مع اشتداد حرارة إحدى ظهائر شهر أكتوبر يخرج عبد اللطيف ليفتح مرشات الماء لسقي البرسيم أملا في ضمان قدر أكبر من أعلاف بقراته. لكن على غرار العادة، لا يكفي الضغط الضعيف للماء القادم من السدّ لسقي المساحة المزروعة التي لا تتجاوز بضع مئات من الأمتار. يعود ضعف ضغط ضخ الماء إلى مكان حقل عبد اللطيف الذي يقع في نهاية شبكة توزيع تضم مئات الفلاحين ممّا يجعل من توزيع الماء في ذات المنطقة "غير عادل" في ظل ضعف آلات الضخ المستعملة من قبل الجهات القائمة على توزيع الماء، حسب الفلاحين الذين التقتهم إنكفاضة.
لا يستطيع عبد اللطيف رغم صغر مساحة حقله التي لا تتجاوز الهكتارين، زراعة أكثر من ثلثه بسبب شح المياه من ناحية والتي أصبحت لا تصله سوى لمدة 16 ساعة في الأسبوع، ومن ناحية أخرى وصول المياه ضعيفة على نحو يشعره بالعجز إزاء متطلبات مزروعاته وتأخر هطول الأمطار هذا العام.
يقول عبد اللطيف في حديثه لإنكفاضة بنبرة تملؤها الشكوى: "قرّروا أن تقتصر حصتنا من الماء على يوم أو يومين في الأسبوع، يمكننا تقبّل ذلك فنحن نعلم أنّنا نعيش جفافا وأنّ الماء غير موجود ولكن المشكلة أنني لا أحصل على الماء حتى في ذلك اليوم. في الوقت الحالي لم أزرع سوى القليل من الأعلاف غير أن الماء لا يصلها. أطالب بتوفر الماء في ذلك اليوم على الأقل لتقتات بقرتي التي تمثل مورد رزقي الوحيد."
يواصل عبد اللطيف: "لدينا عقد مع الجمعية المائية، وحينما نشتكي لممثّل الجمعية بأننا ندفع المال مقابل ماء لا نحصل عليه، يتملّص من المسؤولية ويوجهنا إلى مندوب الفلاحة الذي لا نستطيع الوصول إليه بطبيعة الحال".
نضوب مياه السدّ
في مكتب وثير في الطابق الثاني بعيدا عن احتجاجات عمال الحظائر الذين تجمعوا أمام مقر المندوبية، التقت إنكفاضة المندوب الجهوي للفلاحة بجندوبة عبد الجليل العفلي. يقول العفلي: "يعتمد اقتصاد ولاية جندوبة بالأساس على القطاع الفلاحي. تمتاز الجهة باحتوائها تقريبا على أكبر مساحة مناطق سقوية عمومية بـ 40 ألف هكتارفي المجمل، منها 36 ألف هكتار عمومية من إنجاز الدولة". وتأتي الموارد المائية الأساسية عن طريق السدود التي تربطها بهذه المساحات شبكة واسعة من الأنابيب. الأمر الذي يجعل النشاط الفلاحي السقوي مرتبطا بالضرورة بإمدادات السدود وقرارات المندوبية الجهوية للفلاحة.
يقول عبد الجليل العفلي إن المندوبية تضع الخطط الزراعية للمواسم حسب كمية الماء الموجودة بالتشاور مع الفلاحين ممثلين في الهياكل النقابية. وتضم ولاية جندوبة 6 سدود كبيرة، بطاقة خزن جملية تبلغ 352 مليون متر مكعّب فيما لا تتجاوز الكميات الموجودة قبل 20 أكتوبر 2021، 98 مليون متر مكعب أي بنسبة امتلاء لا تتعدّى 28% وفقا لتقرير الإدارة العامة للسدود والأشغال المائية الكبرى.
يضيف العفلي: "أهم المنظومات السقوية منظومة بوهرتمة نسبةً إلى حصولها على إمدادات الماء من سد بوهرتمة والتي تم إنشاؤها منذ الثمانينات، و تضم فِلاحات كبرى وشركات إحياء فلاحي ومقاسم فنية وفلاحين صغار بإنتاج فلاحي متنوع على مساحة 25 ألف هكتار". ويبين المندوب أن هذا الإنتاج يشمل أساسا الحبوب والأعلاف والخضر الورقية بأنواعها، علاوة على الأشجار المثمرة بالإضافة إلى منظومة الزراعات الصناعية التي تضم أساسا اللفت السكري بمساحة جملية بلغت العام الماضي 700 هك تقريبا.
