من الصعب توجيه اللوم إلى أداء الرياضيين والرياضيات التونسيين، فأغلبهم يتدرّبون بانتظام طوال العام، في ظروف هشّة أكثر الوقت، وأحيانًا يتدربون خارج الوطن أصلا. وفي المقابل يواجههم منافسون·ـات أجنبيون ينتمون إلى منظومات تدريب أكثر إحكاما منذ الطفولة. فكان الإنجاز الحقيقي بالنسبة للكثير من رياضيينا يتمثل ببساطة في الالتحاق بالوفد التونسي الذي انكمش إلى 26 رياضيًّا ورياضيّة فحسب في باريس 2024 وهو في تراجع حاد من 61 مشارك·ـة في طوكيو 2021، و83 في لندن 2012.
مارس محرز بوصيان حقه في الرد خلال مكالمة هاتفية مع إنكفاضة، ردّ فيها على جملة الاتهامات الموجّهة لإدارته. وقد أُدرجت تصريحاته في مختلف أجزاء المقال بموازاة النقاط المثارة.
أزمة داخلية
لتفسير هذا التراجع الحاد في عدد الرياضيين·ـات الأولمبيين، أرجع محرز بوصيان الأمر إلى الوضع الاقتصادي للبلاد وغياب الرياضيين التونسيين في الرياضات الجماعية والتي كان من شأنها، حسب قوله، أن ترفّع من عدد المشاركين في البعثة الأولمبية التونسية. قد يبدو هذا المبرّر للوهلة الأولى مقنعًا، خاصة في أعين من لهم السلطة لمواجهته، وهو الذي يتربّع على رأس اللجنة منذ 11 عامًا ولم يأتِ إلى منصبه صدفة.
بوصيان عضو أيضًا في اللجنة الأولمبية الدولية، وقد شغل القاضي السابق مناصب قضائية على امتداد نحو 30 سنة في مجالات التقاضي والاستشارة والتحكيم. وقبل انضمامه إلى سلك المحاماة، عمل بوصيان مقرّرًا في المحكمة العقارية بتونس، ثم قاضي تحقيق بالمحكمة الابتدائية بتونس، ما مكّنه من مراكمة خبرة قانونية واسعة.
هو رجل طموح، خاض الانتخابات الرئاسية سنة 2014 كمرشح مستقل لكنه لم يحصد سوى 0.16% من الأصوات في الدور الأول.
ورغم أن محرز بوصيان لا يعتبر نفسه مسؤولًا عن حال الرياضة التونسية، إلا أن المواقف المناصرة له صارت شحيحة. فـ "السيد الرئيس" كما يحلو له أن يُنادى، لم يعد محل إجماع.
وفق مصدر مقرّب من وزير الشباب والرياضة السابق فإن "العلاقة بين محرز بوصيان وكمال دقيش الذي كان على رأس الوزارة وقت أولمبياد باريس لم تكن ودية إطلاقًا".
الأمر لم يعد سرًا، فعلى مدى أشهر انقطعت سبل التواصل بين الرجلين، مما عقد عملية الإشراف على الرياضيين·ـات وخلق مناخًا مشحونًا تردد صداه حتى إلى داخل القرية الأولمبية. ويفيد أحد أعضاء الوفد التونسي الذي كان متواجدا في القرية أن محرز بوصيان اختار أن يتغيب عمدًا خلال الزيارة الرسمية التي أداها كمال دقيش إلى الموقع الأولمبي رفقة السفير التونسي بفرنسا، خالد ضيا.
وفي السياق ذاته، لم يحضر رئيس اللجنة الوطنية الأولمبية التونسية وأعضاء وفده إلى مدينة "إيل سان دوني"، التي احتضنت "محطة إفريقيا" رغم تنظيم أمسية مخصصة لتكريم تونس هناك. وقد سبق لهم أن تفاخروا بالمساهمة في هذا المشروع لكنهم لم يفوا بوعودهم.
كانت الشرارة التي أجّجت الخلاف بين بوصيان ودقيش تتمثل في مشروع قانون تقدّم به الأخير يتعلق بالهياكل الرياضة، ويقضي بتجديد مكاتب كل الجامعات الرياضية بعد الألعاب الأولمبية بما في ذلك مكتب اللجنة الأولمبية. وقد صرح الوزير وقتها أن "نهاية الألعاب تعني أيضًا نهاية العهدة بالنسبة للجامعات واللجنة الأولمبية". وبحسب مقربين، لم يرق ذلك لبوصيان ورأى في المقترح تهديدًا مباشرًا لموقعه على رأس اللجنة.
