الأعمال الخطرة لممتهني النقل بين تونس وأوروبا

ينشط عدد كبير من الناقلين الخواص في نقل شتى أنواع البضائع بين تونس وأوروبا، ويعمل معظمهم بشكل غير قانوني معرضين أنفسهم لخطر الإيقاف من قبل الديوانة. وقد نما هذا النشاط المربح بفضل حجم الطلب عليه من طرف آلاف التونسيين والتونسيات، بالرغم مما يشوبه من غياب للضمانات ضد التحيّل والغش.
بقلم | 12 أفريل 2023 | reading-duration 10 دقائق

متوفر باللغة الفرنسيةالإنجليزية
تكاد شاحنة أيمن* تغصّ بالطرود المتراكمة فيها إلى السقف. عشرة أنفار يقفون حوله منتظرين في مأوى السيارات الملاصق لمحطة باب عليوة بتونس العاصمة، وأيمن منهمك في التنسيق، تارة يدوّن ملاحظات في دفتره الأسود وأخرى يعدّ الأوراق من فئة عشرين دينارا ويرصّها في حزمٍ ثم يضعها في حقيبة سوداء صغيرة مربوطة حول خصره.

من بين المحيطين به، جاء البعض لاستلام الطرود والحقائب المرسلة إليهم من أقاربهم في الخارج، في حين جاء آخرون آملين في الحصول على مساحةٍ في عربة الفولكس فاغن كرافتر ذات ارتفاع 2.6 م وطول 7 أمتار من أجل طرودهم حتى ينقلها أيمن إلى النمسا والمجر في الأيام المقبلة. 

أيمن هو واحد من عشرات الناقلين الذين يستخدمون شاحناتهم الخاصة لنقل الطرود بين مختلف البلدان الأوروبية وتونس، منشئين بذلك جسرا عابرا للمتوسط يصل التونسيين والتونسيات المقيمين داخل البلاد بأقاربهم في الخارج. ومن بين حرفائه يوجد الأولياء الذين يرسلون الأطعمة إلى أطفالهم الدارسين في أوروبا، وكذلك الأشخاص الراغبون في اقتناء منتجات إما تكون باهظة الثمن إن وُجدت في تونس أو أنها لا يمكن العثور عليها أصلا. 

يعمل معظم هؤلاء الناقلين بصفة غير قانونية. حيث ينقلون البضائع عبر الحدود لأغراض تجارية بدون أن تكون لهم شركة مسجّلة. مما يعني أنهم يخاطرون في كل رحلة يقومون بها بأن يتم إيقافهم من قبل أعوان الديوانة، ويعني كذلك أن الحرفاء لا ينتفعون بأي ضمان في وصول طرودهم إلى وجهاتها. لكن ذلك لم يكبح النمو الكبير الذي تشهده هذه المهنة منذ السنوات الأخيرة. 

عمل مزدهر

مهنة الناقل ليست حديثة العهد. عمل المنصف* في هذا المجال منذ 27 عاما ويصر  في حواره معنا على أنه من أوائل من امتهنوا النقل بين أوروبا وتونس. استخدم في ذلك الوقت هو وبعض جيرانه شاحنته الخاصة من أجل نقل متعلقاته الشخصية وبضائع مختلفة مثل قطع غيار السيارات ما بين فرنسا وتونس. 

وعلى مر السنين، ذاع صيت المنصف واكتسب سمعة طيبة في ضواحي باريس. كان يقوم بسبع إلى ثماني رحلات ذهابا وإيابا سنويا بين فرنسا وتونس، ويقدر أنه قدم خدماته لحوالي 400 حريف·ـة جميعهم اكتشفوا خدماته عبر التداول الشفوي. 

يقول المنصف أن مهنة النقل الخاص نمت بشكل كبير في العقود الثلاثة الأخيرة: 

"في البداية كانت تأتي بضع شاحنات من مرسيليا أما اليوم تحمل كل عبارة ما بين 20 و 35 شاحنة".

