ودون موافقة الهيئة، يستحيل مراقبة العملية الانتخابية سواء في يوم الاقتراع أو في الفترة التي تسبقه. مع ذلك ومنذ شهر جويلية، أعلنت نحو عشر جمعيات عن نيتها مراقبة الانتخابات الرئاسية المقررة ليوم 6 أكتوبر ومن ضمنها هيئات معروفة مثل "أنا يقظ" و"مراقبون" وكلتاهما تأسستا في سنة 2011. هذه الجمعيات هي «ذات مصداقية وقد اكتسبت خبرة بالغة الأهمية» وفقًا لكمال الجندوبي، رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات من سنة 2011 إلى 2014.
من جانبه، يقول سهيب الفرشيشي، عضو الفريق التنفيذي لمنظمة أنا يقظ: «خلافا لجمعيات أخرى لم تتلق أي رد، كنا مِن ضمن أول مَن تلقى رفضًا كتابيا». وكانت المنظمة تسعى، بمساعدة متطوعيها وأعضاء الجمعيات الشريكة، إلى «ضمان مراقبة الانتخابات [الرئاسية] على كامل التراب التونسي». أما بالنسبة لشبكات المراقبين الأخرى، فغياب الردّ كان كافياً لابعادهم عن مراقبة الاستعدادات الخاصة بتنظيم الانتخابات. فعندما انطلقت الحملة الانتخابية في 14 سبتمبر، كانت تجري طباعة القوائم، ونقل المواد إلى الدوائر الانتخابية في الخارج.
يُردِف سهيب الفرشيشي في أسف: «راسلنا الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ثلاث مرات لطلب تبرير قرارها الذي اعتبرت فيه أننا لسنا محايدين، لكننا لم نتلق أي رد إلى اليوم».
يقول كمال الجندوبي مذكرا: «تهمُّ مراقبة الانتخابات المراقبين المحليين والدوليين والصحافيّين أيضا». وبينما يتراجع ترتيب تونسفي حرية الصحافة*، لوحظ في هذه الأشهر الأخيرة غياب بعض بعثات المراقبة الدولية وخاصة منها بعثات الاتحاد الأوروبي. ووجد أغلب الفاعلين في مراقبة الانتخابات أنفسهم قبيل الانتخابات الرئاسية بأيام عاجزين عن أداء مهمتهم.
مراقبة الانتخابات: تقليد راسخ منذ ثورة 2011
بعد الثورة، أصبح لمراقبة الانتخابات مكانة جوهرية في الحياة السياسية التونسية. إذ يقول كمال الجندوبي: «تعد مراقبة الانتخابات معيارًا بالغ الأهمية لتقييم مدى شرعية الانتخابات». كما أنه يشدد على ضرورة أن يكون المراقبون متواجدين «لا يوم الاقتراع فقط بل طيلة مراحل العملية الانتخابية»، أي بدءًا من تحيِين القوائم الانتخابية إلى يوم الاقتراع، ومرورًا بإعلان الترشحات وخلال الحملة الانتخابية أيضا.
ويُبيِّنُ كمال الجندوبي أن ضرورة توفير إطار لمراقبة الانتخابات «كان قناعة راسخة عندنا منذ البداية، كأول هيئة عليا مستقلة للانتخابات. وقد عملنا على تحقيق ذلك بناءً على التفويض الذي منحته لنا الهيئة العليا*».
ويقول إنه في سنة 2011، وافقت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات على اعتماد حوالي «2000 صحفي، 600 منهم كانوا من الأجانب» لتغطية الانتخابات التأسيسية. وفي نفس السنة، أقامت منظمات مثل "أنا يقظ" و"مراقبون" شبكات من المراقبين·ـات على المستوى الوطني لأول مرة. يقول سهيب الفرشيشي: «ومنذ ذلك الوقت اكتسبنا المزيد من الخبرة».
يقول سهيب الفرشيشي مفسرا: «في البداية، اقتصرت عملية المراقبة على يوم الاقتراع، ولكنها توسعت تدريجيا لتشمل كافة مراحل العملية الانتخابية. إذ كنا نتابع المترشحين خلال حملاتهم ونرصد أنشطتهم على وسائل التواصل الاجتماعي ...».
