سفيان، 26 عاما، بائع خمر خلسة، 3675 دينار في الشهر لا تكفي لطمأنة ضميره



30 أفريل 2023 |
"أنا لست مثل البقية، لا أستطيع النوم في الليل، أفكاري تدفعني إلى أن أصدق أنني شيطان بسبب ما أفعله، وهذا نوع من أنواع التعذيب" هذا ما قاله سفيان شاب ال 26 عاما وهو بائع خمر خلسة بأحد الأحياء الشعبية في تونس.
يجلس سفيان في غرفة شبه شاغرة وعيناه تدقّقان النظر في الباب المفتوح أمامه والمطل على الشارع. لو تقدمت بضع خطوات يمكنك سماع هتافات الأطفال يلعبون على قارعة الطريق والمارة يتبادلون التحيات ولن يخفى عنك لوهلة أنك في حي شعبي بتونس.

 الساعة تشير إلى التاسعة صباحا وهو الوقت المعتاد لبداية استقبال الزبائن. من عادة سفيان بيعَ الحبوبِ المخدرة من الصباح حتى منتصف النهار ثم يغير قائمة البضاعة إلى كافة أنواع الخمور وذلك حتى الساعة الثانية ليلا: "بإمكاني بيع كل أنواع البضاعة المتوفرة وكسب الربح دوما، إنها أموال سهلة لكنها محفوفة بالمخاطر." 

ترعرع الشاب في عائلة متواضعة الحال، لم يكمل تعليمه وانقطع في سن مبكرة، وهو الإبن الأكبر من بين ثلاثة إخوة، أحدهما هو أيضا معروفٌ في المنطقة كبائع مواد مخدرة. علاقة الأخوين متينة، إذ لطالما كان سفيان مستعدا لتقديم يد المساعدة لأخيه الأصغر وإرشاده، خاصة وأن مهنتهما تعّج بالمخاطر. "اعتدنا على الخطر ومع فكرة إمكانية الزّج بنا في السجن في أيّة لحظة" يقول سفيان وهو ينظر إلى الغرفة الموجودة على يساره أين يخزن البضاعة الجاهزة للبيع.

في المنطقة حيث يقطن، لا يجتهد بائع الخمر كثيرا لنيل قسطه من كمية الخمور فالتزود بالبضاعة سهل. يتعامل مع موزعٍ يأخذ البضاعة من نقاط تسليمها ويوزعها على مجموعة من بائعي الخمور خلسة، ومن بينهم سفيان الذي يشتغل تحت وصاية مشغّله: "إنه يعاملنا مثل أبنائه ويوفر لنا كل مانستحقه للعيش بأريحية" يقول واصفا علاقته برب عمله.

يقطن شاب الـ 26 عاما بمفرده في منزلٍ - هو محلّ عمله أيضا - ولا يدفع إيجاره أو فواتير الماء أو الكهرباء أو حتى الإنترنت، حيث يتكفل مشغّله بهذه المصاريف ويزيح عنه عبء نفقات إضافية. لكن  مداخيله التي تقدر بـ 3675 دينار شهريا متأتية من بيع الحبوب المخدرة والخمر بالأساس. يكون نصيب سفيان من عمليات البيع والشراء قرابة 82 دينار يوميا من بيع الخمور و300 دينار أسبوعيا من بيع المواد المخدرة كمبلغ تقريبي، نظرا إلى أن هذه المداخيل متغيرة من فترة إلى أخرى. ويتم إنفاقها على متطلبات الحياة اليومية واستهلاكه الكبير للمواد المخدرة.

فيما يلي لمحة عن مصاريفه ومداخيله الشهرية :

لكن كيف يمكن لسفيان وزملائه من باعة الخمر خلسة أن يتواروا عن أنظار الأمنيين في المنطقة؟ يقدّم لنا الشاب الإجابة مفصلة. إذ من البديهي أن يتعرض الباعة لمضايقات أعوان الأمن، وهنا، يأتي دور الأموال التي يقدمونها كرشوة لبعض منهم لحل العديد من المشاكل وفق تعبيره. ويواصل بالقول أن هؤلاء الأمنيين يتقاضون مبالغ مالية مقابل غض الطرف عن أنشطتهم، أو قصد مدّهم بمعلومات حول المداهمات الأمنية ودوريات التفتيش. " لنا أعين في مركز الأمن وداخل فرقة الأبحاث العدلية" يؤكد الشاب، مضيفا أنهم قد يمتنعون في بعض الحالات عن مدهم بتلك المعلومات، بالرغم من حرص الباعة على الدفع المستمر.

"نقدم أسبوعيا مبلغا يقدر بـ 200 دينار لرئيس مركز الأمن في المنطقة، أما بالنسبة للأعوان الذين نتعامل معهم فيتراوح نصيبهم عند مدّنا بالمعلومات حول المداهمات بين 20 و 50 دينارا أو قد يكتفون بـ 6 زجاجات 'بيرة' ". 

