في نفس الموضوع
بمجرّد أن أنهينا حوارنا معه تلقّى الوالي مكالمة هاتفية رسمية تمّ من خلالها اعلامه بنبأ تعويضه بِوال جديد ليتسلّم المقاليد بدلا عنه في ولاية قبلّي الواقعة في الجنوب الشرقي للبلاد التونسية. كان الموقف محرجا لكنه منتظر على حد قول الوالي، فعادة ما تكون الحلول بهذا الشكل اذا بلغ الغضب ذروته في منطقة ما من تونس.
بدأ الوالي في جمع ملفاته لفسح المكتب لخليفته الذّي مازال لا يعرف عنه شيئا بعدُ. جمع ملفاته و شرع في تقطيع ما يخصه من وثائق لم يعد لها لزوم قبل الرحيل عن مسؤولية وصفها بالمضنية الشاقة.
منطقة الجنوب وخاصة ولاية قبلي تشهد حراكا شعبيا كبيرا خلال الفترة الأخيرة. برأيكم ما مدى وجاهة المطالب التي رفعها المحتجون ؟
هذا الحراك اجتماعي بالأساس و قد تزامن مع حملة وينو البترول. انطلقت الاحتجاجات في معتمدية الفوار ثم انتقلت إلى دوز وقد تمثّلت أساسا في التشغيل والتنمية. أهل الجهة، طالبوا كذلك، في ضرورة مساهمة المؤسسات البترولية الناشطة في منطقة الجنوب في التنمية المحلية فضلا عن اعتماد الشفافية في التعاطي مع ملف المحروقات بالجهة. لكن ما لا يمكن انكاره هو انّ هذه الاحتجاجات التي رفعت شعارات التشغيل و التنمية خلفت نوعا من العنف.
لماذا أخذ الامر منحى تصاعديا اذن ليبلغ هذا المستوى من العنف الذّي طال حرق المقرات الامنية مقابل الاعتداء على المحتجين؟
العنف هو وسيلة تستعملها الدولة للحفاظ على الدولة. أما أن يستعملها أفراد غير مؤطرين و غير مؤهلين فهذا موضوع آخر. انّ الشباب الذي يحتجّ جلب الانتباه اليه عندما مرّ الى الاشتباك مع العناصر الأمنية و حرق المقرات الأمنية.
لقد حرصنا على أن نكون في حوار دائم مع مختلف مكونات المجتمع المدني ومع كافة الأطراف المتداخلة في موضوع شركات البترول في الجنوب التونسي لكن ما راعنا إلا أنه في الفوار لم نجد في البداية من نتحاور معه.
لم يكن هناك أي شخص تقدّم و قال انّه مؤهّل لتمثيل الاهالي ومطالبهم. أمّا مكونات المجتمع المدني وعقلاء معتمدية الفوار فقد قالوا انّ هذه الأحداث تتجاوزهم. ولكن بعد أن هدأت العاصفة على اثر عمليات الحرق والتخريب تمّ تكوين مجموعة تتحدّث باسم المحتجّين وتتفاوض حول مطالبهم.
وماذا بعد جلسات التفاوض؟
جلسنا وتفاوضنا معهم و توصّلنا إلى اتفاقات بعد جلسة دامت 13 ساعة بحضور أفراد المجتمع المدني من اهمها تخصيص ثلاثة ملايين دينار من قبل الشركات البترولية لتمويل مشاريع استثمارية في معتمدية الفوار. ولكن فوجئنا بعد ذلك بتراجع المحتجّين عن الاتفاق ومطالبتهم بوفد وزاري يتظم خصّيصا في الجهة لتدراس الوضع التنموي.
قلنا لهم انّ الوفد الوزاري يحتاج ترتيبات قبل أن يأتي الى المنطقة وانّ مجيئه لا يمكن ان يكون رهين سياسة ليّ الذراع وغلق المؤسسات البترولية و الاعتصام أمامها مثل ماهو الشأن في معتمدية الفوار.
في الحقيقة فانّ المسألة التنموية في تونس هي مسار كامل يتطلب وقتا و جهدا فليْس بين عشية و ضحاها تتحقق المشاغل التنموية في البلاد. ثم ان المشاغل التنموية تتطلب استقرارا سياسيا و اجتماعيا و امنيا. نحن في مواجهة شباب محتج غير مؤطر يريد حلول فورية و آنية و هذا غير ممكن. فالحلول تأتي بشكل متدرج و مشاغل التنمية و التشغيل شأن يهم كل الجمهورية التونسية.
لكن سيدي الوالي المحتجّون يطالبون أيضا –الى جانب التنمية- بكشف “ملفات الفساد” في الشركات البترولية المستثمرة في مناطق الجنوب؟
موضوع الطاقة لديه مؤسسات تهتم به من وزارة الصناعة و المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية ولا يوجد احالة من هذه الاطراف لممثلي الجهات للبت في مطلب الكشف عن مدى وجود فساد في هذا الباب. ثم ان وزارة الطاقة كشفت في اكثر من مناسبة عن كل ما تملكه من ارقام و ملفات وعقود.
لكن هناك من المحتجين من يوجه لكم شخصيا اتهامات بالتورط في الفساد و خدمة مصالح هذه الشركات البترولية و شركات الخدمات التي تعمل لفائدتها و التي تعود ملكيتها لشخصيات نافذة في البلاد. ماهو تعليقكم على هذه التّهم؟
نحن ليس لدينا في هذه الجهة أيّة علاقة بهذه الشركات و لا برجال الأعمال الناشطين في هذه الشركات. علاقتنا بهم محدودة جدا وهي لا تتعدّى مجرد لعب دور الوساطة بينهم و بين المواطنين في هذه الجهات من اجل حثّهم على المساهمة في التنمية الاجتماعية.
أنا أنفي أيّ علاقة لي بهذا الموضوع و اذا وجدت اتهامات فالقضاء كفيل بكشف الحقيقة في هذا الشأن.
انّ مؤسسة الانشطة البترولية هي المشرفة على قطاع البترول و ليس لنا اي علاقة بذلك. ثمّ انّ شركات البترول لا يمكن ان تعوّض الدولة في مهامها التنموية و امتصاص البطالة.
و الحكومة الجديدة الان تدرس ما يمكن وضعه من مخططات تنموية لرسم منهج العمل خلال السنوات الخمس القادمة.