قضية التآمر على أمن الدولة أو كيف تجتث المعارضة من جذورها بملفات جوفاء

يواجه المحالون·ات على التحقيق في القضية التي باتت معروفة باسم قضية التآمر على أمن الدولة تهما خطيرة موزعة بين قانون مكافحة الإرهاب لعام 2015 والمجلة الجزائية. تصل عقوبات هذه التهم حد الإعدام. في هذا التحقيق تكشف إنكفاضة حيثيات القضية والوقائع التي واجه بها قضاة التحقيق المتهمين.
بقلم | 24 مارس 2023 | reading-duration 15 دقيقة

متوفر باللغة الفرنسيةالإنجليزية
انطلقت الإيقافات في 11 فيفري الماضي عبر إيقاف كل من الناشط السياسي محمد خيام التركي ورجل الأعمال المثير للجدل قليل الحضور كمال لطيف، والقيادي السابق في حركة النهضة عبد الحميد الجلاصي علاوة على 5 متهمين آخرين بينهم موظفون ورجال أعمال في حين أوقف الصحفي والمدير العام لإذاعة موزاييك نور الدين بوطار مساء 13 فيفري.

تحصلوا وتحصلن على أفضل منشورات إنكفاضة مباشرة على البريد الالكتروني.

اشترك واشتركي في نشرتنا الإخبارية حتى لا تفوتك آخر المقالات !

يمكن إلغاء الاشتراك في أي وقت.

لاحقا بين 22 و23 فيفري أذنت النيابة العمومية بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب بالاحتفاظ بقيادات من مبادرة "مواطنون ضد الإنقلاب" وهم عصام الشابي وشيماء عيسى وجوهر بنمبارك إضافة إلى ديبلوماسي تونسي سابق التقى خيام التركي في وقت سابق.

في الواقع يشمل قرار فتح البحث التحقيقي "17 شخص وكل من سيكشف عنه البحث" وفق ملف القضية. كما تؤكد من جهتها "هيئة الدفاع عن القادة السياسيين المعتقلين في قضية التآمر" فتح بحث تحقيقي مستقلّ ضد المحامي محمد لزهر العكرمي بتعهيد قاضي التحقيق 12 بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب والذي تخلّى بعد استنطاقه وإصدار بطاقة إيداع بحقّه عن الملف لقاضي التحقيق 36 بالقطب المتعهّد بالملف الأصلي للقضية.

المصدر: محاضر استنطاق أولية، القطب القضائي لمكافحة الإرهاب.

امتنعت الجهات الرسمية منذ اليوم الأول عن الإدلاء بأية تصريحات صحفية عن مضمون التهم وأسباب الإيقاف، كما مُنع محامو المتهمين والمتهمات من مقابلة موكّليهم، استنادا إلى قانون مكافحة الإرهاب الذي يتيح للسلطات استنطاقهم في الـ 48 ساعة الأولى دون وجوب حضور محامي. مما جعل سبب إثارة القضية وتكييفها تحت طائلة قانون الإرهاب غير مفهومة في الأيام الأولى.

شهادات XXX لاحقة للإيقافات وخالية من الأدلة  

تكييف القضية كقضية إرهابية وتواصل البحث فيها لدى الوحدة المختصة سمح للسلطات بمزيد التعتيم عليها ورفض محاولات التعرف على تفاصيل الإتهامات الموجهة والأدلة المبنية عليها.

يشير ملف الاستنطاقات لدى القطب القضائي لمكافحة الإرهاب، والذي حصلت إنكفاضة على نسخة منه، إلى 3 شهادات لأشخاص مجهولي الهوية تم سماعهم في أيام 16 و 18 و 21 فيفري 2023 تباعا. سُمع الشخص الأول والمكنى بـ XX بوصفه شاهدا، وقد تحدث عن علاقات رجل الأعمال كمال لطيف بمسؤولين سياسيين وعسكريين واقتصاديين بتونس طيلة السنوات الماضية ومنهم مسؤولون حاليون. كما تحدث عن وجود علاقات واتصالات جمعت لطيف باثنين من الموقوفين السياسيين.