على نحو عام يصف عبد الجليل العفلي الوضع في تونس بأكثر من الحرج. يقول: "لدينا في تونس 37 سدا كبيرا لا تتعدى مخزوناتها في 19 أكتوبر 2021، 652 مليون متر مكعب من طاقة استيعاب تقدر بـ 2.3 مليار متر مكعّب. مقارنة بالسنوات الثلاث الأخيرة، كان المعدل في هذا الوقت من العام في حدود مليار و120 مليون متر مكعب مما يعني نقصا بـ470 مليون متر مكعب".
على تخوم سد بوهرتمة، يرعى ناجي مع صديقه مصطفى الأغنام على امتداد المساحات التي كانت مغمورة بالماء قبل سنوات الجفاف. يجلس الراعيان تحت إحدى أشجار الكالَتوس التي غرست خصّيصا لتحيط بالسد عند تدشينه سنة 1976، وفق ناجي. يصف الراعي انخفاض منسوب المياه: "كانت المياه تصل إلى حدود تلك الأشجار المحيطة، ومنذ حوالي 3 أو 4 سنين، بدأت المياه تتراجع حتى شارفت على النّضوب. يضيف مشتكيّا: "انخفض منسوب المياه كثيرا لدرجة أنّه لم يعد بإمكان الأغنام الشرب منه لأنه محاط بالوحل".
في ذات السياق يوضح المندوب الجهوي: "عندما نقارن بالعام الفارط الذي كان أيضا عاما صعبا، في نفس هذه الفترة كان لدينا تقريبا 945 مليون متر مكعب أي بزيادة بأكثر من ثلث المخزون الحالي. ولكن يظل التحدي الصعب هذه السنة هو تراجع مخزون سد بوهرتمة إلى 17 مليون متر مكعب من طاقة استيعاب تقدّر بـ 112 مليون كما أنه لا يمكن استغلال الـ17 مليون على نحو كليّ. ذلك أنه تحت منسوب معين يصبح الماء ممزوجا بالوحل ما يتسبب في سد قنوات نقل المياه".
ويضيف: "هذا السد -أي بوهرتمة- يُستعمل للماء الصالح للشرب وللري. تسحب شركة استغلال وتوزيع المياه شهريا 350 ألف متر مكعب للماء الصالح للشرب في مناطق من ولاية جندوبة. لذلك نعطي استراتيجيتنا الأولوية للماء الصالح للشرب".
"لا توجد إيرادات ماء للسدود. سد بني مطير تقريبا خارج الاستغلال حاليا، كذلك سد ملاق، بينما يتم تحويل المياه إلى سد بوهرتمة الذي يعتبر السد الرئيسي في جندوبة من سد بربرة الذي هو أساسا موجه استراتيجيا للماء الصالح للشرب. منذ شهر جانفي الماضي، تضخ كمية 190 ألف متر مكعب في اليوم ما مكّننا من إنقاذ الموسم الفارط للزراعات الكبرى. أنجزنا استراتيجية لإنقاذ الأشجار والأعلاف. لو تضررت الأشجار تموت وتحتاج لسنوات لتعود للإنتاج" يقول محمد الهميسي رئيس الإتحاد الجهوي للفلاحة والصيد البحري بجندوبة في حوار لإنكفاضة.
سدّ بوهرتمة يوم 19 أكتوبر 2021.
قرار يهدد استدامة نشاط الفلاحين·ـات
صُدم الفلاحون.ـات بولاية جندوبة بقرار المندوبية حول تحديد ساعات السقاية والتخلي عن الزراعات الفصلية. وسط حقل البطاطا الصغير جلس حسني غناي أحد صغار الفلاحين بمنطقة هنشير الغراغيز متحدثا لإنكفاضة عن قرار المندوبية: "كنت حريصا على متابعة صفحة المندوبية الفلاحية في جندوبة، حتى أخبرني لاحقا أحد الفلاحين أن مركبة جابت الحقول بمصدح ضخم منادية الفلاحين بعدم زراعة الخضروات، وقع هذا دون أن يكون هناك إعلام أو تنبيه رسميّين".
ويضيف: "في عملية السقي، نحن نتعامل مع المجمع المائي ولكنه لم يقدم لنا أيّة معلومة". ويستدل على ذلك: "لقد كانوا يجوبون الحقول مطالبين الفلاحين بخلاص المستحقات المتخلدة بذمتهم. حتى وقعت مؤخرا مناوشات بينهم وبين بعض الفلاحين الذين باتوا غير قادرين على السداد في هذا الوضع الصعب".