وفي حين أن الجيل الأول من الناقلين كانوا يعملون على خط فرنسا-تونس بالأساس، إلا أنه لم تلبث أن ظهرت خطوط أخرى تربط بين تونس ودول أوروبية أخرى مثل ألمانيا وإيطاليا وبلجيكا ولوكسمبورغ وهولندا والنمسا والمجر والمملكة المتحدة. 

وتوفر الشبكات الاجتماعية مثل فايسبوك لهؤلاء الناقلين فضاءً لترويج خدماتهم لدى جمهور أوسع، وتكفي زيارة بعض الصفحات ليفهم المرء مدى حجمها.

على الرغم من عدم وجود أرقام رسمية حول عدد الناقلين الخواص العاملين بين تونس وأوروبا، إلا أننا حددنا أكثر من 60 مجموعة وصفحة على فيسبوك تقدم هذا النوع من الخدمات مع أكثر من 280 ألف عضو ومتابع. 

وعلى الرغم من أن معظم الناقلين يعملون بشكل غير نظامي إلا أنهم لا يترددون في مشاركة المعلومات حول عملهم بشكل علني عبر الإنترنت حيث ينشرون -مثلما يفعل أيمن- نقاط الالتقاء ومسارات الرحلات لإبقاء عملائهم على اطلاع. لكن كثيرين رفضوا التحدث إلى إنكفاضة بشأن أنشطتهم. 

عمل مربح

الأسعار التي يضعها الناقل الخاص لشحن الطرود ليست ثابتة وقد تختلف من واحد لآخر. لكن عموما يسدد الحرفاء 3 إلى 5 أورو (حوالي 10 إلى 17 دينارا) للكيلوغرام الواحد. أما الأجهزة الإلكترونية فعادة ما ترافقها تكاليف إضافية بسبب الرسوم الديوانية الزائدة. 

يعتبر الطلب - وبالتالي الأسعار - بالنسبة لشحن الطرود من تونس نحو أوروبا أقل مما هي عليه في الاتجاه المعاكس. ووفقا لناقل سابق قابلته إنكفاضة فإن "الناس يرسلون في الغالب من أوروبا إلى تونس منتجات لا يمكن العثور عليها في تونس من حيث الجودة أو السعر"، على غرار الملابس وأدوات المطبخ والأجهزة الإلكترونية الصغيرة ومستحضرات التجميل وحتى قطع غيار السيارات. أما في الاتجاه المعاكس فتتكون الشحنات المُرسلة من تونس إلى أوروبا عادة من الأطعمة والمنتجات التقليدية مثل زيت الزيتون والتوابل والتمور.

يقوم أيمن برحلة واحدة في الشهر ذهابا وإيابا وفق ما تشير إليه صفحته الفيسبوكية. يتقاضى 10 دنانير للكيلو الواحد لنقل البضائع من تونس إلى أوروبا، و 5 أورو للنقل من أوروبا إلى تونس. وهو يجني عوائد مهمة من رحلاته بين القارتين بفضل شاحنته فولكس فاغن كرافتر التي تتسع لأكثر من 1300 كغ. 

قد يجني الناقل ما بين 2000 و 2500 أورو (أي حوالي 6700 إلى 8400 دينار) لكل رحلة في اتجاه واحد حسب تقديرات المنصف، لكن الرقم قد يختلف بالزيادة أو بالنقصان. 

يقول المنصف: "إذا لم يكن لديك ما لا يقل عن 200 إلى 250 حريفا فإن الرحلة قد تكون باهظة الثمن باعتبار رسوم السفن والوقود للشاحنة والضرائب الديوانية".

وإلى جانب نقل البضائع يقدّم بعض الناقلون خدمات إضافية منها صرف العملة لمن يرغب في إرسال الأموال من أوروبا نحو تونس. وبهذه الطريقة يمكن لحرفائهم تجاوز عقبة الرسوم المفروضة على التحويلات وتجنب إصدار الكثير من الحوالات التي قد تجذب انتباه السلطات.

