التهريب .. نظام مافيوزي يستفيد من غياب الدولة

هيثم، مهرّب سلع، يعبر بشكل دوريّ باتّجاه الضفة الاخرى من الحدود التونسية الجزائرية لجلب مادة الحديد الى تونس . اما كمال فهو شرطي يعمل مدة ثلاثين سنة بالشرطة العدلية . واما ابراهيم فهو تاجر يعيد بيع البضاعة المهرّبة .
بقلم | 05 نوفمبر 2014 | reading-duration 20 دقيقة

متوفر باللغة الفرنسية
تتّخذ شريحة واسعة من التونسيين من نشاط التهريب مورد رزق لها حيث يدرّ عليها بعض العائدات المالية التي تتأتّى أساسا من الشريطين الحدوديّين المشتركين مع كل من ليبيا والجزائر شرقا وغربا. فنشاط التهريب الذي لا يخلو من المخاطرة يضمّ عددا من المواطنين وأعوان الامن على حدّ السواء، وقد كان له الأثر الكبير في اخراج العديد من البضائع من حلقة التبادل التجاري القانونية واغراقها في مسالك غير قانونية.  

ولئن يبدو هذا النشاط بمثابة مصدر للربح السريع والسّهل فانّه، دون شكّ، ضرورةٌ حتمية لا مفرّ منها بالنسبة الى بقيّة حلقات السلسلة مّمن تحرّكهم خلفية اقتصادية هشّة وتدفع بهم لاعتناق التهريب “مذهبا” للافلات من البؤس والفقر. 

هيثم، مهرّب سلع، يعبر بشكل دوريّ باتّجاه الضفة الاخرى من الحدود التونسية الجزائرية لجلب مادة الحديد الى تونس . اما كمال فهو شرطي يعمل مدة ثلاثين سنة بالشرطة العدلية . واما ابراهيم فهو تاجر يعيد بيع البضاعة المهرّبة .

في ما يلي ثلاث شهادات تروي حكاية التهريب في تونس من زوايا مختلفة.  

هو رجل في الثلاثين من عمره . يدخن السيجارة تلو الأخرى ويحدثنا قائلا انه كان دائما يعتمد على التهريب لكسب عيشه. وهي حقيقته التي لا يخجل من المجاهرة بها باعتبار ان جهته كغيرها من الجهات التونسية تعاني البطالة، وهذا ما يفسر لجوء جزء من المتساكنين الى هذا النشاط من أجل التخلّص من وطأة البطالة. 

المنظومة

لكل مهرّب مجاله الخاص الذي يُعرَف عادة بنوعية المادّة التي يتمّ تهريبها. فاذا كنت مثلا متخصّصا في تهريب الحديد فمن غير الممكن ان تعمل في مجال الكحول. فالقطاع مقسّم و”مهيكل” حتّى أنّك تجد من بين المهرّبين من يعمل في الحشيش السلاح وأخر متخصّص في تمرير الأدوات الكهرومنزلية وهكذا دواليك.

فهذه التجارة الممنوعة قد ساهمت في ابراز ظاهرة الجهوية التي اصبح لها حضور قوي يفرض مبدأ ” لكل جهة فريقها ولكل فريق جهته.“ وان كل من حاول العمل بجهة اخرى وهو لا ينتمي اليها لن ينجح في ذ لك وسيُرفض تماما .

هنا تجد كلّ شيّ على قارعة الطّريق، بداية من الأدوات المنزلية والمحروقات و مواد البناء والعجلات المطاطية والمواد الغذائية والحبوب والخضروات وصولا الى الكحول والحشيش والأسلحة أيضا. 

عندما تخامرك فكرة العمل في هذا النشاط فانّ الانخراط في المنظومة سهل جدّا ولا يستوجب الّا استيفاء بعض الشروط : يجب ان تربط الصّلة بأحدهم ينتمي الى عائلة تعيش على الضفّة الأخرى من الحدود ليتكفّل في ما بعد بتمرير البضاعة بالاستعانة بشبكة العلاقات المتشعّبة لتي ينتمي اليها.