جدير بالذكر أن سفيان - بصفته عاملا - لا يتكفل بهذه النفقات المحسوبة على مشغله الذي "يعقد" مثل هذه الاتفاقيات مع الأمنيين وفق قوله. 

وفي الوقت الذي يتعاون فيه أطراف من داخل السلك الأمني مع الباعة، نجد آخرين، حسب محدثنا، يسعون للإطاحة بهم. وقصد تحقيق هذه الغاية يستعملون عدة أساليب منها "العمل مع فتيات قاصرات في الأحياء الشعبية، ففي حالة ضبط هؤلاء في وضعية مخلّة ونظرا لخوفهن من فضح أمرهن لدى عائلاتهن، يعرض عليهن الأمنيون العمل كمُخبرات عن الباعة في المنطقة مقابل التستر عليهن."

وجود سفيان في عالم يتسم بالخروج عن القانون ووفرة المواد المخدرة والخمر بصفة مستمرة جعل قسطا كبيرا من مصاريفه موجها لإشباع رغباته في الإنتشاء، من خلال الاستهلاك الدائم واليومي لكافة أنواع البضاعة المتوفرة. 

وبغض النظر عن قدرته على ادخار مبلغ تقريبي يقدر بـ 1115 دينار كل شهر، لا يتوانى الشاب العشريني على إنفاق ما يقدر بـ 1800 دينار على هذا الاستهلاك، وهو مبلغ يتجاوز كافة مصاريفه اليومية والشخصية. كما ينفق على عائلته مبلغا يقدّره بـ 300 دينار في حالة حاجتهم لدفع كراء منزلهم أو من أجل تسديد بعض الفواتير.

فيما يلي تفاصيل مداخيله ومصاريفه الشهرية:

عمل سفيان يأخذ من وقته الكثير ويفرض عليه التفرغ تماما للبيع والشراء. فلا يتنقل كثيرا خارج منطقة سكناه ولا يأخذ فترات من أجل الإجازة أو الراحة. لذلك تكون مصاريفه عادة محدودة إلى حد ما وتتمثل في اقتناء مواد غذائية أو مأكولات سريعة جاهزة تكلفه قرابة الـ40 دينار في الأسبوع. كما يذهب إلى الحلاق مرتين شهريا، يخيّر شراء ملابسه وأحذيته من سوق الملابس المستعملة، إلى جانب ما يتلقى من هدايا من أقاربه، وبالأخص منهم قريبته التي تقطن في بلد أوروبي.

المنطقة الرمادية 

"أنا أستهلك دوما كي أنسى وأوقف عذاب الضمير"، هكذا يصف محدثنا واقعه. ومع تأنيب الضمير لا تبارح ذهنه فكرة أبواب السجن المفتوحة على مصراعيها وتلازمه كل يوم. يرى الشاب أنه وعلى عكس بقية أترابه، يعيش حياةً فيها جانب مظلم كبير، كدوامة تبتلع أحلامه وتتغذى على التمتع بالأموال السهلة.

"هي لذّة وقتية قد تقتلها مرارة نظرات المجتمع"، يصرّح سفيان.

يتخوّف سفيان كذلك من شبح الخسارة وهو هاجس لا يفارقه. ففي حالة عدم تنبيهه لمداهمة أمنية قد تُحجز بضاعته أو يضطر في بعض الأحيان للتخلي عنها أو التخلص منها وإتلافها قصد تجنّب الأصفاد التي قد تقيد يديه وتحرمه حريته.

المستقبل 

في ظل هذا العالم الذي وجد سفيان نفسه جزءا منه، صار من الصعب عليه الخروج منه وأصعب من ذلك المضي فيه كونه قد يهوي في أية لحظة. لكن صاحب الـ26 عاما يرى أنه من الممكن أن يتوقف عن العمل في هذا المجال لو استطاع إدخار مبلغ مالي كبير. كما أنه لا يستبعد فكرة الهجرة غير النظامية نظرا للوضع العام للبلاد الذي "يتسم بالتأزم على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي"، وفق تعبيره.

"إن سنحت لي فرصة المغادرة فسأقتنصها. الوضع العام لا يبشر بالخير" 

في ظل عتامة الأوضاع، وجد سفيان في الفن مهربا صغيرا إذ يكنّ الشاب شغفا كبيرا بفن الراب. يذكر لنا أنه قد زار رفقة أصدقائه سابقا أستوديو تسجيل فانبهر به وزاد تعلقه بالموسيقى، كل ذلك جعله يرغب في التأليف والغناء عن الأوضاع المعيشية ومعاناة الشباب من حوله.

يؤكد سفيان أنه كان من الممكن أن تتعدد خياراته ويكون في موضع مختلف لو أكمل دراسته وتمسّك بها. "على الشباب أن يرتقي بالأوضاع من خلال التعلم والتكوين وأن يخلق فرصا جديدة يضمن بها مستقبلا باهرا".