في 18 فيفري 2023 تم الإستماع لمخبر آخر تحت كنية XXX. ارتكزت الشهادة على تلقيه اتصالا من صديق له مفاده "تواتر حديث من قبل الجالية التونسية المتواجدة بأوروبا خاصة فرنسا وبلجيكا حول مخطط لقلب نظام الحكم بالبلاد التونسية وعزل السيد رئيس الجمهورية قيس سعيّد".

وصرح هذا المخبر في شهادته أن "المخطط الانقلابي على نظام الحكم بالبلاد التونسية تم تداوله بالفضاء الأوروبي منذ فترة نظرًا أن جل الاجتماعات والحلقات التي تم عقدها في هذا الإطار تمت في الخارج". ويذكر XXX في معرض شهادته أسماء كثيرة لسياسيين وبعض الأمنييين الحاليين والسابقين ورجال أعمال ذكر أنهم على اتصال وثيق بكمال لطيف الذي يخطط للإنقلاب على رئيس الجمهورية، وقد يستعمل العنف في ذلك بمعية القيادي بحركة النهضة نور الدين البحيري "الذي يقود مجموعة من الخلايا النائمة بمساعدة رؤساء البلديات التابعين لحزبه" وفق شهادته.

في الواقع تظهر رواية المخبر XXX خالية من البراهين وكأن كل الأجهزة الأمنية التونسية كانت عاجزة عن التفطن لهذا المخطط لولا أن المخبر تقدم بشهادته من "تلقاء نفسه" مثلما يذكر التقرير. كما يصرح المخبر أن "حلقات التخطيط للانقلاب على نظام الحكم تمت في مقر سفارة تونس ببلجيكا دون علم السفير". وهذا الشخص هو من ذكر أن أحد الموقوفين غير السياسيين يعرف امرأة تعرف بدورها رجل أعمال تونسي يقيم بأمريكا وهو بدوره على اتصال مع كمال لطيف الذي تولى التنسيق لعملية الإنقلاب في لقائه مع شخص أجنبي يدعى برنار هنري ليفي في لوكسمبورغ عام 2022. في المقابل نفى كمال لطيف أثناء استنطاقه سفره للكسمبورغ في أي وقت مضى.

وينهي المخبر كلامه بالجملة التالية: "أؤكد لكم أن المعطيات منذ البداية تشير إلى كمال لطيف كرأس مدبّر لعملية الانقلاب على رأس السلطة وهذا ما أكدته الأحاديث اليومية في صفوف الجالية التونسية بالخارج". وهنا يأتي التساؤل كيف أن الجالية التونسية برمتها تعلم بمخطط بمثل هذه الخطورة يقع التداول فيه على نطاق واسع، فيما لا تعلم به الدولة التونسية التي بقيت عاجزة في انتظار شهادة المخبر XXX؟ وإن كانت هذه الشهادات قد جاءت لاحقة للإيقافات فكيف أثيرت القضية؟

استنطاقات حول اجتماعات سياسية ومسار 25 جويلية 

في البداية رفض جل الموقوفين والموقوفات السياسيين الإجابة على أسئلة باحث البداية بسبب استنطاقهم تحت طائلة قانون مكافحة الإرهاب ومنعهم بموجبه من الاتصال بمحام خلال الـ48 ساعة الأولى.

دارت الأسئلة سواء لدى باحث البداية أو قلم التحقيق حول علاقة الموقوفين ببعضهم البعض ومضامين اللقاءات التي جمعتهم وأسبابها، وفق ما ذكرته محاضر البحث التي تحصلت إنكفاضة على نسخة منها. كما تم استنطاق بعضهم على غرار خيام التركي وعصام الشابي وشيماء عيسى عن أسباب تواصلهم ولقائهم مع دبلوماسيين وديبلوماسيات أجانب بتونس، استنادا إلى محادثات على تطبيقات واتساب و تيليغرام و سينيال تم الاطلاع عليها.

وفي المقابل لم تقع مجابهة الموقوفين بأدلة مادية عن أفعال يجرمها القانون بل تم الإستناد في استنطاقهم إلى شهادات لمجهولين تتضمن روايات عن أنهم يخططون للانقلاب ويلتقون أشخاصا مشبوهين يتعمدون قلب النظام والإضرار بالأمن العام الوطني. في حين يظهر أن هاته "الأطراف الخارجية" هم ديبلوماسيون معتمدون في تونس على غرار سفراء دول مثل إيطاليا وبريطانيا وفرنسا.

