متوفر باللغة الفرنسية

نجلاء، حوالي 58 عاما، معينة منزلية تعيل ابنها بـ 670 دينارا في الشهر



متوفر باللغة الفرنسية

إثر وفاة زوجها، امتهنت نجلاء تنظيف المنازل لإعالة أطفالها. لكنها اليوم صارت تتوجس من اقتراب الشيخوخة وحلم بافتتاح مشروعها الخاص. 

في نهاية يوم صعب، تجلس نجلاء* في بيتها وتمد رجلها التي تؤلمها على كرسي. اليوم قامت السيدة بتنظيف منزلين وغدا تنتظرها ثلاثة أخرى. 

منذ أن مرض زوجها ووافته المنية، عملت نجلاء على إعالة نفسها وابنها الذي يعاني من الربو من خلال العمل في عدة منازل على حساب صحتها، لينتهي بها المطاف بكسب 670 دينارا في آخر كل شهر، وهو مبلغ على قلته يكفيها لمعيشتها اليومية.

فيما يلي لمحة عامة على دخلها ونفقاتها الشهرية:

تبلغ نجلاء من العمر 58 عاما، "على الورق" كما تقول فهي لا تعرف سنها الحقيقي. تنحدر المرأة من منطقة ريفية وتقول إن والديها لم يسجلاها لدى الحالة المدنية عند مولدها بل بعد ذلك ببضع سنوات. 

لم تذهب نجلاء في طفولتها إلى المدرسة إلا حين بلغت التاسعة من عمرها. تروي أن "دخول الفتيات إلى المدرسة كان أقل في ذلك الوقت مما هو عليه الآن وكان الذهاب إليها شائكا بل وخطِرا". نشأت الأرملة في عائلة كبيرة تتكون من 13 شقيقا وشقيقة، وقد تزوج والدها من امرأتين "وهو أمر كان عاديا إلى حد ما في ذلك الوقت" على حد تعبيرها. 

في سن الـ 28، تزوجت من منتصر*، تاجر يعيش في العاصمة. تخبرنا نجلاء: "كان ينظر إلي كعانس ولم يجبرني والدي على الزواج منه." لم يكن منتصر أول المتقدمين لها، فقد سبقه رجال كثر طلبوا يدها من أبيها وكان الأخير يحترم رفضها لهم.

تزوجت نجلاء واستقرت في بيت زوجها، ثم سرعان ما أنجبت منه ابنا وبنتا. عاشت العائلة الصغيرة لسنوات في العاصمة قبل أن يُصاب منتصر بنزيف دماغي فقرر الزوجان بيع منزلهما في تونس العاصمة والعودة إلى مسقط رأسهما أين استقرّا في حي فقير. كان ذلك منذ عدة سنوات لكن ندم نجلاء على مغادرة العاصمة لم يخفت:

"لو بقيت في جبل الجلود [أين كانت تسكن في العاصمة] لكان من الأسهل العثور على شغل في مصنع أو في ورشة عمل ولكنت جنيت مالا أكثر ولَتلقّى زوجي وابني علاجا أفضل". 

ومن هناك بدأت الصعوبات المالية تتراكم، ما بين أدوية منتصر الذي لم يعد قادرا على العمل، واحتياجات طفليها. اعتمدوا في البداية على مدخراتهم ودعم العائلة لهم، لكن الوضع ازداد سوءا بعد وفاة والد نجلاء والتي تبعتها وفاة منتصر بعد سبع سنوات من إصابته بنزيف في الدماغ. 

بالتزامن مع ذلك أُصيب ابنها حمدي* الذي كان يبلغ من العمر 13 عاما آنذاك بالربو، فقررت نجلاء أن تجد شغلا. 

كان أجرها في البداية لا يتخطى خمسة دنانير على كل منزل تنظّفه، وشيئا فشيئا ارتفع دخلها. عُيّنت بعد الثورة كعاملة تنظيف في متحف مقابل 360 دينارا شهريا بالتوازي مع عملها في منازل قريبة. 

"كانت تلك الأيام الخوالي عندما كنت أكسب رزقا جيدا. لم يفتقر أطفالي إلى أي شيء بفضل وظائفي المختلفة، حتى إن ابنتي تمكنت من إكمال دراستها لتصبح معلمة لغة فرنسية". 

في عام 2019، شهدت الوظيفة العمومية موجة من الإقالات كانت هي إحدى ضحاياها. فقدت وظيفتها القارة ولم يعد لديهاملجأ سوى الاعتماد على الخواص الذين تعمل لديهم. وتدريجيا تمكنت المرأة من صنع اسم لنفسها، فصارت تجني من تنظيف المنزل الواحد بضع مئات من الدنانير في الشهر، ليبلغ دخلها في المجمل 670 دينار بحساب خمسة منازل مختلفة تذهب إلى كل منها عدة مرات في الأسبوع. 

