقامت بمراجعات متتالية لقواعد التسيير ضمنت من خلالها سيطرة مطلقة على الجامعة والرابطات المنضوية تحتها. وفي غضون بضع سنوات، حوّلت الرئيسة السابقة الجامعة إلى كيان يدين لها بالولاء التام، مانحةً نفسها صلاحيات أشبه بتلك التي يتمتع بها رئيس دولةٍ مستبد.

كان المنعرج الحاسم يوم 12 ديسمبر 2021، حين تمّ تعديل النظام الداخلي للجامعة لتحذف منه كلّ الهياكل الرقابية وآليات الطعن خلال جلسة عامة خارقة للعادة اتّسمت مخرجاتها بالغموض.

إزاحة الهيئة الوطنية للتحكيم

الهيئة الوطنية للتحكيم الرياضي CNAS (الكناس) هي هيئة مستقلة مكلفة بالفصل في النزاعات الرياضية داخل الهياكل الرياضية التونسية، وقد تم حذفها بشكل نهائي من النظام الداخلي للجامعة التونسية للتنس، رغم الدور المحوري الذي كانت تضطلع به في إتاحة إمكانية الطعن في قرارات المكتب الجامعي أمام جهة تونسية محايدة، وضمان الحدّ الأدنى من العدالة في حوكمة التنس على المستوى الوطني.

وبدلا من إمكانية اللجوء إلى هيئة التحكيم، أنشأت سلمى المولهي "لجنة استئناف"داخلية تخضع كليًا لسلطتها. وهي هيئة صورية يمسك بسلطة القرار فيها مقرّبون ومقرّبات، تمّ اختيارهم بعناية حتى لا يجرأ أحد على الاعتراض على قرارات الرئيسة السابقة. وهكذا أصبحت المولهي هي الخصم والحكم، وأُغلق باب الطعن تمامًا أمام أي جهة تعارض سلطتها.

بعبارة أخرى: أصبح الاعتراض على قرارات المكتب الجامعي مستحيلا. نادٍ تعرّض لعقوبة؟ مدرّب تم استبعاده بشكل جائر؟ لاعب أو لاعبة اتُّخذت في حقّه أو حقّها قرارات تعسفية من المكتب الجامعي؟ لا مخرج أمامهم. البديل الوحيد المتبقّي لهؤلاء هو اللجوء إلى محكمة التحكيم الرياضية الدولية (TAS) في سويسرا، وهي آلية مكلفة وصعبة المنال بالنسبة لغالبية الفاعلين·ـات في رياضة التنس التونسية.

تمّ تمرير هذا الانقلاب التنظيمي في صمت تام ودون أي نقاش أو إعلام مسبق أو إمكانية اعتراض. ولم يكن أمام الحاضرين والحاضرات في تلك الجلسة العامة أي خيار سوى القبول بتعديل نظامي تمّ الإعداد له بدقّة. وتظهر الوثائق التي اطّلعت عليها إنكفاضة تعديلات مسقطة تعكس إرادة مفضوحة في القضاء على كل سلطة رقابية. لكن ما يزيد من غرابة الوضع هو أنّ وزارة الشباب والرياضة لم تقم قطّ بإبطال هذه التعديلات، ما ترك المجال لسلمى المولهي لمواصلة ممارساتها دون رقيب أو حسيب.

 مملكة المولهي

مع هذا التعديل للنظام الداخلي، أصبح التنس التونسي مملكة تحت سلطة سلمى المولهي المطلقة. وكانت عواقب هذا الاستحواذ وخيمة، حيث وقعت الأندية في ظل هذا الإغلاق المحكم تحت رحمة قرارات المكتب الجامعي، وتم تجريد اللاعبين واللاعبات من أي وسيلة إنصاف أمام المظالم التي قد يتعرضون لها، وأضحى المدرّبون والمدرّبات مهدّدين بالإقصاء دون تبرير، في غياب تام لأي جهة رقابية قادرة على التدخّل.

وقد تجلّت هذه النزعة الاستبدادية بشكل صارخ من خلال إلغاء الفصل 40 من النظام الداخلي، الذي كان يحدّ عدد العهدات بثلاث فترات متتالية. هذا الضمان الديمقراطي، الذي كان يمنع تكريس رئاسة للمكتب الجامعي على مدى الحياة، تمّ شطبه بالكامل، ليفتح الباب أمام حكم بلا نهاية. وأصبحت سلمى المولهي قادرة على البقاء في منصبها إلى أجل غير مسمّى محكمة قبضتها دون الخوف من أي تداول.

