متوفر باللغة الفرنسية

أنيس، 36 سنة، 5000 دينار في الشهر، امتيازات ومشاريع



متوفر باللغة الفرنسية

قام أنيس على مدار العامين الماضيين بتجهيز محل بمساحة 500 متر مربع لإنشاء متجر ملابس. وبين الإيجار والفواتير والتزود بالسلع، لا يحقق الشاب حاليا أي ربح تقريبا. لكن لا ضير فأنيس بخير بفضل والده الذي يوفر له العمل ويقدم له المال.

ينحدر أنيس من عائلة على غاية من الثراء. يمتلك والده فنادق والعديد من الشركات في شمال وشمال غربيّ البلاد. وعلى الرغم من هذه البيئة المحظوظة، تمكن الشاب -على قدر ما تسمح به إمكانياته- من الوصول إلى البكالوريا قبل أن يفشل في اجتيازها. هنا أيضا لا شيء يستدعي الهلع إذ عاد الشاب للتكوين في السياحة مستغلا وضع أسرته المريح لينخرط في العمل إلى جانب والده لمدة ثماني سنوات كمسؤول عملاء في فندقين، أو على الأقل هذا ما تنص عليه عقود عمله.

في الواقع، يعتني أنيس بشكل أساسي بالنشاط السياحي الناتج عن الصيد والذي يمارسه هو أيضا. كما يمكن لوالده التعويل عليه بفضل مهاراته واستعداده لقضاء أيام عمل طويلة قد تصل أحيانا إلى 16 ساعة أو تزيد. تولّيه لهذه المهام يعوّض عن عدم قدرة أخيه على الاضطلاع ببعض منها نظرا لإعاقته بعد أن أصيب بحروق بليغة جراء حادث غاز أدى إلى تدهور حالته العامة تدريجيا.

يقضي أنيس أوقات فراغه في الخروج مع الأصدقاء والتودد إلى الفتيات وتناول الكحول، مع بعض المخدرات التي تتخلل وتيرة جولاته.

فيما يلي لمحة على دخله ومصاريفه الشهرية :

في سنة 2014، بلغ أنيس نقطة الانهيار إذ لم يعد لديه عمل كاف، كما أصبح يقوض حياته اليومية شعور بعدم الأمان يرافقه الملل. قرر الشاب التوقف عن العمل، وهو قرار يسهل اتخاذه بما أن دخله مضمون، فهو يتلقى في نهاية كل شهر راتبين بقيمة 2500 دينار عن كل فندق، مهما كان نشاطه الحقيقي. بل وأفضل من ذلك: والده، الذي قرر تسجيل شركاته بأسماء أبنائه وبناته، دأب على تقاسم أرباح نهاية السنة مع جميع أفراد الأسرة. ونظرا لهذه الوضعية الامتيازية، كرس الشاب وقته للسفر.

يمر أنيس منذ سنوات بفترة مضطربة جعلته يشرب بشكل يومي، كما أن عاداته في الإنفاق تؤدي إلى نهايات شهر عسيرة. رغم ذلك رفض طلب المزيد من والده وما كان منه إلا أن شرع في تهريب السجائر. تمكن الشاب، في عدد قليل من الرحلات إلى سبيطلة، من إدرار ما يصل إلى 3000 دينار من الدخل غير القانوني، لكنه دخل تقلّصه المخاطر المرتبطة بهذا النوع من النشاط، إذ يجب عليه أحيانا دفع رشاوى والتفويت في جزء من بضاعته إلى الشرطة إذا استوقفته، أو حتى دفع غرامة مالية. لكن منذ 2016، زادت صرامة السلطات في مكافحة التهريب وتعاظمت احتمالية أن تؤدي به تجارته الصغيرة إلى السجن. فقرر منذئذ التخلي عنها، وهو قرارٌ يعني فيما يعنيه أنه لا يزال -بالرغم من تظاهره بالاستقلالية- يعتمد أشد الاعتماد على والده لحل مشاكله أو لتغطية نفقاته.

تعرض أيضا، خلال هذه السنوات، إلى حوادث سيارات كثيرة. في هذه الحالة أيضا يحميه وضعه المتميز، لأن هذه الحوادث كلها مرتبطة بفنادق والده ومغطاة ببوليصة تأمين متكاملة تغطي جميع التكاليف. "لحسن الحظ، في كل مرة لم يحدث لي أي شيء تقريبا!" يتنهّد الشاب ارتياحاً.

