ترعرعت الشابة في حي شعبي بالعاصمة تونس، بكنف أسرة بسيطة تتكون من خمسة أفراد، اشتغل الأب في محل بيع لوازم وتجهيزات صحية مستعملة، والأم ربة منزل. لم تكن تعلم الفتاة حينها أن وقتا قصيرا يفصلها عن تغير مجرى حياتها كليا.
طفولة المرأة الثلاثينية كانت عادية على حد تعبيرها، وتصف لنا وضع عائلتها في تلك الفترة قائلة "مقارنة باليوم كنا نُعتبر أغنياء"، وتضيف "كل الأشياء الضرورية والأساسية كانت متوفرة لنا". لكن على الرغم من أنها كان تأمل في استكمال تعليمها إلا أنها اضطرت لمغادرة مقاعد الدراسة ولم تصل سوى لبداية المرحلة الإعدادية، تقول أحلام: "مرض والدي فأُجبرت على الخروج من المدرسة والبقاء في حانوته، فلا يوجد من يعيلنا سوى أبي الذي أعجزه المرض عن الاستمرار في العمل".
لاحقا، مع وفاة والدها أُغلق المحل نهائيا. فعملت الشابة كمعينة منزلية لفترة من الزمن، ثم لازمت المنزل وأصبحت عاطلة عن العامل.
تعرفت أحلام على الشاب الذي تزوجت منه لاحقا، إذ أحبت أن تؤسس أسرة وتتقاسم مرّ الحياة وحلوها مع شريك حياتها، الذي كان يعمل كموظف أمن في إحدى الشركات، إلا أن الأمور لم تجر كما تمنت، إذ ترك زوجها العمل الذي كان يعتبره غير مجدٍ وانضم إلى صفوف البطالة. حصل هذا في بداية زواجهما وحينها أيضا كانا ينتظران مولودتهما الأولى.
عندما أنجبت طفلتها لم يكن لدى أحلام أي مصدر رزق، "ساعدتني والدة زوجي في مصاريف الولادة، ولكن إلى متى ستبقى تعينني؟" تعلّق الشابة على وضعها وتكمل "بعد ولادتي استيقظت على واقع مادي صعب وطفل بحاجة إلى الكثير من المصاريف، فلجأت إلى أسهل حل برأيي، الشارع أين وجدت طريقة لكسب المال". ومن هناك بدأت عمالتها في الجنس.
أصبحت المرأة تنزل كل يوم إلى الشارع، تراقب وتفاوض وتستقطب الزبائن، ومرات تعود بمدخول وأحيانا تعود دونه. تخرج من منزلها كل صباح وتعود في آخر النهار، وتغيب بعدد ساعات التوقيت الإداري. تقول "لم أجرؤ على العمل مع أحد أو الانضمام إلى عاملات الجنس في عبد الله قش -الذي كان مازال يعمل حين بدأت- لأنني مارست هذا العمل خفيةً عن زوجي وعائلته وعائلتي". تتجاوز مصاريف المنزل ومصاريف ابنتها التي دخلت المدرسة، ومصروف الزوج أيضا، الدخل الذي تأتي به أحلام. لكن مهما كان هذا الدخل فبالنسبة لها مصاريف ابنتها هي الأولى في سلم الأولويات.
لمحة عامة عن مصاريفها ومداخيلها الشهرية:
"رغم أن هذا المجال يبدو طريقة سهلة للحصول على الأموال إلا أن الحقيقة ليست كذلك" تقول الشابة، التي عرضها هذا العمل إلى العنف الشديد، فلا يمكن أن تنسى كيف أنها في بداياتها قام أحد الزبائن وبعد أن قضى غرضه منها بالاعتداء عليها بالعنف الشديد وسرقة الأموال التي مدها لها من حقيبتها، ثم ضربها مرة أخرى وخنقها، وبدفعها إياه والصراخ استطاعت أن تنقذ نفسها بعد أن تركها وفرّ من المكان. "عند تعرضي لهكذا اعتداءات لا أستطيع أن أتقدم بشكوى فبطبيعة الحال ستتم إدانتي كوني عاملة جنس بلا ترخيص" تقول السيدة، مشيرةً أيضا إلى أنها لا توافق على الخروج للسهر ولا تتعاطى الكحول أو المخدرات تحت أي ظرف "أقبل بهذا العمل فقط لأجل ابنتي، التي أتمنى وأصر على أن تكمل تعليمها".
تتوزع مصاريف الأم على احتياجات المنزل الأساسية، وتحاول الاقتصاد في مصاريف على حساب أخرى حتى تتمكن من تغطية جميع الاحتياجات، فمن حاجات البيت إلى نفقات المدرسة واحتياجات ابنتها، ثم سجائر زوجها ومصروفه، تجد أحلام نفسها غير قادرة على شراء أشياء لنفسها، فحتى مواد النظافة والعناية الشخصية تعتمد فيها على أقل الأنواع سعرا. وفي الأكل كذلك، تجد نفسها مضطرة إلى شراء ملّيلترات من زيت "الصّبة" غير المعروف مصدره على حد تعبيرها، وتعتمد نفس طريقة الشراء أيضا في معجون الطماطم، كما يُطبّق ذلك على مواد التنظيف المنزلية المُباعة حسب الكمية الضئيلة التي يقدر عليها المشتري.
فيما يلي تفصيل مداخيلها ومصاريفها الشهرية:
المنطقة الرمادية
"أشعر وكأنني روبوت، أقوم بهذا العمل وكأنني آلة يعوزني أدنى مقدار من الإحساس بالإنسانية"، تصف أحلام واقعها، وتعتبر أن الصعوبات في مجالها كثيرة، فإضافة إلى احتمالية السجن والإيقاف، فإن وقوفها في أماكن معينة يدخلها في مناوشات مع عاملات وعاملي جنس آخرين يتقاسمون المناطق فيما بينهم. وتعتبر الثلاثينية أن هذا المجال أيضا تأثر كغيره بالتضخّم وارتفاع الأسعار: "قل عدد الزبائن، أحيانا أتفاوض مع أحدهم وتنتهي المحادثة باعتذاره لعدم امتلاك المال". تخلص الشابة إلى أن العرض فات الطلب بكثير.
من ناحية أخرى تواجه أحلام مخاوف دائمة تجاه احتمالية اكتشاف عائلتها لعملها. وأمام مطالب ابنتها التي "بدأت تكبر وتعرف ماذا تحب، صرت أشعر بالحرج عندما أعجز عن شراء ما تطلبه" تعترف الأم، التي لا تستطيع رؤية أفق أفضل لهذا الوضع. كما تزداد حالتها تأزما بسبب المناوشات الدائمة مع زوجها نتيجة للحالة الاقتصادية الصعبة التي تعيشها العائلة.
المستقبل
في ظل ما تعيشه أحلام، يصعب عليها رؤية مستقبل مشرق أو حتى احتمالية واقع أقلّ بؤساً. إلا أن السيدة تتمسك بأمل إيجاد عمل آخر يوفر لها ولابنتها حياة كريمة.
حاليا ترتكز جميع آمال المرأة على ابنتها، إذ ترى أن المستقبل قد يصبح أفضل في حال "أكملت ابنتي تعليمها، وهذا هو هدفي في الحياة وما أصبو إليه، وهي الآن تأتي بنتائج متميزة جدا في المدرسة".