بائعات إيفواريّات في تونس: حجر في الهشاشة

في وقت مبكر من صباح يوم الأحد في الضاحية الشمالية لتونس، تقوم مجموعة من النساء - معظمهنّ من ساحل العاج - بتركيب منصّة للبيع في سوق بوسلسلة الصاخب. في نفس المكان كل يوم أحد، وسط حشد من الباعة التّونسيّين الذّكور، تعرض هؤلاء النساء منتجات من أوطانهن راسيات بذلك أوّل نواة للمجتمع الجنوب صحراوي في الحيّ، حتى يوم 22 مارس، حينما تمّ إغلاق السّوق ومنع انتصاب الباعة توقّيّا من انتشار كوفيد-19. هذه قصصهـن طيلة أسابيع عسيرة من الحجر الصّحّي المتواصل.
بقلم | 03 جوان 2020 | reading-duration 10 دقائق

متوفر باللغة الفرنسيةالإنجليزية
 مشهد سوق بوسلسلة يتكرّر بنفس الشّكل كل يوم أحد منذ منذ عقود. جمعٌ من الباعة الذكور يحتلّ موقف السّيّارات في صخب متواصل؛ "هيّا تَعَلن يا سيّدات! بارك الله أول زبائني!". موجات من المتسوقين/ات يتسارعون/ـن للوصول إلى ملابس وخضروات منخفضة الثّمن في القسم السفلي أو إلى ملابس أرقى وسوق للملابس المستعملة في القسم العلوي. تومض الأضواء من الأزرق إلى الأحمر مع أشعّة الشّمس التي تخترق ثقوب الأغطية البلاستيكيّة فوق هذا السّوق المنبثق من العدم.  

خلال السّنوات الماضية، شهد هذا السّوق تحوّلا تدريجيّا. لا أحد يستطيع تحديد متى و كيف بدأ هذا، ولكن بين سنتي 2012 و 2016 انضمّت مجموعة من النّساء، معظمهنّ من ساحل العاج، إلى الباعة في السّوق.  

كل يوم أحد، في الممرّ الفاصل بين القسمين العلوي و السّفلي للسوق، تفرش هؤلاء النّساء أقمشة على الأرض تعرضن فوقها عبوات من التّوابل والعجين والأعشاب الطّبّيّة وسلع أخرى معلّبة يدويّا من أوطانهنّ.  

منذ تمّ اتّخاذ تدابير التوقّي من جائحة كوفيد-19 في مارس الماضي، ظلّ سوق بوسلسلة مغلقا. على مرّ أسابيع، ظهرت بعض الأعشاب الطفيليّة حيث كانت تنتصب الخيام و الأكشاك، وتُركت هؤلاء النّساء، وأُخر غيرهنّ من بلدان جنوب الصّحراء، ليُعوّلن على أنفسهنّ من دون مصادر دخل أو تغطية اجتماعيّة أو حماية قانونيّة. تحدّثت إنكفاضة مع ثلاثة من هؤلاء البائعات واثنين من حرفائهنّ حول مكانة هذا السّوق بالنّسبة لهم/ـن و كيف أثّر الحجر الصّحّي على حياتهم/ـن و مشاريعهم/ـن المستقبليّة. 

  يوم الأحد 26 أفريل، أعشاب طفيليّة تغزو القسم العلويّ من السّوق بعد أسابيع من الحجر الصّحّي. تصوير ياسمين حوامد.  

عمل للحساب الخاص  

بدأت إستيل العمل بالسّوق في فيفري، بعد شهر فقط من قدومها إلى تونس و استقرارها بهذا الحيّ حيث يقطن العديد من المهاجرين/ات من بلدان جنوب الصّحراء. جاءتها الفكرة يوم التقت بنساء أخريات من ساحل العاج تعرضن منتجات من بلدهنّ. متحمّسة للفكرة، سألت نفسها: "لم لا أحاول؟" وهرعت لبيتها لتهاتف أختها و تطلب منها إحضار كمّيّة من السّلع عند قدومها من ساحل العاج إلى تونس بعد أسبوعين. 