عن ذلك يقول رئيس الإتحاد الجهوي للفلاحة والصيد البحري بجندوبة: "عقدنا جلسة في مقر الولاية وقررنا توزيع مياه الري في شكل حصص بيومين في الأسبوع لكل منطقة تضم 2 أو 3 جمعيات مائية (مجمعات التنمية الفلاحية) لسقي الأشجار المثمرة والأعلاف إنقاذا للثروة الحيوانية والأشجار.
تنتمي أرض حسني إلى مجمّع التنمية الفلاحية "السعادة" الذي يضم أكثر من 3 آلاف هكتار سقوي ضمن المنطقة السقوية العمومية حيث تضخ مياه الري للمجمع من بحيرة جبلية تستمّد إيراداتها من سد بوهرتمة.
ينتقد حسني تصرف المندوبية الجهوية: "انتقلت المعلومة من فلاح إلى آخر، كان يفترض أن يكون هناك قرار واضح وإعلام رسمي. تدق الجهات الرسمية أبواب الفلاحين مباشرة عندما تطالبهم بسداد المديونية ولكن عندما يتعّلق الأمر بتوضيح معلومة بهذه الأهميّة لا نجد سوى الضبابية".
قبيل انطلاق الموسم، أصدرت المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية بجندوبة بلاغا تدعو فيه الفلاحين "لتفادي الزراعات الآخر فصلية بالمناطق السقوية". يقول المندوب الجهوي للتنمية الفلاحية في حواره لإنكفاضة: "الماء غير متوفر هذه السنة، وضع يحتم علينا التصرّف في المخزون الذي بحوزتنا. فعّلت كل جهة استراتيجيتها للتصرف في ظل شح المياه". ويبيّن: "من جهتنا أعطينا الأولوية للماء الصالح للشرب في مرحلة أولى. ثم في مرحلة ثانية، مكّنا الفلاحين -في حدود مساحات معينة- من المياه مع التأكيد على تفادي الزراعات المستهلكة للمياه كالقرعيات والطماطم. كما أعطينا الأولوية للأشجار المثمرة باعتبارها موجودة والأعلاف باعتبارنا في أهم منطقة لتربية الماشية".
ويوضح: "لدينا في جندوبة 70 ألف رأس من الأبقار و300 ألف رأس من الأغنام يجب أن تزرع لها الأعلاف داخل المنطقة السقوية". ويواصل: "نعطي الأولوية للزراعات الاستراتيجية الأخرى على غرار الحبوب والزراعات الصناعية لأنّ هذه الأخيرة مرتبطة بمصانع وعمال وعاملات. كما أن اللفت السكري يساعد الفلاحين والفلاحات في التداول الزراعي".
من جهته يقول رئيس الإتحاد الجهوي للفلاحة محمد الهميسي: "يعدّ الفلاحون الممتهنون للزراعات الفصلية أكبر المتضررين من الجفاف"، مشبّهاً الأضرار التي لحقت بهم بالضرر الذي تسببت به جائحة كوفيد-19 لأصحاب المقاهي والمطاعم. ويؤكد أن بعض الفلاحين زرعوا الخضر ويسقون زراعتهم في الحصص المائية المخصصة للأعلاف والحبوب لضمان عدم انقطاع رزقهم.
في نفس الموضوع
يضيف الهميسي: "نحن قلقون جدا من زيارتنا للسدود، خصوصا قبل الأمطار الأخيرة، ولكن ذلك هو الواقع، لا يوجد ماء. وهو ما يستوجب من الفلاحين التفكير مليا قبل الإنفاق على المدخلات الفلاحية لزراعة الخضر". ويواصل: "المتضرر الرئيسي من نقص إيرادات الأمطار هي ولاية جندوبة لأن الفلاحة تعتمد بالأساس على مياه الريّ القادمة من السدود والبحيرات الجبلية التي نضبت مياهها."
"نتفادى زراعات الخضر الآخر فصليّة المستهلكة للمياه، لأنّها لا تعتبر أولوية ونستطيع تأجيلها لمواسم أخرى، فيما ينصب الإهتمام كله على تأمين التزويد للزراعات الاستراتيجية من أعلاف وحبوب وزراعات تحويلية"، يقول المندوب الجهوي للتنمية الفلاحية.
