سجن النّساء، شهادات سجينات سابقات

"في اللّيلة الأولى، لم أبك. لم أشعر بالخوف. كنت فقط أحسّ وكأنّني أقلّ من لا شيء. سرعان ما أدركت أنّه عليّ التّحلّي بالقوّة، وإلّا فلن يمكنني الصّمود في هذا المكان". أمضت مريم* تسعة أيّام في السّجن. تروي الشّابّة تجربتها خلف القضبان وتكشف عن العلاقات بين السّجينات والعنف الذي تبديه الحارسات في بعض الأحيان واستراتيجيات قتل الوقت الذي يمضي ببطء شديد.
بقلم | 12 جانفي 2021 | reading-duration 10 دقائق

متوفر باللغة الفرنسيةالإنجليزية

برج مراقبة وأسوار شاهقة بيضاء وباب معدني أخضر ضئيل تحاذيه بوّابة ضخمة تعلوها لافتة خُطّ عليها "سجن منّوبة". هنا تمّ إيداع مريم على متن شاحنة صغيرة ذات عشيّة من شهر أوت 2020، بعد أن اتّهمها زوجها بالزّنا في انتظار الحكم بالطّلاق.

بعد مثولها أمام شرطة الآداب وقضائها ليلة في مركز الاعتقال في بوشوشة، تلاه يوم بأكمله  في غرفة الإيقاف بالمحكمة، تمّ الحكم عليها بالاحتجاز لمدّة أسبوع في انتظار المحاكمة. انهار العالم حول هذه الشّابّة الثّلاثينيّة ذات العيون اللّوزيّة وقصّة الشّعر على شكل "كاريه". تروي مريم قائلة "بمجرّد وصولك إلى السّجن، يتمّ تفتيشك كلّيّا. حتّى فتحة الشّرج. تضطلع نساء بهذه المهمّة. إنّه أمر مهين للغاية. ينظرن إليك كما لو كنت أقذر كائن على وجه الأرض. ذلك هو العقاب الأوّل الذي يلحقك".  

تُقرّ شأنها شأن الشّاهدات الأخريات أنّ اللّحظات الأولى هي الأصعب على الإطلاق. تتذكّر أمينة السّبوعي، ناشطة سابقة في حركة فيمن، كانت قد سُجنت سنة 2013 لضبطها وبحوزتها قنّينة غاز مسيل للدّموع محظور: "اعتراني شعور  بالرّعب عندما وطأت قدمي السّجن. لا أحد يثير هذا الموضوع. ولذا، لم تكن لديّ أيّة فكرة عن كيفيّة سير الأمور هناك".  

وفقا للإدارة العامّة للسّجون والتّأهيل، بلغ عدد السّجينات في تونس 677 امرأة في موفّى نوفمبر 2020، أي ما يمثّل 3٪ من جملة نزلاء السّجون. هؤلاء النّساء متّهمات في أغلب الأحيان بارتكاب جرائم متعلّقة باستهلاك وترويج المخدّرات والسّرقة والقتل وبجرائم "أخلاقيّة" على غرار البغاء والمراودة والزّنا، حسب توضيح الإدارة العامّة للسّجون.  

تبيّن الرّئيسة السّابقة للجمعيّة التّونسية للنّساء الدّيمقراطيات والنّائبة والمحامية السّابقة، بشرى بلحاج حميدة، التي طالما دافعت على الكثير من النّساء وكثيرا ما عادتهنّ في السّجن "بالنّسبة للنّساء المحكوم عليهنّ بالسّجن مدى الحياة، غالبًا ما يكون ذلك بتهمة قتل الزّوج".  

عالمٌ آخر

تقول مريم: "عندما تدخلين زنزانتك، فإنّ أوّل سؤال يُوجّه إليك هو: 'ما اسمك وما الذي أتى بك إلى هنا؟'". ومن خلال قصص رفيقاتها السّجينات،اكتشفت عالماً لم تتخيّل وجوده من قبل.  

"إنّهنّ نساء أقدمن على عمليّات سطو على رجال، نساء قمن بسرقات ليقتَتْن، وأخريات لم يكن لديهنّ سكن يأويهنّ قطّ. تمّت التّضحية بهنّ وتعرضّن للاغتصاب عشرات المرّات. ومع ذلك، فهنّ يقصصن عليك ذلك بروح من الدّعابة".