كان يومها الأوّل "مثاليّا" حسب وصفها. قدمت إستيل للسوق على السابعة صباحا حاملة رضيعها فوق ظهرها و سلعها الملفوفة بوشاح كبير بيدها. وجدت مكانا فارغا حذو امرأتين أخريين - تطلق عليهن اسم "رفيقاتي"- من ساحل العاج. رحّبن بها سريعا قبل أن ينشغلن مجدّدا بعملهنّ.  

 فوق وشاحها، تعرض إستيل بعناية عبوات القناويّة المجفّفة، بلاكالي (عجين البفرة)، آتياكي (بفرة مخمّرة)، شاي البيساب (الكركديّة)، زبدة الشّيا ومنتجات تجميل أخرى. عادت ذات السبعة و عشرين سنة إلى أطفالها الثلاثة و زوجها بإحساس ملؤه الفخر و قرابة 100 دينار بجيبها. تستذكر إستيل ما قالته لنفسها يومها " سوف أساعد نفسي فعلا لو واصلت على هذا المنوال".  

في طريقها للعمل في تاسع يوم أحد، لمحت عن بعد وحدات من الشّرطة ومجموعة من الباعة يجمعون سلعهم عن مضض استعدادا  للرحيل إذ أعلنت الحكومة التّونسيّة الحجر الصّحّي لمدّة ستّة أسابيع.  

وجدت إستيل نفسها مرغمة على العودة لبيتها الصّغير حيث تتشارك السّكن مع خمسة بالغين وأطفالها الثّلاثة. "لا شيء يسير على مايرام" حسب تعبيرها. الأمل في حياة مزدهرة في تونس بدأ يتلاشى شيئا فشيئا.  

  غرفة جلوس بسيطة في أحد أحياء بوسلسلة حيث ترتفع أسعار الأثاث. تصوير ياسمين حوامد.  

وجدت لينا ذات الـ33 سنة عملا بسوق بوسلسلة كذلك. في ماي 2019، غادرت منزلها وطفليها في ساحل العاج بهدف الاستقرار بتونس والحصول على شهادة في التّمريض. شجّعتها خالتها التي عاشت فعلا في تونس على الهجرة مؤكّدة أنّه "هو البلد الأقلّ عنصريّة في المغرب العربي". تواصل لينا قائلة: "لقد أخبرتني كذلك أن المكان جيّد هنا وأنّني لست مجبرة على إحضار الكثير من الملابس لأنّه من السّهل شراؤها هنا بأثمان منخفضة". أخذت لينا بنصيحة خالتها و ملأت حقيبتيْ سفر بمنتجاتها الإيفواريّة المفضّلة: معجون الفول السوداني ومزيج التوابل والبطاطا والموز وزيت النخيل الأحمر وزنجبيل غرب إفريقيا ومنتجات التجميل.

صابون، مكعّبات التّوابل، معجون الكاكويّة و كرات البفرة من ساحل العاج. تصوير ياسمين حوامد

كانت أمّ الطّفلين تأمل أن تعمل كحاضنة في إحدى العائلات لتدّخر المال الكافي لمواصلة دراستها، لكنها اكتشفت أن العثور على العائلة المناسبة أصعب ممّا كانت تتصوّر. شجّعتها شبكة علاقاتها من الإيفواريّات الّلواتي يعملن كحاضنات على بيع منتجاتها في سوق بوسلسلة إلى حين إيجاد عمل مناسب. هكذا علمت لينا أنّ العديد من النّساء المهاجرات من بلدان جنوب الصّحراء يعوّلن على هذا العمل في الأشهر الأولى لقدومهنّ إلى تونس، قبل أن ينفذ مخزونهنّ.

في أول يوم عمل لها في السّوق، قادتها امرأة كونغوليّة إلى مكان متاح بين صفوف الباعة وأشارت إليها بأن تدفع 3 دنانير معلوم صيانة المكان لأحد التّونسّيين. في سوق بوسلسلة، وجدت لينا نفسها في المكان المناسب حيث كانت لها خبرة في أسواق أبيدجان. إلّا أنّها تفاجأت بأغلبيّة من الباعة الذّكور و بديناميكيّة مختلفة عمّا عهدته في بلدها.