هذه التقلّبات المتكررة تثير قلق والدته، حتى وإن خرج منها سالما جسديا وماليا، وهي ترى فيها عينا أصابته. "أعتقد أنها على حق"، يقول أنيس، "لم تكن الحوادث خطئي طوال الوقت، فقد تحطمت السيارات ثلاث مرات حين كانت مركونة! حتى أن في إحدى المرات اصطدمت شاحنة ثقيلة بالسيارة". عقود عمله مع فنادق أبيه تتيح له تغطية صحية جيدة ولذا فإن رعايته الصحية لا تكلفه شيئا يُذكر.

من الناحية العاطفية، أنيس محصور في مَزنقٍ. بعد قضاء 10 سنوات مع حبيبته منذ الطفولة، أدى خلاف نشب بينهما حول الزواج، الذي لم يكن مستعدا له بما فيه الكفاية، إلى انفصالهما. مذّاك وأنيس أعزب يرفض الارتباط، يقوم أحيانا بعلاقات قصيرة أو مغامرات لا تتعدى ليلة واحدة. يلقى الشاب كذلك صعوبة في تصوّر نفسه في دور أبٍ، اقتناعا منه بأن نواقصه وعدم قدرته على التغيير واجتنابه للمواجهات لا تجعل منه قرينا جيدا.

في عام 2020، شهدت حياته المهنية أخيرا نقطة تحول لما نصحه صديق له يمتلك علامة تونسية للملابس بفتح متجر تابع لنفس السلسلة. اشتم أنيس رائحة فرصة واعدة وقرر البدء في المشروع معوّلاً على مال كان قد ادخره، علما أن منطقة سكنه خالية نسبيا من هذا النوع من المتاجر. وجد مساحة 500 متر مربع وقام بتهيئتها مع موردي العلامة التجارية المتعاقد معها، قبل أن يتابع تكوينا مختصا. أخيرا تحقّقت العلامة التجارية من مواصفات المحل قبل أن تشرع في تزويده بالسلع.

كان والده، وراء هذا التحول، يمول تهيئة الفضاء بمبلغ ناهز 600 ألف دينار، تُضاف إليه 450 ألف دينار أخرى تدفع شهريا للتزود بالبضائع.

لا زال الشاب لا يحقق ربحا بعد من خلال هذا الاستثمار الضخم، وهو ينتظر بفارغ الصبر جلاء الجائحة، على أمل أن يتحسن نسق الأعمال. كل الأرباح المحققة يعاد تدويرها في الوقت الحالي في مصاريف المتجر وخلاص الفواتير والإيجار البالغ 4000 دينار. لكن أنيس رغم ذلك ينتفع بشيء قليل منها له لإيجار شقته البالغة 650 دينارا والتي تقع بجوار المحل مباشرة.

لحسن حظه، لا يزال راتب الـ5000 دينار الذي يقبضه من الفنادق العائلية يغذي أسلوب حياته، والحاجة إلى دخل آخر من المتجر لا تبرز فعليا سوى في أكثر شهوره إنفاقا. كما لا يتردد أنيس، في الحالات غير المتوقعة من أخذ المال مباشرة من المتجر أو الطلب من والده إذا تعذر عليه ذلك.

فيما يلي تفاصيل دخله ومصاريفه الشهرية :

تغيرت حياة أنيس اليومية منذ تولى مسؤولية نفسه. يخرج بعد استيقاظ صباحي صعب ليتناول الإفطار في المقهى الموجود في الطابق السفلي والذي يديره أصدقاؤه. ثم يذهب إلى العمل في المتجر، في الجهة المقابلة. وفي عطلة نهاية الأسبوع يذهب ليزور والديه بالولاية المجاورة. 

وتيرة حياته جامحة للغاية حتى وإن قلل مؤخرا من عدد سهراته. في كثير من الأحيان يشتري بضع عشرات من البيرة والقنب في المساء بعد يوم عمله، ورغم أن تناوله للمشروبات غير منتظم وأن كان "هناك أمسيات [يشرب] فيها أكثر من العادة" فإن الشاب يعترف -بشيء من الإحراج- بإدمانه.

