بقلم

متوفر باللغة الفرنسية

أميرة، 25 سنة، مراقبة بمدرسة فرنسية، 700 دينار في الشهر


بقلم

متوفر باللغة الفرنسية

27 فيفري 2022 |
  ظروف قاهرة دفعتها للتنازل عن دراسة هندسة الطرقات لتجد نفسها بين الأطفال في ساحة المدرسة الفرنسية، مهنة رغم مشقتها إلا أنها أحبتها و تفانت في أدائها.   

أميرة أصيلة مدينة المرسى هي الابنة البكر في عائلة تضم 3 أبناء·ت، ظروف الأسرة متواضعة حيث يعمل والدها خراط ووالدتها ربة بيت سهرت على تربية أبنائها و حرصت على أن يكونوا من النجباء وهذا ماحصل خاصة مع الإبنة الكبرى التي كانت من المتميزات لكن سرعان ما تلاشى هذا الحلم عند انقطاعها عن الدراسة.

لم تتخلَّ أميرة يوما عن ما تؤمن به، درست هندسة الطرقات بعد حصولها على البكالوريا لكن في سنة 2019 شاءت الظروف أن تتنازل عن حلمها لتجد نفسها تبحث عن أي عمل لسداد مصاريف أثقلت كاهل والدها، شيئا فشيئا اكتشفت شغفها وحبها للموضة وهو ما خلق لديها الرغبة في بعث مشروع للملابس المستعملة بدأت به من خلال انشاء صفحة على موقع التواصل انستغرام .

مع بداية كل شهر بعد حصولها على مصروفها الشخصي من والديها تقوم باقتناء ملابس مستعملة و تحرص على تصويرها بطريقة فنية ثم تنشرها على الصفحة، في بداية بعث المشروع  تمكنت من تحصيل مداخيل هامة لكن شيئا فشيئا سرعان ما قل متابعو الصفحة إلى أن تلاشت لديها رغبة الاستمرار في هذا العمل  بعد أن قلت المداخيل لتجد نفسها مجددا أمام البطالة.

"أنا أعشق الملابس  والموضة وأتابع عروض الأزياء بشغف، منذ صغري أصمم ملابسي الخاصة "

هكذا قالت أميرة في حديثها عن هواياتها فهي تستغل أوقات فراغها بمشاهدة برامج الموضة ومواقع التواصل التي تهتم بهذا المجال لمعرفة آخر الصيحات ولتنسج على منوالها خلال تسوقها، حيث كانت تجمع المال من مدخراتها الخاصة وكذلك من مساعدة والدتها التي كانت تشجعها على تطوير مشروعها، وفي بعض الأحيان كانت تلجأ أميرة لبيع ملابسها الخاصة.

ومما حدثتنا عنه أيضا من هوايات فإن ممارسة الرياضة هي إحدى مجالات اهتمامها، وتوفرت لها  الفرصة لممارسة هذه الهواية مجانا بقاعة على ملك إحدى صديقاتها وفي مقابل ذلك تقوم بمساعدتها خلال غيابها عن حصص التمارين الرياضية مع الأطفال خاصة وأن لها تجربة بفضل عملها الذي ساعدها في التعامل مع هذه الفئة العمرية.

و عند حديثها عن عملها ارتسمت ابتسامة على ثغرها قائلة "تلك الأرواح الصغيرة تجعلني أحب الحياة "

جمعتها بالأطفال علاقة صداقة قوية فلم تمارس دور المراقبة المتسلطة بل كانت الصديقة الودودة، فبفضل عملها كمراقبة بالمدرسة الفرنسية تعلمت أميرة طرق التعامل مع الأطفال خاصة وأنهم يحتاجون إلى الحماية و الدعم والاحتواء، خاصة في الوسط المدرسي وهذا مانجحت فيه كما استطاعت الحفاظ على رابط الصداقة القوي الذي يجعلهم يرتاحون لوجودها بينهم . 