لا يقتصر المستفيدون من هذه المهنة على الناقلين الخواص وحدهم، إذ يوظف بعض هؤلاء شركاتِ نقلٍ برّي محليةً لتأمين تسليم الطرود داخل التراب التونسي، وهي التي تتولى "نقل الطرود من مدينة إلى أخرى وتتقاضى حوالي 10 دنانير لكل طرد، بغض النظر عن حجمه أو وزنه"، بحسب ناقل سابق في حواره مع إنكفاضة. 

الهادي* هو رجل تونسي يعيش في باريس وكان يعمل ناقلا في السابق. أما اليوم فهو يكسب لقمة العيش من خلال العمل كوسيط يربط الحرفاء بالناقلين ويجد لهم أفضل الأسعار وأسرع المغادرين. يقول: "إنهم يعرفونني حق المعرفة ويعرفون أنني جدير بالثقة". 

يضيف الهادي أن هذا القطاع يشمل بعض النساء اللواتي يشتغلن كـ "نقاط وصل" لعدة ناقلين، بحيث يقمن بتخزين الطرود في منازلهن في انتظار مجيء أصحابها لاستلامها. وتتقاضى هؤلاء النساء حوالي 500 مليما للكيلوغرام الواحد وقد يجنين ما يصل إلى 1000 دينار شهريا باحتساب حوالي 500 كغ من الطرود أسبوعيا.

البديل الأفضل؟ 

يخير العديد من الحرفاء توظيف خدمات الناقلين الخواص بدلا من شركات النقل الرسمية أو الخدمات البريدية لأنهم أرخص وأسهل.

 أحمد* مثلا يشتري البضائع من الخارج منذ 14 عاما، يخبرنا أنه "لإرسال شيء ما بالبريد عليك أن تأخذ يوم عطلة وتقضيه في مكتب الديوانة وأحيانا لا يمكنك حتى استلام حاجياتك. فتضطر للعودة في اليوم الموالي لاستكمال الأوراق". هذا السبب هو الذي يدفعه للجوء إلى الناقلين الخواص.

أحمد شغوف بالسيارات ويمتلك عددا منها، بعضها من طراز قديم جدا. ونظرا لأن استيراد وبيع قطع الغيار منظم للغاية في تونس فمن الصعب أحيانا الحصول على قطع معينة فيتوجه إلى خدمات الناقلين. يقول: "يضطر عشاق السيارات إلى المرور عبر الناقلين غير الرسميين للحصول على قطع غيار أو أي منتج آخر يتعلق بهذا الشغف". 

عندما توقفت الحركة الجوية الدولية خلال جائحة كوفيد-19، كان الناقلون الخواص في كثير من الأحيان الخيار الأوحد لنقل الطرود على وجه السرعة بين تونس وأوروبا. كلوديا، على سبيل المثال، تعيش بين ألمانيا وتونس وتقول إنها اضطرت في وقت ما لإرسال الدواء إلى صديقتها التونسية: "لكن بسبب إلغاء الرحلات الجوية والقيود على السفر، والآجال الطويلة التي يستغرقها البريد التجأت إلى ناقل خاص".

يوفر الناقلون بالنسبة للعديد من الأشخاص حلا سريعا وسهلا لإرسال الطرود بين تونس وأوروبا. وهو حل لمشكلة تواجه التونسيين والتونسيات داخل البلاد وخارجها. لكن هذه الخدمة تنطوي هي الأخرى على نصيبها من المخاطر. 

"يقبضون المال ومعه البضائع، ثم يختفون"

بالنسبة للحرفاء، الوضع غير القانوني لهؤلاء الناقلين الخواص يعني أن خدماتهم أرخص بشكل عام ويمكن النفاذ إليها بسهولة أكبر من خدمات النقل الرسمية الأخرى أو الخدمات البريدية. لكن ونظرا لغياب عقد قانوني يجمع بينهم وبين الناقلين أو أي شيء يدلّ على تسليمهم البضائع والأموال فإنهم قد يجدون أنفسهم عرضة للاحتيال. يخبرنا المنصف الناقل السابق بأن عمليات الاحتيال والسرقة شهدت تزايداً في الآونة الأخيرة. 

