لم تلبث أشعة الشمس الأخيرة أن غادرت شوارع البلفيدير حتى عادت إمرة الحديقة إلى حرّاسها الكلاب. ذلك يعني أيضا أن المارّة في جنح الظلام مكشوفون·ـات لنظرات هذه الحيوانات بما فيها من فضول أحيانا وعدوانية أحيانا أخرى. وقد يحدث أيضا ألّا تَقنَع الكلاب بمجرد المراقبة: "حدث أن جرت الكلاب خلفي خلال عدوي في الحديقة" تروي ساكنة من سكان المنطقة.
في أماكن أخرى، تُقدم الكلاب على الجولان في وضح النهار، فرادى أو جماعاتٍ، ولا تنتظر سكون الليل لتتملك الأرجاء. العلاقة بين الكلاب والبشر علاقة متذبذبة بين الخوف والعطف، فيتجنبها البعض وقد يفرّون منها جزعاً، في حين يتقرب منها البعض الآخر بالطعام والمأوى.
.
.
.
.
.
.
هذا شأن جمعية حماية الحيوانات في تونس (PAT) مثلا. "نداويها ونطعّمها ونعقّمها"، تشرح سارة الزاوي، عضو الجمعية ومقرها رواد. ونظرا لعملها كمتطوعة صلب الجمعية، لاحظت سارة ارتفاعا في أعداد الكلاب السائبة في العاصمة وضواحيها.
رغم صعوبة الإحاطة بهذه الظاهرة كمّاً إلا أنها تشكل خطرا لا شك فيه على الصحة العمومية. "في تونس أُحصيت 4 وفيات سنويا في المعدل على مدى السنوات الست المنقضية" بسبب داء الكلب وفق ما يورده موقع اللجنة الوطنية لمقاومة داء الكلب الذي يرد فيه أيضا أن "الفيروس ينتقل غالبا إلى الإنسان من الكلاب". وإزاء هذه المشكلة، تلجأ العديد من البلديات إلى حل جذري يتمثل في قنصها.
تناضل جمعية حماية الحيوانات لفرض حلول أخرى، "فعوض تعبئة الموارد لقتل الكلاب، نحاول أن نفسر للبلديات أن هذه الميزانية يمكن إعادة توجيهها نحو عمليات التعقيم" تقول سارة الزاوي.
وبالفعل استقر رأي العديد من البلديات على هذه المقاربة الجديدة مثلما يدل على ذلك فتح مراكز تعقيم وتلقيح الكلاب السائبة في تونس وأريانة والمرسى، دون أن يفوتنا اقتصار ذلك على العاصمة وضواحيها.
.
.
.
.
.
.
.
إلى جانب ذلك، تقترح وزارة الفلاحة حملات تلقيح "سنوية ومعممة ومجانية". كما يتيح أكثر من 300 مركز بيطري في جميع أنحاء البلاد تلقيح الحيوانات ضد داء الكلب بالمجان خارج فترات الحملات المذكورة. ويهدف كل ذلك إلى كبح انتشار فيروس داء الكلب على نطاق واسع.
لكن الرأي القائل بضرورة الإحاطة بهاته الحيوانات لا يحظى بإجماع كل المواطنين·ـات. البعض "لديهم فقط رهاب من الكلاب" و "يضغطون على البلديات لترجيح كفة القتل" مثلما تحدثنا سارة الزاوي التي كانت حاضرة في العديد من الاجتماعات البلدية. تقول المتطوعة أن هؤلاء الأشخاص لا يدركون أن نتائج برنامج التعقيم والتلقيح لا يمكن أن تُرى إلا بعد عدة سنوات. ولذا تعترف بأنه "كان ينبغي وضع هذه البرامج في وقت أسبق".
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.