زنزانتها ذات العشرين مترًا مربّعًا تحتوي على ستّة أسرّة بطابقين وتلفاز ومروحتين. كما يوجد مرحاض ومغسل خلف جدار منخفض. ينفذ الضّوء إلى الغرفة من خلال كوّات رفيعة. ويفضي باب مزدوج إلى الدّهليز. إذا أبدت السّجينات هدوءا، يُفتح لهنّ الباب الأوّل بحيث لا يفصلهنّ عن بقيّة السّجن سوى القضبان. تروي مريم "في بعض الأحيان، نتواصل مع الفتيات في الزّنازين المقابلة وإن كان ذلك ممنوعا. نسأل عن الأخبار كما نتبادل السّجائر أو السّكر عبر الدّهليز".  

يُعدّ الامتنان والتّضامن من بين "العبر الرّئيسيّة" التي استخلصتها أمينة السّبوعي في السّجن والتّي تروي في شهادتها: "منحتني الفتيات فرشاة أسنان وملابس وبعض الطّعام وشرحن لي كيف تسير الأمور". تصف  مريم من جهتها كيف تفتقر إلى أبسط الحاجيات في حياتها اليوميّة وتبقى التّبرعات أو المقايضة أو السّرقة الوسائل الوحيدة للحصول عليها. أحضرت لها والدتها ملاءات تتقاسمها مع رفيقة زنزانتها ليلى*. كما تركت لها فتاة أخرى بعض الشامبو والملابس. تقول الشّابّة: "إنّها ملابس نوم تمّ شراؤها من متجر لبيع الملابس المستعملة، إنّها بالية وممزّقة، لكنّها تصلح كغيار على الأقلّ".  

سرعان ما تعرّفت مريم وليلى على قواعد الهندام في سجن منّوبة: الكتفان والسّاقان مغطّاة والشّعر مشدود إلى الأعلى... كما يجب على الشّابّة الحرص على تفادي حكّ شعرها خوفا من انتشار القمل. تضيف قائلة "في زنازين أخرى، حُلقت رؤوس بعض النّساء بعد أن قمن بحكّها. أنتظر حتّى ينام الجميع لحكّ شعري بعض الشّيء ".  

في السّجن، سرعان ما تنشأ علاقات السّلطة، فكما تشرح مريم "أكبر مجرمة هي التي تسيطر على الزّنزانة". داخل زنزانتها، تضطلع داليا* بهذا الدّور وهي سجينة متّهمة بالسّرقة سُجنت لعدّة مرّات. تبوح الشّابّة: "أفضّل مواجهة مشاكل مع الحارسات بدلاً من داليا لكوننا محبوستين في نفس الزّنزانة".  

لطالما سمعت بشرى بلحاج حميدة عن التّسلسل القيادي داخل الزّنازين. "قائدة الزّنزانة هي المحكوم عليها بالسّجن مدى الحياة. هنالك كذلك نساء لهنّ الموارد الكافية لشراء ومقايضة السّجائر، مثلا، حتّى يُتركن في سلام أو مقابل الحصول على بعض الخدمات، في حين لا تقدر أخريات على ذلك"، حسب المحامية السّابقة.  

رتابة الحياة اليوميّة

بعد قضاء ليلتها الأولى، والتي تُعدّ بدون شكّ الأطول في حياتها، كما تؤكّد ذلك مريم، تعلّمت الرّوتين المعمول به في السّجن: الاستيقاظ كلّ صباح على السّاعة السّابعة ثمّ أداء الصّلاة ثمّ تناول القهوة- ممزوجة بالحليب لمن يتوفّر لديهنّ ذلك أو دونه بالنّسبة للأخريات- ثمّ الاستحمام ثمّ الانصراف إلى التّنظيف. "وكلّ ما يشوب ذلك من خصومات صباحيّة ومن صراخ وبكاء. هناك كذلك السّجينات اللّواتي ستتمّ محاكمتهنّ وعلينا أن نتمنّى لهنّ حظًا سعيدًا. بعد ذلك نتجاذب أطراف الحديث ونشاهد الأخبار ونستمع إلى بعض الموسيقى...".  