لكن التلاعب لم يتوقّف عند هذا الحدّ، إذ شمل أيضًا الفصل 35 الذي يضبط تركيبة المكتب الجامعي. وقد فرضت المولهي وجود ثلاثة نواب للرئيس، في حين أن النظام الأصلي لم يكن ينصّ سوى على نائب واحد. ومكنها هذا التعديل من تعيين حلفائها في مناصب مفصلية، بما يتيح لها أغلبية مضمونة ومطيعة داخل المكتب الجامعي.

مثال أنس جابر

حين يُذكر اسم سلمى المولهي وعلاقتها بالرياضيين والرياضيات التونسيين، وعلى رأسهم أنس جابر، يصبح من الضروري "تفكيك الوهم"على حد تعبير مصدر تحدث إلى إنكفاضة. ويواصل ذات المصدر أن "العلاقة لم تكن قائمة على الاحترام المتبادل أو على دعم رياضي فعلي، بل كانت أقرب إلى مشروع انتهازي" .

يتابع المصدر: "ما إن بدأت أنس جابر تحقّق نجاحات لافتة وتحظى باهتمام دولي، حتى اغتنمت سلمى المولهي الفرصة لتحوّل هذا التألق إلى رصيد شخصي، محاولةً في المقام الأول تسليط الضوء على نفسها لا على مصلحة التنس التونسي أو اللاعبة ذاتها".

وقد ترجمت هذه الاستراتيجية عبر سلوكيات وصفت بـ "المتطفلة". يؤكد أحد المتابعين الدائمين للدوائر الدولية أنها "كانت تفرض وجودها في منطقة الفريق الفني الخاص بأنس جابر دون دعوة أو أي شرعية رياضية". فرغم حملها شارة دخول بصفتها نائبة رئيسة الاتحاد الدولي للتنس (ITF)، فإنّها كانت تتعمد اقحام نفسها في أماكن مخصصة بشكل حصري لأعضاء الطاقم الفني للاعبة الدولية.

"في ويمبلدون، استهجن الفريق هذا الأمر بشدة"، يروي أحد المقربين من المحيط الرياضي لأنس جابر. ولم يكن هذا التصرف عابرًا بل مدفوعًا برغبة واضحة في الظهور أمام عدسات الكاميرا أكثر من أي حرص على دعم اللاعبة.

وبحسب مصدر كان حاضرا في المباريات، كان الانزعاج ملموسًا،  "كما أن هدفها الأول كان الظهور الإعلامي". ولم تكن المولهي تشارك في الاجتماعات التكتيكية ولا تقدّم نصائح فنية، و "موقفها لم يكن موقف مسؤولة رياضية تسعى إلى نجاح لاعبتها بل أقرب إلى متفرّجة تبحث عن بروز شخصي" وفق المصدر.

وما زاد الطين بلة، أنّ سلوكها داخل هذه الفضاءات افتقر إلى أبسط مقومات الاحتراف، إذ يروي أحد الشهود أنها "كانت تظهر أحيانًا وهي تمسك كأس ويسكي بيدها"، في مشهد اعتُبر غير لائق داخل أماكن مخصصة للرياضيين والرياضيات وفرقهم الفنية، أين يفترض أن تسود الجدية والتركيز والانضباط.

وباختصار، لم تكن "العلاقة" بين سلمى المولهي وأنس جابر قائمة على دعم صادق أو مرافقة ممنهجة للاعبة، بقدر ما كان  "كل شيء مبنيًا على المظاهر وعلى حسابات شخصية واستراتيجية تواصلية"، وفق عضو سابق في الجامعة.

يواصل العضو السابق بالقول أن "سلمى المولهي استغلّت نجاح أنس جابر كواجهة دعائية دون أن تلعب يومًا دور رئيسة جامعة جديرة بهذا الاسم".

هذا التشخيص القاسي يعكس منطقًا أوسع، إذ تتفق الشهادات التي جمعتها إنكفاضة على أن سلمى المولهي لا ترى في الرياضيين والرياضيات مواهب تستحق المرافقة والحماية، بل أدواتٍ يتم توظيفها خدمة لمصالح اتصالية ومشاريع سلطوية. مما خلق مناخا سامّا لم يقتصر على علاقتها باللاعبين·ـات، بل شمل أيضًا طريقة تسييرها للهياكل التابعة للجامعة.

حلفاء تحت الحصانة 

مع حذف إمكانية اللجوء إلى الكناس، وهي الهيئة الوحيدة المستقلة التي كانت قادرة على التحكيم في النزاعات الرياضية، تغيّرت قواعد اللعبة تمامًا. إذ بات المقربون·ـات من المكتب الجامعي يتمتعون بحصانة كاملة، بينما صارت العقوبات تُسلّط بشكل منهجي على من يتجرأ على انتقاد طريقة تسيير الجامعة. فإذا عمد أي نادٍ على مخالفة التوجّه المفروض، قد تُسلّط عليه عقوبة مالية أو ربما حتى إسقاط انخراطه بالكامل.

