اتفاقية مقر صندوق قطر: لماذا كل هذا الجدل؟

اتفاقية مقر صندوق قطر: لماذا كل هذا الجدل؟

تتعرض اتفاقية مقر صندوق قطر للتنمية لانتقادات شديدة. فما نوع هذه الاتفاقية؟ وما هي مهام هذا الصندوق؟ وهل يمس فعلا من سيادة الدولة التونسية؟ إنكفاضة تجيب على هذه التساؤلات.
بقلم | 15 جويلية 2021 | reading-duration 7 دقائق


صادق البرلمان التونسي في الجلسة العامة ليوم 29 جوان 2021، على اتفاقية مقر صندوق قطر للتنمية. شهدت الجلسة تبادل عنف بين الداعمين·ـات للاتفاقية والمعارضين·ـات لها وصل حد ضرب النائب صحبي صمارة لرئيسة كتلة الحزب الدستوري الحرّ المعارضة عبير موسي. لاحقا، تمكنت المعارضة في البرلمان من تقديم طعن في الاتفاقية لدى الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين من طرف 30 نائبا ونائبة. وهو النصاب القانوني الذي يجعلها معرضة للسقوط في ظرف أسبوع من تاريخ 7 جويلية 2021. 

انقسمت آراء المعارضة تجاه الاتفاقية بين وصفها بـ"الاتفاقية الاستعمارية "وبين مناقشتها شكلا من حيث "عدم دستوريتها وحصولها على امتيازات اتفاقية دولية رغم أنها لم تُمضَ مع جهات قطرية رسمية". 

تحصلوا وتحصلن على أفضل منشورات إنكفاضة مباشرة على البريد الالكتروني.

اشترك واشتركي في نشرتنا الإخبارية حتى لا تفوتك آخر المقالات !

يمكن إلغاء الاشتراك في أي وقت.

  فيمَ تتمثل هذه الاتفاقية ؟   

يُعرّف صندوق قطر للتنمية نفسه، في مستهل الاتفاقية، كـمؤسسة عامة مستقلة تتبع مجلس الوزراء القطري، يهدف إلى مساعدة الدول العربية وغيرها من الدول النامية الأخرى في تطوير اقتصاداتها وتنفيذ برامج التنمية فيها. كما يحدد نشاطه على موقعه الرسمي بـ" تقديم المساعدات للعديد من الدول في جميع أنحاء العالم إنسجاماً مع أهداف التعاون الدولي في رؤية قطر الوطنية 2030."

تعود إتفاقية مقر صندوق قطر للتنمية مع تونس إلى سنة 2016، حيث تعهدت حينها الجهات القطرية خلال مؤتمر الاستثمار تونس 2020 الذي انعقد في نوفمبر 2016، بدعم تونس بمبلغ 250 مليون دولار أمريكي كمساهمات في تمويل مشاريع تنموية.

لكن الاتفاقية لم تُمض إلا في جوان 2019 بين وزير التنمية والإستثمار والتعاون الدولي السابق زياد العذاري والمدير العام لصندوق قطر للتنمية خليفة بن جاسم الكواري. فيما أُودع المشروع مكتب المجلس في 28 جانفي 2020 ليتم عرضه لاحقا للنقاش في لجنة المالية بالبرلمان بين 25 فيفري و 12 مارس 2020.

حاولت إنكفاضة من جهتها التواصل مع زياد العذاري، لمزيد معرفة ظروف وسياقات إمضاء الاتفاقية، كما راسلت الصندوق القطري عبر البريد الإلكتروني. لكنها لم تتلقّ ردّا من الطرفين.

تقضي الاتفاقية بالموافقة على فتح مكتب لصندوق قطر للتنمية بتونس. وتعرّف أهدافها على النحو التالي : "المساهمة في تمويل مشاريع تنموية والتعريف بأهداف المكتب ومنح التسهيلات اللازمة لإنجاز المشاريع التنموية المقترحة للتمويل على الصندوق". إضافة إلى "تحديد حقوق والتزامات كل من الطرفين وتحديد الإطار الضريبي والقانوني والشروط التي على أساسها سيتم فتح المكتب وتنفيذ المشاريع".