يقول عضو هيئة الدفاع عن الموقوفين في قضية التآمر على أمن الدولة سمير ديلو، في حوار لإنكفاضة: "إن الظروف الحالية للقضية لا تسمح بالترافع خاصة وأن نتيجة المرافعة معلومة وقد تم مسبقا إصدار قرار بطاقات ايداع بالسجن في حق المتهمين."وأضاف محدثنا: "قائمة التهم طويلة وتقع تحت طائلة القانون الأساسي المتعلق بمكافحة الإرهاب والمجلة الجزائية وتصل العقوبة إلى الإعدام و 72 سنة سجنا."

أكد ديلو أن مضمون القضية سياسي ويغذي مفهوم "التآمر على المعارضة"، كما يوجد استسهال وتطويع للقوانين والقضاء على حد قوله، نظرا إلى أن التآمر يُبنى على أركان وشروط يمكن اختزالها في استعمال وسائل عنيفة، التسلّح، إعداد مخطط إجرامي، معاداة الديمقراطية والوسائل المدنية السلمية والإيمان بفرض الرأي بالقوة. وهي بحسبه شروط يغيب أثرها في قضية الحال باعتبار أن المعارضين والمعارضات لهذه المنظومة يبحثون عن وسائل سلمية للتغيير مثل الدفع نحو حوار وطني وسبل البحث عن رؤية تشاركية.

ووفق عضو هيئة الدفاع عن الموقوفين سمير ديلو فإن الجريمة في هذه القضية مستحيلة والقانون في يد الأقوى الذي هو قادر على سجن المتهمين، لا لأنهم يستحقون أن يكونوا خلف القضبان بل لأنه بإمكانه وضعهم خلف القضبان. ويشير إلى ما اعتبره "عملية قصف للقضاء من قبل رئيس الجمهورية والحرب على الهيئات المنتخبة"، الأمر الذي سهّل الانفراد بالمعارضين وجعل حاكم التحقيق يصدر بطاقات إيداع بالسجن مكرها، معتبرا أن المسار القضائي أصبح ممهدا ويخلو من المصداقية، وفق قوله.

نلاحظ في قائمة الموقوفين الـ17 وجود رجال أعمال وسياسيين ومدير عام أحد أهم الإذاعات المعارضة للرئيس فيما اشتملت القضية على إيقاف إمرأة واحدة هي شيماء عيسى التي تمثل مبادرة مواطنون ضد الإنقلاب. دارت جل الأسئلة الموجهة للموقوفين في البداية عن علاقتهم بخيام التركي أساسا وحقيقة سعيهم لمعارضة مسار 25 جويلية وقلبه بمعاضدة ديبلوماسيين أجانب معتمدين في تونس.

ارتأينا في الرسوم البيانية الموالية أن نقدم 5 من المتهمين·ات والوقائع والأدلة المعتمدة لاتهامهم بالتآمر على أمن الدولة. [انقر·ي على السهم الموجود في الركن الأسفل الأيمن أو الأيسر للتنقل بين مختلف الجذاذات]

 بالحديث عن وجود إسم برنارد هنري ليفي في قائمة المتهمين في القضية، أشار ديلو إلى أن توجيه تهمة يتطلب الحد الأدنى من الإثباتات وورود اسم شخصية كبرنار هنري لوفي يقصد منه إثارة الرأي العام. مؤكدا ووفق ما اطلعت عليه إنكفاضة من محاضر البحث أن إسمه ورد في جملة وحيدة على لسان مخبر سري قال أن كمال لطيف إلتقى بليفي في لوكسمبورغ في حين أكد المتهم أنه لم يزر لوكسمبورغ سابقا ولا يمكن أن يقابله خاصة وأن هذه الشخصية مشبوهة.

من بين الأسماء الأخرى أشار التحقيق إلى اسم نجلاء لطيف وعلاقتها بكمال لطيف الذي نفى معرفته بها أو أن تكون ابنة أخيه. ووفق سمير ديلو فإن كمال لطيف أُقحم في القضية ولا توجد له علاقة مباشرة بالمتهم خيام التركي.

