كيف اكتُشف المتحوّر دلتا وما الذي يجعله مثيرا للقلق؟
كوفيد-19: "خذوا صورنا، هاهُنا نحن نموت"، صرخة فزع أهالي القيروان
متابعة بالأرقام لحملة التلقيح ضد كوفيد-19 في تونس
كوفيد-19 : في مراكز التلقيح، تبدو أهداف الحكومة بعيدة المنال
يؤكد الدكتور في البيولوجيا وصفي فارس لإنكفاضة تسجيل وفيات في تونس بسبب الإصابة بالمتحوّر دلتا مشيرا إلى أن عدد الحالات المكتشفة إلى حدود 28 جوان قد بلغ 32 حالة. ويشدّد على: "طالما لا يزال المتحور في طور الانتشار في ولايات أخرى يعني أن عدد الحالات سيكون أكثر من الآن فالعدد الذي لدينا والمعلن عنه هو لحالات يتم اختيارها من المستشفيات وترسل إلى معهد باستور للتقطيع الجيني."
ويوضح فارس: "تتمثل استراتيجية المعهد في تقصي السلالات الجديدة في رفع عينات من المناطق التي تعتبر بؤر انتشار العدوى وعرضها على التقطيع الجيني. لا نلتزم برقم معين يوميا من العينات لأن ذلك مرتبط بعدد الحالات المشبوه حملها لمتحوّرات جديدة ولكن يمكن القول أننا نجري تقطيعا جينيا جزئيا لـ80 عينة يوميا."
ويستدرك فارس: "لا نستطيع تقديم نسبة مئوية دقيقة عن انتشار متحوّر دلتا مقارنة بالسلالات الأخرى في تونس طالما أن التقطيع الجيني لا يشمل جميع العينات التي يقع تحليلها."
يؤكد الدكتور في البيولوجيا "إن العينات المشتبه في حملها سلالات جديدة التي تصلنا اليوم من القيروان 100% منها تعود إلى المتحوّر دلتا"
في نفس الموضوع
في نفس الموضوع
وفقًا لمركز الولايات المتحدة لمكافحة الأمراض والوقاية منها ، تم اكتشاف المتحوّر دلتا لأول مرة في الهند في ديسمبر 2020. حاليا انتقل المتحور من الهند إلى أكثر من 90 دولة، وفق منظمة الصحة العالمية.
"في الوقت الحالي يعد المتحور الهندي مثيرا للقلق، وهو يعرف علميا باسم B.1.617.2. ويعتبر الأكثر خطورة نظرا لسرعة انتشاره الكبرى، ففي كل مكان يحلّ فيه دلتا سواء بلادا أو منطقة ينتشر على نحو سريع حتى يغدو السلالة المهيمنة. وهو أخطر الأنواع الخمسة الأكثر انتشارا، وهي المتحوّر البريطاني (ألفا) والجنوب إفريقي (بيتا) والبرازيلي (غاما)." يقول وصفي فارس في حواره لإنكفاضة.
يؤكد الدكتور في البيولوجيا لإنكفاضة: "ما يجعل من المتحور دلتا أكثر خطورة من البقية هو انتشاره السريع والتحول المفاجئ في الأعراض حيث تتطور الحالة من العادية إلى الحرجة في وقت قصير. ويشير إلى أن أعراضه مشابهة للأعراض الاعتيادية لكوفيد-19 مع أوجاع كبيرة تمس الجهاز التنفسي وخاصة الرئتين والتي غالبا ما تستدعي الإيداع بالمستشفى.
ويوضح فارس: "تعتبر الفيروسات التي تستخدم الحمض النووي الريبي كمادة وراثية، مثل كوفيد-19، معرضة بشكل خاص للطفرات والتحوّرات. وينجرّ التحور الجيني عن تطور يحدث بطريقة عشوائية في المكون الجيني قد يكون أكثر خطورة كما قد يكون أقل".
