
يجمع هذا المؤتمر بانتظام شركاء الولايات المتحدة بهدف تعزيز التعاون بين القوات الخاصة التابعة لجيوشهم، إلا أن هذه الدورة الأخيرة كانت أول مرة يُعقد فيها المنتدى على الأراضي الأفريقية، وقد أشادت خلاله قيادة القوات الخاصة الأمريكية بـ «الدور القيادي المتواصل لتونس». حيث شاركت وزارة الدفاع التونسية منذ عام 2021 في التنظيم الكلي أو الجزئي لكافة التدريبات والتمارين العسكرية تقريبا التي أطلقتها القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم)*.
«إن إقامة هذا المؤتمر هنا في تونس أمر مهم للغاية، إذ يعكس الثقة المتبادلة بيننا وبين الولايات المتحدة»، يقول الرائد التونسي ماهر مناصري خلال المنتدى، مضيفا أن الحدث يمثل «فرصة لتونس كي تبرز كمركز تدريب عسكري وهو الدور الذي نسعى لأن نلعبه على مستوى القارة.»
التعاون العسكري مع الولايات المتحدة ليس أمرا حديثا إذ يعود إلى ستينيات القرن الماضي، لكنه تعزز في أعقاب الثورة خاصة، بعد حصول تونس على صفة "حليف رئيسي من خارج الناتو" في عام 2015. ولئن كانت إدارة بايدن قد قلصت المساعدات المالية المقدمة لتونس من 197 مليون دولار إلى 90 مليون دولار بين عامي 2023 و2024، بسبب الإنتقادات الأمريكية لما وصفته بـ « النزعة الاستبدادية» لنظام قيس سعيد، إلا أن التمويلات العسكرية التي يقدمها برنامج التمويل العسكري الأجنبي (Foreign Military Financing, FMF) لم تتأثر كثيرًا بهذه التخفيضات. ولعل الهدف من ذلك هو الحفاظ على قدرة الجيش التونسي على التدريب والتسلح عبر واشنطن، بشكل يجعله أحد أهم حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة.
تحديث العتاد على حساب تبعية متصاعدة للأسلحة الأمريكية
وعلى مدى العقود الماضية، أصبحت الولايات المتحدة المورد الرئيسي للمعدات العسكرية في تونس بفضل مبيعات وزارة الدفاع الأمريكية تحت بند المبيعات العسكرية الأجنبية (Foreign Military Sales, FMS). ونظرًا لسرية الأمر، قد يكون من الصعب تحديد الحجم الدقيق لواردات المعدات العسكرية التونسية في السنوات الأخيرة. لكن أحد ممثلي مرصد التعقيد الاقتصادي* يؤكد أن الملف التونسي في مجال التزود بالمعدات العسكرية «شديد التركيز»، وأن «الولايات المتحدة تحظى بنصيب الأسد من حصص هذه السوق»، وذلك وفقًا للبيانات المتاحة بين عامي 2011 و2022.
علاوة على ذلك، فقد تضاعفت خلال نفس الفترة النفقات العسكرية التي تعهدت بها الحكومة التونسية، خصوصا لشراء معدات أمريكية. يوضح مراد الشابي، الأستاذ الباحث في كلية غرونوبل للإدارة والمتخصص في قضايا الأمن والدفاع، أن الأمر لا يقف عند ذلك الحد، حيث إن ارتفاع الإنفاق في السنوات الأخيرة يعود إلى الرغبة في «تدارك تأخر تجهيز جيشٍ يعاني من نقص في العتاد، خاصة بعد حقبة بن علي»، لا سيما في مواجهة خطر تزايد عدد الهجمات الجهادية خلال العقد الماضي.
يقول مراد الشابي: «يرتبط ذلك أيضًا بضرورة تحديث الوحدات المكلفة بمكافحة الإرهاب، من خلال توفير المعدات وتدريب الأفراد على القتال غير المتكافئ، مثلا، من خلال تزويد الجيش بمروحيات نقل وقتال حديثة، ومركبات مدرعة، وبدلات عسكرية جديدة، ونظارات للرؤية الليلية».
