متوفر باللغة الفرنسية

نوفل، 43 سنة، مدير مقهى، 2000 دينار في الشهر، حياة بين الحيلة والمشقة



متوفر باللغة الفرنسية

يتدبر نوفل أمره بشكل أو بآخر من خلال راتبه من التسويق الالكتروني ودخله من المقهى الذي يملكه بالشراكة مع صديقه، ولكن الصعوبات تترصّده ما بين سداد القروض وعمليات الاحتيال المتواترة التي يقع ضحيتها.

تشير الساعة إلى السادسة صباحًا، وقت افتتاح المقهى. يدردش نوفل متكأً خلف المنضدة مع الحرفاء والحريفات، ويبقي عينا على عملة المقهى وينظم عمليات التسليم والمخزون ثم يعود إلى منزله في الثانية بعد الظهر أين يقضي بعض الوقت مع زوجته وابنه قبل أن يلج إلى غرفته ليحصّل نصيبا من النوم.

عاش نوفل معظم حياته في الشمال الغربي أين وُلد وترعرع. استقر مع عائلته الصغيرة في مسقط رأسه بعد أن عمل لمدة خمسة عشر عامًا في شركة تسويق الكتروني أنشأها أحد أصدقائه، وافتتح في الوقت نفسه بالاشتراك مع هذا الأخير مقهى واشترى بعض الماعز محاولة منه لتعزيز مداخيله.

ترعرع نوفل في أسرة متواضعة الحال وهو آخر العنقود في عائلة مكونة من سبعة أطفال. يصف الرجل نفسه بأنه كان ذا مستوى متوسط ​​جدًا في المدرسة، وكان عليه أن يعيد اجتياز امتحان البكالوريا ثلاث مرات بإلحاح من والديه اللّذين أرادا رؤيته يواصل تعليمه.

يقضي صاحب المقهى معظم أوقات فراغه في نادي كرة القدم المحلي. "كنت لاعبا جيدًا في صغري ومنعني النادي من الانحراف عندما كنت مراهقًا" يقول نوفل بعرفان ويضيف: "كنا مجموعة من الشباب تتنفّس الرياضة ولا شيء غير الرياضة! "

بعد حصوله على البكالوريا في شعبة الآداب، غادر نوفل لدراسة اللغة الإنجليزية في تونس لمدة ثلاث سنوات رغم أنه كان يفضل دراسة الفرنسية، اللغة التي يجيدها أكثر. وبعد مرور فترة الجامعة، أدى الشاب خدمته العسكرية قبل أن يعود نهائياً إلى مسقط رأسه حيث افتتح كشكًا صغيرًا لبيع التبغ والصحف بالاشتراك مع شقيقه الذي وفر آنذاك المال اللازم للمشروع. وعمل في ذات الوقت في الأراضي التي تملكها أمه خلال موسم جني الزيتون وبيع الزيت.

بعد ذلك بعامين وتحديدا في عام 2006، تعهد شقيقه بكشك بيع الصحف بينما بدأ نوفل العمل في مركز اتصالات افتتحه زميل سابق له في نادي كرة القدم. وسرعان ما تسلّق الرتب بفضل مستواه الجيد في اللغة الفرنسية وتابع دورة تدريبية أفضت إلى تعيينه مسؤولا عن خدمة العملاء في غضون عام واحد براتب بـ 1000 دينار شهريا وهو ما كان يعتبره "راتبا جيد جدا في ذلك الوقت". اشترى نوفل سيارة مستعملة لا يزال يستخدمها حتى اليوم ويقول عنها ضاحكا أنها "صديقتي المفضلة ورفيقتي في المحن!".

بعد خمسة عشر عاما وصل راتب نوفل إلى 1500 دينار. ما عدا ذلك، يقوم أيضا بمشاريع أخرى بدرجات متفاوتة النجاح.