ويضيف فارس: "في الحقيقة كل فيروس ذو حمض نووي ريبي يعطي سلالات كثيرة ولكننا لا نهتم بهذه السلالات إلا عندما يكون لها تأثير على الصحة العمومية مثل سرعة الإنتشار أو تؤدي إلى حالات خطرة بصفة ملحوظة. فحينها يتم تحديدها كمتحورات ذات قيمة قصوى تتطلب المراقبة، وهو ما يحدث حاليا مع دلتا"
إحدى تقني مختبر معهد باستور بتونس بصدد معالجة عينات تحليل لتقصي فيروس كوفيد-19، المصدر: معهد باستور بتونس.
"لدينا تعليمات لإرسال عينات إلى معهد باستور للتقطيع الجيني، إنه متحوّر شديد العدوى، ويهاجم جميع الأعمار" يقول محمد رويس، المدير الجهوي للصحة بالقيروان في تصريح لإنكفاضة.
وأضاف رويس: "اعتمادًا على المتحوّر الذي نحدده، هناك إجراءات سيتم اتخاذها في الولاية، فربما سنعزل حيًا بأكمله، عائلة بأكملها أو مدينة بأكملها مشيرا إلى أن هذه الإجراءات ستتخذ بالعودة إلى المرصد الوطني للأمراض الجديدة والمستجدة واللجنة العلمية."
ماهو وضع المتحوّر دلتا في تونس؟
في نفس الموضوع
يقول الدكتور وصفي فارس: "بداية من شهر فيفري كانت لدينا هيمنة من السلالة البريطانية حتى بدأنا نلاحظ مؤخرا أن عدد حالات المتحور البريطاني في تناقص لصالح السلالة الهندية".
ويواصل: "في القيروان كانت تفد علينا السلالة البريطانية ثم بدأت تتناقص على حساب متحور جديد لم نكن نعرفه حتى قمنا بالتقطيع الجيني الجزئي". ويقول: "التقطيع الجيني الجزئي هو الطريقة المرجعية التي نستعملها الآن في تونس لأن التقطيع الكلي مكلف جدا فالعينة الواحدة تتكلف 1000 دينار بينما يتكلف التقطيع الجزئي حوالي 45 دينار".
ويتابع: "قمنا بحصر المنطقة من الجينوم التي تحتوي أثار التحوّرات من من كامل جسم جينوم الفيروس، فعوض أن نقوم بالتقطيع الكلي أجرينا الجزئي فقط بناء على خوارزميات معينة أشارت إلى أن التحوّر يتعلّق بسلالة دلتا. ويوضح: "أعطانا ذلك لمحة أولية عن السلالة وبهذه الإستراتيجية قمنا بالتقطيع الكلي للعينة المشكوك فيها فقط حتى نتأكد أكثر".
في إجابته عن مدى قدرة المعهد على الترفيع في عدد الاختبارات، أكد فارس أنهم في حاجة إلى قدرات بشرية واعتمادات مالية أكثر. وفي ما يخص السلالة النيجيرية التي ظهرت هي الأخرى في نابل مؤخرا يقول فارس: "اكتشفناها في تونس منذ مارس 2021 وحاليا لدينا تسع حالات مكتشفة ما يعني أن تأثيرها محدود مقارنة بالهندية التي يظهر أنها سريعة الإنتشار".
مالذي يجعل دلتا أكثر خطرا من المتحورات الأخرى؟
تعتبر سرعة الإنتشار أحد السمات المميزة لمتحور دلتا بزيادات تقدر بنحو 40-60 % مقارنة بالسلالة البريطانية "الفا". ففي أقل من 3 أشهر هيمنت السلالة الهندية في المملكة المتحدة بنسبة تتجاوز اليوم 90% من مجموع الإصابات في البلاد. حيث ظهرت أول حالة في مارس فيما بلغت الحالات المعلن عنها إلى حدود 9 جوان 42,323 حالة.
