متوفر باللغة الفرنسية

حمدي، 28 سنة، "فتى أبيه المدلل" ومدير مطعم، 17 ألف دينار في الشهر



متوفر باللغة الفرنسية

يتعايش حمدي* بصعوبة بالغة مع صورة "الفتى المدلل" الملتصقة به ويحاول بشتى السبل التخلص منها. لهذا، يغرق نفسه في العمل ويضاعف جهوده في مشاريعه التجارية.

يتولى حمدي، صاحب الـ28 عاما، إدارة مقهى ومطعم شواء وانطلق مؤخرًا في مشروع مطعم جديد. وعلى الرغم من نشأته في بيئة ثرية، يحاول الشاب جاهدا النأي بنفسه عنها من خلال العمل في مجال المطاعم الذي انخرط فيه بمفرده. في المدرسة، كان حمدي تلميذا عاديا لا يتميز فعلا سوى في المواد العلمية. بعد حصوله على شهادة الباكالوريا في العلوم، كان بوسعه اختيار المسار الذي رسمه والده له. فهذا الأخير صاحب باخرة تجارية وهو صاحب عدة مشاريع في خدمات المطاعم بالإضافة الى بعض العقارات. ولكن حمدي قرر الالتحاق بجامعة خاصة لدراسة المالية وذهنه يفيض بأفكار المشاريع.

وجد الشاب نفسه في الكلية وسط العديد من الطلاب والطالبات الآخرين من ميسوري الحال كشأنه، ولكنه كان يفضل قضاء وقته خارج ساعات الدراسة مع شباب حيه. ولكن حتى مع هؤلاء، فإن صورته "كفتى أبيه مدلل" تلتصق به التصاقا وتشكّل عقدة بالنسبة إليه. ''أَ هو ذنبي إن كان والدي ناجحا؟ هل هذا يجعل مني شخصًا مدللا بلا عقل؟ "، يصرخ الشاب وصوته ملؤه التوتر.

تحصلوا وتحصلن على أفضل منشورات إنكفاضة مباشرة على البريد الالكتروني.

اشترك واشتركي في نشرتنا الإخبارية حتى لا تفوتك آخر المقالات !

يمكن إلغاء الاشتراك في أي وقت.

يعترف حمدي بأنه عاش مرفّها طوال حياته: "لقد امتلكت حقًا كل ما أردته، حتى عند نجاحي في اجتياز الباكالوريا تحصلت على سيارة ضخمة". ولكنه يصر في ذات الوقت على حقيقة أن والده صارم للغاية "ولكنه والدي، ولا يمكنني الشجار معه"، يقول حمدي "إنه لا يدين لي بشيء في حين أنا مدين له بكل شيء. همّي أن أتحرر منه ولا سبيل لفعل ذلك سوى بالعمل".

رفض حمدي، بعد دراسته، عرض والده مرة أخرى للعمل في المشاريع العائلية، فهو يفضل أن يكرس نفسه لافتتاح مقهى بالمال القليل الذي وضعه جانباً منذ حصوله على البكالوريا، ولكنه لا يملك في الحقيقة مقومات طموحاته. ساعده والده إذن بدفع إيجار الشهرين الأولين للمحل ولم ينفق الشاب على تزويق المقهى الكثير لأنه فضل إعادة استعمال معدات قديمة. تفاجأ الأب أمام النتيجة المبهرة ومنحه المزيد من المال حتى يتمكن من شراء الأثاث الذي رسمه في مخيلته للمقهى.

أصبح كل شيء جاهزًا أخيرًا في عام 2018 وافتُتح المقهى، ووظف حمدي أصدقاءه وصديقاته من الحي ممن كانوا يعانون من وضع اجتماعي وعائلي صعب. يقول حمدي بنبرة جادة: "إنهم أصدقاء وصديقات عرفتهم منذ فترة طويلة، وأعتقد بكل صدق كما علمني والدي، أن الثقة تُكتسب". وبالإضافة إلى اهتمامه بالجانب الإداري والمحاسبة، يسعى حمدي للحضور دائمًا والعمل إلى جانبهم حتى صار المقهى يعمل بشكل جيد للغاية، لدرجة أن حمدي استطاع ادخار المال للشروع بسرعة في مشروعه الجديد: مطعم شواء. ولم يلبث أن توقف المشروع فجأة بسبب الكوفيد.

كافح حمدي بعد الحجر الصحي الأول لإبقاء المقهى مفتوحًا وواصل دفع رواتب موظفيه وموظفاته بالمال الذي ادخره جانباً، كما أُجبر على دفع كراء المحل الذي وجده لمطعمه الجديد إلى أن ذابت مدخراته في لمح البصر فلجأ إلى التداين. ومع ذلك، حمدي محظوظ لعدم تكبده نفقاتٍ كونه يعيش مع والديه وتتولى شركة أبيه دفع مصاريف سيارته الضخمة. 

فيما يلي لمحة عامة على مداخيله ومصاريفه الشهرية:

تمكن حمدي بعد بضعة أشهر وبالتوازي مع انتعاش العمل، من سداد ديونه، ولكن فقد دافعه لافتتاح مطعم الشواء ولم يعد يمتلك المال لمواصلة دفع الإيجار. مر حينها بفترة اكتئاب شاله منها والده حين قرر أن يدعمه، بعد أن رأى حالة ابنه والجهود التي بذلها في إدارة تبعات الجائحة على مشروعه. مول الأب الأشغال المتبقية فوجد حمدي نفسه ملزما بالعودة إلى المقهى. ولم تمض برهة حتى بنى الشاب بالتوازي مع ذلك امتدادا للمقهى الخاص به بفضل أرباحه، وأقام فيه قاعة ألعاب فيديو.