الفصل 3 من الاتفاقية المبرمة بين الحكومة التونسية وصندوق قطر للتنمية.

  وينصّ الفصل 4 من الاتفاقية على أن تشمل مجالات التعاون بين الدولة التونسية والصندوق القطري للتنمية قطاعات: الطاقة، التربية والتكوين والبحث العلمي، الصحة، الموارد الطبيعية، الفلاحة والصيد البحري، الصناعة، السكن، السياحة، تكنولوجيا المعلومات والاتصال والتمكين الاقتصادي.  

وفق نص الاتفاقية فإنها تبقى سارية المفعول لمدة غير محددة إلا في صورة قوة قاهرة أو ما لم يُعلم أحد الطرفين الآخر إنهاء العمل بها قبل 6 أشهر من تاريخ انتهاء مدتها. كما تؤكد على إن "إنهاء العمل بهذه الاتفاقية لا يؤثر على المشاريع التي هي في طور الإنجاز حيث تبقى واجبة الوفاء والسداد إلى تاريخ استكمالها".

قبل أن تصل الإتفاقية إلى النقاش في الجلسة العامة عرفت تجاذبات عديدة تجاهها، أهمها الدعوى القضائية التي رفعتها عبير موسي لدى المحكمة الإدارية لإبطال الجلسة العامة للتصويت عليها يوم 29 جوان الماضي. غير أن المحكمة رفضت هذه الدعوى، ليقع عقد الجلسة والمصادقة على الاتفاقية.

ما صحّة إعطاء إمتيازات اتفاقية دولية لاتفاقية عادية؟ 

"قبل أن نتعمّق في إخلالات محتوى الاتفاقية، يجب أن ننظر إلى شكلها. فالاتفاقيات بين الدول لا تعتبر اتفاقيات دولية إلا إذا تم إمضاؤها بين ممثلين عن دولتين أو أكثر. غير أن هذه الاتفاقية أُمضيت بين ممثل عن الحكومة التونسية -وهو الوزير السابق للتنمية والإستثمار والتعاون الدولي زياد العذاري- ومع رئيس مدير عام مؤسسة قطرية"، يقول حاتم المليكي النائب المنتخب عن قلب تونس والمستقل منذ أكتوبر 2020، في حوار لإنكفاضة. 

ويضيف المليكي:"من هذا المنطلق لا يمكن لها أن تكون اتفاقية دولية على اعتبار أنها غير ممضاة من الجانب القطري الرسمي وبما أنها ليست اتفاقية دولية فهي ملزمة بالخضوع للقانون الداخلي التونسي ولا يقع تضمينها أي امتيازات خارج القانون التونسي. وهو ما يعني أن كل الفصول الواردة في الاتفاقية، المتعلقة مثلا بقانون الصرف أو تحويل المرابيح أو تشغيل الأجانب، يصبح لاغيا بحكم أنها ليست اتفاقية دولية".

الفصل 20  من الدستور التونسي: المعاهدات الموافق عليها من قبل المجلس النيابي والمصادق عليها، أعلى من القوانين وأدنى من الدستور.

ويواصل: "نحن هنا إزاء عملية تحيل على اعتبار إمضاء اتفاقية مع مدير عام مؤسسة أجنبية بفصول وامتيازات لا يمكن تضمينها إلا في اتفاقيات دولية إمّا عن غباء او انعدام كفاءة أو نية سيئة".

ويستدرك: "الأغلب هو أنه غباء سياسي، حيث كان بالإمكان المطالبة بإمضائها من قبل ممثل عن دولة قطر حتى تُعطى صبغة دولية ولكن لا بد أيضا من مناقشة الإمتيازات والمضامين".

