تشعر مفيدة بالقلق حيال مستقبل ابنيها، وتعيش منذ أشهر بلا ماء في منزلها بعد أن قامت الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه بقطعه نظرا لعدم تسديدها فواتير الاستهلاك المتراكمة، تشتغل المرأة كعاملة نظافة في شركة براتب قدره 800 دينار، وتكافح لتغطي به نفقات أسرتها.
كبرت مفيدة في أحد بيوت الأحياء الشعبية بالعاصمة، في ظروف وأحوال مادية كانت عصيّة خاصة مع هشاشة عمل والدها الذي اشتغل كعامل يومي، وأمها التي كانت تعمل كمعينة منزلية، ثم مع تقدم سنيهما ومرضهما أصبحا عاجزين عن العمل.
تركت مفيدة الدراسة في عمر مبكر جدا، لم يسمح لها حتى بالوصول إلى مرحلة تمكنها من القراءة والكتابة. وقبل أن تتم 18 عاما تزوجت برجل تشابه ظروفه المادية أحوالها، لتنجب مع إتمامها عمر 19 عاما طفلها الأول، وبعد ذلك بسنوات أنجبت طفلها الثاني، وأثناء ذلك كانت قد بدأت العمل كمعينة منزلية.
استمر عسر الأحوال المادية خاصة مع بطالة الزوج، "أدمن زوجي الكحول وحين يأتينا مدخول من هنا أو من هناك كان يسرفه على استهلاكه وإدمانه" تعبّر المرأة الخمسينية. ما حذا بها إلى رفع قضية بالطلاق انتهت بانفصالها عنه وتحملها كامل مسؤولية الولدين "تخلى عنهما أبوهما بشكل كامل" تقول. في زواجها الثاني، حمل شريكها معها بعض الأعباء المادية، التي شملت إعالة والدها الذي أصيب بالعجز التام بعد ثلاث جلطات متتالية وانتقل ووالدتها للعيش معها، لكن وقوع زوجها الثاني أيضا في فخ الإدمان أدى إلى تطور المشاكل بينهما وتحولها إلى عنف لفظي وجسدي واقتصادي يمارسه عليها، ما حذا بها إلى الانفصال عنه.
توالت الصعوبات في حياة مفيدة فبعد وفاة والدها، تعرضت والدتها المصابة بالصرع إلى حادث أصابها بالشلل وأقعدها، فأصبحت بحاجة إلى عناية وأدوية خاصة تقتنيها لها ابنتها.
فيما يلي لمحة عامة على مداخيلها ونفقاتها الشهرية:
توقف ابناها عن الدراسة، فلا هي لديها الإمكانيات المادية ولا هما رغبا أن يكملا وفضلا العمل أو تعلم حرفة يجدا بها عملا يحسن من أحوال العائلة. لكن أيا منهما لم يجد عملا، بينما يمارس أحدهما بين فينة وأخرى مهنة الحلاقة في المنزل لأبناء الحي والجيران، بعد أن تعلمها في حانوت أحد أصدقائه بعد أن قضى فيه مدة من الزمن.
"عسر الحال والبطالة جعلا فكرة "الحرقة" بالنسبة إلى ولديّ هي الملاذ والمتنفس للضيق الذي نعيشه".
شعرت السيدة الخمسينية بقليل من الاستقرار عندما وجدت عملا في إحدى الشركات، يوفر لها راتبا شهريا وما يترتب على ذلك من دفع أداءات وضمها لصندوق الضمان الاجتماعي، إذ تعبّر "على الأقل هذا سيمنحني ما أكفي به نفسي في الكبر إذ لا يعلم الإنسان ماذا سيحدث له". لكن ذلك برأيها غير كاف لعائلة من ثلاثة أفراد وأم مقعدة وكفيفة.
تصرف مفيدة الجزء الأكبر من راتبها على كراء منزل "متهالك ويكاد أن ينهار علينا" وفقا لتعبيرها، إضافة إلى رطوبته التي تسببت لهم بأمراض تنفسية حسبما أوضحت. مع هذا كله لا يخل الأمر من مناوشات مع مالكه الذي يود رفع مبلغ الإيجار. بعد الكراء تضع في أولوية المصاريف الأخرى أدوية أمها، التي تواجه صعوبة في إيجادها نظرا لانقطاع العديد من أدوية الأمراض المزمنة في الفترة الأخيرة.
في شرائها للبقالة والحاجيات الأخرى للمنزل تحاول مفيدة اقتناء الأشياء الضرورية والأساسية فقط متخليّة عن كل ما هو ثانوي، تتبع الطريقة ذاتها عندما تريد أن تشتري حاجيات لنفسها كمواد النظافة والعناية الشخصية فتقتني ما هو أساسي جدا، أما بالنسبة للملابس فلا تشتريها سوى من سوق المستعمل وبشرط ألا يتجاوز سعرها ثلاثة دنانير.
فيما يلي تفصيل مداخيلها ومصاريفها الشهرية:
المنطقة الرمادية
لا تعرف مفيدة فيما إذا كان هناك أمل بأن تتغير أحوالها المادية، وتقلقها فكرة "الحرقة" التي تراود ابنيها. حتى الآن تمكنت من إقناعهما بعدم الإقدام على الهجرة غير النظامية لكنها لا تعرف إلى متى ستبقى قادرة على منعهما من ذلك، خاصة مع الغلاء المشط للأسعار الذي يدفعها أحيانا إلى اقتسام قارورة الزيت مع جارتها لكي لا تدفع ثمن واحدة كاملة، واضطرارها المستمر لتسلف الأموال ومراكمة الديون على نفسها.
"أحيانا أقول لنفسي نحن هنا ميتون وفي البحر أيضا سنموت فما الفرق؟ لولا أنني أعيل أمي المريضة لركبت البحر مع أبنائي وهاجرنا من هذه البلاد".
من جهة أخرى تحاصرها الخلافات مع مالك المنزل الذي يرفض إعطاءها عقد إيجار رسمي، وفي الوقت ذاته يريد فرض زيادة سنوية في الأجرة كما في الكراء النظامي. تعب نفسي وتعب جسدي يزيد مع عدم امتلاكها غسالة ملابس ما يجبرها على الغسل بيديها، وتعطل الثلاجة الذي يجبرها على شراء احتياجات العائلة من الطعام بشكل يومي.
المستقبل
تأمل مفيدة أن تتحسن الأحوال وأن تنخفض الأسعار عما هي عليه، وتحاول حاليا تشجيع أحد أبنائها على تجديد جواز السفر والانخراط في تدريب يعلّمه حرفة مطلوبة في الخارج ويمكّنه من السفر والهجرة بطريقة نظامية من تونس، إذ تعقد الأمل على تحسن حياة أبنائها "التي ستحسن أوتوماتيكيا من حياتي" وفقا لها.
في النهاية ترى المراة الخمسينية أن أفضل الحلول هو كما تقول "الخروج من البلاد" لعيش حياة كريمة تكفيها وعائلتها. وتختتم الحديث بالقول "الأفضل أن أسلم أمري إلى الله، فلعلها تفرج".