ان الذين عرفوا بالعمل في هذا المجال وينشطون في نفس الشبكة يعرفون بعضهم البعض .أي انّ مهرّبا يقطن مدينة معينة يمكنه ان يكون على صلة بآخر يقطن مدينة اخرى وهو ما يتيح استمرارية النشاط واسترساله. كمثل احدهم من الجنوب او من الشمال الغربي على صلة بآخر من الساحل او الشمال. وقد اتضح ان الربح اليومي للمتاجرين في مادة الحديد يصل من قيمة 10 ملايين الى 15 مليونا ولهم اساليب خاصة لتمريره . وذلك بتوزيع الكمية على شاحنات يتراوح عددها بين 30 و40 شاحنة لنقله.

وتنطلق معا ويكون سائقيها دائما على عجلة وعنيفي الطباع مع رجال الشرطة . فهؤلاء التجار يتعاقدون مع كبار الشركات التونسية للحديد حيث تشتري الحديد الجزائري بثمن بخص لتفادي دفع الضرائب ومن ثم يعيدون بيعه كمادة حديد تونسية ففي مجال هذه التجارة لا يوجد رئيس يهتم بأمورها .كل واحد يعمل لحسابه الخاص.

ولكن في فترة ما بعد الثورة قرر بعضهم تعيين مسؤولا عليهم يراقب عملهم بجهتهم. وفي حال مرور شاحنة مجهولة معبأة بالحديد لن تمر حتى تدفع المال .

الدولة و النظام وقوات الامن

كان يتوجب دفع البقشيش في عهد نظام الرئيس الاسبق بن علي لتمرير البضاعة . وكانت هناك مقاييس في دفعه. فعلى سبيل المثال يقبض عون الحرس الوطني على الشاحنة الواحدة الناقلة للمحروقات 10 دنانير. واما عون الديوانة فكان يقبض مبلغا يتراوح بين 30 و50 دينارا . وترى بعض التاجرين الغير قانونيين يسمح لهم بالمرور و بعضهم الاخر لا. ويستعمل معهم نمط المراقبة والتفتيش. واذا كان لك احد المعارف بين رجال الديوانة وكنت قد دفعت مسبقا البقشيش يمكنك حينها مواصلة الطريق .

ولو نظرنا قبل الثورة لوجدنا حضور شبكة كاملة ركزت لنقل الحديد وهي تتعامل كثيرا مع الديوانة وكل شاحناتها القادمة من الجزائر لا تدخل حيز التفتيش لانها تعمل لحساب عائلة الطرابلسي الحاكمة ولهذا السبب لا شيء يقلقهم ويمرون في سلام.

فالديوانة تتلقى ببعض مراكزها التي تتموقع على امتداد كامل تراب الحدودية المال للسماح بدخول سلع التج فالديوانة تتلقى ببعض مراكزها التي تتموقع على امتداد كامل تراب الحدودية المال للسماح بدخول سلع التجارة الموازية اما اليوم بعد فترة حكم الرئيس المخلوع بن علي . ارة الموازية اما اليوم بعد فترة حكم الرئيس المخلوع بن علي .

اصبحت المسالك متعددة لتمرير البضاعة. فمنذ الثورة اصبح الاعوان الممثلين للسلطات المعنية متواطئين في نشاط هذه الشبكة وهذا مايفسر ان الحالة في ما مضى كانت افضل بكثير مما هي عليه اليوم. 

فرجال الامن واعوان الديوانة ليسوا نفس الاطارات التي عهدنا مراقبتها في ما مضي. لقد اصبحت اليوم بمثابة شبكة امنية تعرف بعضها البعض ويكفي ان تتعرف الى واحد منهم او اثنين حتى تضمن تواصلك مع البقية بمجرد مكالمة هاتفية واحدة من اجل ضمان مرور البضاعة في كل مرة بسلام. وقد كان عدد الموقفين التابعين لهذا التيار التجاري في حكم بن علي السابق اكثر مما هو عليه اليوم . فحتى وان ادى اعوان الديوانة واجبهم واوقفوا بعض المتاجرين .فانهم سيسرقون جزءا من تلك البضائع المحتجزة ومن ثم يطالبون بدفع المال مقابل اطلاق سراحهم . مما يجعلنا نستنتج اذا ان هؤلاء الاعوان يتلقون جصتهم من المال المتاتى من هذه التجارة . ولو لاحظنا من قبل لاستنتجنا انه لا يدفع لرجال الامن المال كما هو الحال اليوم. فالأغلبية تعود الى ديارها وفي حوزتها يوميا مبلغا يتراوح بين 50 و 60 دينار.

