الاستشارة الإلكترونية، الحقيقة وراء الأرقام

في أعقاب إعلان الرئيس قيس سعيد عن النتائج الأولية للاستشارة الالكترونية، تحاول إنكفاضة بالتعاون مع منظمة البوصلة تحليل كل البيانات المتعلقة بمشاركة التونسيين والتونسيات في هذه الإستشارة الوطنية التي صوّرها الرئيس كأداة لإعادة السلطة إلى الشعب وإشراكه في عملية الإصلاح على كافة المستويات. بيانات مصورة.
بقلم | 28 أفريل 2022 | reading-duration 20 دقيقة

متوفر باللغة الفرنسية

قُدّمت الاستشارة الالكترونية E-Istichara، فور الإعلان عنها، كمجال مفتوح للمواطنين والمواطنات لتمكينهم من إبداء آرائهم حول ستة محاور:

 الشؤون السياسية، الاقتصاد، الشؤون الاجتماعية، التعليم والثقافة، التنمية المستدامة، وجودة الحياة.

ولكن منذ إنطلاقها، لم يتم توفير أي تفسير أو توضيح لمنهجية هذه الاستشارة.

تتوجه الاستشارة، في ظاهر الأمر، إلى جميع المواطنين والمواطنات الذين تزيد أعمارهم عن 16 عاما. من أجل الوصول إلى استنتاجات، من الضروري من الناحية المنهجية تمثيل كل المجموعات التي تشكل المجتمع. فإذا نظرنا إلى الطرق الممكنة لدراسة توجهات آراء المجتمع، نرى أن دراسة اتجاهات الرأي وسبر الآراء تقوم بالأساس على أسئلة مغلقة تتيح التوصل إلى نتائج كمية. وتفترض هذه الأخيرة تحديد عينة يتم من خلالها تمثيل جميع شرائح وفئات المجيبين والمجيبات على الاستطلاع.

 في الاستشارة الإلكترونية، لم تُعتمد هذه المنهجية لكون المشاركين والمشاركات لا يشكلون عينة تمثيلية، سواء كان ذلك على مستوى الفئات الاجتماعية أو الجنس أو التوزع الجغرافي. وعلى الرغم من تقديمها كفرصة للتشاور مع الشعب بأسره، تشير الأرقام إلى أن المشاركة العامة في الاستشارة الوطنية ليست تمثيلية، فهي تجمع 534.915 مشاركا ومشاركة فقط أو بالكاد 4.4٪ من إجمالي عدد التونسيين والتونسيات.

انطلقت الاستشارة في الأسابيع القليلة الأولى على نحو متواضع إلى أن بلغت ما جملته 16.000 تسجيل في 21 جانفي. ولكن لم تمض خمسة أيام فقط على ذلك حتى انخفض عدد المسجلين إلى أقل من 1500 قبل يوم من إعلان رئيس الجمهورية قيس سعيد بعض الأرقام عن معدلات المشاركة في ظهور تلفزي.

ظلت المشاركة منخفضة وراكدة على ذلك الحال طيلة عدة أشهر. ثم في يوم 22 فيفري، خلال لقاء جمع بين الرئيس و وزير تكنولوجيات الاتصال نزار بن ناجي للتباحث في سبل إنجاح هذه الاستشارة، أصدرت مؤسسة الرئاسة بلاغا لتبرير هذه الأرقام معزية نقص الاهتمام إلى صعوبات يتعرض لها المواطنون والمواطنات "بعضها ناتج عن جملة من الاختيارات الفنية، وبعضها مقصود من الذين يريدون تكميم الأفواه وإجهاض هذه التجربة الأولى من نوعها في تونس". ومع ذلك، تواصل ضعف الأرقام في الأسابيع الموالية.

على 534.915 تسجيلا، شاركت 168.705 امرأة أي زهاء 30٪ من مجموع المسجلين وهو رقم منخفض جدا بالنظر إلى تساوي نسبتيْ النساء والرجال في المجتمع التونسي تقريبا (51.2٪ من النساء و 48.8٪ من الرجال)، في حين يمثل الرجال 68.5٪ من إجمالي المشاركين في الاستشارة.

ويؤدي هذا الفارق الكبير حتما إلى نتائج غير تمثيلية، أو إلى نتائج غير مرضية في أحسن الأحوال نظرا إلى عدم وجود تمثيل متناسب لكلا الجنسين.

لم يتجاوز عدد المسجلين والمسجلات في اليوم طوال مدة الاستشارة بشكل عام معدل ثلاثين تسجيلا في الساعة. بل تظهر بعض الساعات أقل من تسجيل واحد لأن البيانات تأخذ أيضا في الاعتبار الفترات الزمنية التي لم يسجل فيها أحد. وتجدر الإشارة إلى أن أيام الأحد بين الساعة 11 صباحا و 1 ظهرا شهدت أكثر من 70 تسجيلا في الساعة في المتوسط، ما يجعلها أكثر الفترات الزمنية ازدحاما.

ارتفع معدل التسجيل بشكل كبير مع قرب انتهاء الاستشارة بالنسبة لجميع أيام الأسبوع، خاصة بين الساعة الـ 10 صباحا والـ 5 مساء، ومن ذلك الذروة التي بلغها الموقع في آخر يوم خميس بين الساعة 11 صباحا و 12 ظهرا. وعلاوة على اقتراب الأجل النهائي في 20 مارس، قد يكون الإعلان عن فتح الانترنت مجانا اعتبارا من 7 مارس للمشاركة في الاستشارة قد ساهم في هذه الزيادة. ولكن لا يزال هذا التأويل غير مؤكد علما أن معظم المناطق تستفيد من تغطية 3G التي تتجاوز 90٪ وقد تصل إلى نسبة 100٪ في بعض الولايات.

ركزت الاستشارة على الفئة العمرية 16 سنة فما فوق التيتم تقسيمها إلى ست مجموعات. سجلت الشريحة العمرية من 30 إلى 39 عاما أعلى معدل مشاركة بالمقارنة مع جميع المشاركين بنسبة 25٪، وتليها شريحة 40 إلى 49 سنة بنسبة تقارب 23٪، بينما لم تتجاوز مشاركة الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و 29 عاما 17٪.

تتصدر سليانة ترتيب المشاركة في الاستشارة وفق التوزيع الجغرافي بنسبة 14.5٪، تليها الكاف وباجة بنحو 11٪ و10٪ على التوالي، في حين سُجلت أدنى معدلات الإقبال في مدنين وبنزرت ونابل بنسبة 3.58٪ و 4.03٪ و 4.13٪ على التوالي.

تتراوح إذن معدلات المشاركة حسب الجهات بين 3.58٪ و 14.55٪ وظلت هذه الأرقام منخفضة على الرغم من الزيادة المتسارعة في عدد المشاركين والمشاركات في الأسبوعين الأخيرين من الاستشارة.







كل المعطيات المعروضة فيما سبق، بالإضافة إلى غياب منهجية وغياب فكرة المشاركة الفعالة للمواطنين، تقودنا إلى استنتاج مفاده أنه لا يمكن الحديث عن تمثيلية تعكس ثقلا شعبيا حقيقيا لهذه الاستشارة. فهي لا تقدم تصورا واضحا عن أولويات المواطنين والمواطنات، بل هي مجرد ذريعة يستخدمها الرئيس للتأسيس لنظامٍ سبق إعداده قبل إنطلاق الاستشارة.