ويضيف: "النقطة الثانية هي أن مجلس نواب الشعب في الدستور التونسي ليس لديه الحق إلاّ في المصادقة على الاتفاقيات الدولية. ما يعني أن جلسة التصويت غير دستورية".

يؤكد المليكي أنه قد تم فعلا الطعن في الجلسة التي عقدها البرلمان لعدم دستوريتها من قبل 30 نائبا ونائبة. ويوضح: "الطعن تم في الجلسة لدى الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين، والتي يجب أن تبت في العريضة في أجل 7 أيام، تنتهي يوم الأربعاء 14 جويلية 2021". ولكن الهيئة لم تبت في الطعون إلى غاية 15 جويلية.

"الضوضاء الحاصلة حول هذا الموضوع لا يجب أن تحدث أصلا. فصندوق التنمية القطري تابع للدولة القطرية. وبالتالي فإن الاتفاقية المبرمة تسمى معاهدة دولية" يقول أستاذ القانون الدولي عبد المجيد العبدلي في حوارلإنكفاضة.  

ويضيف العبدلي: "لو كان هذا الصندوق إيطاليا أو أمريكيا ما كانت لتحدث هذه الضوضاء. هذا النوع من الاتفاقيات يُسمى اتفاقيات الحصانات والامتيازات وهي موجودة منذ سنة 1946 وتونس طرف فيها".

ويواصل أستاذ القانون الدولي: "هذا الصندوق له شخصية قانونية رسمية داخل دولة قطر ويمكنه التقاضي. كما أن دول الخليج على غرار الإمارات والبحرين وقطر  غداة استقلالها وبعد انتعاشة أسعار النفط في السبعينات أنشأت هذه الصناديق التنموية بهدف مساعدة الدول النامية حصرا".

يؤكد العبدلي أن إشكالية عدم دولية الإتفاقية لا تطرح لأنها "مبرمة فعلا بين دولتين  ونظرا إلى أن الصندوق آلية ستكون لها مقر هنا حتى تتمكن من تنفيذ مشاريعها وغيره، أي أن تُعطى لها تسهيلات في هذا الإطار بشرط أن لا تخلّ بالقانون". ويوضح: "هذا الصندوق يتمتع بامتيازات وحصانات المنظمات الدولية، فاليوم لدينا مقرات لمنظمة الصحة العالمية وجامعة الدول العربية والأمم المتحدة ولا يمكن مقاضاة هذه المنظمات أمام القضاء الوطني التونسي".

"هناك امتيازات غير مقبولة حتى ولو تم تحويلها إلى اتفاقية دولية مثل إلزام تونس بعدم سن تشريعات تضر بمصالح الصندوق". يقول المليكي بخصوص الفقرة 10 في الفصل 10. ويواصل: "إن فيها مصادرة لحق تونس في التشريع، فبأي حق يقع "الإلتزام بعدم اتخاذ أي إجراء من شأنه أن يعيق بشكل مباشر أو غير مباشر المشاريع التنموية التي يساهم الصندوق في تمويلها".

ويرى النائب: "ذلك يعني أنه، مثلا، إذا ما أردنا غدا المحافظة على الثروات الطبيعية أو إجراء تغيير على مستوى مناهج التعليم أو في مجال الطاقة أو حماية الصناعات الداخلية أو الفلاحة أو الأراضي أو غيره، فإننا قد نُمنع من ذلك بتعلة مصالح الصندوق. تخيل أن نصبح محكومين باتفاقيتنا مع قطر". 

الفقرات 7 و8 و9 و10 من الفصل 7 من اتفاقية صندوق قطر للتنمية مع الحكومة التونسية.