ان لقوات الامن طريقة خاصة للحصول على المال . فهي لاتطلبه بطريقة مباشرة ولكن يتضح امرها من طريقة حديثها ونبرة صوتها عندما تضغط عليك في طلب الكشف عن اوراق الشاحنات وتشعرك بانها ستفتك وسيتم حجزها عندها يكون صاحبها مجبرا على دفع 60دينارا عوض عن 20 دينارا . تلك هي طريقتهم في طلب المال .“ لايقولون لك مباشرة اعطنا المال.“ ولكن يكفي ان تفهم الاشارة اليه من انعدام اخلاقهم وصرامتهم في طلب اوراق السيارة.

يتوجب عليك طي الورقة النقدية الى اربعة اجزاء وتسربها الى يده خلسة حالما يمدها داخل السيارة

عادة ما تعلم السيارة الممهدة لعبور البضاعة قوات الشرطة بمرور سيارة اخرى من بعدها وهي المشحونة . فتذكر لهم لونها ونوعها ورقم لوحها وهي التي تقوم بدفع المال لهم. إلا انه في هذه التجارة لاتوجد معاملات ثابتة واذا كانت لك مشكلة مع رجال الشرطة فسيكنون الاولين الذين يقولون لك. ”لن تمرر بضاعتك“ . ولن يمر الامر بسلام. اذ من المحال توجيه اصبع ااتهام اليهم باعتبارهم يمثلون النظام والقانون وستجبر حينها. اما ان تدفع المال او سيطبق القانون وتحتجز السيارة المشحونة بالبضاعة.

حتى اعوان الشرطة الذين لم يرتقوا في خطتهم الى رتب يأخذون البقشيش . فقد لقبوا بقنطرة الدينار وعرفوا بهذه الكنية لأنهم يأخذون دينارا على الاشخاص البسطاء. واما من هم اعلى منهم رتبة يوقفون السيارات المهمة والمحمولة اكثر ليأخذوا اكثر نصيبا من المال . وإذا كان شرطيا بشريطين يعطونه علبة سجائر واما اذا كان بثلاثة اشرطة يعطونه 100 دينار وأما من لهم على اكتافهم نجم فلا حدث ولاحرج لان بقشيشهم يصل الى 800 دينار.

إنّه إستغلال أمني روتيني . فكيف يمكنك ان تحترمهم؟ واي نظام وانضباط تتحدث عنه اليوم؟ فقد بات الامر واضحا مع انعدام السلطة وغياب الدولة .

لايوجد قانون حاسم لتصفية كل الامور وعون الشرطة يمد يده ل 5 دنانير ولايوقفك الا في حال رفضت إعطاءه فاي قانون موجود يمكن تطبيق : فالدولة بذاتها تطلب من الشرطة ان تترك هؤلاء التجار يمرون وباختصار لقد اصبحت الشرطة تباع وتشترى في هذه الحلقة.

وهذا ما جعلنا نتاكد ان الدولة متوفاة وانه نظام عصابات. فالبلاد التونسية في حاجة ماسة الى اعادة التنظيم والتنسيق وعلى الشرطة في حد ذاتها ان تضمن الاستقرار والنظام فاعوانها باعت سيادة الدولة ومصداقيتها ب 5 دنانير وهذه هي وجهة نظري.

وقد ذكر الوزير الاول للحكومة المؤقتة علي لعريض بانه سيلتجئ الى تطبيق القانون واستعمال القوة المسلحة ان لزم الامر لمقاومة هؤلاء التجار .الا انه امر جنوني وقد يحول الاوضاع الى حرب اهلية . فاذا قتل احد المواطنين عليه ان ينسى منصبه هذا. وعليه ان يعلم ان لدينا ما يكفي من الاسلحة لنرد على الامن بنفس الطريقة . واذا كانت الدولة تستخف بالشعب فعليها ان تستعد للدخول في حرب مفتوحة ضدها لانها اهملت المناطق الداخلية وتركتها في فقر ودون تنمية كما لم تقدم لنا الخدمات الاساسية او اقلها لكي يحقق الفرد كرامة العيش. s

الدوافع

ان للتجارة الموازية مكانتها في جلب الحديد باعتبار انها تتعلق بمسالة الجودة وان مادة الحديد بالجزائر افضل بكثير من مادة الحديد بتونس.