700 دينار هو أول وأعلى راتب شهري قيمةً تتحصل عليه، حيث بدا لها في أول الأمر كمبلغ هام  لكن شيئا فشيئا تراكمت الديون ولم تستطع ادخار مبلغ يفوق 150 دينارا كما تطمح أميرة.

  فيما يلي لمحة عامة حول مداخيلها ومصاريفها الشهرية:  

تنقسم مصاريف الشابة بطريقة دقيقة جدا خاصة و أنها تحرص على ادخار حوالي 150 دينار شهريا، إذ يتوزع الراتب الشهري بين مصاريف التنقل والملابس ومواد التجميل والنظافة وغيرها من الاحتياجات الأساسية، أما بالنسبة للترفيه و العطل فهي لا تستطيع تخصيص المبلغ الكافي من راتبها المتواضع لذلك، بل وإنها عندما تحتاج لزيارة طبية فإن والدها من يتكفل بتلك المصاريف، إذ مازالت أميرة تقيم مع عائلتها.

تحرص أميرة دائما على التقليص من حجم نفقاتها لتتمكن من ادخار  مبلغ حتى وإن كان ضئيلا فهي تسعى لدعم مشروع بيع الملابس المستعملة الخاص بها .

 تحصلت المراقبة على عملها الحالي بعد رحلة من الخيبات في البحث المضني عن عمل براتب جيد فقد سبق أن عملت كاتبة لدى عدل إشهاد بمبلغ لا يفوق 300 دينار رغم مشقته، وكان ذلك المبلغ لا يفي باحتياجاتها، تقول بحسرة "البحث عن عمل في تونس كالباحث عن إبرة في كومة من القش."

فيما يلي مداخيلها و مصاريفها الشهرية: 

المنطقة الرمادية

تتحدث أميرة عن الأزمة النفسية التي عاشتها خلال سنتها الأخيرة في دراسة هندسة الطرقات، وهذا ما جعلها تنقطع عن الدراسة بصفة مفاجئة وهو ما لم تفهمه عائلتها مما زاد من هشاشة صحتها النفسية في تلك الفترة خاصة مع الضغط المسلط من العائلة حول إكمال سنتها الأخيرة في الجامعة، ففي العديد من المناسبات حاول والدها إقناعها بممارسة نشاط معين أو دراسة اللغات وهذا الضغط لم يزد الأمر إلا تعقيدا، وساهم في عزلتها لمدة سنتين.

تتحدث أميرة بحسرة "التعب النفسي أثر على دراستي وحتى على علاقاتي الاجتماعية ومما زاد الأمر تعقيدا  غياب الوعي في مجتمعنا بأهمية الصحة النفسية خاصة عائلتي التي لم تكترث لأمري ولما كان يقلقني في تلك الفترة، بل كان همهم الوحيد مواصلة التعليم."

المستقبل 

لم يهزم الاكتئاب أميرة بل جعلها أقوى مما كانت عليه سابقا، فهي اليوم تطمح لبداية جديدة في بلد يضمن لها الاستقرار المادي والمعنوي لتحقيق أهدافها وهذا ما جعلها تفكر بالهجرة إلى بلد أوروبي. تقول أميرة: "عهدنا في مجتمعاتنا العربية أن الابنة لا تنفصل عن أهلها إلا عند الزواج وتعودنا أن العائلة هي السند المادي والمعنوي وهذا ما جعلنا نجد عائقا للاستقلال بذواتنا." 

اليوم أميرة تطمح للاستقلال من سلطة أهلها لكن راتبها الحالي لن يسمح لها بذلك وحتى محاولاتها في إيجاد عمل براتب أفضل قوبلت بالرفض خاصة وأنها لم تتحصل على شهادة جامعية .

تختتم حديثها حول هذا الموضوع بالقول: "جميع محاولاتي للحصول على وظيفة باءت بالفشل، لأن شخصا أقل خبرة مني جدير بالوظيفة فقط لأنه متحصل على شهادة جامعية"، أميرة لا ترغب بالعودة إلى الدراسة مجددا.