في المقابل يقول أستاذ القانون الدولي عبد المجيد العبدلي: "مستحيل أن يأتي في معاهدة دولية مصطلح يمنع على الدولة التونسية من القيام بأي شيء على أراضيها، وهذا مضمون في اتفاقية فيينا للمعاهدات الدولية الممضاة في 22 ماي 1969". ويضيف: "لا وجود لكلمة يمنع في الإتفاقية بل تنصيص على " أن تلتزم الدولة التونسية بعدم أخذ إجراءات تمس من مصالح الصندوق". فالاتفاقية تمثل التزاماً بين دولتين باحترام شروط محددة من الطرفين. إضافة إلى أن المشرّع التونسي لا يمكن أن يستخدم مصطلح 'يمنع على الدولة التونسية' ".

ويتابع: "الدولة التونسية دولة ذات سيادة، فحينما قبلت بوجود مقر للصندوق فهي لن تتدخل في شؤونه الداخلية وكيفية تسييره، ولكنها لن تسمح له بأن يقوم بأعمال خارجة عن الوظيفة التي أعطيت له". ويوضّح: "الصندوق القطري يقوم بأعمال في الدول الأوروبية ليست في مجال اختصاصه. من ذلك استثماراته المعروفة في شركات عالمية على غرار نادي باريس سان جيرمان الفرنسي وشركة فولسفاغن الألمانية".

  ما هي أهم فصول الاتفاقية؟  

صيغت الاتفاقية على 14 فصلاً. من جملة ما ضبطته هذه الفصول : أهداف فتح المكتب واختصاصاته وموظفيه وموظفاته والإعفاءات والامتيازات الخاصة بهم وبهن إضافة إلى التسهيلات الممنوحة له ومنحه الشخصية القانونية المؤهلة للتعاقد والمشاركة أو بعث شركات أو صناديق استثمارية تابعة له. كما له الحق الكامل في "اكتساب الأموال المنقولة وغير المنقولة والتصرّف فيها".

بخصوص النقطة الأخيرة يرى النائب حاتم المليكي: "إن من شأن ذلك أن يعطي الصندوق الحق في امتلاك الأراضي الفلاحية وتمليكها لطرف أجنبي في مخالفة لقانون الجلاء الزراعي لسنة 1963 الذي نص على منع امتلاك الأجانب للأراضي الزراعية."

ويؤكد المليكي في حواره لإنكفاضة : "إن هذه الاتفاقية هي مدخل آخر لما طرحه رئيس الحكومة سابقا عن نية تمليك الأجانب للأراضي الفلاحية التونسية، والذي تراجع عنه لاحقا بعد انتقادات الشارع. كما أن هناك اليوم قانون من طرف نواب حركة النهضة لتمليك الأجانب آراضيَ في الصحراء بتعلة الاستثمار في الطاقات المتجددة".

الفصل 6 من الاتفاقية المبرمة بين صندوق قطر للتنمية والحكومة التونسية.

من جهته يقول عبد المجيد العبدلي: "إن الاتفاقية في مضمونها لا تخالف الدستور التونسي في أي فصل. بخصوص ما يثار مثلا عن إمكانية هذا الصندوق تملك العقارات الفلاحية وغيرها، لا نجد في اتفاقية المقر ما يشير إلى هذا الكلام."

تمنح الاتفاقية صندوق قطر للتنمية امتيازات عديدة أعلى من القانون التونسي، من بينها عدم إخضاع تمويلات الصندوق إلى أي أداء أو ضريبة أو قيد أو معلوم جبائي أو ديواني، بما في ذلك الفوائض التي يتلقاها الصندوق عند استرجاع القروض. كما أن له الحق في استرجاع القروض ومصاريف التشغيل غير المستعملة مع الفوائد بالدولار الأمريكي. كما له ينص الفصل 9 من الاتفاقية على إن "للصندوق صلاحية تحويلها إلى أي دولة أخرى بأية عملة أخرى دون أي قيد أو شرط مع مراعاة الإجراءات البنكية العادية".

تؤكد الاتفاقية كذلك مسؤولية الصندوق في متابعة المشاريع وتنفيذها وإدارتها والإشراف عليها، فيما يقتصر الدور التونسي على إمكانية اقتراح مشاريع. كما "يتمتع المكتب بالأولويات فيما يخص التعريفات المقرّرة للخدمات العامة التي تقدمها حكومة الجمهورية التونسية".