الصّباح هو أيضا موعد الزّيارات. تتذكّر مريم في ألم "عادتني أمّي في غرفة الزّيارات. كنت مسرورة بلقائها لكوني مشتاقة إليها وقلقة بشأنها. لكنّي كنت في الوقت ذاته حزينة بسبب تعريضي لوالديّ إلى مثل هذا الموقف". استطاعت الشّابّة بفضل المال الذي تمنحه لها والدتها اقتناء بعض الحاجيات والملابس.  

بعض السّجينات الأخريات لسن على نفس الدّرجة من الحظّ. تبوح ليلى، رفيقة مريم في الزّنزانة، قائلة : "في بداية الأمر، لم تكن عائلتي على علم بوجودي في منّوبة"، ذلك لأنّها متّهمة بالزّنا وحال شعورُها بالخزي دون إعلامها أقاربها. بدون إمكانيّة الحصول على بعض المال من الأقارب، ليس بوسعها ارتياد المتجر حيث تُباع السّجائر والوجبات الخفيفة والسّكر والحليب إلى جانب فرش الأسنان والصّابون ومنظّفات الغسيل.  

تلخّص بشرى بلحاج حميدة الوضع موضّحة "غالبًا ما يُعتبر سجن المرأة أمرًا مخزيا، لذا فهنّ لا يحظين بدعم الأسرة. سبق وأن شهدنا تفويت الكثير من الزّوجات والأمّهات والأخوات في ممتلكاتهنّ لدعم السّجناء من الذّكور. لكن بالنّسبة للنّساء السّجينات، فالأمر مختلف".

سرعان ما تركت عزلة بعض السّجينات أثرا في نفس النّاشطة الحقوقية لينا بن مهني ووالدها الصّادق بن مهنّي حينما بدآ ينشطان داخل السّجون: "عاينّا مدى البؤس النّفسي والمعنوي والمادّي هناك. هناك فتيات لا يحظين بأيّ دعم أسري أو ينحدرن من مناطق بعيدة"، كما يوضّح الصّادق بن مهني. وقد اضطلع رفقة ابنته بالعديد من الأعمال لتعويض السّجينات عن شعورهنّ بالعزلة وكسر الرّتابة السّائدة في مراكز الاعتقال.  

من المفترض أن تتمكّن النّزيلات من العمل في المطبخ أو في ورش الخياطة أو التّطريز بشكل يوميّ. غير أنّ هذه الفرص المتاحة لكسب بعض المال تبقى حكراً على النّساء اللّواتي تمّت محاكمتهنّ. ولم تتمكّن مريم وليلى من الاستفادة من ذلك كونهما في انتظار محاكمتهما. في بعض السّجون الأخرى، على غرار السّجن الذي كانت تقبع فيه أمينة السّبوعي، مثل هذه الأنشطة مخصّصة للرّجال دون النّساء.  

قرابة السّاعة الثّانية ظهرًا، تتلقّى مريم وليلى وجبتهما والتي تتكوّن في غالب الأحيان من حساء يُتناول من القدر مباشرة، مع توفير بعض البريك أو الكسكسي أحيانا.  

تقول مريم "ليس لدينا ملعقة أو طبق. عائلات السّجينات المتعوّدات على السّجن تجلب لهنّ أواني بلاستيكيّة. إذا كوّنت صداقات معهنّ، يمكنك استعمال ملاعقهنّ".

بعد الظّهر، تجتمع السّجينات. "نلعب لعبة "الحقيقة أو التّحدّي" ونمرح ونضحك ونرقص. تستعمل رفيقاتي المناديل الورقيّة ويكتبن عليها لاصطناع أوراق اللّعب. ذلك محظور، وإذا عثرت الحارسات على تلك الأوراق، يُقال إنّه يتمّ عزلك في  السّجن الانفرادي ".  

في المساء، تتوافد سجينات جديدات في حين تغادر أخريات. وذلك وقت سانح لمريم للاستماع إلى روايات جديدة في انتظار موعد العشاء. تسرد كلّ منهنّ الجرائم التي اقترفتها متعرّضة إلى استراتيجيّات السّطو والبغاء والسّرقات...ولكن في وقت لاحق من المساء، يصبح الجوّ مشحونا حسب رواية الشّابّة "نشاهد مسلسلات، لكن يشوب ذلك الخصام والتّشاجر وتبادل الضّرب. هناك من هنّ بحاجة إلى المخدّرات. ابتداءً من الحادية عشرة  مساءً، يسود هدوء وصمت مطبق. وهو وقت سانح للتّأمل والانفراد بنفسك والتّفكير أو المطالعة".  