"قد أكون مدمنا على الكحول، لكنني أعرف منذ أكثر من 15 عاما أنني لا أستطيع النوم بدونها. إنه روتيني اليومي."

تحصّل أنيس، في الآونة الأخيرة، على قرض بمبلغ 30 ألف دينار لبناء منزل على أرض يملكها، لكنه سرعان ما أنفق المال في غير موضعه، حيث اختار أن يستخدم المبلغ لإطلاق العنان لرغبته في السفر بعد انتهاء فترة الحجر.

المنطقة الرمادية

واجه أنيس في الآونة الأخيرة خلافات مع ممثلي·ات علامته التجارية الذين لا يولون اهتماما كافيا، حسب قوله، لتأثير الفترة الحالية على أعماله. وجد نفسه عالقا بين ضرورة المزيد من الطلبات المنتظمة والشيكات التي يتم صرفها مبكرا، كما صار يعتقد أن هذا الضغط قد يكون محسوبا، ففي حالة التخلف عن السداد، يمكن للشركة استرداد المتجر دون تعويض صاحبه بعد سداد ديونه. وعلى الرغم من أنه تمكن من فك الخناق أثناء مقابلته معهم·ـن، إلا أنه يخشى شديد الخشية من احتمال عدم قدرته على دفع أقساطه. وجود والده كشبكة أمان لا توفر له طمأنينة تامة، حتى لو ظل متمسكا بمشروعه وعلى يقين من قدرته على النجاح.

يمثل أخوه مصدر قلق آخر بالنسبة إليه. فهو يعاني أحيانا من نوبات عنيفة بسبب الاستهلاك المفرط للكوكايين الذي أسقطه في مشاكل نفسية وعصبية. يخشى أنيس على والديه، نظرا لأنه يعيش الآن على بعد أكثر من 70 كيلومترا، وليس بوسعه الحضور دوما معهما. بغض النظر عن هذين الشاغلين، ينتاب الشاب قلق مستمر، سواء تجاه عائلته أو على أعماله التجارية أو فيما يخص مستقبله. وغالبا ما يشعر أنه يؤخذ على أنه أحمق بسبب لطفه، أو على أساس "ابن أبيه المدلل" بسبب ثراء عائلته. ومع ذلك، فهو يعلم أنه قادر ومستعد. يقول: "ليس لدي ما أثبته لأي شخص، والدي يعرف ما أستطيع فعله".

غالبا ما يجد أنيس نفسه ضحية للملل والوحدة، خصوصا منذ انتقاله إلى المدينة أين افتتح متجره. وهو يرفض على الرغم من كل شيء التخلي والعودة إلى أسلوب حياته القديم، كما يشرح هو نفسه، بنبرة بريئة:

"في الوقت الحالي، أنام وأعمل، وأحاول أن أكون جادا وأن أحظى بحياة منظمة. لقد فعلت ما يكفي من الألاعيب، لم يعد الأمر يعنيني".

مستقبل

"آمل أن يكون كل شيء على ما يرام! تونس تثير في الخوف" يقول أنيس بطبعه القلق المعتاد. ولكن على الرغم من هذه المخاوف لديه العديد من المشاريع في الاعتبار: أولها أنه يريد فتح متجر آخر في مدينة أخرى بالشمال الغربي بحلول الصيف، بعد أن يأخذ متجره الأول في تحقيق أرباح. كما يفكر في تزويد منطقته، التي تفتقر إلى الفنادق، بأخرى جديدة بالتعاون مع والده. وفقا له، فإن الإمكانيات السياحية للمنطقة غير مستغلة بالكامل وتتجاوز كثيرا عالم الصيد.

على المستوى الشخصي، لا يعرف أنيس ما إذا كان سيتمكن من التوقف عن الشرب أو العودة إلى نسق نوم طبيعي. ولتجاوز مخاوفه، يعول على مشاريعه  وعلى ما يجب عليه تنفيذه. يضيف بابتسامة مشبعة بالأمل: "الشيء الرئيسي هو أن أبقى لطيفا ومحبا للناس من حولي. كل شيء سيكون على ما يرام بالنسبة لي، ستكون الحياة جيدة حتى وإن كانت مملة".