متوفر باللغة الفرنسية

إنصاف، 33 سنة، مسؤولة تزويد في سلسلة مغازات كبرى، 1800 دينار في الشّهر



متوفر باللغة الفرنسية

27 أكتوبر 2020 |
إنصاف*،  أصيلة ولاية بنزرت، تحصلت على شهادة الهندسة في التجهيزات والصيانة الصناعية، في تونس العاصمة. عملت لسنوات عديدة كمسؤولة تجارية في مجال الإعلامية وتشغل منذ ثلاث سنوات، وظيفة إطار إداري في شركة تجارية فرنسية تختص في التوزيع مقرّها بالعاصمة.

إنصاف هي المسؤولة عن التزويد، وهي الوسيط بين المستودع التونسي والمغازات. تفسّر قائلة " أنا من أختار المنتجات المعروضة للبيع و أحدد كميتها وسعرها. يتم الاتصال بي عندما تكون المنتجات قد نفدت، وعندما تكون بها عيوب، وعندما يكون من الضروري تعديل الأسعار أو الاستجابة للطلبيات الكبيرة".

تقوم بـ80 في المائة من عملها في المكتب و 20 في المائة في الميدان، حيث تكون في المغازات بشكل منتظم لتتثبت من طريقة عرض المنتجات بالإضافة إلى تدريب المسؤولين·ـات عن الأقسام في المغازات، خاصة في الفترة التي تسبق المواسم التجارية.

بين المكلفين·ـات بالتزويد لدى مختلف العلامات التجارية ومسؤولي·ـات المخازن ورؤساء ورئيسات الأقسام ، تعمل إنصاف بانتظام مع أكثر من مائة شخص. تقول في هذا الصدد " أحب أن يكون لي الكثير من الزملاء المختلفين. هنا ، نعمل دائمًا في أجواء جيدة، حتى في الاجتماعات. والإدارة تستمع لنا، إنه أمر مهم للغاية بالنسبة لي، سيما وأنني أحب أن أفصح بما أعتقد به !".

رسميّا، تعمل إنصاف 48 ساعة في الأسبوع، لكنها في الواقع، تقضي ما بين 52 و 58 ساعة كل أسبوع في المكتب، من الاثنين إلى الجمعة وأحيانًا صباح السبت. تؤكد " لا أحد يتوقع ذلك مني، أنا مسؤولة، وأريد أن أقوم بعملي بشكل جيد. أن أقضّي ساعات إضافيّة، فهذا من أجل زملائي، وليس لأجل رئيسي في العمل."

تواصل إنصاف عملها منذ ثلاث سنوات بموجب عقد غير محددّ المدّة، براتب يبلغ حوالي 1800 دينار شهريًا ويتفاوت وفقًا للمكافآت الشهرية. تقول " تعتمد المكافآت على مبيعات المغازات ومؤشرات الأداء الخاصة بنا. في أحسن الأحوال، يمكن أن يصل راتبي إلى 2000 دينار ". بسبب المكالمات العديدة التي يتعين عليها إجراؤها كل يوم، يدفع لها صاحب العمل كامل تكاليف اشتراك الهاتف والإنترنت.

وفيما يلي لمحة عن مداخيلها و نفقاتها الشهرية :

تقطن إنصاف رفقة والدها وشقيقها الأصغر في شقة مؤجرة بمنطقة العوينة. منذ وفاة والدتها، هي من تهتم بحاجيات المنزل. تؤكد " نتحصل شهريا على معاش والدتي، إلا أن 800 دينار بالكاد تغطي الإيجار والفواتير الحالية".

تمنحُ إنصاف والدها 500 دينار شهريا من أجل النفقات اليومية و200 دينار على الأقل لأخيها لمساعدته على تكملة دخله وتمويل جزء من دروسه المسائية.

" والدي عاجز عن العمل وأخي لا يجني سوى 700 دينار، لذلك يقع على عاتقي مساعدتهما".  

من جهة أخرى، تساعد جدتها من الأم أيضا بمبلغ شهري لا يتعدى 60 دينار. " هذا ما تعودت والدتي فعله... والآن بعد رحيلها أنا من تسلمتُ المشعل.. إنه أمر طبيعي".

تتولى إنصاف أداء مشاوير البقالة لكل العائلة، بما فيها جدتها. حددت ميزانية تقدر بـ125 دينار في الأسبوع لتغطية هذه الحاجيات بالكامل. " تتسارع الأرقام إذا لم أنتبه. لذلك أتابع التخفيضات وأقارن الأسعار حتى أقتصد قدر الإمكان. قليل جدا أن نأكل اللحوم على سبيل المثال، لأنها باهظة الثمن".

في المقابل تسمح لنفسها ببعض الاستثناءات، خاصة عندما ترغب في تدليل جدتها. حتى تستطيع تقديم بعض الهدايا لها، تضغط على ميزانية حاجيات البيت. تقول" أحبُّ كثيرا أن أهديها الثياب والعطور ..في الواقع كل ما لا أستطيع إهدائه لوالدتي، أقدّمه لجدتي... بالنسبة لي كل ما أقدمه لها لا يخضع للحساب".

قبل انتشار وباء كوفيد-19 تقصدُ إنصاف السوق بعد الانتهاء من العمل. " لكن منذ أن جربتٌ خدمة التوصيل المنزلي أثناء فترة الحجر الصحي، أصبحت أقوم بكل طلباتنا بهذه الطريقة، إنها عملية أقل إرهاقا وأوفِّر من خلالها الكثير من الوقت".