لا يخفى أن حجم العمل كبير، فهو يدير موقعي أشغال في نفس الوقت بالإضافة إلى كل الإجراءات الإدارية والمحاسبة والإدارة اليومية في المقهى الخاص به. كما لا يمكنه التعويل على المحاسب في كل شيء نظرًا لأنه يكسب الكثير من المال الذي لا يصرح به. وبمجرد الانتهاء من الأشغال، نمت الأرباح وازدهرت سواء في مطعمه الجديد أو في المقهى الذي تم توسيعه.

فيما يلي تفصيل مداخيله ومصاريفه الشهرية:

المنطقة الرمادية

تحتل العلاقة مع والده مكانة مهمة في حياة حمدي. "أكبر عقدة لدي في الحياة هي تسمية 'الفتى المدلل'". أنا أعمل ليلا ونهارا ولا أدخر جهدا لإثبات جدارتي". لكن لا ينفي ذلك أن أباه يساعده بانتظام على الرغم من أن هدفه هو النجاح بمفرده.

ومع ذلك، فإن هذه العلاقة لا تحمل مزايا فقط، إذ يقول حمدي إنه مضطر بالفعل لدفع رشاوى بانتظام "لأصغر الأشياء"، كما يتعين عليه أحيانًا دفع البعض من تكاليف والده الذي يدير أيضًا العديد من الأعمال التجارية. وقد قام مسؤولو البلدية عدة مرات بتهديده بإزالة الكراسي من مقهاه ومطعمه أو إغلاقهما، وذهب أحدهم إلى تهديده يوما قائلا: "إذا كان والدك يتمنّع عن الدفع، فسوف تدفع أنت عوضا عنه".

على أي حال، حسابات حمدي والتراخيص المتعددة المستوجبة ليست على درجة كافية من الوضوح. "إذا صرحت بكل شيء، سأغلق بعد 6 أشهر" يقول الشاب ويضيف: " من المستحيل تسوية كل الرشاوى والضرائب والأداءات، لذلك عليك أن تختار".

يسمح حمدي لنفسه من وقت لآخر بالنزهات أو الأنشطة الترفيهية حتى لو استغرق العمل ومشاريعه معظم وقته. ويدعو في هذه المناسبات المقربين منه ويقوم عادة بدفع الفواتير بمفرده.

يشعر رجل الأعمال الشاب أحيانًا بالوحدة، شعورٌ مأتاه انفصاله عن صديقته الأخيرة بعد التخرج. إذ لم تفهم الأخيرة، وفق كلامه، حاجته الملحة إلى العمل وتعقيد حياته، بينما كان بوسعه أن ينضم ببساطة إلى مشاريع والده. ومن ناحيته، لا يرغب حمدي في علاقة مستقرة تستهلك وقته ولذلك يرى أنه "كي تكون لديك علاقة حقيقية، عليك أن تخصص الوقت والطاقة لها، وهو ما لا أملكه".

المستقبل

ترى والدة حمدي أن ابنها يعمل كثيرًا وغالبًا ما تسأله عما إذا كان لديه شخص يود تقديمه لها تلميحاً للزواج. لكن هذا بعيد كل البعد عن أن يكون أولوية من أولوياته، ويقول الفتى ضاحكا: "لو أردت أطفالًا في يوم من الأيام، أود أن أجد أمًا حاضنة" .

تبادر إلى ذهن حمدي فكرة مشروع جديد، ووجد المكان المناسب لبعثه، كما أن بحوزته ما يكفي من المال لدفع الإيجار دون القدرة على الاستثمار في التزويق الذي يريده. لذا، يريد أن يتريث هذه المرة ريثما ينجح في فتحه بدون مساعدة والده. وعندما يتعلق الأمر بالديكور، لحمدي أفكار دقيقة للغاية كشأن مشاريعه الأخرى ولا يقبل أية تنازلات تفرضها عليه مساعدة أبيه إذا أراد مشاركته في المشروع، ولهذا السبب، يخطط حمدي للحصول على قرض.

يود الشاب كذلك أن يستثمر في أرض إما بالبناء فوقها أو إعادة بيعها لاحقًا بأرباح، ويريد في نهاية المطاف تعيين مديرين لأعماله بحيث يعملون دون الحاجة لتدخل منه حتى تسنح له الفرصة أخيرا للاستجابة إلى طلبات والده المستمرة للعمل معه في مجال النقل البحري. "أفكر خاصة في إنشاء شركة مكملة لخاصته حتى نعمل معًا ولكن كل من جهته".

الاعتراف الاجتماعي هو هدف أساسي بالنسبة إليه وهو يبذل قصارى جهده لتحقيقه. يأمل حمدي في التقاعد في سن الـ45 من أجل السفر والاستمتاع بالحياة ولكنه يتساءل أيضا: "أقول هذا الآن، ولكن هل سأتمكن يوما من التوقف عن العمل؟ أنا حقا أتساءل. عقلي يفيض بالأفكار والمشاريع وأنا بحاجة إلى حياة إضافية لتحقيقها كلها".