يقول محرز بوصيان في دفاعه عن حصيلته على رأس اللجنة: "أنا مستهدف من قبل الحاقدين... في فترة رئاستي، حصلنا على ثماني ميداليات أولمبية، أي ما يقارب نصف مجموع ميداليات تونس تاريخيًا وعددها 18" ويضيف: "على مستوى القارة، نحن اللجنة الأولمبية الوطنية التي تحصلت على أكبر عدد من المنح من اللجنة الأولمبية الدولية بفضل برامجنا."
مثال الحفناوي... عزلة من ذهب
كان أيوب الحفناوي أحد أبرز الآمال التونسية في حصد ميدالية خلال أولمبياد باريس 2024. حالته تجسّد الامتياز الرياضي التونسي ولكن أيضا اخلالات المنظومة الأولمبية الوطنية. هذا البطل الأولمبي في سباق 400 متر سباحة حرة بطوكيو 2021، بدأ يواجه صعوبات انطلقت بعد تتويجه مباشرة.
في عام 2022، اختار الحفناوي التفرغ لدراسته بهدف الالتحاق بالولايات المتحدة. وخلال تلك الفترة لم تنفق الجامعة التونسية للسباحة أي موارد لدعمه، بل اضطر إلى تمويل تذكرته بنفسه للسفر إلى جامعة إنديانا في أوت 2022.
وفي غياب هيكل داعم أو سند مؤسساتي، تنقّل الحفناوي على نفقته الخاصة بين الولايات المتحدة وقطر وتونس وفرنسا ليعيش واقعًا إداريًا هشًّا ومتقلبًا.
في فيفري 2024، شارك الحفناوي في بطولة العالم للسباحة بالدوحة بتمويل ذاتي، وتكفّل أيضًا بنفقات سفر مدرّبه وأخصائي العلاج الطبيعي. جاءت نتائجه دون المستوى المعهود، في انعكاس لحالة من الإرهاق النفسي والجسدي العميق. وبالرغم من كونه بطلًا أولمبيًا لم يحظَ الحفناوي مطلقًا بتحضيرات مُحكمة؛ ولم يُوقّع معه أي "عقد حسب الأهداف 2024"، شأنه شأن عدد من النخبة الوطنية. ثم فقد تأشيرته الدراسية بعد انسحابه من جامعته الأمريكية الأولى، لعدم التحاقه بأي برنامج جديد.
في نهاية فيفري 2024 اتخذ الحفناوي قرارًا مصيريًا مع اقتراب أولمبياد باريس: الاستعانة بالمدرّب الفرنسي الشهير فيليب لوكاس لإعادة إطلاق مسيرته.
إلا أن لوكاس، بعد تقييمه، لاحظ عليه حالة إنهاك ذهني حادّ واختلالا في التوازن، فنصحه بـ "نسيان الألعاب" معتبرًا أن الموسم قد ضاع فعليًا ولم يعد هناك أمل في بلوغ المستوى المطلوب في الوقت.
في هذا السياق، استبق محرز بوصيان الإعلان الرسمي وصرح في بداية ماي/مايو 2024 للعموم أن الحفناوي لن يشارك في الألعاب بسبب "إصابة" دون تحديد طبيعتها. تناقلت الصحافة الخبر بسرعة، فيما وجدت الجامعة التونسية للسباحة نفسها أمام الأمر الواقع وحاولت توضيح المسألة دون جدوى. فالحقيقة هي أن "الإصابة" كانت دبلوماسية أكثر منها طبية.
أفاد شخص مقرّب من عالم السباحة لإنكفاضة بأن الحفناوي كان على وشك الانهيار النفسي ولولا دعم عائلته لما تجاوز الأزمة. يقول المصدر: "لقد دخل فعلًا في مرحلة إنهاك ذهني وقد أثّر فيه كل ما حدث، وكانت اللجنة والوزارة على علم بوضعه الصحي"، وفق قوله.
من جهته، يدافع محرز بوصيان عن دوره بشيء من العاطفة: "كان بمثابة ابني وأنا أحبه بصدق، لقد رافقته منذ بداياته". ويضيف وردًّا على من يتهمونه بالتخلي عن الحفناوي: "كنت وسأظل داعمه الأول."
خلف هذه القصة الشخصية، يبرز مشهد إداري فاضح، إذ لم يتحصّل الحفناوي على المساعدات المالية التي خُصصت له رغم تتويجه بالذهب الأولمبي، ولم تصله منحة بـ100 ألف دينار رُصدت له سنة 2022 لتمويل تحضيراته.