"هناك عدد متزايد من الناقلين الذين يحتالون على حرفائهم، حيث يقبضون المال ومعه البضائع ثم يختفون".

محمّد كان من بين ضحايا عمليات التحيل هذه. لم يكن الرجل حديث العهد بخدمات الناقلين الخواص فقد أرسل في عديد المناسبات في السابق أشياء صغيرة إلى أصدقائه وعائلته من خلال الناقلين المتواجدين في مجموعات الفايسبوك دون أن تطرأ أي مشكلة على حد قوله. ثم جاء اليوم الذي أراد فيه البحث عن ناقل لمساعدته في شحن أثاث بقيمة عشرة آلاف أورو من باريس إلى شقته الجديدة في نابل. 

ولكن من أجل إرسال شاحنة ممتلئ نصفها بأثاث جديد، أراد محمد ضمان أن تصل متعلقاته في حالة جيدة ودون أن تلحقها أضرار. فاتصل أولا بشركة نقل رسمية لكنه عزف عن توظيفها بعد أن اكتشف أن عليه حجز نصف حاوية على الأقل ودفع ثمنها، بتكلفة 2500 أورو (حوالي 8400 دينار). "ولذلك اتصلت بصديق لأسأله عما إذا كان يعرف ناقلا ذي ثقة فأعطاني رقم هاتف، واتصلت بالرجل والتقينا". 

أخبر الناقل محمد إن شحن أثاثه سيكلفه 1700 أورو أو حوالي 5700 دينار. كما طمأنه وأعلمه أن لديه علاقات وثيقة صلب الديوانة التونسية، وأنه لا داعي للقلق بشأن ممتلكاته. قبل محمد بالعرض وفي نوفمبر 2021 أوصل أثاثه إلى جينفيلييه شمال باريس حيث مقر إقامة الناقل في ذلك الوقت. 

لكن الأخير اختفى لفترة من الزمن. حاول محمد الوصول إليه عدة مرات دون جدوى. ومرت الشهور ولم يصل أثاثه بعد ... بدأ الشك ينتاب محمد في كون الناقل ربما قد أراد تمطيط الوقت لبيع الشحنة، فذهب إلى مركز الشرطة لتقديم شكاية. يقول محمد إن الشرطة كانت تعرف قيس فعلا ووفقا لهم فقد ألقي القبض عليه سابقا على خلفية تزوير وثائق الهوية وسرقة السيارات المستأجرة. 

سرعان ما اكتشف محمد أن غيره قد وقعوا ضحية لتحيل هذا الناقل وأعماله الوهمية. يروي: "نشرت رسالة على فيسبوك لتحذير الناس لأن هذا الرجل محتال". "وإثر ذلك اتصل بي عدة أشخاص ليخبروني أنهم عانوا من نفس الشيء وأن الطرود التي عهدوا بها إلى قيس لم تبلغ أبدا وجهتها". لسوء الحظ، لم تستطع الشرطة مساعدة محمد لأنه لم يرسل أثاثه عبر شركة رسمية. 

"أخبروني أنه لا يوجد عقد ولا أي شيء، وهذا خطئي في نهاية المطاف."

فقد أشخاص آخرون ممتلكاتهم على شاكلة محمد. ويكفي الاطلاع على شهادات العشرات على فايسبوك الذين تم خداعهم من قبل ناقلين خواص، فصاروا يحاولون في الوقت الحاضر تحذير غيرهم من مغبة هذه الممارسات الاحتيالية. 

وحتى إذا لم يتعرض الناقلون لحرفائهم بالسرقة، فإن هناك دائما خطر مصادرة البضائع أو إتلافها أثناء الفحص الديواني. إذ لا وجود لما يضمن وصول البضائع إلى وجهتها في حال توظيف ناقل لانظامي حتى لو بدا الأخير موثوقا به وأوصى به الكثيرون. 

تحصلوا وتحصلن على أفضل منشورات إنكفاضة مباشرة على البريد الالكتروني.