"تمثل التعريفات المقررة للخدمات العامة الإمتيازات مثل الإعفاء من دفع الضرائب والرسوم المستوجبة على الخدمات، وهي تسمى تشجيعات، فمجلة التشجيع على الاستثمار تعطي مثل هذه الامتيازات" يقول عبد المجيد العبدليّ.

في علاقة بموظفي وموظفات المكتب، بموجب هذه الاتفاقية فإنه "يسمح لمكتب صندوق قطر للتنمية باستخدام الموظفين والمستشارين والتابعين ذوي الجنسية الأجنبية وتسند لهم تراخيص عمل عند الاقتضاء". كما إن "الموظفين الموفدين يتمتعون بإعفاء من الرسوم الجمركية والأداءات المستوجبة باستثناء الرسوم والآداءات مقابل خدمات عمومية عند توريد:

- حقائب السفر .

- الأمتعة الشخصية والأثاث.

كما "يتمتع بالإعفاء الضريبي على سيارة واحدة كل موظف موفد للعمل بمقر الصندوق وخلال إقامته في الجمهورية التونسية". في ذات الوقت، تم الاستثناء من جميع الامتيازات الضريبية الموظفون·ـات الحاملون·ـات للجنسية التونسية أو لجنسية أجنبية والمقيمون·ـات بصفة دائمة في تونس عند انتدابهم·ـن.

عن هذه الإمتيازات يقول عبد المجيد العبدلي: "للموظفين في الصناديق الأخرى ذات الامتيازات لأنهم يمثلون دولهم، فمثلا يمكن أن يكون مقر الصندوق السفارة وهنا يصير جزءا من سفارة قطر ، ما يجعلهم يتمتعون بالحصانات القضائية والامتيازات الجبائية وهي حصانات لا تمس من سيادة الدولة التونسية، وهو  إجراء معمول به في جميع الدول. فهل الحصانات للسفارات تمس من سيادة الدول؟"

  هل تمس الاتفاقية من السيادة الوطنية؟  

بين من يرى في الاتفاقية مسّا من السيادة الوطنية التونسية بـ"فتح الباب لتشغيل الأجانب دون أيّة رقابة" و "تمليكهم للمشاريع والأراضي"، ومن يساندها على أساس أنها ستجلب استثمارات وموارد مالية مهمة. يتهم الفرقاء السياسيون بعضهم بالتوظيف السياسي في التعامل مع هذه الاتفاقية والعداء على اعتبار أن من يناوؤُونها يحركهم العداء الايديولوجي لقطر. في المقابل يشكّك المعارضون لها على أساس أنها ساقطة شكلا من الناحية القانونية. 

"تم الاتفاق في الملفات ذات الجدل مثل اتفاقية صندوق قطر على إحالتها على خلية الأزمة -تتكوّن من أعضاء مكتب المجلس ورؤساء الكتل النيابية ورئيس لجنة الصحة والشؤون الاجتماعية وممثل عن غير المنتمين كملاحظ- غير أن هذا لم يحدث، بل تم تمريرها بالقوة على الجلسة العامة" وفق قول الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي المعارض، غازي الشواشي، في حوار أجراه مع إذاعة شمس أف أم.

ويضيف الشواشي: "قلنا حينها أننا سنقاطع الجلسة لخلل إجرائي يتمثل في عدم مرورها بخلية الأزمة، لذلك قمنا بالطعن الذي يتعلق بالإجراءات. ويؤكد: "لا نرى  في محتوى الاتفاقية مسّا بالسيادة الوطنية. إذا ما أردنا دفع العجلة الاقتصادية وخلق الثروة فالعنصر الوحيد هو الإستثمار."