تقف خلف هذه الفضيحة أمينة المال السابقة للجامعة التونسية للسباحة – المكتب الذي تم حله لاحقًا – والتي كانت محل دعم من محرز بوصيان. وحسب عدة مصادر داخل الجامعة، كانت هذه المسؤولة معتادة على تحويل مبالغ الدعم وأموال مكافآت الرياضيين·ـات المتوّجين، لاستعمالها في صرف أجور مدرّبين·ـات مقربين من محيط بوصيان، ومن بينهم أحد أقاربه.
يقول أحد المقربين من الحفناوي: "لم نعش أمرًا كهذا من قبل، لم يُعامَل أي بطل أولمبي أو رياضي بهذا المستوى بمثل هذه الطريقة."
لم تتوقف الخروقات عند ذلك، ففي أفريل/أبريل 2025 تم إيقاف الحفناوي عن النشاط لمدة 21 شهرًا من قبل الاتحاد الدولي للسباحة (World Aquatics) بسبب ثلاث تغيّبات عن اختبارات مكافحة المنشطات. كانت العقوبة ثقيلة خصوصا أن مكان تواجده وتنقلاته كانت معلومة لدى اللجنة الوطنية الأولمبية والجامعة ووزارة الرياضة والوكالة الوطنية لمكافحة المنشطات. ولم يتدخّل أي من هذه الأطراف –رغم أن السباح كان عالقا بتونس، لمساعدته على تحيين بياناته وتجنّب الغياب الثالث الذي تسبب في إيقافه.
صار الشاب الفاقد لتأشيرة طالب وغير المسجّل في أي مكان، غائبا عن أعين الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات. وكان الحفناوي في تلك الفترة أي بين نوفمبر 2023 وأفريل/أبريل 2024، يتنقل بلا هوادة بين إنديانا وكاليفورنيا وقطر وتونس ومارتيغ بفرنسا، دون استقرار أو تأطير فعلي ما أدى به إلى إهمال وضعيته الإدارية.
جاء هذا الإخفاق الإداري كنتيجة لسلسلة من الإهمالات أفضت إلى معضلة تُضاف إلى انسحابه السابق من الألعاب بتوصية من فيليب لوكاس.
في تصريح لإنكفاضة، نفى محرز بوصيان مسؤوليته عن هذا الفشل قائلا: "أنا من ساعده في الحصول على تمويل ومنحته أكبر مكافأة فردية لرياضي تونسي." ورغم أنه يقرّ بأن "هذه القصة تبدو وكأنها أكبر خيبة في تاريخ الرياضة التونسية" إلا أنه يرفض تحمّل المسؤولية شخصياً.
وفي الوقت الذي كان فيه الحفناوي يكافح من أجل الحصول على مستحقاته، كانت تُضخّ أموال طائلة مخصصة لتنمية الرياضة في تونس عبر برامج دولية وبرعاية اللجنة الأولمبية الدولية.
أموال طائلة في قلب الطموحات
لندع الأرقام تتكلم وحدها: بين عامي 2017 و2021، تلقّت تونس ما يزيد عن 1.6 مليون دولار (1.668.468,08 بالضبط) ضمن برنامج "التضامن الأولمبي"، المموّل من عائدات اللجنة الأولمبية الدولية. وكان من المفترض أن تُخصّص هذه الأموال لدعم الرياضة لاسيما في البلدان ذات الموارد المحدودة ومن ذلك تدريب الرياضيين·ـات، دعم المدربين·ـات، وتنفيذ برامج تطويرية وهيكلية. لكن خلف هذه المبادئ تلوح صورة مختلفة تمامًا.
يكشف مصدر مقرّب من اللجنة الوطنية الأولمبية التونسية لإنكفاضة أن "بوصيان تعوّد على تجميد جزء من هذه الأموال بدلًا من استثمارها كلها في الرياضة المحلية". ووفقًا للمصدر ذاته فقد استُخدمت بعض التمويلات في مناسبات لخدمة مصالح شخصية أو زبونية، ووُزّعت أحيانًا "بدافع المجاملة" بدلًا من معايير "واضحة وموضوعية".
لم تمرّ هذه الممارسات مرور الكرام، حيث تم استدعاء محرز بوصيان من قبل الشرطة للاستماع إليه حول كيفية تصرّفه في هذه الأموال، رغم أن هذا الاستماع لم يترتّب عنه أي تبعات مؤسسية مباشرة. والسبب في ذلك هو طبيعة هذه الأموال، فبالرغم من تخصيصها لتطوير الرياضة إلا أن مصدرها وهو طرف خاص –أي اللجنة الأولمبية الدولية – يجعل من إمكانية إخضاعها للرقابة العمومية أمرا مقيّدا. وهي إذاً منطقة رمادية قانونيًا وتفتح الباب أمام الغموض.
