منصة إعلامية مستقلة في طليعة الابتكار التحريري
أنشئ حسابك الآن وتمتع بميزات النفاذ الحصري ومختلف الخاصيات المتقدمة التي توفرها لك. تحصّل على عضويتك وساهم في تدعيم استقلاليتنا.
بدأت حشود المتظاهرين·ـات في التّجمّع في شارع الحبيب بورقيبة مع السّاعة العاشرة صباحا. لأوّل مرّة، تهشّم الجدار الافتراضي المحيط بوزارة الدّاخليّة لتتعالى مئات الأصوات الغاضبة في وجه الشّرطة.
كان أسامة من أوائل المتظاهرين·ـات الذين واللّواتي وصلوا ووصلن أمام مبنى وزارة الداخلية المهيب. قبل ذلك اليوم، كان هذا المبنى المُنفر رمز نظام بن علي القمعي. هذه المرة تت·يتسلق المتظاهرون والمتظاهرات النوافذ والأعمدة ويطالبون ويطالبن برحيل الديكتاتور مواجهين·ـات الشرطة. تـ·يحيي الحاضرون والحاضرات شعورا غامرا بالإتّحاد والثّورة في وجه نظام لا يمكن له أن يدوم.
مع السّاعة الثّانية ظهرا، شقّ موكب جنائزيّ شارع الحبيب بورقيبة حاملا جثمان حلمي، شابٌّ ذو 23 ربيعا، سقط شهيدا في اليوم السّابق في مظاهرة ناحية باب الخضراء. هذا الحدث غير المنتظر أعلن عن بداية قمع البوليس.
وجد·ت المتظاهرون·ـات أنفسهم·ـنّ محاصرين·ـات من جهة بقوّات البوليس، ومن الجهة الأخرى بالموكب الجنائزيّ. تروي أمّ الشّهيد، وأصدقاؤه وبعض من الحاضرين·ـات لحظة انقلاب المظاهرة السّلمية إلى ساحة معركة تحت وقع الغاز المسيل للدّموع وهراوات الشّرطة وتدافع الحشود.
هربا من سيول الغاز المسيل للدّموع وهراوات البوليس، وجدت كوكبة من المتظاهرين·ـات نفسها في شارع جون جوريس. يروي نــَاش وأسامة المعارك المنسيّة حيث كان للمتظاهرين·ـات الغَلبة على أعوان الشّرطة.
“أصبح جون جوريس منطقة محرّرة”. استحوذت حشود المتظاهرين·ـات على حافلات خاصّة بالشّرطة لتستعملها كحواجز ضدّ قوّات الأمن، كما استولت على خوذات وهراوات وقنابل غاز مسيل للدّموع… تاريخ شارع جون جوريس، على بعد بضعة أمتار من شارع الحبيب بورقيبة، هو معركة صغرى داخل المعركة الكبرى. اتّحد·ت فيها المتظاهرون·ـات ضدّ عدوّ واحد ووحيد، ذراع السّلطة المسلّح : الشّرطة.
لم تتوانَ الشّرطة عن تشديد قمعها للمتظاهرين·ـات دافعة البعض إلى الاحتماء بالمباني والشّقق. وراء الجدران، تتوالى لحظات الهدوء والاضطراب تباعاً لتوثّق بطريقتها الخاصّة جزءاً من الذّاكرة المخفيّة.
عندما وجدت بختة نفسها موضع ترحيب في إحدى الشّقق وبدأت في الدّردشة مع مضيفيها، كانت وصال فوق سطح مبنى حانة الصّحفيّين، في حين انهمك علاء الدّين في استقبال العشرات من الأشخاص في مكتبه. إثر الاشتباكات، أخذت الجلبة في التباطئ في الخارج بينما يتعالى ضجيج أحذية الشرطة وانفجار قنابل الغاز المسيل للدموع. خلال كلّ هذا، نشأت علاقات بين رفقاء ورفيقات المحنة.