في ذلك الوقت، تمكنت الوفود الأجنبية لأول مرة من إرسال فرق عمل على نطاق واسع في تونس. ومثلما هو حال منظمة أنا يقظ، حضر مراقبو الاتحاد الأوروبي كل المحطات الانتخابية بين عامي 2011 و2022.
يترأس نائب.ة أوروبي.ة بعثات المراقبة التابعة للاتحاد الأوروبي والمنتشرة في جميع القارات. وتضم أعضاء من البرلمان الأوروبي وخبراء من دائرة العمل الخارجية*. وقد يظلّ بعضهم متواجدين·ـات لعدة أشهر قبل وبعد الانتخابات. يقول نائب أوروبي شارك سابقاً في بعثات بتونس: «كانت تونس من ضمن الدول ذات الأولوية في برنامج المراقبة».
يسترجع النائب الأوروبي السابق: «في ذلك الوقت، أُعطِيت الأولوية لتونس جنوبا وأوكرانيا شرقا لكونهما نموذجين واعدين».
قطعت إذن الأهمية الجديدة التي اكتسبتها مراقبة الانتخابات مع الممارسات التي كانت سائدة في عهد بن علي قطعا تاما. يقول حاتم النفطي، الكاتب والباحث في العلوم السياسية: «كان لتونس ماضٍ مظلم مع الانتخابات. لقد كانت أحداثا صادمة. أما في سنة 2011، فقد دخلنا في حالة من النشوة الثورية مما سمح بقبول المراقبين».
انزلاق نحو التعتيم، في سبيل «بقاء النظام»
لكن «النشوة» إزاء عملية مراقبة الانتخابات بدأت تتلاشى تدريجياً. فمنذ 25 جويلية 2021، جرت ثلاث انتخابات: الاستفتاء على الدستور في جويلية 2022، الانتخابات التشريعية في ديسمبر 2022، وانتخابات المجالس المحلية في ديسمبر 2023. يقول سهيب الفرشيشي: «قررنا عدم مراقبة هذه الانتخابات، لاعتقادنا الثابت أن العملية التي أدّت إليها لم تكن قانونية».
أما الانتخابات الرئاسية لسنة 2024، فتعتبر الجمعية أنها «تندرج ضمن الأجندة الانتخابية التي انطلقت مع دستور 2014» والتي أدت إلى انتخاب قيس سعيد لمدة خمس سنوات في 2019. وبغض النظر عن رفض طلبات اعتماد "أنا يقظ" و"مراقبون"، من الصعب معرفة ما إذا كانت ثمة هياكل أخرى قد تحصلت على الاعتماد. ففي عشية انطلاق الحملة الانتخابية، أعلنت الهيئة أنها اعتمدت بالفعل 1500 صحفي·ـة ومراقب·ـة. ورغم اتصالات إنكفاضة المتكررة، لم ترد الهيئة حتى الآن على طلب تقديم المزيد من التفاصيل حول هذه الأرقام.
وفي إشارة إلى الانتخابات التي جرت بين 2022 و2024، يقول كمال الجندوبي أن «الهيئة لم تعد تنشر نتائج الانتخابات لكل مكتب اقتراع على حدة». وعلى غرار المراقبين، يندد العديد من الفاعلين بنقص شفافية الانتخابات القادمة كما يؤكد سهيب الفرشيشي أن «الهيئة الانتخابية تنظم مؤتمرات صحفية تدعو إليها فقط التلفزة الوطنية دون باقي وسائل الإعلام»، مثلما حدث عند إعلان القائمة النهائية للمترشحين في 3 سبتمبر 2024.
يقول كمال الجندوبي في أسف: «أصبحت العملية الانتخابية التي تُجرى اليوم تتسم تدريجيا بالحاجة إلى التعتيم».
تثير الصعوبات التي تواجهها شبكات المراقبين التونسيين القلق، خاصة وأن الكثيرين يشيرون إلى أهمية الانتخابات الرئاسية المقبلة للبلاد. يقول حاتم النفطي: «الجميع يعلم أنه إذا كنت ترغب في تغيير الدستور، يجب عليك الفوز في الانتخابات الرئاسية»، معتبراً الانتخابات على نفس القدر من الأهمية بالنسبة للمعسكر الرئاسي والمعارضة.
يُردِف النَفطي:«رَهَن النظام مسألة بقائه بهذه الانتخابات».
