في سليانة، "غياب كلّي للدّولة" في مجابهة كوفيد-19

وفقا لبيانات وزارة الصحة، كانت الاختبارات المجراة لتقصي فيروس كورونا في سليانة يوم 27 جوان إيجابية بنسبة تفوق 85٪ رغم أنها  اقتصرت على 14 اختبارا فحسب. بادرت انكفاضة بمقارنة هذه الأرقام مع مختلف الفاعلين الميدانيين بغية الإلمام بمدى تدخل الدولة في مكافحة الجائحة في هذه الولاية.
بقلم | 23 جويلية 2021 | reading-duration 5 دقائق

متوفر باللغة الفرنسية
يؤكد قائد جهة سليانة للكشافة التونسية، هشام فتوحي، أن "الوضع الوبائي بسليانة كارثي، في ظل غياب كلي للدولة"، حسب ما لاحظه من خلال نشاطه الجمعياتي. وتقود الجمعية عدة مشاريع تحسيسية متعلقة باحترام إيماءات الحاجز والحجر الصحي أو حتى بالتّلقيح، فضلا عن سعيها إلى تعبئة الموارد اللازمة لتوفير مركزات الأكسجين أو الأدوية لأكثر الفئات حرمانا.

تحصلوا وتحصلن على أفضل منشورات إنكفاضة مباشرة على البريد الالكتروني.

اشترك واشتركي في نشرتنا الإخبارية حتى لا تفوتك آخر المقالات !

يمكن إلغاء الاشتراك في أي وقت.

غير أنه رغم إقرار الحجر الصحي الشامل في الولاية بهدف احتواء الموجة الرابعة التي تعصف بالبلاد حاليا، فإن الدولة تواجه صعوبات جمة لفرض تطبيق هذه الإجراءات. فكما يشرح ذلك هشام فتوحي : "مع إقرار الحجر الصحي الشامل، من المفترض إغلاق كل شيء، لكن الحقيقة مغايرة تماما".

في سليانة، اختبارات دون المستوى الوطني

بعد مضي أكثر من ثلاثة أسابيع منذ دخول هذه التدابير حيز التنفيذ، وفي الوقت الذي لا يزال فيه الحجر الصحي الشامل ساري المفعول، بلغت المستشفيات أقصى طاقة استيعابها. فكما يوضح عادل الحدادي، المدير الجهوي للصحة بسليانة، "بلغت جميع المستشفيات، سواء الجهوية أو المحلية منها، طاقة استيعابها القصوى"، مبينا أن جميع أسرة الأكسجين مشغولة بالكامل وكذلك الشأن بالنسبة لقسم الإنعاش.

كما أصبحت نسبة اختبارات تفاعل البوليميراز المتسلسل (PCR) واختبارات المستضدات الإيجابية مقلقة للغاية مشيرة إلى تفشي الفيروس على نطاق واسع. إذ يوضح المدير الجهوي للصحة في هذا الصدد: " منذ 7 جوان، نشهد نسبة فحوص إيجابية مرتفعة للغاية تحوم حول 60-70٪ ".

منذ إقرار هذه الإجراءات الجديدة، استأنفت وزارة الصحة لفترة وجيزة تراوحت بين 22 جوان و8 جويلية نشر الأرقام الموزعة حسب الولايات، مع تعزيزها بعدد الاختبارات المجراة. ويتجلى من خلال هذه المعطيات أن السلطات الصحية أجرت ما معدله 122 فحصا يوميا لكل 100.000 ساكن·ـة في ولاية سليانة، أي دون المعدل الوطني البالغ 135 فحصا يوميا لكل 100.000 ساكن·ـة. ويُعتبر هذا الرقم أقل بكثير مما هو عليه في بعض الولايات الأخرى، على غرار ولاية تونس حيث بلغ المعدل اليومي للاختبارات المجراة 313 اختبارا لكل 100.000 ساكن·ـة.

خلال الفترة ذاتها، تراوحت نسبة التحاليل الإيجابية في سليانة بين 41,8٪ و 85,7٪، وهو ما يفوق بكثير المعدل ​​الوطني. كما تصدرت سليانة ترتيب الولايات من حيث نسبة الاختبارات الإيجابية خلال الفترة الممتدة من 24 إلى 30 جوان.

وتدفعنا هذه الأرقام إلى التساؤل حول سياسة فحوصات التقصي المنتهجة في سليانة، علما وأن عدد الاختبارات المجراة على المستوى الوطني يُعتبر بدوره ضعيفا للغاية مقارنة بالدول الأخرى ( يوم 23 جويلية، احتلت تونس المرتبة 132 عالميا من حيث عدد الاختبارات المجراة قياسا بعدد السكان). وبحسب المدير الجهوي للصحة: "لا ينبغي إخضاع الجميع إلى الفحوصات، إذ يتعين أن تقتصر على الحالات التي تعاني من أعراض دون غيرها". إذا ما ظهرت على شخص ما أعراض، عليه معايدة الطبيب الذي سيطلب بعد ذلك إجراء اختبار سريع أو اختبار تفاعل البوليميراز المتسلسل للتثبت من التشخيص في حالة الاشتباه بإصابة.