التجأت مجموعة من المتظاهرين·ـات تفوق المائة شخص إلى داخل فندق الكارلتون أمام وزارة الدّاخليّة. سيف غرايري ذو الـ12 عشر سنة آنذاك، كان من بينهم·ـن. خلال هذه الوقت، تحاول نادرة بن إسماعيل، مديرة الفندق، إدارة الوضع قدر الإمكان.
بينما غطت الغازات المسيلة للدموع الشارع برمّته، وجد·ت اللاجئون·ـات أنفسهم·ـن في قاعة بأحد الفنادق يشاهدون ويشاهدن ما يحدث على شاشة التلفاز. صراخ ودموع وتقيّؤ ... الفوضى سائدة في كلّ مكان. في هذا الخضمّ، كان على مديرة الفندق أن تجد حلّا إذ قريبًا ما سيتم الإعلان عن حظر التجول.
تمّ الإعلان عن حظر التجوّل بداية من السّاعة الخامسة مساءً، ليُجبر كلّ من احتمى·ـت بشقّة أو بفندق على قضاء اللّيلة حيثما كان·ـت.
في وسط جو من الاضطراب العامّ، ظلّ·ـت كثيرون·ـات في شوارع وسط المدينة دون أدنى فهم للفوضى المحيطة بهم·ـن، بينما أخذ أعوان الأمن في مداهمة المباني حيث التجأ·ت بعض المتظاهرين·ـات. البعض استطاع الهرب أو الاختباء، في حين هُوجم البعض الآخر من قبل البوليس.
حوالي السّاعة السّادسة ، حدث ما لم يكن في الحسبان. أُعلن عن هروب بن علي بعد حكم ديكتاتوريّ دام 23 سنة إثر شهر من الحراك الشّعبي. تراوحت ردّات الفعل بين الفرحة العارمة، والخوف من المجهول والقلق.
”لقد نجحنا، لقد هرب، قُضي الأمر“. أمام التّلفاز، وسط حظر التجوّل، روايات تُروى عن لحظة الإعلان عن هروب الدّيكتاتور. في الخارج، يردّد صدى ضجيج الشّرطة وصرخات النّاس أجواء الرّهبة المنتشرة في كلّ مكان.
في قلب اللّيل وخلال حظر التجوّل، مزّقت صرخةٌ الصّمت المطبق في شارع الحبيب بورقيبة : “بن علي هرب”. عبد النّاصر العويني، محام معروف في الأوساط النضاليّة، يتحدّى الممنوع ويخرج للتّعبير عن فرحته بعد فرار الدّيكتاتور بن علي.
في أحد مباني شارع الحبيب بورقيبة، توثّق نساء ما يحدث، شاهدات بذلك على أحد أهمّ لحظات ليلة 14 جانفي، حيث تُعلن صرخة رجل واحد هروب الديّكتاتور ونهاية عهد التعذيب والقمع والظّلم وبداية “التّحرّر”.
تـ·يروي المتظاهرون·ـات حكاياتهم·ـن الخاصّة والآثار التي تركها فيهم·ـن هذا اليوم المشهود.
”من الصعب التفكير في تلك اللحظة” ... تختلف الشّهادات لكنّها تجتمع حول شعور لم يكن من الممكن تخيّله قبل ذلك : شعور مفرط باللّحظة الحاضرة وبالارتباك. انطباع مُبهم يتراوح بين النّشوة باللحظة التاريخية والتعاضد أمام مستقبل مجهول. “سيذكر الناس دائمًا أنه يومًا ما، نزل الشّعب إلى الشوارع ليقول لا للديكتاتورية، ليقول لا للنّظام” ... “يا له من حظّ أن نعيش يوما كهذا”. ومع ذلك، على الرغم من كلّ الفخر، يتسلّل للسّطح شعور بمرارة ما بعد الثورة.