تتكوّن تركيبة المساحات الزراعية بجندوبة وفق المندوب من 40 ألف هكتار مساحات سقوية و82 ألف هكتار من الحبوب و25 ألف هكتار للأعلاف، فيما يتمثل القطاع الفلاحي في منظومة بوهرتمة في 25 ألف هكتار تقريبا بمتوسط 3 هكتار للمستغلة وبين 5000 و6000 فلاح من جملة 27 ألف فلاح في ولاية جندوبة كاملة.
تساهم جندوبة في الإنتاج الفلاحي الوطني بـ 5.4%، و12% من الإنتاج السنوي للبطاطا و6% من الإنتاج السنوي للطماطم.
"نعرف جيّدا أنّ تونس تعيش جفافا، شهدنا ذلك العام الفارط لكن لم تتدهور الحالة إلى هذا الحد. اتّخذت المندوبية هذا القرار دون التشاور مع الفلاح ودون توعية." حسني غناي.
يقول طارق أحد الفلاحين المتضررين من شح المياه: "سأحافظ على برنامج الزراعة المعتاد والله أعلم. أعدّ الأرض لزراعة البطاطا الربعيّة (الفصلية) عبر حرثها وتسميدها". ويضيف عبد اللطيف: "أحافظ على الزراعة الفصلية لأننّي لا أملك حلاّ آخرا. سيجوع الفلاح لو تخلّى عن عمله. سأودع كلّ رأس مالي في الأرض وسأنتظر الماء متفرّجا والباقي على الله".
مسايرة للأزمة على أمل هطول المطر
لتلافي مشكلة نقص المياه ببوهرتمة وللتقليل من حدة تبعاته، يقول المندوب الجهوي للفلاحة عبد الجليل العفلي: "اتجهنا إلى ضخ المياه من سد بربرة إلى سد بوهرتمة بمعدل 190 ألف متر مكعب في اليوم. ذلك أنّ بربرة يحوي حاليا 31 مليون متر مكعب من طاقة استيعاب تفوق الستين مليون. ولهذا السبب لم نغلق سد بوهرتمة، فلولا هذا التحويل الذي بلغ 9.3 مليون متر مكعب من أول سبتمبر إلى اليوم لكان السد مغلقا منذ زمن".
في المقابل، يرى حسني الغناي أنهم كفلاحين لا يرون في قرارات المندوبية أية استراتيجية متسائلا: "ليس هناك ماء، ماذا بعد؟" ويواصل: "نعرف أنّ جندوبة في الشتاء تجتاحها فياضانات وفي الصيف تعاني الجفاف. وهنا يكمن التناقض، كيف لولاية السدود أن يغيب عنها الماء؟ "
يعمد حسني إلى زراعة أرضه الصغيرة على مراحل للتحايل على نقص الماء، فحين تنبت مساحة وتُسقى جيدا ينتقل إلى أخرى ببطء. إلا أنّه لا يرى أية أفاق، بل ما فتئ الوضع يزداد تفاقما لغياب الرؤية السياسية وفق قوله. ويستشهد في ذلك بغياب دور الإرشاد الفلاحي وبأن خلية منطقة عين كريمة أُغلقت حال خروج الموظف المسؤول.
من جهته، يسترجع عبد اللطيف بدايات أزمة شح المياه هذا العام فيقول: "حتى في فصل الصيف حينما كان لا يزال هناك ماء كاف زرعت الطماطم بالإضافة إلى الفلفل ولكنني سرعان ما حرثتها لعدم توفر الماء. لاحقا جاء موظفو وزارة الفلاحة لمعاينة المساحات واستخلاص مستحقات الماء. فطلبت من المسؤول أن يعاين ضخ الماء ثم يطالب بالمستحقات لكنه تشبث بالخلاص ثم تقديم الشكوى.
صورة للمحراث التقليدي بأحد أرياف جندوبة.
ويواصل: "عمليا حينما نفتح الصنبور لا يخرج الماء، طالبونا بزراعة ربع المساحة التي نملكها، ثم ننتظر يوما في الأسبوع فلا يصل الماء. ويضيف بحسرة: "عندما يَقطُر الماء بهذه الطريقة من الصنبور، ألتجئ لشراء خزّان ماء بمقابلٍ لأسقي البقرات والزرع. يتكّلف الخزان سعة 3000 لتر، 25 دينارا مما يعني خسارة فادحة".