وبلغت العدوى في الولايات المتحدة الأمريكية مستويات مهمّة في بضعة أسابيع ففي ولاية ميسوري مثلا بلغ عدد الحالات المصابة بالمتحور دلتا حوالي 30% فيما تجاوز المعدل الوطني 6% الأسبوع الماضي.
أشارت دراسة اسكتلندية حديثة كذلك إلى أن خطر دخول المستشفى تضاعف مع دلتا مقارنة بالسلالة البريطانية، خاصة لدى من يعاني أو تعاني من 5 أمراض أو أكثر. كما أنه صار يمسّ الفئات العمرية الأصغر سنا و الحاملين لأمراض مزمنة.
يظهر في بيانات الحكومة البريطانية عن تطورات الإصابات بفيروس كوفيد-19 أن الفئة العمرية بين 15 و20 سنة كانت لها النسبة الأعلى من إصابات متحور دلتا بين أفريل وجوان 2021.
عينات للتحليل من داخل أحد مختبر ات معهد باستور بتونس. المصدر معهد باستور بتونس.
هل تحمي اللقاحات الموجودة اليوم من متحوّر دلتا ؟
"التلاقيح الموجودة الآن تم تطويرها على أساس السلالة الأصلية وقد صنعت على أساس منح جسم الإنسان مناعة ضد الفيروس ما لم تطرأ عليه تحويرات.
إلى الآن خرجت عشرات السلالات الخطيرة وغير الخطيرة ما يعني أن بعض التلاقيح الحالية قد تكون ناجعة وبعضها قد تكون لا. وفي الوقت الحالي ليس بإمكان أي أحد إعطاء إجابة واضحة بخصوص حماية التلقيح ضد المتحورات من عدمه لأنهم لا يزالون في طور التجربة وكل الآراء الموجودة نتيجة بعض الإختبارات المحدودة" يجيب دكتور البيولوجيا وصفي فارس.
في ذات الوقت يؤكد موقع الصحة العامة البريطانية الحكومي بناء على ما أوضح أنه تحليل جديد أجراه، إن جرعتين من لقاحات مثل Pfizer-BioNTech فايزر-بيونتيك وأسترازينيكا فعالة ضد متحوّر دلتا بنسبة 96% و92% على التوالي.
ويرى فارس: "إن في حالة بقاء الوضع كما هو عليه وعدم التقيد بإجراءات الحجر الصحي الشامل قد نرى تضاعف الحالات في وقت قصير، مشيرا إلى أننا "نحتاج إلى حجر صحي شامل بين أسبوعين وشهر لمحاصرة انتشار الفيروس".
من جانبها، أطلقت 8 منظمات مدنية تونسية في بيان ما اسمته بـ"نداء استغاثة دولي" بُعيد اكتشاف وجود السلالة الهندية دلتا. واعتبرت المنظمات "إنّ الوضع بات يستدعي التدخّل العاجل والفوري لوضع حدّ لآلام ومأساة سكان ولاية القيروان المنكوبة وإيقاف نزيف هذه الكارثة الصحيّة". ووقعت على البيان ثماني منظمات من بينها الاتحاد العام التونسي للشغل والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وجمعية النساء الديمقراطيات و عمادة المحامين، من خلال فروعهم في ولاية القيروان.
يتواصل في الأيام الأخيرة ارتفاع نسق العدوى، حيث تجاوز عدد الإصابات المكتشفة يوم 28 جوان الـ5200 حالة. فيما تؤكد وزارة الصحة أن استراتيجيتها في مقاومة الفيروس تتمثل في تكثيف التقصي الميداني تجاوزت نسبة التحاليل الإيجابية ببعض الولايات 50% ولم يتعدّ عدد التحاليل المجراة بولاية سليانة مثلا التي تعدّ واحدة من بؤر انتشار العدوى الـ 328 تحليلا يوم 28 جوان مع نسبة تحاليل إيجابية بلغت 62%.