كما لا يجب ان ننسى ان اصحاب هذه التجارة ينتمون الى الطبقة الوسطى وبحسب الظروف اما ان تقلع وتحرز تقدما اما ان تتراجع الى الوراء ولكنها حتما لن تختفي : فكل يوم يجلبون ملايين الاطنان من الحديد الى تونس وخاصة بالمناطق الداخلية وهناك يسمح لهم اعوان الشرطة بالمرور لأنهم يعرفون جيدا الفقر الموجود في تلك المناطق ويعتبر سببا مقنعا لاندفاع الاشخاص نحو هذه التجارة لكسب المال.

اما بنزين التجارة الموازية يباع للأشخاص الذين يملكون قليلا من المال والذين لا يكتسبون في عملهم الا القليل .اذ اننا نرى جيدا نوعية سياراتهم التي تتوقف فهي ليست من نوعية جيدة ولا جميلة وتحوي مضخاتها على المحروقات التي حجر عبورها والتي ستباع فيما بعد في السوق بشكل عادي.

تغض الشرطة نظرها احيانا لعلمها بالشباب العاطلين عن العمل وان لم يعملوا في هذا السلك سيشكلون مظاهرات والدولة الضعيفة لن تقوى على مقاومتهم. فقد اصبحت تجارة ذو شبكة مركزة حيث تاجرها يمرر ويبيع والشرطي يقبض منابه ويمرر.

ففي الحقيقة تعتبر تركيبة اجتماعية كاملة لم تتطور لأنها تعيش في انعدام المساواة رغم انها لم تطالب الحكومة بالكثير فهم العاطلون عن العمل الذين يعملون بالتجارة الموازية وأعوان الشرطة يأتون نفقاتهم اخر الشهر مما كسبوه من البقشيش وأما اجورهم يدخرونها. والذين يستغلون البنزين المسرب في التجارة الموازية لا يدخرون إلا القليل من المال ورغم احتياجهم لا يتذمرون ولا يطلبون شيئا.

كما انه هناك دافع اخر وهو الحصول على المعلومة فالتجار الموازين يتعاملون مع السلطات عندما يتعلق الامر بمتابعة حدث ارهابي ما والذي مازال متواصلا ويتعلق الامر بالاستعلام حول دخول الاسلحة.

هو عون يعمل قرابة 30سنة في قلب الشرطة العدلية يسرد لنا مفهوم ظاهرة هذه التجارة الموازية بالتدرج معتمدا على المرجعية التاريخية ويحاول ان يميز لك بين نمط العيش الذي اعتاد عليه اهالي المناطق الداخلية للبلاد التونسية وبين ظاهرة تجارة العصابات مشيرا الى سلم تدريجي واضح تعلوه العائلة الحاكمة السابقة للرئيس المخلوع . ومن وجهة نظره يعتبر ان صلة الاعوان بهؤلاء التجار مقابلها الحصول على المعلومات الهامة التي تخص تفاصيل هذه التجارة ودواليبها.  

نمط العمل

تمارس التجارة الموازية عن طريق البر اكثر منه عن طريق البحر والجو. ونذكر مثل تجارة المحروقات التي تحدث على البر وهو امر سهل جدا. تمر سيارة النقل معبأة بالبراميل والتي تكفل بتوزيعها على طول المسافة وعلى النطاق الواسع والبعيد عن الحدود .فكلما بعدت مسافة التوزيع كلما ارتفع السعر. فعملية التوزيع تنقسم على عدة اشخاص وكل فرد يتكفل بمسافة مثلا . تشحن شاحنة صغيرة براميل المازوط وتقوم بتوزيعها . وفيما بعاد جمع كل البراميل المعبأة والموزعة من قبل نقاط الجمع ليعاد توزيعها للبيع بشكل عادي.