في ظل أهمية الانتخابات، تزداد المخاوف من احتمال وقوع تجاوزات. يقول حاتم نفطي: «إذا قللت عدد المراقبين فإنك تزيد من خطر التزوير. إنها مسألة رياضيّة». ويُوضّحُ أن التزوير قد يحدث عند «مراقبة النتائج التي ترفعها مكاتب الاقتراع». كما رُفِعت دعاوى قضائية بالفعل، قبل الانتخابات، ضد فرق عبد اللطيف المكي، ونزار الشعري، و العياشي الزمّال بتهمة تزوير التزكيات.
و حتى في إطار النزاعات، كان يمكن للأشخاص المكلفين بالمراقبة أن يقدموا ضمانات بمعاملة المترشحين بشكل عادل. في 17 سبتمبر، على سبيل المثال، أعلنت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان عن فتح تحقيق حول تزكيات مزورة في ولاية المهدية. وهي تحقيقات استهدفت هذه المرة فرق المعسكر الرئاسي. وفي بيانها، أشارت الجمعية متأسفة إلى أنه «بعد مرور ما يقرب من أسبوع» على تقديم القضية، «لم يتم تحديد أي موعد للاستماع إلى المشتبه بهم أو استكمال باقي الأبحاث اللازمة».
الشعبوية والدبلوماسية
بالتوازي مع الصعوبات التي تواجهها شبكات المراقبة المحلية، لن تكون بعض البعثات الأجنبية مثل بعثة "مركز كارتر" أو بعثة الاتحاد الأوروبي حاضرة خلال انتخابات 6 أكتوبر. يقول النائب الأوروبي الذي تواصلت معه إنكفاضة: «كنا مهتمين بالحضور. لكن لم تتم دعوتنا».
منذ ماي 2022، أعرب رئيس الجمهورية عن معارضته لتواجد بعثات مراقبة أجنبية خلال الاستفتاء على الدستور الجديد موضحاً أن تونس ليست «دولة تحت الاحتلال». ومثلما هو حال مسألة تمويلات "مراقبون" و"أنا يقظ"، يرتكز الخطاب الموظّف على حجة التدخل الأجنبي.
يرى حاتم النَفطي أن «هذا الخطاب الذي لا يكلف شيئاً قادر على تحشيد الناس. لقد وظّفه قيس سعيد بسرعة لإبراز نفسه كزعيم يناضل من أجل التحرر الوطني».
يذكر كمال الجندوبي أنه قبل وصول بعثات كبرى مثل «بعثات الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي،والمنظمات الدولية الأمريكية، أو منظمة الفرنكوفونية الدولية»، كان نطاق عمل المراقبين الأجانب في تونس محدودا. «ففي عهد بن علي، كانت المراقبة الأجنبية مجرد خدمة متبادلة بين الأنظمة غير الديمقراطية التي تُجرِي انتخاباتً صُوريَّة». جدير بالذكر أن الهيئة لم تقدم أي رد حتى الآن عندما سألتها انكفاضة عن قائمة الوفود الأجنبية التي ستحضر انتخابات 6 أكتوبر.
في 15 مارس 2024، زار رئيس الهيئة، فاروق بوعسكر، روسيا لتوقيع مذكرة تفاهم بين الهيئة التونسية واللجنة الانتخابية الروسية. وشارك أثناء زيارته في مراقبة الانتخابات الرئاسية الروسية التي أعيد فيها انتخاب فلاديمير بوتين بنسبة 87% من الأصوات. كذلك، استقبلت تونس بعثة مراقبة روسية خلال الانتخابات التشريعية في ديسمبر 2022.
وبالإضافة إلى الخطاب السيادي الذي يدافع عنه قيس سعيد، يرى عضو البرلمان الأوروبي الذي تواصلت معه انكفاضة أن هذا التطور الأخير يندرج ضمن استراتيجية الكرملين، الذي «ينصح شركاءه بعدم استقبال البعثات 'الاستعمارية' التابعة للاتحاد الأوروبي».
أما كمال الجندوبي فيستنكر «أوجه التشابه» على حد تعبيره بين الانتخابات التونسية في 6 أكتوبر والانتخابات الروسية الأخيرة، مثل «الحد من عدد المترشحين، وعدم احترام القواعد الانتخابية أو حرية التعبير، ناهيك عن أن المراقبة المحلية في روسيا مقموعة وضعيفة بشكل ملحوظ مع رفض أي مراقبة دولية ذات مصداقية».