وفي هذا السياق، يساهم برنامج المبيعات الأجنبية للأسلحة الأمريكي (FMS) في تزويد الجيش التونسي بمعدات ذات أهمية استراتيجية. في ديسمبر 2024، أي قبل أيام قليلة من انطلاق ملتقى "المحارب الصامت"، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية عن موافقتها على بيع صواريخ "جافلين" المحمولة المضادة للدروع لتونس، والتي ستصبح، باستثناء المغرب، الدولة الأفريقية الوحيدة التي حازت هذا النوع من الأسلحة منذ عام 2017. يقول الشابي معلقا: «تسمح منظومة الأسلحة هذه بوقف جميع أنواع المركبات المدرعة، لتساهم في تحديث الترسانة المتهالكة للصواريخ المضادة للدروع التي تم اقتناؤها قبل حوالي أربعين عامًا».
كما يشير الباحث إلى أن هذه المبيعات تتيح للجيش التونسي «التعوّد» على معداتٍ قد تصبح مستقبلاً جزءًا من الهبات الأمريكية من فائض عتادها العسكري والتي تسمى بـالمواد الدفاعية الزائدة عن الحاجة (Excess Defense Articles EDA). وقد تسلم جيش الطيران التونسي يوم 18 نوفمبر على سبيل المثال طائرة نقل من طراز سي-130 من احتياطي سلاح الجو الأمريكي، وهي الثالثة من هذا النوع التي يتم تسليمها منذ 2021.
وبشكل أعمّ فإن أكثر من 75% من مروحيات وطائرات جيش الطيران التونسي تم الحصول عليها من الولايات المتحدة كهبة أو كبضاعة مشتراة، هذا دون احتساب طائرات التدريب*. يقول الشابي: «في الواقع، من الصعب تحديد النسبة بدقة، لأننا لا نستطيع تجاهل مصدر بعض مكونات المركبات. على سبيل المثال، الطائرات الإيطالية أس أف-260 (SF-260) والمركبات المدرعة التركية بي ام سي (BMC) مزودة بمحركات أمريكية الأصل.»
من جانبها، تقول سابينا هينِبرغ، الباحثة في العلاقات الدولية بمعهد واشنطن* إنه «من الجليّ أن أي انخفاض في المساعدات الأمريكية سيكون له أثر هام على الجيش التونسي». وعند سؤال أفريكوم عن مستوى «تعويل» القوات التونسية على الولايات المتحدة، أوضحت القيادة من جهتها أن «هدفها هو مساعدة الدول على أن تكون قادرة على التعامل مع تحدياتها الأمنية الإقليمية» وإنشاء «شراكات قائمة على المصلحة المتبادلة». في السنوات الأخيرة، نفذت طائرات سي-130 الأمريكية المُسلّمة إلى تونس عدة مهام في جمهورية إفريقيا الوسطى و مالي، في إطار بعثات الأمم المتحدة في هذين البلدين.
وإلى جانب برامج المبيعات الأجنبية للأسلحة، تُمكّن المواد الدفاعية الزائدة عن الحاجة (EDA) من تحديث الترسانة التونسية «بتكلفة أقل»، وفقًا لمراد الشابي، الذي يشير إلى أن خيار التوجه نحو الولايات المتحدة يندرج في إطار «الاستمرارية»، لكنه أيضًا خيار تفرضه الظروف إذ أن الموردين المحتملين الآخرين «إما لديهم معدات ذات جودة، من أصل فرنسي مثلا، لكنها باهظة الثمن بالنسبة للمالية التونسية نظرًا لكونها تُصنع بكميات محدودة، أو أنها غير متاحة بسبب العقوبات الاقتصادية والعوائق التقنية، كما هو الحال مع روسيا». وقد يُعَدّ من بين المؤشرات على الرغبة في التزوّد بتجهيزات أمريكية على المدى الطويل إعلان الجيش الأمريكي عن استقباله لأول ضابط تونسي مكلف بتنسيق المساعدات الأمنية (SALO) في بداية جانفي 2025. هذا الضابط سيكون مسؤولًا عن التنسيق المباشر لطلبات الاقتناء المقدمة من الجيش التونسي والمبيعات الأجنبية للأسلحة المحتملة مع القوات الأمريكية.
تحويل تونس إلى «مركز إقليمي» للتدريب
مثّل منتدى "المحارب الصامت" أيضًا فرصة لوزارة الدفاع للإعلان عن إحداث مركز امتياز للقوات الخاصة في علاقة بحلف شمال الأطلسي (الناتو) قريبًا، ليكون المركز الثالث من نوعه الذي يُقام على الأراضي التونسية. يقول مراد الشابي مُذكّرا: «نادرًا ما واجهت دول أخرى، للأسف، عددًا كبيرًا من الهجمات الجهادية في فترة زمنية قصيرة كما حدث في تونس. إذ اكتسبت وحداتٌ مثل الفوج الوطني لمكافحة الإرهاب (USGN) والوحدة المختصة للحرس الوطني (BAT) خبرة حقيقية تتيح لتونس أن تتموقع كمركز إقليمي للتدريب». وفي سبتمبر 2024، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية عن نيتها إنشاء مركز إقليمي للتدريب البحري في بنزرت، مما يعزز مشروع تحويل تونس إلى منصة تدريب إفريقية فعليّة.