توجد بضائع قادمة عن طريق المواني البحرية والجوية وتعتبر هذه العملية جريمة كبرى في حين ان التجار الموازين الذين يخاطرون على الحدود هم اشخاص عاطلون عن العمل ودون مورد رزق يعيشون على المبادلات التجارية .بالضبط كما كان في السابق ”البقرة التونسية الضخمة وخرفان الجزائر.“

فابن شقيق الطرابلسية يهتم برأس المال وابن شقيق بن علي يدير الدواليب داخل ارجاء البلاد . فهما يد حقيقية تبسط نفوذها .وسوق المحتويات جزءه الكبير تحت سيطرة ابن شقيق زوجة الرئيس السابق وان ارادت ان تراوغ مع الديوانة لتدخل بضاعتك. يكفي ان تتفق حينها معه وتدخل الحمولات بمواصفات مغلوطة فعوض ان تكتب مثلا عليها ”قطع غيار“ يكتب عليها حبوب اللوز .

فهو اسلوب مغالطة باتم معنى الكلمة. اثناء الاعلام على قدوم نوع البضاعة حيث يتم اعلام الديوانة بقائمة مغلوطة لاخفاء حقيقة المواد الممنوعة جلبها ومنها مثلا. المواد الفلاحية واذا تم القبض عليهم سيقع ببساطة عقوبتهم بغرامة مالية قدرها 8 اضعاف ثمن البضاعة.

كما تستعمل هذه المغالطة مع الاجهزة المراقبة لادخال الكحول حيث يبلغون بالخطا على المادة المستقطبة بطريقة مزيفة وتكون البضاعة الحقيقية مخباة في المحمولة بدهاء. وتطبق نفسها العملية اثر عملية ادخال قطع الغيار وكان عماد الطرابلسي ضليعا بها معتمدا على شركاته الخاصة والمعروفة بقطاع الغيار. وكان التجار الموازين يقصدونه ليدفعوا له مقابل مساعدتهم في تمرير البضاعة باسمه. وهنا يمكننا ان نتحدث حقا عن المعنى الحاف لتجارة العصابات.

اما اليوم فالذين كانوا يحتلون السوق لم يعد جلهم حاضرين. ولكن بقي نمط المعاملات نفسه .تماما كالمافيا رحل رئيسها السابق ليحل مكانه رئيسها الجديد وحيث يبقى من هو الاقوى ومن هو الذي يربح اكثر كما كان الرئيس السابق الذي رحل وترك كل شيء وراءه . وهو نفس النمط الذي تسير عليه الان تجارة المحروقات العير قانونية وكيفية تسريبها.

الدولة والنظام وقوات الأمن

ان نظرنا على الصعيد الامني لوجدنا ان بعض اعوان الامن يمدون يدهم لطلب البقشيش ولكن ليس بالضرورة ان يكون كل الامنيين غير نزهاء وان المتاجرين ايضا ان ابوا دفعه يمكنهم ايجاد اي طريق اخر للعبور بعيدا عنهم. وإذا سئل مثلا رئيس الشرطة اعوانه المراقبين عن مرور سيارة التجار الموازين يمكنهم القول ببساطة انهم لم يلمحوا شيئا وحينها لايمكن لرئيس الشرطة فعل اي شيء.

الا ان اعوان الامن الذين يكذبون على علم بتحركات كل هؤلاء التجار ويعرفون المواد التي بمررونها كالحليب والعجلات المطاطية والاسمنت . ولكن ما يشغل البال ..منهم الذين يمررون الاسلحة والمخدّرات لان هذه الانواع من السلع هي التي تفرض مشكلا حقيقيا تماما كالرغبة في الحصول على المعلومات الصحيحة حول التحركات الارهابية.

ولهذا السبب عادة ما يقع تمرير بعض التجار الصغار مقابل الحصول على المعلومات التي تهم الشرطة في مكافحة الارهاب والدفاع عن الوطن ومنهم من يقوم بذلك من اجل المال. في الاخير الكل يقوم بما يراه صالحا له . وان تحدثنا بصراحة لايمكن للدولة ان تقاوم هذه السوق اذ يتوجب عليها توفير الاف الجنود لحراسة كامل حدود التراب الجمهورية وللتصدي لمرور هذه السلع. وبمان عدد الاعوان قليل بات الامر مستحيلا. كما يوجد منهم من اضطر للدخول في هذه الشبكة للمراقبة والحصول على المعلومات المهمة.