اشترك واشتركي في نشرتنا الإخبارية حتى لا تفوتك آخر المقالات !

يمكن إلغاء الاشتراك في أي وقت.

في الديوانة "إن لم تدفع لن يرحموك"

أحد أكثر الجوانب خطورة في عمل الناقلين غير النظاميين هو المرور عبر المراقبة الديوانية في ميناء حلق الوادي أين ينزلون بالعبارة عند قدومهم من فرنسا أو إيطاليا. يقول أحد المحامين لإنكفاضة أنه لممارسة هذه المهنة بشكل قانوني، يجب على الناقلين أن يكونوا متحصلين على اعتماد بموجب " الاتفاقية الجمركية بشأن النقل الدولي للبضائع تحت غطاء دفتر النقل البري الدولي TIR". 

وبحسب سلمى القلمون، المكلفة بالإعلام في الديوانة التونسية، فإن الناقل الخاص يجب عليه اتباع إجراءات محددة عند وصوله إلى مصالح الديوانة في حلق الوادي، منها أولا الاستظهار بقائمة مفصلة لجميع البضائع المنقولة. عندها يقوم أعوان الديوانة بمقارنتها مع البضائع الموجودة في العربة ومن ثم تُحتسب الضرائب اعتمادا على طبيعة السلع. وتؤكد المكلفة الديوانية بالإعلام أنه قد يحدث أن تُحجز البضائع في حالات معينة خصوصا عندما تكون لها "صبغة تجارية". 

وعلى الرغم من هذه الإجراءات المقننة، غالبا ما يفلت الناقلون من شباك الديوانة وإن كانت البضائع التي ينقلونها ذات "صبغة تجارية" واضحة مع مئات الكيلوغرامات من الحقائب والطرود كل منها يحمل اسما مختلفا. ولكي يغض أعوان الديوانة التونسية الطرف عن ذلك يدفع لهم الناقلون مبالغ إضافية حسب اعتراف المنصف.

"إن لم تدفع لن يرحموك. إنهم يفتشون الشاحنة ويصرحون بكل ما تحويه ويفرضون عليك ضرائب أكبر".

يؤكد ناقلون آخرون قابلتهم إنكفاضة، سواء لا يزالون ممارسين أم لا، أنه وللمرور عبر الديوانة غالبا ما يقومون بتقديم عطايا أو أموال للأعوان بقصد اختصار وقت الانتظار أو التقليل من مقدار الضرائب والرسوم التي يتعين عليهم دفعها. أمام هذه الادعاءات وبعد رفض الديوانة إجراء مقابلة معنا، وردنا رد من المكلفة بالإعلام عبر البريد الإلكتروني جاء فيه أن "أجهزتنا الرقابية ذات الصلة تستخدم المعلومات الواردة حول محاولات وعمليات الفساد إبان ورودها، ويتم تطبيق عقوبات تتراوح بين التوبيخ والعزل عن العمل في حالة التأكد منها". 

نفس القواعد من المفترض أن تنطبق على الضفة الأخرى من المتوسط. يوضح منجي الحرباوي، المسؤول الإعلامي في الديوانة الفرنسية، لموقع إنكفاضة أنه وكما هو الحال في تونس، لا يمكن أن يضطلع بالنقل التجاري للبضائع إلا من هو مسجل وحاصل على ترخيص رسمي بالنقل. ويُفرض على الناقل عند عبوره بمصالح الديوانة الفرنسية دفع الرسوم والضرائب مقابل ما يستورده إلى فرنسا.

غير أن الناقلين الذين حاورتهم إنكفاضة لم يشيروا إلى أي مشاكل تعترضهم عند نقل البضائع إلى البلدان الأوروبية أو منها. يقول المنصف وهو أحدهم إن ضباط الجمارك الأوروبيين لا يزعجون أبدا الناقلين غير النظاميين ونادرا ما يقومون بفحص سياراتهم. وبذلك ليست الديوانة التونسية هي الوحيدة التي تغض الطرف عن هذا النشاط اللانظامي. 