في ما يلي لمحة على دخله ومصاريفه الشهرية:

يمر نوفل في عمله بتقلّبات ناجمة في جزء كبير منها عن الصعوبات التي تواجهها الشركة في مناسبات عدة. يقول: "ذات مرة، لم أتقاضى راتبي لمدة سبعة أشهر". ولكن على الرغم من كل شيء، يخيّر الشاب البقاء إلى جانب صديقه. "لحسن الحظ كنت أعيش وقتها مع والديّ وإلا لمرّت عليّ أوقات لا أجد فيها ما يسد رمقي، أنا الذي لطالما كانت تملأ رأسي المطامح!".

"لكن الأحلام وطاقة العمل لا تكفي في تونس، خاصة عندما يكون أصلك من الشمال الغربي"

استقر وضع الشركة بعد سنوات قليلة وارتفع راتب نوفل إلى 1500 دينار. وفي المكتب، التقى بزوجته المستقبلية ياسمين التي اقترن بها في عام 2016 بعد علاقة دامت عشر سنوات، ورُزقا بطفل. "لم تبخل علي يوما بدعمها وعاضدتني في أوقات الشدة" يقول نوفل بحماس.

تركت سنوات العمل في التسويق عن بعد الطويلة ندوبها على نوفل، فهو يعاني من مشاكل سمعية خطيرة بسبب ارتداء السماعات لفترات طويلة متواصلة، ما دفع طب الشغل إلى التصريح بعدم أهليته. لكن، ورغم أنه لم يعد قادرًا على العمل، داوم صديقه على دفع راتبه شكرا له على دعمه منذ البداية.

مثل زوجها، تعاني ياسمين من مشاكل في السمع نجمت عن وظيفتها كمستقبلة اتصالات، وبالتوازي مع عملها واصلت دراستها وحصلت على درجة الماجستير في المالية. وبُعيْد زواجهما، اتفق الزوجان على أنها سوف تتوقف عن العمل لتتفرغ للتسجيل في مناظرات والبحث عن وظيفة جديدة تلائم مجال دراستها. ولذلك فنوفل هو الذي يوفر في الوقت الحالي دخلا للقيام بنفقات الأسرة.

"لا يكفي الحصول على شهادات وأن تكون مؤهلا للحصول على وظيفة جيدة، أنت بحاجة أيضا إلى شبكة علاقات مناسبة" يقول الزوج.

عرض عليه صديقه من شركة التسويق قبل بضعة أشهر شراكة لإعادة فتح مقهى في وسط المدينة كان قد أُغلق بعد إفلاسه، فأشرف نوفل على جميع أعمال الترميم واضطلع بالافتتاح. والآن، يدر عليه المقهى 500 دينار في الشهر.

في العام الماضي اقترض نوفل أيضا 15 ألف دينار لتأثيث منزله ولكنه وظّف هذه الأموال لشراء حوالي خمسة عشر ماعزا بسعر 10 آلاف دينار على أمل أن يجني بعض المال من إعادة بيع حليبها وصوفها. لكنه لم يحتسب المشاكل الكثيرة التي صار يتسبب فيها الراعي الذي يعتني بالقطيع. 

"إنه محتال! تختفي الحيوانات ويتذرع بأنها مريضة أو أن هناك لصوصًا... حتى أنه أخبرني ذات مرة قصة حول مائة ذئب !" يصرخ نوفل ساخطًا قبل أن يتبع بضحكة عصبية: "إنه يعبث معي وليس لدي أي شخص آخر للاعتناء بالماعز، لذا أتظاهر بأنني أصدقه...  باختصار، إنه يرهقني".

في ظل هذه الهموم الحالية والنفقات التي تتطلبها الماشية، لا يجني نوفل أي ربح منها، يقول: " مع الـ5000 الدينار التي تبقت لدي، أصلحت سيارتي في الجزائر وقمت بالكثير من التسوق واقتنيت هدايا لزوجتي".