وعلاوة على ذلك، جعلت التدريبات التي نظمتها الولايات المتحدة في تونس خلال السنوات الأربع الماضية من الجيش التونسي حلقة محورية في المنظومة الإقليمية الأمريكية. حيث استضافت تونس في أوائل نوفمبر 2024، الدورة التاسعة عشرة من المناورات البحرية "فينيكس إكسبراس Phoenix Express"، وهو تمرين سنوي يجمع قوات بحرية من مختلف الدول المتوسطية لتنفيذ مناورات مشتركة. ومثّلت هذه رابع مرة على التوالي يُقام فيها التمرين في المياه التونسية، بمشاركة 12 دولة من بينها السنغال، وموريتانيا، والمغرب، والجزائر، وليبيا. وشهد التمرين لأول مرة مشاركة وحدات تنتمي إلى كل من القوات الليبية في شرق البلاد وغربها*. أما السفارة الأمريكية في طرابلس فقد أعربت رسميا عن امتنانها للبحرية الليبية على مشاركتها في المناورات التي أقيمت في تونس.
أفراد من فصيلين متنافسين، الجيش الليبي (الصورة 1) و الجيش الوطني الليبي (الصورة 2)،, يشاركون في تمارين أثناء تدريب "فينيكس إكسبرس 2024" الذي أجرِي في تونس. اضغط·ـي على الأسهم على كلا الزاويتين السفليين
وللمرة الثامنة على التوالي، سيُقام على الأراضي التونسية أيضا في أفريل المقبل جزء من تمرين "الأسد الأفريقي African Lion 2025"، الذي تعتبره هيئة الأركان الأمريكية «أكبر تمرين مشترك لأفريكوم». وبحسب الأخيرة، ستُجرَى المناورات المشتركة في تونس، وبنزرت، وقاعدة بن غيلوف (ڨابس)، التي خضعت لأشغال تجديد بدعم من جنود أمريكيين في جويلية 2024. ويخطط الجيش الأمريكي لتدريب حلفائه في هذه المنطقة على استخدام منظومة هيمارس (HIMARS)، وهي منظومة مدفعية متنقلة عالية القوة، سبق أن زودت بها الولايات المتحدة الجيش الأوكراني مثلا، لاستهداف الأراضي الروسية.
يقول العقيد التونسي مجيد مڨدي ش، مدير هذه الدورة من التمرين، متحمسا: «سيكون هذا أكبر تمرين نستضيفه، ونحن متحمسون للعمل مع شركائنا الأمريكيين وغيرهم من حلفائنا».
وعلاوة على كونها دليلا على الثقة المتزايدة في الجيش التونسي، تعزز التمارين العسكرية التي تنظمها الولايات المتحدة دور تونس داخل تصورها الإقليمي، وربما حتى القاري. توضح سابينا هينِبرغ أن «الولايات المتحدة تعتبر تونس 'مُصدِّرًا للأمن'، مما يجعلها تلعب دورا شديد الأهمية في تعزيز الأمن في القارة الإفريقية».
من جهته، يؤكّد المتحدث باسم أفريكوم أنه «من خلال لعب دور محوري في تنظيم تمرين 'الأسد الأفريقي 2025'، تُثبت تونس ريادتها الإقليمية»، مشددًا على أن هذا الدور يساهم في «تعزيز الأمن والاستقرار في البلاد والمنطقة».
آفاق غير واضحة
في عام 2024، عاشت كلا تونس والولايات المتحدة على وقع انتخابات رئاسية حاسمة، أثارت نتائجها تساؤلات حول مستقبل التحالف العسكري بين البلدين. تعتقد سابينا هينِبرغ أنه «من الصعب التنبؤ بما ستكون عليه الأمور خلال فترة حكم ترامب الجديدة»، مشيرة إلى أن «إدارة ترامب الأولى كانت قد اقترحت تقليص المساعدات المالية الممنوحة لتونس، لكن الكونغرس* رفض ذلك». أما مراد الشابي، فيرى أن «التأثير قد يمسّ حجم المساعدات» وأن «التدريبات والبرامج التي انطلقت خلال رئاسة بايدن، مثل إنشاء مراكز التدريب، ستُستكمل».