من جهته يتسائل عبد المجيد العبدلي: "هل نخشى من قطر أن تحتل تونس عن طريق هذا الصندوق؟ هذه مجرّد زوبعة. فهذا الصندوق يأخذ امتيازات مشروطة بتقديم عمله لكنها امتيازات لا تخالف القانون التونسي. الفصل 20 من الدستور ينص على أن الاتفاقية الموافق عليها من البرلمان والمصادق عليها من رئيس الجمهورية أعلى من القانون وأدنى من الدستور".

ويتابع: "اليوم إما أن نتكلم في الإتفاقية القانون ومن وجهة نظر قانونية بحتة وليس بناء على جدل سياسي. لدينا في الفصل 67 من الدستور أن بإمكان رئيس الحكومة التونسية إبرام الاتفاقيات ذات الصبغة الفنية. وعليه فإن رئيس الحكومة حينما زار قطر كان بامكانه توقيع اتفاق مع الحكومة القطرية في أن يكون للصندوق مقر هنا ولا يستدعي ذلك موافقة البرلمان". 

يقول العبدلي: "من المستحسن في هذه الظروف وباعتبار تونس كدولة نامية وتستجدي في المساعدات المالية والاقتصادية، لا حاجة إلى هذا النقاش، ومن يتحدثون اليوم في هذا الشأن ليست لهم دراية بقواعد الاتفاقيات الدولية".

على نحو آخر يقول النائب المستقل، ياسين العياري، في تدوينة نشرها على صفحته الرسمية على موقع فايسبوك: "إذا تحدّثنا من حيث المبدأ وإذا كانت الاتفاقية استعمارية و تمس من السيادة الوطنية، فيجب إلغاؤها و إلغاء كل الاتفاقيات المماثلة مع جميع الدول، معتبرا أن البند المتعلق بالعمالة الأجنبية عادي جدا." ويستشهد العياري بأن منظمات مثل التعاون الإنمائي الألماني GIZ والوكالة الفرنسية للتنمية AFD يديرها مديرون من بلدان منشأ هاتين المنظمتين وهي ألمانيا وفرنسا.

ويواصل العياري:"رغم أنها نفس البنود، فإن نواب كتلة إئتلاف الكرامة نددوا باتفاقية منظمة الفرنكفونية وصوتوا على اتفاقية صندوق قطر فيما أن الآخرين (المعارضين لاتفاقية صندوق قطر) عارضوا هذه الإتفاقية و تغاضوا عن الأخرى. مشدّدا على أن ما يفعله النواب "نفاق إديولوجي شعبوي رخيص لا يضع مصلحة تونس أمامه".

في المقابل، وبالعودة إلى تقرير لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية حول مشروع القانون المتعلق باتفاقية إقامة مكتب للوكالة الفرنسية للخبرة الدولية بتونس سنة 2019، نجد إشارات من أعضاء اللجنة إلى صلاحيات مماثلة على غرار الإعفاءات الضريبية وامتلاك العقارات والأراضي وأهلية التقاضي. ونجد في التقرير تحفظا على ورود عبارة "إرساء الأمن وتعزيزه" في الاتفاقية ضمن صلاحية الوكالة الفرنسية. وهو ما رأى فيه التقرير تعارضا مع الفصل 17 من الدستور الذي يؤكد على أن الدولة تحتكر إنشاء القوات المسلحة وقوات الأمن الداخلي وإرساء الأمن.

يمكن الاستنتاج أن النقاش الذي دار حول اتفاقية صندوق قطر للتنمية قد خلا من النظر في محتواها على نحو جدّي. ذلك أن الاتفاقيات والبنود المضمنة فيها تأتي مماثلة لعشرات الاتفاقيات الدولية الأخرى المبرمة مع صناديق تنموية ومنظمات عالمية تشتغل في تونس. حيث طغى الجدل السياسي وتبادل الاتهامات على جوانب أخرى من الاتفاقية مثل المشاريع التي ستقدمها للدولة التونسية ومدى نفعيتها، وأية قيمة اجتماعية واقتصادية لاستقطاب مثل هذه الصناديق التنموية.