"تمثل الجزائر بالنسبة إلينا الأم المنقذة. يمكننا لحسن الحظ إصلاح السيارات هناك وشراء الكثير من الأشياء، لأن الأمر مستحيل نظرا للأسعار هنا. لولا ذلك لمتنا منذ زمن طويل".

في ما يلي تفاصيل دخله ومصاريفه الشهرية:

بشكل عام، يستطيع نوفل تجاوز مصاعبه المالية حتى لو اضطره ذلك بانتظام للاقتراض من أقاربه هنا وهناك. ولكنه لا يتخلف أبدا في أوائل كل شهر عن سداد ديونه كي يحافظ على علاقة جيدة معهم. تحاول والدته أيضًا مساعدته كلما استطاعت ذلك خصوصا أثناء موسم جني الزيتون وهو مقرب جدا منها خلافا لإخوته، ففي أسرته "الكل يخاف منها" على حد تعبيره. حاليا، تقيم الأم في منزل ابنها لأنها مريضة للغاية، ولكنه لا يعرف إلى الآن سبب علّتها على الرغم من العيادات والفحوصات الطبية العديدة التي خضعت لها، ولكنه يشتري لها الأدوية ويعتني بها على قدر الإمكان بفضل مساعدة زوجته ياسمين.

المنطقة الرمادية

تمثل الشؤون المالية مصدر قلق لنوفل ويخالجه شعور بأنه لا يلمح نهاية النفق أبدًا، فإما عليه خلاص ديون أحدهم، أو سداد مستحقات الميكانيكي، أو متجر الحي، أو الصيدلية أو أي مكان آخر. وكثيرا ما يشعر كأنه يخطو على حبل معلّق في الفضاء لكثرة قلقه إزاء الأمور الطارئة خصوصا منذ ولادة ابنه. ومن فرط معاناته من الضغوط الشديدة المحمّلة على عاتقه، أصيب الأب الشاب بالصّدفية وهو مرض جلدي.

من بين النفقات غير المتوقعة نفقات سيارته التي تظهر أعطاباً خطيرة وصارت تتعطل كل أربعة أيام. من أجل إصلاحها، يذهب نوفل إلى ميكانيكي يوافق على إسداء الخدمة وتأجيل السداد كما أن أسعاره تتحدى كل منافسة، و "لكنه أيضًا محتال، مثله مثل الراعي!" يقول نوفل وهو يرفع عينيه نحو السماء، "حتى أنه وضع ذات مرّة بولونات عادية على عجلاتي."

أحيانًا، يجد الرجل نفسه مغلوبا على أمره أمام وتيرة حياته اليومية المشحونة وإخفاقات مشاريعه كما أنه يلقى صعوبة في الدفاع عن نفسه من هؤلاء الذين ينعتهم بـ "غير الأمناء" ويضيف أنه لا يعرف كيف يعبر عن غضبه ويكره الشجار والمواجهة.

يتنهد قائلاً: "أحلم بالعيش في عالم يُسمح لي فيه بأن أكون على طبيعتي، وأن أكون لطيفا دون أن أتعرض إلى الاحتيال والخديعة".

المستقبل

لا يفارق نوفل الحماس على الرغم من النكسات فـ"زوجتي رائعة، وطالما أننا معًا سنكون بخير. إنها تثق بي وهذا يدفعني قُدماً" كما يقول.

عقله يفيض دائمًا بالأفكار وحاليًا يفكر في إحداث مشروع في مجال البناء ويخطط لتنظيم العديد من التظاهرات في مقهاه لتنشيط المدينة حيث يقع. في العام المقبل، سوف يُتِم سداد أقساط دينه وسيشعر حينها بالارتياح ويتمكن من تسجيل ابنه في الحضانة وربما الإدخار جانبا لإدخاله في مدرسة خاصة لاحقًا.

"على أي حال، المهم هو مجابهة كل شيء بالدعابة! آمل أن أظل أمينا مع الناس من حولي فذلك الأهم، وسنرى ما سيأتي !" يقول نوفل قبل أن يختتم بقهقهة.