ممرضة بصدد إجراء اختبار مستضد على شخص يُشتبه في إصابته بكوفيد-19 في مستشفى برقو. من بين التحاليل الثلاثة التي كانت قد أجرتها هذه الأخيرة والموضوعة على يسار الطاولة، اثنان منهم إيجابيان.

أمام مستشفى برقو الواقع على بعد أقل من 20 كيلومترا من مستشفى سليانة الجهوي، يتجمهر حشد من الناس في انتظار إجراء الفحوصات. تحت أقنعتهم الواقية، أكد العديد منهم·ـن بروز أعراض فيروس كورونا عليهم·ـن، ما دفعهم·ـن إلى التوجه نحو المستشفى لتأكيد شكوكهم·ـن. ومن الطبيعي أن ترتفع نسبة الفحوصات الإيجابية بالتوازي مع ارتفاع عدد الحالات المتقدمة لإجرائها والتي سبق وأن برزت عليها أعراض الإصابة. إذ ارتفعت هذه النسبة إلى 85٪ في معتمدية برقو يوم 6 جويلية، وفق قول أنيس بوعلاق، مدير المستشفى المحلي.

كما يُقر عادل الحدادي بغياب سياسة فحوصات واسعة النطاق، مذكرا بأنّ ذلك لا يُعد خيارًا تنفرد به المنطقة بل استراتيجية وطنية شاملة.

محدوديّة النّفاذ إلى المعدّات الصّحيّة وبطء التّطعيم في مواجهة الأزمة

زيادة على غياب سياسة اختبارات تقصي مكثفة، تعاني مستشفيات الولاية كذلك من محدودية الإمكانيات. وبحسب تقدير المدير الجهوي للصحة، فأن المستشفيات "تحظى بعدد من مركزات الأكسيجين ولكنها ليست متاحة إلا إلى نزلاء المستشفى دون غيرهم". ويضيف قائلا: "ليس لدينا ما يكفي من المركزات لتغطية احتياجات المصابين بالمنازل". أما في مستشفى الكريب، فيُبرر ذلك بما يُمليه القانون في مثل هذه الحالات، "لا يمكنني تسليم مركزات الأكسجين إلى المنازل لأن ذلك يُعتبر خرقا واضحا للقانون. لا يمكنك إعطاء المركزات التابعة للمستشفى للمصابين"، كما يؤكد ذلك قيس الفرجاوي، مدير المستشفى.

تجاه صعوبة النفاذ إلى المعدات الصحية، نبعت بعض المبادرات الفردية والمنظماتية لتدارك النقص الملحوظ على مستوى الخدمة الصحية العامة. يفيد هشام فتوحي في هذا الصدد: "لدي أصدقاء يقومون بجمع التبرعات لاقتناء مركزات الأكسجين لتقديمها للمحتاجين"، ذاكرا أنه ليس أمام المرضى الذين لم يستطيعوا تأمين مكان في المستشفيات المكتظة خيار آخر سوى المكوث في المنزل والحصول على مركز أكسجين.

"هنا في سليانة، تُؤجر مركزات الأكسجين مقابل 200 دينار في الأسبوع".

ويضيف : "هنالك العديد من الجمعيات، خاصة تلك المتكونة من الشباب، التي تعمل جاهدة رغم مواردها المحدودة". هذا وستجوب الكشافة التونسية جميع أرجاء الولاية في إطار حملاتها التحسيسية. "لسنا سوى متطوعين، جمعيات تعوزها الإمكانيات. ليس بإمكاننا حتى توفير قارورة ماء أو طعام للمتطوعين".

يُعتبر مستشفى سليانة الجهوي الوحيد على مستوى الولاية الذي يحتوي على قسم إنعاش.

زاد ضعف نسبة التلقيح في المنطقة الوضع تأزما. فإلى حدود يوم 23 جويلية 2021، لم يتجاوز عدد المسجلين والمسجلات على منصة إيفاكس حاجز 25٪ من مجموع سكان الولاية. وقد ناهز عدد السكان ممن تلقوا الجرعة الأولى من اللقاح نسبة 10٪ بقليل، في حين لم تتعد نسبة الملقحين والملقحات بالكامل 5,5٪ من مجموع السكان، أي حوالي 12.630 شخصا فحسب.

في بعض مراكز التلقيح، "ينتظر المرضى دورهم في الشمس دون مأوى يحميهم. يضطرون إلى الانتظار على الرصيف لساعات طويلة"، وفقا لتوصيف هشام فتوحي. ومن وجهة نظره، يُعتبر ذلك أحد أسباب تخلف بعض متساكني·ـات الولاية عن الموعد المحدد بعد دعوتهم·ـنّ من قبل إيفاكس لتلقي التلقيح. "يُحجمون عن التقدم لتلقي التلقيح بسبب رداءة الظروف".

ونتيجة لهذا الوضع، "تتبقى جرعات غير مستعملة في نهاية كل يوم". وسعيا منها لتحسين هذه الظروف المتردية، ستوفر الكشافة التونسية "خياما كبيرة لإيواء المتقدمين لتلقي التلقيح وحمايتهم من التعرض للشمس"، حسب تفسيره.