فيما يلي تفاصيل دخلها ونفقاتها الشهرية:

ترتاح المرأة الخمسينية يوما واحدا في الأسبوع، الإثنين، وهو اليوم تعتني فيه بمنزلها وتذهب لشراء حاجياتها من السوق والتي تكلفها 220 دينارا شهريا. معظم نفقاتها الأخرى تخصصها لحياة ابنها اليومية وكل ما يتعلق بصحته. ترك ابنها مقاعد المعهد الثانوي في مراهقته، وظل يكافح منذ ذلك الحين للعثور على عمل قار. اشتغل في وقت من الأوقات في تهريب الوقود حتى أُغلقت الحدود مع الجزائر، فوجد نفسه معوّلا على أمه بصفة شبه كلية، بغض النظر عن بعض الأعمال الصغيرة التي يقوم بها في نقل البضائع. وتمنحه أمه حوالي عشرة دنانير يوميا من أجل قهوته وسجائره. 

"إنه يعيش معي وهو أمر صعب" تقول الأم بأسى. 

تنفق نجلاء ما تبقى من دخلها على نفقات الأسرة بما فيها فواتير الماء والكهرباء أو الإصلاحات العرضية. تقول ربة البيت "منزلي متواضع جدا لكنني أحرص على أن يكون نظيفا، ولذلك أحاول إصلاح الأشياء بمفردي كلما استطعت"، مضيفةً أنها تضطر كذلك في الغالب إلى جلب عمال تصليح من سكان حيها، مما يكلفها حوالي 30 دينارا في الشهر. "في منزلي هناك دائما شيء يصيبه العطب، إن لم تكن أنابيب الصرف فربما أسلاك الكهرباء أو جهاز التلفزة أو أحد الأبواب ..." تعدّد المرأة. 

تستخدم القليل المتبقي من دخلها أساسا لسداد ديونها أول الشهر لدى المتاجر الصغيرة في حيها. أما ملابسها فهي لا تنفق عليها بتاتا لكنها تتلقى أحيانا بعض قطع الملابس من مشغّلاتها. تروي "لم أشترِ ملابس جديدة منذ سنوات ! الملابس التي يعطونني إياها تكفي وتزيد". كما توفر لها مشغلاتها بطاقات شحن الهاتف وإن كان يتعين عليها في بعض الأحيان شحن المزيد دون أن يكلفها ذلك أكثر من ستة دنانير شهريا. فالمهم بالنسبة إليها هو أن يظل هاتفها شغالا ليتصل بها أرباب عملها كلما احتاجوا لخدماتها. 

ليس لدى نجلاء أي وقت تسلية في يومها سوى الوقت الذي تقضيه في زيارة ابنتها وهي ربة منزل. "ليس لدي وقت وعلى أي حال أكون منهكة عندما أعود إلى المنزل من العمل". تعود نجلاء إلى بيتها مساء كل يوم، وقد يحدث أن تشاهد التلفزيون بين الفينة والأخرى. وما عدا ذلك فإنها تستمتع خاصة بالجلوس على عتبة بابها ومشاهدة أطفال الحي يلعبون في الشارع. 

منطقة رمادية

ابنها حمدي ابنها عن العمل منذ بداية الجائحة. تروي لنا أمه: "لقد ساعدني حين كان يعمل. لكن الحظ لم يحالفه. لا يوجد عمل هنا وصحته هشة للغاية".

وفي ظل هذه الظروف، ليس بيد نجلاء حيلة سوى التعويل على نفسها، فلا مجال لأن تمرض أو تتوقف عن العمل. في العام الماضي كُسرت ساقها لكنها لم تقض وقتا كافيا لتتعافى من ذلك فكان عليها العودة إلى التنظيف في أسرع الآجال. 

نجلاء في وضعية تسمح لها بالحصول على مساعدة الدولة ولا سيما الدفتر الصحي المجاني والذي تم إلغاؤه بعد تعيينها في المتحف. وهي تنتظر إلى حد الساعة لتستعيده منذ إقالتها في سنة 2019 لكن دون جدوى. تقول: "لا أحد يخبرني ما إذا كان يحق لي الحصول عليه أو متى سيحدث ذلك". كما يُفترض بها أيضا أن تحصل على 180 دينارا كجراية تقاعد لكنها لم تتلق منها شيئا حتى الآن.

"أتوجس خيفةً حيال شيخوختي. أخشى أن أمرض فلا أستطيع الحصول على العلاج، أو أن أصبح عاجزة عن العمل،ولا أحصل على معاشي أو دفتر الرعاية الصحية المجاني".

ومن ناحية أخرى فهي تشعر بالقلق أيضا لمستقبل ابنها حمدي: "أود أن يعمل ابني. إذا رحلت أنا سوف يضيع بدوني". 

مستقبل

ولكي تتمكن نجلاء من العمل في كبر سنها، تود أن تفتح متجرا في غرفة صغيرة من منزلها. هذا من شأنه أن بوفر لها "بعض الراحة وشبكة أمان لها ولابنها". ولذلك تفكر في طلب مساعدة مالية من مشغّليها أو الحرص على أن يتحصل ابنها على قرض. 

"أحلامي بسيطة: بعض الأمان، وأن يكون ابني بخير ويجد فتاة لطيفة يتزوجها. وأهم من كل ذلك هو أن تكفّ الإدارات عن تقاذفي جيئة وذهابا من أجل الحصول على جراية تقاعدي ودفتر العلاج".