كما أن إعادة انتخاب الرئيس قيس سعيد لعهدة ثانية قد تقابلها انتقادات أمريكية بشأن «نزعاته السلطوية» على حد تعبير الإدارة الأمريكية السابقة. كما أن مصير عملية تقليص المساعدات المالية، التي بدأت في عهد بايدن، يكتنفه عدم الوضوح في ظل عدم إصدار الإدارة الأمريكية الجديدة أي موقف رسمي حول الموضوع، وفي سياق يتركز فيه انتباه الرأي العام الأمريكي على ملفات الدعم العسكري لإسرائيل وأوكرانيا. في هذا الصدد، يشير مراد الشابي إلى أن «ما كان يمكن لتونس الاستفادة منه، مثل شحنات الأسلحة، قد تم تحويلها بالكامل إلى ساحة المعركة الأوكرانية». ورغم استفساراتنا المتكررة حول آفاق التمويل في السنوات القادمة، لم تقدم السفارة الأمريكية في تونس أي رد على أسئلتنا.
تقدّر سابينا هينِبرغ أن «مسألة المساعدات المقدمة إلى تونس قد لا تحظى باهتمام كبير» وتضيف أن «دعم الديمقراطية قد يصبح مسألة ثانوية بالنسبة لدونالد ترامب، و لو فقط لتمييز نفسه عن سلفه».
من جانبه، يذكّر المتحدث باسم أفريكوم بأن «دولتينا تتعاونان على نحو وثيق لتحقيق مصالحنا المشتركة في إطار خارطة طريق التعاون العسكري». هذه الوثيقة التي تم توقيعها في أكتوبر 2020، وضعت جدولا زمنيا لتمويلٍ – لا تزال قيمته غير معلنة – سيتواصل حتى عام 2030. أما في ما يخص الموقف التونسي، تشير هينِبرغ إلى أن السلطة التنفيذية، رغم رغبتها المعلنة في الابتعاد عن الغرب، تملك هامش مناورة محدودًا ذلك أن «الجيش التونسي يولي أهمية كبرى للمساعدة الأمريكية، وسيستاء من أي تقليص لها» وفق تقديرها.
ولئن واصل الجيش التونسي التسلّح من الولايات المتحدة والتدرّب معها، فإن عليه أن يواجه رأيًا عامًا محليًا غير مرحّب بها، لاسيّما بعد 7 أكتوبر 2023، إذ من الصعب، مثلا، التفكير في تعزيز الحضور العسكري الأمريكي الميداني في تونس. وفي هذا الصدد، تكتفي أفريكوم بالتعليق بأن «الجنود الأمريكيين يُرسَلون أحيانًا إلى القواعد العسكرية التونسية لتقديم المساعدة في إطار العمليات الجارية». ومن ذلك توثيق تواجد عسكريين أمريكيين في قاعدة بن غيلوف، بالإضافة إلى قاعدة سيدي أحمد بولاية بنزرت منذ سنة 2021.
تحرص أفريكوم على التأكيد بأنه «لا توجد أي قاعدة عسكرية أمريكية في تونس، وليس للولايات المتحدة في الوقت الراهن أي خطط في هذا الاتجاه».
أعادت وقائع
إرسال طيارين أمريكيين لتشغيل الطائرات المسيّرة، و
مشاركة جنود من مشاة البحرية الأمريكية في عمليات مكافحة الإرهاب ما بين سنتي 2016 و2020، إثارة جدلٍ واسع في البرلمان التونسي وفي الأوساط الشعبية حول مسألة احترام «
السيادة التونسية». لكنّ مراد الشابي يشير إلى أن الجيش التونسي «قد اقتنى، بعد ذلك، طائرات مسيرة تركية الصنع تلبي احتياجاته في مهام المراقبة بالكامل». ويُذكرنا الباحث بأن «الوضع الأمني في تونس، حالُه حالُ الجارة ليبيا، قد استقر بشكل ملحوظ». ومع تصاعد
الرفض الشعبي التونسي للدور الأمريكي خصوصًا منذ اندلاع الحرب على غزة، من المرجح أن يكون تواجد الجنود الأمريكيين في تونس قد بلغ مستويات أدنى مما كان عليه في السابق.