تلجأ مريم كلّ ليلة إلى الكتابة في فراشها  لتصفية ذهنها. وتصف على مدى العشرات من الصّفحات حياتها اليوميّة وتسرد قصص رفيقاتها من السّجينات معبّرة عن خيبة أملها من تونس. غير أنّه على إثر مشادّة مع داليا، قائدة الزّنزانة، بادرت الحارسات بإحراق كلّ كتاباتها.  

"السّجن مكان يصنع منكِ مجرمةً"

"داليا لئيمة مع الجميع. لكنّها كانت تعاملني بلطف شديد. كانت تعفيني من القيام بأعمال التّنظيف، كانت تقول لي: "أنت أميرة، لا تكلّفي نفسك بفعل أيّ شيء، لا تلمسي أيّ شيء، اخلدي إلى الرّاحة"، كما تروي ذلك ليلى التي سرعان ما أدركت أنّ وراء هذا اللّطف مصلحة ما.  

"فهمت أخيرا أنّها كانت تتصرّف معي بهذه الطّريقة هي وصديقاتها على أمل استقطابي لتعاطي البغاء"، كما تضيف الشّابّة مفرقعة أصابعها وخافضة عينيها الكبيرتين المكحّلتين.  

تتدخّل مريم قائلة: "أنا من حذّرت ليلى. سبق وأن رأيت داليا تتصرّف بنفس الطّريقة مع نزيلة أخرى. شُرح لي كيف تسير الأمور: عادةً ما تتخلّى الأسر عن الفتيات اللّواتي يتمّ إيقافهنّ بتهمة الزّنا. فتتقرّب منهنّ قدامى البغايا عارضات عليهنّ إيواءهنّ بمجرّد الخروج من السّجن. وسيضطررن في المقابل إلى ممارسة الدّعارة لحسابهنّ ".  

تضيف "السّجن مكان سانح لربط العلاقات. السّجن مكان يؤهّلك لتصبحي مجرمة. تقابلين فيه مروّجات المخدّرات وتتعرّفين فيه على مسالك أخرى ".

"المخدّرات منتشرة في السّجن. يتمّ تمريرها عبر إخفائها في الطّعام أو بتواطؤ من الحرّاس وأعوان الأمن. يتمّ جرّ المبتدئات إلى تعاطي المخدّرات للسّيطرة عليهنّ. إنّه مكان تدخلينه من أجل ارتكاب جنحة صغيرة وتخرجين منه مجرمة"، كما تؤكّد ذلك بشرى بلحاج حميدة.  

العنف والإفلات من العقاب

"يبقى انتشار العنف الجنسي موضوعا محضورا. حصلت على شهادات كثيرة من نساء أثرن فيها عمليّات الاغتصاب (...). منذ اللّيلة الأولى التي يقضّينها في السّجن، القاعدة واضحة. عليهنّ مضاجعة قائدة الزّنزانة"، كما تشرح ذلك بشرى بلحاج حميدة.  

في أغلب الأحيان، قلّة هنّ النّساء اللواتي يوافقن على الإدلاء بشهادتهنّ حول هذا الموضوع بسبب شعورهنّ بالخزي كما توضّح المحامية السّابقة. ومن جهتها، تروي مريم تعرّضها للتّرهيب. إذ كانت تستحمّ مع السّجينات الأخريات عندما اقتربت منها امرأة. "لقد حاصرتني في الحمّام بكلتا يديها. كانت تريد لمسي. رددت الفعل بضربها. كانت تلك المرّة الأولى التي أضرب فيها شخصا ما. دفعتها بساقي. أوقعتها أرضا وخرجت مباشرة. هبّت الحارسات. طلبن منّي عدم الإبلاغ عنها. لما قمن بحمايتها؟ خمّنت في قرارة نفسي أنّها قد تكون هي بدورها إحدى الحارسات... "، حسب شهادة مريم.  