وتمثل حالة نادي التنس بمقرين مثالًا واضحًا على الانحرافات التي نخرت حوكمة التنس التونسي في عهد سلمى المولهي. إذ اندلع الصراع بين النادي والمكتب الجامعي نتيجة تضارب مصالح صارخ.

وبحسب مصادر من داخل الجامعة، حاول هيكل الأخضر، الذي كان يشغل خطة كاتب عام للجامعة وذراع المولهي الأيمن، السيطرة على هذا النادي الذي كان ينتمي إليه. وبفضل موقعه في المكتب الجامعي، فرض الأخضر حكمه بشكل تعسفي على ناديه الأصلي إلى درجة توقيع عقود المدربين·ـات بنفسه، وتحديد برامج التدريب شخصيًا، وفق ما أكده مصدر مطلع لإنكفاضة. وهو تدخّل مباشر في التسيير اليومي للنادي يتعارض تمامًا مع أخلاقيات العمل الرياضي ومع استقلالية الرابطات المنضوية تحت لواء الجامعة.

أدّت هذه الهيمنة إلى توترات شديدة داخل نادي التنس بمقرين.

يروي مصدر من داخل النادي أن "كثيرا من المنخرطين صُدموا من هذا التصرّف المستبدّ وعبّروا عن رفضهم له"

وفي المقابل، احتجّت أندية أخرى على ما وصفته بالمعاملة التفضيلية إزاء نادي مقرين على حساب بقية النوادي في تونس، واعتبرت ذلك سياسة محسوبية تجري برعاية المكتب الجامعي.

اضطرت سلمى المولهي –تحت الضغط المتزايد ومن أجل الحفاظ على صورة نقية أمام الرأي العام– إلى دفع هيكل الأخضر نحو الاستقالة، في سيناريو وهمي مفضوح للعيان.

واليوم، بات نادي التنس بمقرين يدفع ثمن سنوات من سوء التسيير. حيث تشير معلومات تحصلت عليها إنكفاضة إلى مغادرة عدد كبير من اللاعبات واللاعبين والأولياء النادي بعد أن أصيبوا بخيبة أمل من الاختلالات التي عاشوها ومن المناخ المتآكل الذي يسود داخله. أما النادي الذي كان ذات يوم نابضًا بالحياة صار الآن يكافح من أجل استعادة توازنه.

في المقابل، كان المقرّبون من رئيسة الجامعة يتمتعون بحصانة كاملة، حيث تتحصل النوادي الحليفة على منح إضافية، وتتم مكافأة المدربين·ـات بمناصب مربحة، ويُمنح بعض اللاعبات واللاعبين امتيازات كبيرة على حساب نظرائهم.

وخير دليل على هذه الانحرافات الفصل 53 من النظام الداخلي الذي ينظم كيفية التعامل مع الشغورات داخل المكتب الجامعي. حيث ينص الفصل على تعويض الأعضاء المغادرين·ـات من خلال التعيين المباشر إلى حين الجلسة العامة الانتخابية الموالية. وبذلك استطاعت سلمى المولهي إعادة تشكيل مكتبها كما يحلو لها واستبعاد أي صوت معارض.

ومن المفترض في أي جامعة تُدار بطريقة ديمقراطية أن تؤدي أية موجة استقالات إلى تنظيم انتخابات جديدة لضمان مشروعية الإدارة. لكن في عهد سلمى المولهي، تمّ تجاهل هذه المبادئ بالكامل وبقي المكتب الجامعي تحت قبضتها مهما كان عدد المناصب الشاغرة.

انتهت هذه الحقبة السوداء التي دامت لسنوات بقرار وزاري نص على حلّ المكتب الجامعي، حيث تمّ تعيين لجنة تسيير مؤقتة تتولّى الإشراف على تنظيم الانتخابات المقبلة للمكتب الجامعي. ورغم ما بعثه ذلك من أمل في انطلاقة جديدة للتنس التونسي، تبقى الأسئلة مطروحة بشأن مستقبل الحوكمة في القطاع الرياضي.

Inkyfada Landing Image

منصة إعلامية مستقلة في طليعة الابتكار التحريري

أنشئ حسابك الآن وتمتع بميزات النفاذ الحصري ومختلف الخاصيات المتقدمة التي توفرها لك. تحصّل على عضويتك وساهم في تدعيم استقلاليتنا.

منصة إعلامية مستقلة في طليعة الابتكار التحريري. تسجيل الدخول