ويضيف: "أنجز هذا المشروع لسقاية 500 هكتار ولكننا الآن لا نسقي أكثر من 20 هك. لدي 1000 متر مربع مزروع حاليا ولم أقدر على سقيه. زرعنا الأعلاف للبقر كما أوصت مندوبية الفلاحة، وفي الواقع، ليست هنا فلاحات وإنما "فليلحات" إذ يمتلك الواحد منا 3 أو 4 بقرات على الأكثر".
ويستدرك: "هذا العام رأينا مشاهد مؤسفة، سد بني مطير الذي لم نرَ أساساته منذ اليوم الذي بُني فيه عام 54، حدث لأول مرة هذه السنة أن رأيناها، وهو ما يبيّن حدّة الجفاف وندرة الأمطار، وعلى غرار بني مطير سد ملاق يحتضر أيضا. وصلنا إلى حالة كارثية فمجمّع يضم 10 فلاحين يربون الأسماك في السدّ ماتت أسماكهم".
يعترف حسني أنه قد يكون هناك أحيان إهدار للماء من طرف الفلاحين، لكنه يرجع المسؤولية لسياسة الحكومة قائلا: "على الدولة أن تأخذ القرار الصائب لأن الماء ثروة وطنية ومسألة حياة".
يقول حسني إن مساحات الأراضي الفلاحية في سوق السبت التابعة لولاية جندوبة باتت أراضي غير مستغلة سقويا ويوضح في مثل هذا الوقت من العام كانت جندوبة تتميز بوفرة الخضروات الفصلية وجميع الخيرات ولكن للأسف، ما تزال الأراضي حمراء قاحلة جرداء والسبب هو العطش.
صورة لخزان الماء بفناء منزل عبد اللطيف.
بخصوص تشجيع الوزارة لزراعة اللفت السكري يقول حسني: "هذا التصور ليس سليما ولا يتماشى مع إمكانيات صغار الفلاحين. ذلك أن اللفت السكري يُزرع في مساحات كبرى ولا يمكن زراعته في نصف هكتار مثلا لأن زراعته في مساحات صغيرة لا تغطي كلفة المصاريف، كما أن زراعته تتطلب الكثير من الماء."
ويتساءل حسني باستنكار: "هل الفلاح الذي يمتلك نصف هكتار أو العائلة التي تحوز هكتارا وتعمل فيه لتعيش منه بشكل يومي سيزرعون اللفت السكري وينتظرون سنة كاملة؟ وهل سيحقق لهم المردودية الكافية؟ جرب فلاحون زراعته وفشلوا لأنه لن يكون مربحا في مساحة أقل من 10 هكتارات".
ويستفيض مفسرا: "عكس ما نشتغله نحن وفقا لمبدأ نحصد منتجا لنزرع مكانه آخر. ورغم ما يمثله هذا المنوال من استنزاف للأرض لكنّنا مكرهون. لا نستطيع مداولة الزراعات وإراحة الأرض لأننا نحتاج لإستغلال كل شبر فيها على مدار العام"
"معظم فلاحي جندوبة هم من صغار الفلاحين أي من يملكون أقل من 5 هك، حسب وزارة الفلاحة"
ويستدرك حسني: "يطالبوننا بزراعة منتجات سنوية في حين أنها لا تتماشى معنا كفلاحين صغار. من أين سننفق طيلة العام وكيف سنحيا؟ وفي الأخير، لو نقسم مدخول الإنتاج السنوي على عدد الأشهر، لن يحصل أي فلاح على الأجر الأدنى المضمون".
يعيب حسني على وزارة الفلاحة بناء مخططاتها واستراتيجياتها في مكاتب مغلقة لا يدخلها الفلاحون، ولا يتم التشاور معهم أو الانفتاح على مقترحاتهم. كما ينتقد تمثيلية اتحاد الفلاحين لصغار الفلاحين والتي لا يرى فارقا بينها وبين وزارة الفلاحة التي تفضل مصلحة كبار الفلاحين، وفق قوله.
بعد يومين من زيارة إنكفاضة لمناطق منظومة بوهرتمة، هطلت الأمطار لتخفّف عن عبد اللطيف ومئات الفلاحين الآخرين من حدّة الجفاف وتمنح السدّ دفقا جديدا. دفق لم يغيّر في حقيقة الأمر الكثير من مخزونات السد الشحيحة حيث تطورت نسبة الامتلاء من 15% إلى 18% فقط. ليتواصل بذلك كفاح الفلاحين في ظل تراجع معدل الأمطار طيلة السنوات الثلاث الأخيرة حتى صار عملهم ضربا من ضروب "المقاومة".