تـ·يروي متظاهرون ومتظاهرات ممّن علق في بعض الشقق والمكاتب أو في الفندق، ليلة من الانتظار الطّويل شابها قلق ناجم عن ضوضاء البوليس في الخارج.
إثر ذلك وفي قلب اللّيل، غامر العديد من الأشخاص بالنزول إلى الشارع، وخرجوا وخرجن من فندق كارلتون إلى فندق آخر على الشارع بحثا عن لقمة بعد يوم شاق. تـ·يتذكر سيف، الذي كان لا يزال طفلاً في ذلك الوقت، هذه اللحظة برفقة والدته. على بعد أمتار قليلة من هناك، بدأ التّعب والإرهاق ونقص السّجائر ينال ممّن تحصّن بالشّقق. وحينما يتعالى ضجيج البوليس في الشارع، تُحبس الأنفاس.
مع الثّانية صباحاً، داهم البوليس مقرّ شركة آكزيت للإنتاج حيث تحتمي مجموعة تبلغ الخمسين شخصا. بدأت إثر ذلك ليلة مضنية في مركز إيقاف مُرتجل في مأوى سيّارات وزارة الدّاخليّة.
تـ·ينزل الحاضرون·ـات اثنين اثنين بعد مداهمة الشّرطة المبنى. تـ·يحظى الأجانب والأجنبيّات بمعاملة تفضيليّة بينما تعبر باقي المجموعة الشّارع، مطأطئين·ـات الرّؤوس نحو وزارة الدّاخليّة تحت وقع الشّتائم والهراوات وتحت أعين الجيش.
قضّى مالك الصغيري، طالب شابّ معارض لنظام بن علي، ثمانية أيّام محتجزا في زنازين الدّاخلية ما بين الأقبية والطّابق الثّالث حيث تُجرى الاستنطاقات ويُمارَس التّعذيب. يصف مالك المكان وعنف الشّرطة وفقدانه لمفهوم الوقت.
غوص في حَشَايا وزارة الدّاخليّة. ضوء ساطع لا يكاد ينطفئ أبدا، يجعل التفريق بين النّهار واللّيل مستحيلا. يروي مالك حالة الرّعب والنجاسة المحيطة، يسمع ضوضاء في الخارج، يتمّ استنطاقه لساعات وأيّام، يتعرّض للتّعذيب، يتمّ تهديده بالاغتصاب… وفي يوم 14 جانفي، يرى العشرات من المتظاهرين والمتظاهرات المعتقلين·ـات في ذلك اليوم. يتسلّل الخنوع شيئا فشيئا لقلوب الأمنيّين. يروي مالك بتفاصيل حيّة، أيّاما وليالي أشبه ما تكون بكابوس قضّاها سجينا في أقبية الدّاخليّة، قبل أن يُطلق سراحه أخيرا، يوم 18 جانفي.
يروي علاء الدّين سليم، منتج ومخرج سينما، ليلة قضّاها في موقف سيّارات وزارة الدّاخليّة حيث شهد اضطراب أعوان الشّرطة وسلوكاتهم الارتجاليّة والتعسّفيّة.
قاد شرطيّون في الزيّ المدني المجموعة إلى مأوى السّيّارات. مشاهد عنف سريالي، وأشخاص يتعرضون ويتعرّضن للضرب بينما الشرطة تتلذّذ بإهانتهم·ـنّ. أُطلق سراح علاء الدين سليم صباح يوم 15 جانفي. ومنذ ذلك الحين، لم يعد يرغب في العودة إلى وسط العاصمة. بعد 10 سنوات، لا تزال آثار هذه التّجربة لا تمّحى من ذهنه.
عودة لأحداث يوم وليلة 14 جانفي 2011، بعد عشر سنوات، كما لو كنت هناك، من خلال تجربة انغماس سمعي ومسار حول شارع الحبيب بورقيبة و أرجائه. تحذير : بسبب الوضع الصّحّي الحالي وبعد الإعلان عن الحجر الصّحّي، ستتوفّر التّجربة الحيّة في وقت لاحق.