يعلّق الصّادق بن مهني قائلا "أعلم أنّه لا يوجد تحقيق جدّي في هذا الموضوع وأنّ الإدارة تميل إلى تفاديه. إنّه موضوع محظور لأنّه يتعلّق بالإدارة، بالدّولة، بالسّلطة العامّة التي لا تريد الاعتراف بأخطائها ".

تختلف العلاقة بين السّجينات والحارسات باختلاف اللّقاءات. وتراوح مريم وليلى بين الخوف والمزح لدى إثارة الموضوع. تروي الأولى ضاحكة "خلال نوبات الحراسة اللّيليّة، يرتدين شبشبا وغالبا ما يكنّ مخضّبات بالحنّاء ومنقوشات بـ"الحرقوس"! إنّه أمر مضحك! مع الأظافر والحلي!". وتضيف ليلى "والرّموش الضّخمة! تعطيك انطباعا بأنّ  المرأة على وشك الإقلاع والطّيران!".  

غير أنّه خلافا لبعض الحارسات اللواتي يبدين تفهّما، فالأخريات على عكس ذلك. "هل تذكرين اللّيلة التي أبرحن فيها نور ضربا؟ كان كابوسا!"، تسرّ ليلى بذلك مرتجفة لا تكاد تنقطع عن ليّ يديها. "لقد شهدت ذلك مرّة واحدة فقط أمّا أنا، فمرّتين..."، تردّ مريم محدّقة في الأرضيّة.  

تروي الفتاتان كيف كانت النّوبات تجتاح نور* في بعض الأمسيات التي تكون فيها في حاجة إلى المخدّرات. "جاءت حارسات أربع، أخرجنها بالعصيّ وأوصدن الباب ثمّ انهلن عليها ركلا وضربا بالهراوات بعيدا عن كاميرات المراقبة. كان صراخها يبلغ مسامعنا. كانت معاناة حقّا".  

تقول مريم "عندما أعدنها، حدّقن في عينيّ وفهمت: 'لا تتفوّهي بشيء، لم ترَي شيئًا، لم نفعل شيئًا'. كانت تلك هي المرّة الأولى التي أتكتّم فيها عن مثل هذا الظّلم".

أمينة السّبوعي كانت شاهدة هي الأخرى على حادثة مشابهة في سجن المسعدين منذ سبع سنوات خلت. "ما أذكره بالتّفصيل هو تلك المرأة التي فقدت جنينها بعد أن أوسعها رجال الشّرطة ضربا. في الجناح، تقوم بحراستنا نساء لكنّهنّ يستعنّ بالرّجال عندما يتعلّق الأمر بالضّرب. أذكر جيّدا كيف فتح الشّرطي الباب وصفع السّجينتين ثمّ أغلقه. أذكر كيف طلب من الحارسة إحضار مكنسة وكيف استيقظت الفتاة صباحا قائلة إنّها تنزف دماً...".  

أثّرت الحادثة أيّما تأثير في نفس أمينة السّبوعي. "كثيرا ما رأيت أناسا معنّفين لدى الاحتجاجات، لكنّ الأمر كان مختلفا حيث لم يتعدّ تبادل شتائم بين فتاتين، إحداهما مُرضع والأخرى حامل. كان من الممكن اللّجوء إلى  عدّة طرق أخرى لحلّ الإشكال... ".  

في نهاية المطاف، أُطلق سراح مريم وليلى وأمينة. ما زالت مريم تنتظر حكم الطّلاق ومحاكمتها من أجل الزّنا والتي ما فتئت تُؤجّل باستمرار. تجربة السّجن خلّفت طعمًا مريرًا في نفس كلّ من ليلى ومريم اللّتين لا تزال صرخات نور تلاحقهما في كوابيسهما من أثر الصّدمة.  

تستخلص مريم قائلة: "في غضون عشرة أيّام، اكتسبت خبرة عشر سنوات". "أهمّ شيء هو معاناة النّاس هناك. هذه هي خيبة أملي من تونس تجاه كلّ هؤلاء النّسوة ضحايا الاضطهاد. حتّى وإن كنّ عنيفات، حتّى وإن اتّسمن بالعدوانيّة، حتّى وإن اقترفن جرائم مروّعة، يَبقين هنّ الضّحايا".