يظهر أن شبكة العلاقات التي رسمها القطب القضائي لمكافحة الإرهاب وحصلت إنكفاضة على نسخة منها، قد تم بنائها اعتمادا على المعلومات المستمدة من هواتف الموقوفين المحجوزة والتفتيش في محادثاتهم على تطبيقات أهمها واتساب. وفي حين نجد تفسيرا لجميع الموجودين في هذه الوثيقة، إلا أنه لا تفسير لغياب برنار هنري ليفي والذي ثبت فعلا وفق هاتف كمال لطيف. لكننا نجد مكانه شخصا آخر هو بيير بيسنينو رئيس المؤتمر اليهودي الأوروبي والذي لم يذكر اسمه مطلقا في الأبحاث.  

كيف انطلقت القضية؟ 

انطلقت القضية إجرائيًا، بمراسلة وجهتها الوحدة الوطنية للبحث في جرائم الإرهاب والجرائم المنظّمة والماسّة بسلامة التراب الوطني إلى وزيرة العدل ليلى جفال، بتاريخ 10 فيفري 2023. وفق ما أكده محامو الموقوفين لإنكفاضة. تضمنت المراسلة جملة وحيدة فقط، نصّها: "بلغ إلى علمنا أن عددا من الأشخاص بصدد التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي".

في نفس اليوم وجهت ذات المراسلة إلى النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بتونس مع ملاحظة "للتعهد والإذن بإجراء الأبحاث اللازمة"، لتقوم النيابة العمومية بتعهيد الوحدة الأمنية بالأبحاث.

تستغرب المحامية دليلة مصدق بن مبارك في حوار لإنكفاضة "كيف توجهت الوحدة الأمنية بمراسلة إلى وزيرة العدل بعنوان 'شخصي' في ظل غياب علاقة وظيفية بينهما، فلا هي رئيستهم في العمل ولا هم مرؤوسيها" على حد تعبيرها. وتتساءل المحامية كذلك عن سبب عدم إعلام الوحدة الأمنية للنيابة العمومية مباشرة، طبق القانون وما هو معمول به في سائر القضايا بموجب الفصل 12 من مجلة الإجراءات الجزائية، لتبادر بمراسلة وزيرة العدل التي ليس لها قانونًا أي سلطة على النيابة العمومية. 

تؤكد هيئة الدفاع كذلك وجود تعليمات كتابية ومباشرة من وزيرة العدل إلى النيابة العمومية تمثلت في توجيه إذن لإجراء أبحاث للنيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بتونس، والحال أن الوزيرة ليست رئيسة للنيابة، ولا أعضاء النيابة مرؤوسين لها، طبق مجلة الإجراءات الجزائية، وتنفيذًا لمبدأ استقلالية القضاء عن السلطة التنفيذية.

نعود في الرسم أسفله على الخط الزمني للقضية:

أي دور لرئيس الجمهورية في القضية؟

قبل بدء التتبعات بيوم استقبل رئيس الجمهورية قيس سعيد وزيرة العدل ليلى جفال وتحديدا يوم الجمعة 10 فيفري 2022، في ذات اليوم طلبت الوزيرة من النيابة العمومية كما أسلفنا إثارة الدعوى العمومية في هذه القضية.

الملفت أن الرئيس صرح حينها وفق البلاغ الذي نشرته رئاسة الجمهورية والذي استُهل بالحديث عن مرفق القضاء وقضيتي الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي هو الجملة التي جائت لاحقا "من غير المعقول أن يبقى خارج دائرة المحاسبة من له ملف ينطق بإدانته قبل نطق المحاكم".

لاحقا وبعد 3 أيام من انطلاق الإيقافات توجه قيس سعيد إلى مقر وزارة الداخلية ليؤكد مرة أخرى أن الداخلية هي المنبر الرئيسي لخطاباته في القضايا الهامة ومنطلق "المعارك" التي يخوضها ضد "الخونة والمتآمرين" كما يدعوهم. ففي هذه الزيارة وأثناء ولوجه باب الوزارة توجه إلى من كانوا في استقباله من مسؤولين أمنيين قائلا: "هؤلاء الذين تم اعتقالهم إرهابيون" في إشارة إلى الموقوفين.