"يسألوننا عما إذا كنا نحمل السجائر أو المعسّل فقط".

يرى معظم الناقلين أن إضفاء الشرعية على أعمالهم لن يكون مربحا على حد قول المنصف: "إذا أردنا العمل بشكل رسمي فإن الناقلين المقيمين في أوروبا والعاملين فيها سيتكبدون ضرائب كبيرة وسيخسرون المال". ويضيف أن العقبات البيروقراطية هي أيضا جزء من المشكلة ذلك أن "الإدارة التونسية شديدة التعقيد ؛ إذ يتجاهلونك ويجبرونك على القيام بأشياء غير ضرورية" على حد تعبيره.

يختار بعض الناقلين الآخرين العمل بشكل قانوني من خلال تسجيل شركاتهم بشكل رسمي، ويطلبون من حرفائهم - قبل قبول الطرود أو البضائع - ملء معلوماتهم الخاصة في استمارة وإرفاقها بقائمة مفصلة بالسلع المرسلة بما يسمح لهم بضمان شرعية عملهم وحماية أنفسهم. وفي حالة وجود ترخيص وإطارٍ قانونيٍ، تكون مسؤولية البضائع المنقولة على عاتق الحرفاء، مما يجنب الناقل، في أسوأ السيناريوهات، أن يتم احتجازه في الديوانة إذا ما صودرت البضاعة التي ينقلها.

نشاط محفوف بالمخاطر

يروي مروان* وهو ناقل سابق: "ذات مرة طلبت مني امرأة نقل بعض المتعلقات لصديقتها في تونس. فأعطتني بيت قطط مغلقاً وملفوفاً بإحكام شديد لم أستطع فتحه. عندما وصلت إلى الديوانة التونسية قام الضباط بتمريره عبر الأشعة السينية فرأوا شيئا بداخله ففتحوه وعثروا على حوالي خمسين علبة ورق لف". 

يتابع: "تابعوا إفراغ بيت القطط واعتقدت أنهم سيجدون شيئا آخر داخله وأن السيدة ربما قد أرسلت معي شيئا آخر غير ورق اللف"، ملمّحا إلى المخدرات. 

"أنصح جميع الناقلين بفتح كل شيء قبل قبوله. قد يستغرق الأمر الكثير من الوقت لكنه ضروري، وما عدا ذلك فإنك تخاطر بالوقوع في وضع حساس بمجرد وصولك إلى تونس". وجدير بالذكر أن القانون التونسي يعاقب بشدة على حيازة واستهلاك المخدرات حيث ينص القانون على ما لا يقل عن السجن سنة واحدة لأي شخص تثبت إدانته.

يتفق المنصف من جهته مع مروان. فعلى مر السنين لاحظ الناقل زيادةً كبيرة في المخاطر المرتبطة بعمله. إذ صار الحرفاء وفق قوله يقومون بتهريب المخدرات والأدوية وإخفائها في الطرود والبضائع التي يرسلونها. ولذا يتوجب على الناقلين القيام بعمليات تفتيش شاملة للتأكد من عدم نقلهم لسلع غير قانونية عن غير قصد، حتى أن البعض قد يستخدم كلابا للكشف عن المخدرات. 

يقول ناقل سابق لإنكفاضة: "لدي عدد من الأصدقاء الذين يمتهنون النقل والذين سُجنوا بسبب حرفائهم. أحدهم أمضى 34 شهرا في السجن وآخر 18 شهرا". 

"يخفي الناس الأشياء في الأبواب أو الغسالات أو الثلاجات أو الخلاطات. عثر صديق لي مؤخرا على مخدرات بدلا من البطاريات في سكوتر كهربائي".

تظهر كل هذه الشهادات أن الناقلين يمثّلون بديلا أرخص وأسرع من البريد الرسمي وشركات النقل المرخّص لها والتي لا تلبي في كثير من الأحيان احتياجات عملائها. لكن هذا النشاط اللانظامي ينطوي كذلك على عدة مخاطر سواء بالنسبة للحرفاء أو للناقلين أنفسهم.