الدوافع

عندما يقع الحديث على تجارة العصابات يجب ان ندرك بالتحديد اهمية ما نتطرق اليه فهى زاوية مفتوحة ومن المهم دراستها بواسطة خريطة دقيقة تشمل كل الامور فعندما نتطرق مثلا الى دراسة المناطق الحدودية المنفتحة على الجزائر يجب بالضرورة العودة الى التاريخ لإدراك الوضعية لان في فترة الاستعمار كان هناك نشاط منجمي كثيف يعتمد على يد عاملة مزدوجة وهي تونسية جزائرية .ولكن بعد الاستقلال جردت هذه المناطق من العمل المنجمي فغاب النشاط بدوره ووتعطلت اهالي المناطق عن العمل وحلت البطالة .وانتقل العمل المنجمي الى السواحل. هؤلاء الاشخاص واصلوا عملهم في التبادل التجاري مع العائلات الجزائرية والحدود لم تعجزهم بفضل امتداد العائلات فهل يعتبر عملهم تجارة عصابات

بما ان هذه التجارة ليست مراقبة بحرص من قبل الدولة فمن الطبيعي ان يبقى هذا العمل وسيلة لكسب العيش للسكان الذين يعيشون بالجهات التي تكثر فيها البطالة وتقل فيها الانشطة.

شاب عريض الاكتاف وذو وجه بريء يبدو اصغر سنا مما هو عليه وبشوش يعمل في مجال ثياب الطراز الثاني التي يبيعها في تونس والتي تدخل عن طريق الجزائر.

نمط العمل

توجد في تونس سوق قانونية تسمح ببيع الثياب المستعملة . فعندما تتلقى الباعة الكمية المحملة تقوم بدفع 100 دينار و 25% القيمة المضافة فهذه البضاعة تقدر ب125 دينار فمثلا اذا قدمت شاحنة محملة ب100 حزم من الثياب المستعملة نحو المدينة المجاورة للحدود ستاتي 5 سيارات نقل لتشحن كل واحدة منها 20 حزمة وبالتالي يتقاضى صاحب الشاحنة 60 دينارا على كل حزمة .

ويقبض كل من سائقي سيارات النقل 20 دينارا واحيانا 30 دينارا مقابل الحزمة الواحدة لاجتيازهم بعض الكلومترات . اما عند وقوفهم امام الديوانة تبدا لعبة القط والفار مع اعوانها ويتوجب التعامل مع من يعرفونهم فيدفعون لهم 2000 دينارا ليسمح لهم بالمرور . فقد كانت هذه المعاملات تجري في السابق قبل اندلاع الثورة . اما الان فقد ارتفع المبلغ الى 3000 دينار . وفي هذه الحالة يتكفل التجار الجزائريون بالمهمة مع رجال امنهم على الحدود ولو على حساب يوم راحتهم ويقومون بنقل البضاعة حتى المدن الكبرى . وتوجد دائما اثناء نقل البضاعة سيارة امامهم تمهد لهم الطريق وتضمن تعاون رجال الامن معهم.

عندما تصل حمولة الثياب الى الجزائر تكون قد بلغت قيمتها 350 دينار ويضاف اليها 25 % اي 100 دينار فيصبح ثمنها 450 دينار مباشرة اثر دخولها ميناء تونس.

مازلت نفس الاشخاص التي تعمل في هذا القطاع احيانا يتم القبض عليها وأحيانا ينجون منها ويواصلون عملهم . ففي وقت معين بعد الثورة وتزامنا مع الاحداث الارهابية فرض حضر تجول على المناطق الحدودية وحينها يمكن ان نتخيل وضعية هؤلاء التجار . فقد اصبحوا يتنقلون ليلا بعد ان تعطلت الحركة ورغم ذلك لم يتوقف نقل البضاعة لأنهم حافظون عن ظهر قلب كل مسالك البلاد. كما انهم قادرون على السياقة ليلا مستعملين الطريق دون انارة معتمدين بدقة على التوقيت المحسوب لبلوغ المنطقة المعنية بعد اجتياز الحدود.

اما لو تحدثنا عن تجارة الكحول الممنوعة لوجدنا انها نظام مركز خصص لادخال الكحول الى تونس وبيعها حيث يتوجب محو العلامات التجارية الجزائرية من كل القوارير ثم تعبا في صناديق تونسية اذا ما اردنا بيعها للحانات والنزلات ولكي تتطابق هذه الكميات مع المواصفات التي دونت بالفواتير التونسية التي عملت لاجلها حتي تباع بطريقة عادية وبالثمن نفسه في السوق التونسية رغم شراءها بثمن اقل وتعرض ايضا بالسوق السوداء وقد انتشرت بكثرة وتباع بثمن اقل من السوق العادية.