برزت هذه الضبابية بشكل أوضح خلال الألعاب الإفريقية الشاطئية التي نُظّمت في مدينة الحمامات سنة 2023، والتي أثارت طريقة تسييرها المالية الكثير من علامات الاستفهام. إذ خُصصت ثلاثة ملايين دينار لهذا الحدث، أكثر من مليونَي دينار منها واردة من جمعية اللجان الأولمبية الوطنية الإفريقية (ACNOA) واللجنة الأولمبية الدولية، في حين ساهمت وزارة الرياضة التونسية بمليون دينار.
هذا المبلغ الأخير تحديدًا هو الذي أثار الشكوك. فبحسب شهادات تحصلت عليها إنكفاضة، تضمنت العديد من الفواتير خروقات واضحة منها أرقام متكررة، أو مبالغ مشطّة... وقد فُتح تحقيق بهدف تتبّع المسار المالي لهذه المبالغ.
من جانبه، لا يتوانى محرز بوصيان عن الدفاع عن نفسه في مواجهة هذه الاتهامات: "يمكنكم القدوم لتدقيق حسابات اللجنة وستكتشفون في النهاية أن محرز كان على حق!". يقدم القاضي السابق نفسه كمُضحٍّ بنفسه من أجل الرياضة، يقول: "أعطيت من وقتي ومالي للرياضة التونسية والإفريقية"، مضيفاً بنبرة الحارس الأخلاقي: "أنا أول من يدافع عن النزاهة! وإذا وُجد ملف مشبوه، أيًّا كان صاحبه، أقسم أنني سأتصدّى له".
لكن هذه الصورة التي يقدّمها عن نفسه تتعارض مع عشرات الشهادات التي جمعتها إنكفاضة، والتي ترسم ملامح منظومة تُستخدم فيها التمويلات لا لخدمة الرياضة بل لترسيخ سلطة شخصية. ورغم ذلك يتمسّك بوصيان بموقفه: "تفضلوا ودقّقوا أعمال اللجنة، كل شيء مفتوح أمامكم، وسترون بأنفسكم" .
تحالفات "وسط النجوم"
علاوة على تسيير الميزانيات، وسّع محرز بوصيان نفوذه على أرضية أكثر دقة –الدبلوماسية الرياضية. فبعد أن رسّخ حضوره على المستوى الوطني، سارع منذ الأشهر الأولى لرئاسته اللجنة الوطنية الأولمبية التونسية عام 2013 إلى التمدد نحو البنية الأولمبية القارية. وبعد ثلاثة أشهر فقط، التحق باللجنة التنفيذية لجمعية اللجان الأولمبية الوطنية الإفريقية (ACNOA).
هذه الخطوة لم تكن سوى بداية التسلّق، حيث تولّى لاحقا رئاسة "المنطقة 1" داخل الجمعية ثم ترأس لجنتها القانونية. وكانت علاقته الوثيقة مع الجنرال لاسانا بالينفو، رئيس الجمعية حينها، قد منحته ثقلًا إضافيًا ونفوذا ممتدا.
وقف بوصيان كحليف مخلص لبالينفو في وجه محاولة انقلاب داخل الجمعية، بقيادة كل من الجزائري مصطفى براف والكاميروني كالكيبا مالبو الذي جرى استبعاده في 2017 من سباق رئاسة الجمعية فرفع دعوى أمام محكمة التحكيم الرياضي (TAS)، ما فتح الطريق أمام إعادة انتخاب بالينفو دون منافس. لكن الأزمة غير المسبوقة التي أعقبت ذلك أدت إلى تعليق مهام بالينفو مؤقتًا إثر تصويت بحجب الثقة (47 صوتًا من أصل 51)، وقد لجأ أيضًا إلى المحكمة.
في ظل هذا الفراغ، ترأس مصطفى براف الدورة 53 للجنة التنفيذية للجمعية في أبوجا، في جانفي/يناير 2018. ورغم عدم دعوة بالينفو إلا أنه حضر الجلسة رفقة مستشاره القانوني: محرز بوصيان.
"بوصيان أوضح أنه موجود بصفته مستشارًا وأن من حق بالينفو حضور الجلسة"، يروي شاهد عيان لإنكفاضة. "لكن براف طرده [أي بالنفو، ملاحظة المحرر] من القاعة كطرد الكلاب، وقال له 'ليس لديك ما تفعله هنا!'، فتبادلا الشتائم وتطوّرت الأمور إلى تراشق الإيماءات... وكان الجو مشتعلا."