وتساءل الرئيس في ذات الزيارة متوجها للقيادات الأمنية قائلا: "هل هناك بلد في العالم والتاريخ فيها من يطلب اغتيال رئيس الجمهورية وهو تحت حماية الأمن؟". وهو ما يشير إلى تورط الموقوفين في التدبير لاغتيال الرئيس في حين أن وثائق الاستنطاقات التي حصلت عليها إنكفاضة تخلو كليا من وجود موضوع التآمر على تصفية الرئيس ولم يوجه المحققون سؤالا واحدا للمتهمين عن وجود هكذا مخطط. بل إن معظم الاسئلة دارت حول تنظيم اجتماعات بين القيادات السياسية أو موظفين بسفارات أجنبية في تونس للتداول بخصوص معارضة مسار 25 جويلية.

تنتقد هيئة الدفاع عن السياسيين الموقوفين في القضية في ورقة تحليلية أُعدّت بناء على ملف القضية وحصلت إنكفاضة على نسخة منها تصريحات الرئيس، على غرار قوله في ذات الإجتماع "أثبت التاريخ قبل أن تثبت المحاكم أنهم مجرمون". وتتساءل الهيئة عن الحاجة إذن للمحاكم إن أصدر رئيس الدولة حكم الإدانة من الآن، معتبرة إن هذا التصريح يؤكد واقع ممارسة السلطة السياسية ضغوطات على القضاء والتدخلات لفرض "إدانتهم".

في الواقع لا يخفي رئيس الجمهورية متابعته للملف وعمله على دفع النيابة العمومية للتحرك في القضية والتي يلاحظ من كلامه أنها لم تكن متحمسة وهو الذي يقول: "تابعت بنفسي الإجراءات بالأمس وحتى منتصف الليل وحتى الساعة الواحدة تقريبا". ويضيف: " يقولون أن هذا يتآمر على أمن الدولة ثم يخبرك بأن تصدر بطاقة جلب غدا."  ويواصل: "يعني في النيابة يقولون أحضره غدا وهو يتآمر على أمن الدولة ويحضر للاغتيال والآخر يخبرك أنه سيذهب له في الصباح. يبدو لي أن هذا لم يحدث في أي دولة. نحن إزاء حالة تلبس ما يعني أن تتدخل قوات الأمن ثم تعلم النيابة ليس أن يطلبو إنتظار السبت والأحد منتظرين عودة وكيل الجمهورية يوم الإثنين."

وبالفعل فقد سارت الأمور كما أرادها الرئيس حيث أوقف خيام التركي وكمال لطيف مساء السبت 11 فيفري 2023.

لا يقف دور الرئيس عند إثارة القضية بل يواصل متابعتها والتأثير فيها كما يظهر من خلال ترجمة تصريحاته على أرض الواقع، فبعد أن توجه للقضاة مباشرة بقوله: "على القضاة اليوم أن يتحملوا مسؤولياتهم التاريخية". نلاحظ إيقاف وزارة العدل في الأسبوع الموالي قاضي التحقيق بالمكتب 23 بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب عن العمل -وهو المكتب المجاور مباشرة لمكتب قاضي التحقيق المتعهد بهذه القضية- بسبب إبقائه لأحد المتهمين في حالة سراح وعدم إصدار بطاقة إيداع بالسجن في حقه

خطابات الرئيس المشحونة ضد الموقوفين في القضية وتأكيده على دور القضاء في تطبيق أحكام كافية وشافية لا تقف عند الرسائل المبطنة بل تأخذ شكلا أكثر حدة. فقد صرح الرئيس إثر نشاط رئاسي يوم 22 فيفري 2023 بخصوص قضية التآمر على أمن الدولة إن "من سيتولّى تبرئتهم فهو شريك لهم". ما جعل هيئة الدفاع في القضية تعتبر هذا التصريح تهديدًا مباشرًا للقضاة المتعهدين بالملفات واتهامًا جاهزًا لهم بأنهم "شركاء في الجريمة".

في 1 مارس، استقبل الرئيس مرة أخرى وزيرة العدل ليشدد في حديثه لها عن "الدور الرئيسي الذي يجب أن يضطلع به القضاة في هذا الظرف". وأكد حسب البلاغ الرئاسي المنشور يومها إن "من تآمروا على أمن الدولة الداخلي والخارجي ومن أرادوا ولا يزالون مصرّين على التنكيل به في كل المجالات لا يمكن أن يلعبوا دور الضحية".