وكان نظام بيع الكحول سابقا في قبضة العائلة الطرابلسي الحاكمة سابقا وبالتالي يتوجب على السلطات ان تغمض اعينها وتتجاهل ما يحصل من دواليب .واليوم هذه العائلة رحلت ولكن بقي الجميع ”ينهش“ وأصبح الكل في الحقيقة بمثابة الطرابلسية.

الدولة والامن والنظام

ليس كل اعوان الشرطة متورطين في هذه اللعبة . فأعوان الامن التابعين لمناطق الجنوب والمناطق الداخلية يرفضون البقشيش والمساومة حتى وان كان العرض مغريا ويطبقون القانون كنزهاء في عملهم .على خلاف زملاءهم الاخرين الذين يموهون حقيقة مرور البضاعة الممنوعة من اجل المال. فهؤلاء النزهاء اقلية واضحة ولكن لايجب نكرانهم.

ان اعوان الديوانة الذين يأخذون نصيبهم من البضاعة او المال يسمحون للبضاعة بالمرور ومهما كانت الشحنة يمكن الادعاء بانها شحنة ثياب مستعملة . لكن في جوفها يمكن ان تجد ايضا مخدّرات واسلحة لأنه لايراقبونها وفي نهاية المطاف تمرر في سلام.

اما اذا طلب الشرطي المال من ناقل البضاعة ويكون قد رفض بدوره اعطاءه البقشيش علينا ان نحضر له فاتورة للبضاعة من تونس مسبقا وفيها كل التفاصيل وبشكل قانوني وكانها بيعت مسبقا وتم دفع الضريبة .وعند قدومها تباع بتونس في امان ومن ثم يأتي ناقلو البضاعة لاستلام الفاتورة والاستخلاص.

وأما اذا كانت شحنة ثياب قادمة من ميناء ايطاليا او سويسرا او الكندا حينها يجب انتهاج اسلوب البقشيش الساري المفعول . خاصة وإذا كان صاحب الاعمال على عجلة وقد سافر لبعث بضاعته الى تونس. يضطر الى دفع المال وحالما تأتي الحمولة الى تونس وتكون ليست في الصف الاول يقدم 300 دينارا لاستلامها قبل دور الحمولات الاخرى وليخرج بسرعة ببضاعته.

الدوافع

نلاحظ طلبا وإقبالا كبيرا من التجار الجزائريين مثلا على بضاعتنا التونسية وهي الثياب المستعملة فهم يفتقدون مجالها بالجزائر ولهم فقط ثياب صينية للبيع. فهذا القطاع له رؤوس قليلة بتونس تشرف عليه وهم لا يتعاملون مع الجزائر ولكن من المحتمل ان يكون مشروعا ناجحا. ومصلحة لكسب المال.ففوائد هذا القطاع تصل الى حدود 250 الف دينار سنويا وتتوزع هذه الارباح على قدر عدد السفرات.

اعوان الديوانة والأمن اثناء المراقبة غض النظر لطلب منابهم من المال ويعتبر الامر بالنسبة اليهم عاديا.

حتى ان الناقلين للثياب يطالبون ايضا بالمال . فهذه التجارة مكسب جيد لهم .ولكن بقدر ارباحها بقدر مخاطرها .لهم فرصة من اثنان اما ان وفي ينجحوا في تمرير البضاعة وأما ان يلقى القبض عليهم. ويسجنون على الاقل شهرين. وفي حال حدوث الامر الامر يتكفل رئيسهم بنفقات وحاجيات عائلاتهم ويدفع البقشيش لإخلاء سبيلهم.

فهذا العمل على الرغم ما فيه من متاعب الا ان ارباحه تستحق التضحية والمخاطرة من أجله ويبقى قطاع الثياب رغم ما فيه من مجاوزات مقبولا ولا يشكل خطرا كالتجارة الممنوعة لتمرير الكحول مثلا. والمنافسة ليست نفسها ولا حتى تجارها.