في الغرف المغلقة، لم يكن بوصيان يُخفي طموحه وكان يقول صراحة: "أريد أن أكون رئيسًا لجمعية اللجان الأولمبية الإفريقية". لكن مصطفى براف –وقد أدرك هذا التهديد– شرع في تهدئة الأجواء تدريجيًا ليس فقط مع بوصيان بل أيضًا مع حاشية بالينفو الذين يدينون له بالعداء.
يكشف مصدر آخر من داخل الجمعية أن "منظومة ترقيات وُضعت بسرعة [...] حيث يتم تعيينك في لجنة ما، وتُمنح سفريات وامتيازات، ويتم غض الطرف عن بعض العقود… كانت تلك وسيلة سهلة لشراء الولاءات".
ومع تزايد التقارب بينهما، صار مصطفى براف بمثابة عرّاب جديد لبوصيان وداعما له في سعيه نحو هدفه الثمين: العضوية الكاملة في اللجنة الأولمبية الدولية. هذا المنصب محصور في نادٍ مغلق من 110 أعضاء يعاضدون بعضهم البعض، بينهم أمير قطر، والأمير ألبرت أمير موناكو، والأميرة نورا من ليختنشتاين، إلى جانب الألماني توماس باخ رئيس اللجنة من 2013 حتى 2025. وبفضل نفوذ براف المتصاعد، حصد بوصيان هذا اللقب عام 2023، ليصبح ثاني تونسي في التاريخ ينضم لهذا النادي الحصري بعد الراحل محمد مزالي.
"محرز الآن يسبح وسط النجوم" يقول أحد المقرّبين منه في إشارة إلى الصور التي يحرص بوصيان على التقاطها مع كبار رموز الحركة الأولمبية. لكن خلف هذا البريق، تظهر نقاط سوداء: "لم يعد نفس الشخص" يهمس أحد معارفه القدامى.
صار بوصيان من موقعه الجديد، محل اهتمام خاص من الوفد القطري الطامح لنيل شرف تنظيم الألعاب الأولمبية لعام 2036. وبينما تنتهج الهند استراتيجية هجومية يقودها خلف الستار الإخوة المليارديرات أمباني، تعتمد الدوحة من جانبها على دبلوماسيتها الناطقة بالعربية وعلى حضور الأمير تميم بن حمد آل ثاني، عضو اللجنة منذ 2002، والذي التقى شخصيًا ببوصيان في أكثر من مناسبة.

سقوط مرتقب؟
في الوقت الذي يواصل فيه محرز بوصيان صعوده الصاروخي داخل الأولمبية العالمية، صار حضوره في الشأن الرياضي المحلي متآكلا، تاركا وراءه مناخًا مشحونًا بعدم الثقة وخيبة أمل متزايدة. ورغم مرور تمويلات كبيرة عبر اللجنة الوطنية الأولمبية التونسية – من المفترض أن يستفيد منها الرياضيون·ـات وتُضخ في تطوير الهيكل الرياضي – إلا أن عدة جامعات صارت تتحدث عن منظومة غامضة لا تراعي احتياجاتها الحقيقية.
هذا الجو المشحون دفع وزير الرياضة الأسبق، كمال دقيش، إلى فتح تحقيق إداري في تسيير اللجنة الأولمبية وكان مستاءً من طريقة إدارة بوصيان ونفوذه المتعاظم. بادر دقيش بإطلاق مسار لتجديد مكاتب جميع الجامعات الرياضية، بما في ذلك مكتب اللجنة الأولمبية نفسها، وهي خطوة واجهها بوصيان برفض صريح في بدايتها.
في وجه هذا التصعيد، اختار بوصيان التبرير عبر تسليط الضوء على الفوضى المحيطة به، يقول لإنكفاضة: "مرّ عليّ 14 وزير رياضة مختلف"، قبل أن يوجّه الاتهام بدوره إلى "جامعات تعاني من اختلالات كبيرة خاصة في كرة القدم"، ثم يضيف بانفعال: "الكل يلقي باللوم على اللجنة وبوصيان، لكن ماذا عساي أن أفعل؟ لا يمكنني إدارة الجامعات الأخرى بنفسي!"
رهان بوصيان على عضويته داخل اللجنة الأولمبية الدولية قد يكون ورقته الأقوى حتى الآن. لكن موقعه التونسي يظل متأرجحا، في سياق مشهد رياضي وطني سِمته التوازنات الهشة، وتترنح فيه كفة التحالفات من موسم لآخر.