بعد استقبال الوزيرة بيومين، وتحديدا في 3 مارس 2023، استقبل سعيّد هذه المرة رئيس المجلس الأعلى المؤقت للقضاء مرددا تقريبا ما صرح بيه للوزيرة من أن "من تآمروا على أمن الدولة الداخلي والخارجي يدعون أنهم منفذون ووطنيون، في حين أنهم ارتموا في أحضان الخارج وحاولوا ولازالوا يحاولون التنكيل بالشعب".

هل يمنع القانون التونسي والدولي مقابلة ديبلوماسيين أجانب؟ 

تنص اتفاقية فيينا المنظمة للعلاقات الديبلوماسية بين الدول وتحدد حقوق والتزامات الدبلوماسيين والامتيازات والحصانات التي يستحقونها، على أن "مهام البعثة الدبلوماسية تتمثل في جملة أمور تتعلق بتمثيل الدولة المرسلة في الدولة المستقبلة وحماية مصالح الدولة المستقبلة ومصالح مواطنيها في الدولة المستقبلة ضمن الحدود التي يسمح بها القانون الدولي. كما تستطيع التفاوض مع حكومة الدولة المستقبلة والتحقق بكل الوسائل القانونية من الظروف والتطورات في الدولة المستقبلة. ويحق لها أيضا تقديم تقرير عن ذلك إلى حكومة الدولة المرسلة كتعزيز العلاقات الودية بين الدولة المرسلة والدولة المستقبلة.

في المقابل تعتبر هيئة الدفاع أن القضية قائمة على اجتماعات الموقوفين مع ديبلوماسيين مدنيين أجانب معتمدين لدى الدولة التونسية ينتمون إلى سفارات دول مثل الولايات المتحدة وإيطاليا وأسبانيا وفرنسا أساسا وهو ما لا يجرمه القانون التونسي وفقهم. بالنظر إلى الاستنطاقات التي اطلعت عليها انكفاضة ايضا فقد ارتكزت أسئلة باحث البداية وقلم التحقيق على هذه الوقائع لتعتمدها سندًا في توجيه ترسانة التهم.

تأتي مثلا مواجهة خيام التركي بأحد المحادثات بينه وبين مسؤولة القسم السياسي بسفارة الولايات المتحدة بخصوص تحديد موعد لقاء بحضور موظفيْن اثنين من السفارة (two officers). غير أن هذه العبارة الإنقليزية تُرجمت في محضر الأبحاث إلى "ضابطيْن" عوضا عن موظفيْن، وهو ما تسبب في مأزق للمتهم على أنه التقى مسؤولين عسكريين لدولة أجنبية بدل ديبلوماسيين أجانب، وفق ما أكدته المحامية دليلة مصدق.

تعتبر هيئة الدفاع عن الموقوفين في قضية التآمر على أمن الدولة أن توجيه الاتهام للموقوفين السياسيين بوجود شبهات بخصوص لقاءاتهم مع الدبلوماسيين يقتضي، منطقا، أن هؤلاء الديبلوماسيين الأجانب متورّطون أيضا فيما هو منسوب للموقوفين من جرائم، وهو ما كان يفترض وفقهم قضائيًا توجيه الاتهام إليهم أو حتى طلب سماعهم أو الاحتجاج عليهم دبلوماسيًا والتعبير على أنهم أشخاص غير مرغوب فيهم. ويصر الدفاع على أن عدم القيام بذلك يؤكد توظيف هذه اللقاءات الشرعية بغاية ضرب المعارضة ومنعها من ممارسة حريتها في التعبير أو الاجتماع.

في المحصلة يظهر أن القضية كلها قائمة على إيقاف معارضين تونسيين بتهمة مقابلتهم لديبلوماسيين أجانب من ضمنهم أهم 3 شركاء دوليين لتونس وهم فرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة الأمريكية وكيف أن الرئيس قيس سعيد استغل هذه الاتصالات لتصنيف معارضيه كخونة ومتآمرين على أمن الدولة في الوقت الذي لا يزال هؤلاء المسؤولون معتمدين في تونس ويواصلون مشاوراتهم ولقاءاتهم مع مسؤولين في الحكومة التونسية ومن بينهم من يساند مسار 25 جويلية على غرار السفير الإيطالي.