ليس لإنصاف الوقت الكافي للطهي، فهي تأكل في الخارج خلال الأسبوع، وليس من النادر بعد يوم طويل في العمل، أن تتناولٌ العشاء مع زملائها وزميلاتها في أحد المطاعم. كما تنفق حوالي 10 دنانير في المتوسط يوميا تكلفة الغداء من وجبات سريعة أو في المطاعم.

النقل يشكل أحد أكبر مصاريفها في الميزانية. وعلى الرغم من أن إنصاف تفضل ركوب التاكسي الجماعي أو الدراجة الهوائية خلال عطلة نهاية الأسبوع، فهي تفضل التنقل حصرا عبر سيارة أجرة خلال الأسبوع. تنفق حوالي 15 دينارا في اليوم للذهاب من وإلى العمل. " لسنوات، كنت أركب وسائل النقل العام. لقد عانيتُ من التأخير والتنظيم السيء ناهيك عن التحرش! أقسمتُ لنفسي أنه منذ اليوم الأول الذي أجني فيه راتبا، لن أستقل المواصلات العامة مرة أخرى! ". بالنسبة إليها، لا توجد طريقة للتنازل عن هذا، حتى وإن كانت رحلة الحافلة ستكلفها أقل بكثير.

في المقابل، من ناحية الملابس، أصبحت إنصاف أكثر اقتصادا. " في الماضي كنتُ أشتري ثيابا كل أسبوع، الآن أصبحت أراقب بالفعل ما ألبسه. أصبحت أذهب "للفريب" بميزانية 50 دينار  مرة في الشهر،  وذلك فقط للترفيه".

نادرا جدا أيضا ما تذهب إنصاف إلى صالون تصفيف الشعر. " مرة كل ستة أشهر تكلفني في حدود 90 دينار". تضيفُ ضاحكةً " لكن هذه السنة مع قدوم الجائحة، لم اذهب بعد".

وفي الختام  حتى ترفه عن نفسها وتطرد عنها ضغوطات اليوم، تذهب إنصاف إلى قاعة الرياضة التي يكلفها اشتراكها حوالي 40 دينار في الشهر. هي تحب أيضا الخروج مع أصدقائها وصديقاتها وممارسة بعض الأنشطة التي لا تكلفها شيئا : السباحة، رحلات التنزه، ركوب الدراجات الهوائية، التخييم... ما لا تنفقه على نفسها، تتركه إنصاف لأخيها، بالإضافة إلى 200 دينار التي تدفعها له كمنحة قارّة.

" في آخر الشهر عادة مايكون بحاجة إلى المال، لذلك أمنحه بين 50 و100 دينار. لا أستطيع فعل غير ذلك،  ليس لديه أحد غيري في نهاية الأمر".  

فيما يلي تفاصيل نفقاتها و مداخيلها الشّهريّة :

المنطقة الرمادية

منذ وفاة والدتها إنصاف هي التي تؤمن كل حاجيات البيت : دفع الفواتير، مشاوير البقالة، تنظيف المنزل، إلى آخره. " علّمتٌ والدي وأخي الاهتمام بوجباتهم وغسيل ملابسهم، وتنظيف غرفهم ... حتى لو ساهم الجميع، فلا يزال لدي الكثير من الأشياء التي تجب إدارتها".  

في سن 33 تعتقد إنصاف أنها تتقاضى مرتبا جيدا. إلا أنه نظرا لأعبائها العائلية، فهي لا تستطيع ادخار المال وتجد نفسها بسهولة في ظرفية مالية صعبة.  

تقول بحسرة" يكفي أن يمرض أحد أفراد العائلة حتى تنهار ميزانيتي وهذا ما يحدث دائما".  

في أحسن الحالات يصل حسابها إلى الصفر آخر الشهر، لكن هذا نادرا ما يحدث. " عمليا شهر رمضان مكلف جدا. أشتري وجبات كثيرة، وأخرج بشكل مستمروأتنقل عبر سيارة الأجرة في وقت متأخر، وهو ما يكلفني أكثر". خلال هذه السنة مكنها الحجر الصحي من توفير 800 دينار والتي أوردتهم بالفعل في حساب ادخار. تتنهد قائلة "ولكن بعد فترة وجيزة، تعطل برّادنا وكان لابد من استبداله" .

المستقبل

على الصعيد المهني، ليس لدى إنصاف قلق في هذا الشأن. لن تفقد وظيفتها نظرا للمنصب الذي تتولاه. بالاضافة إلى ذلك، هي تحب عملها وتشعر بأن المؤسسة تقدرها بشكل جيد.  

ومع ذلك، فهي تعترف بأنها لا تعيش بالطريقة التي تريدها. في عام 2014، بدأت في التمشي في إجراءات الهجرة إلى كندا لكن وفاة والدتها حطم زخمها. " منذ ذلك الحين، لم أمتلك الشجاعة لمواجهة خططي. لا أرى نفسي أتزوج وأنجب أطفالًا، لكن عندما أتحدث عن ذلك، ينصدم الناس. لقد سئمت من الاضطرار إلى تبرير نفسي. أود المغادرة، ببساطة فقط حتى أتمكن من العيش بحرية."