ابدأتجدون وتجدن تجربة يوم وليلة 14 جانفي، بعد عشر سنوات، من خلال مقتطفات صوتيّة من سلسلة “وين كنت نهار 14 جانفي ؟”. بفضل الشهادات المختلفة التي تم جمعها على مدار العام الماضي، أعادت إنكفاضة بناء هذا اليوم التاريخي، انطلاقا من المظاهرة في شارع الحبيب بورقيبة إلى زنازين وزارة الداخلية.
ابدأتوجّه·ـي نحو النقطة 1 المرئيّة على الخريطة (شارع الحبيب بورقيبة، قرب برج السّاعة) لبدء التجربة. سوف يعمل الصّوت أوتوماتيكيّا عند بلوغ النقطة على الخريطة.
بعض المقاطع الصوتية تدوم أكثر من وقت الانتقال من نقطة إلى أخرى. خذ وخُذي وقتك في الاستماع واستكشاف المكان قبل الانتقال إلى النقطة التالية.
لمزيد من المعلومات حول المقاطع الصوتية وللاستماع للنسخة المترجمة، اسحب·ـي على الشريط الموجود أسفل الشاشة.
قد يتمّ منع النفاذ إلى بعض النقاط في حال تمدّد حواجز الشرطة. الرجاء إبلاغنا بها حتى نتمكن من نقلها (أي النقاط، لا حواجز الشرطة. للأسف ليست لدينا هذه المقدرة).
أنت بعيد·ة عن مسار الخريطة. الرّجاء التوجّه نحو شارع الحبيب بورقيبة، أو الإكتفاء بالتّجربة الإلكترونيّة.
لا يمكن تحديد موقعك الجغرافي. يرجى التحقق من متصفّح الأنترنت أو السماح للموقع بالنّفاذ إلى موقعك الجغرافي.
لعيش التّجربة بطريقة مثالية، اتبع·ـي المسار الصّوتي من النقطة الأولى إلى النقطة الثالثة عشرة. يمكنك أيضًا الاستماع إلى القصص من خلال النقر على إحدى النقاط على الخريطة. تبدأ القصة أمام وزارة الداخلية، في الصباح، عندما تجمع·ـت المتظاهرون والمتظاهرات للمطالبة بإسقاط نظام بن علي. سرعان ما تسارعت الأحداث، أقبل الليل جالبا معه عنف الشرطة في الزنازين أو في موقف سيارات وزارة الداخلية.
ابدأتحيي إنكفاضة الذكرى العاشرة للثورة من خلال استرجاع أحداث 14 جانفي في وسط تونس العاصمة. لأول مرة، تقدم فرق الصحفيين والصّحفيّات والمنتجين والمنتجات والمطورين والمطوّرات والمصممين والمصمّمات تجربة غامرة في قلب العاصمة لإعادة بناء الأجواء والمشاعر والتجارب
المعيشة في ذلك اليوم التّاريخي.
تمت إعادة بناء هذا اليوم بفضل الشهادات العديدة التي تم جمعها على مدار العام الماضي كجزء من سلسلة البودكاست 'وين كنت نهار 14 جانفي ؟'.
يود فريق إنكفاضة بودكاست أن يشكر كل من شارك أو شاركت في هذا المشروع غير المسبوق الذي مكّن من استعادة لحظة من تاريخ تونس المعاصر، هذا اليوم الذي قلب مصير البلد برمّته.
إخراج : بشرى التريكي
مرافقة تحريريّة : منية بن حمّادي و هزار عبيدي
مونتاج : بشرى التريكي
تصميم صوتي و ميكساج : أسامة القايدي
تصميم جرافيكي و رسوم : مروان بن مصطفى
تطوير : بلال بن حسين
أنشئ حسابك الآن وتمتع بميزات النفاذ الحصري ومختلف الخاصيات المتقدمة التي توفرها لك. تحصّل على عضويتك وساهم في تدعيم استقلاليتنا.