"في بلدي، معظم الرجال العاملين في الأسواق ليسوا من ساحل العاج… إنّهم في الغالب أجانب. في بلدي، النّساء هنّ اللّواتي يعملن بالأسواق لكن الحال في تونس هو عكس ذلك، هذا هو الفرق." 

استطاعت لينا العيش من أرباحها لمدّة ثلاثة أشهر قبل أن ينفذ مخزونها. من خلال أحد معارفها، تحصّلت في نهاية المطاف على وظيفة كمربّية دائمة لدى إحدى الأسر التّركيّة، و لكن بعد سبعة أشهر، غادرت هذه الأسرة البلاد تخوّفا من كوفيد-19 و ووجدت لينا نفسها عاطلة عن العمل منذ ذلك الحين. تتقاسم لينا السّكن في شقّة مع أربعة إيفواريّين/ـات آخرين/أخريات "يشعرون بالملل الشّديد و يتوقون للعودة للعمل" حسب تعبيرها. "نحن نلتزم بالقواعد و بالمكوث في المنزل. نستعمل الكثير من الكلور ومعدّات التّنظيف ونرتدي القفّازات عندما نخرج. إنّ الأمر ليس سهلا و لكنّنا نأمل أن يتحسّن كلّ شيء".

  ميريام*، إيفواريّة مقيمة بالحي، تعرض عبوة من المنظّف الذي تعتبره "أعز أصدقائي في زمن الكورونا". تصوير: ياسمين حوامد  

"فرص" مستوردة

تعيش راشيل*،30 عاما، وابنتها البالغة من العمر ستة عشر شهرا مع شخصين آخرين بالمنزل. تطمح راشيل أن تصبح أول بائعة جملة إيفواريّة بسوق بوسلسلة و تقول أن الفكرة جاءتها حين كانت حبلى و تعمل كمعينة منزليّة  لدى بعض الأسر في الجوار منذ ثلاث سنوات. عندما لاحظت أنّ صديقاتها الإيفواريّات الّلواتي يعملن بالسّوق كنّ ينتظرن قدوم أحد معارفهنّ من ساحل العاج لتجديد مخزونهنّ، قرّرت راشيل استثمار مدّخراتها لتوفير هذه الخدمة.

اشترت تذكرة سفر إلى أبيدجان، وتسوقت لعدة أيام، وعادت ببضع صناديق بلاستيكية مليئة بالمنتجات الإيفوارية الشائعة. بعد تجربة أولى ناجحة، كررت عملية إعادة التّزويد الشاقة هذه عدة مرات. في الدّيوانة، تقول راشيل أنها اضطرت في بعض الأحيان إلى دفع ضعف السعر الأصلي لبعض السّلع، وخاصة مستحضرات التجميل. "قالوا لي إذا لم يكن لدي المال سيصادرون السّلع، لكن بإمكاني استعادتها عند دفع المعاليم". تخلص راشيل إلى أن هذا "يجعل الأمر صعبًا جدًا بالنسبة لي" دون الدّخول في مزيد من التّفاصيل.

  الأكياس المتبقيّة من السلع التي استوردتها راشيل من أبيدجان. تصوير: ياسمين حوامد  

خلال السّنة الماضية توسّعت قاعدة حريفاتها لتشمل نساءً من الكامرون، الكونغو، غانا والسنغال. في حين أن معظم حريفاتها يشترين منتجات للاستخدام الشخصي أو لإعادة البيع في السوق، فإن عددًا متزايدًا من النساء يتزوّدن من راشيل لدعم مشاريعهن الخاصة، والتي تظهر بشكل متزايد في هذا الحي المشترك بين التونسيين وغير التونسيين. إحدى زبائنها، مونيك، معروفة في الحي بأنها أول امرأة من جنوب الصّحراء تفتتح محلّها الخاص بتصفيف الشّعر. و تقول أن العديد من النّساء التّونسيّات يأتين لتصفيف شعورهنّ و تقليم أظافرهنّ من قبل نساء من جنوب الصّحراء باستخدام موادّ مستوردة. تقول مونيك : "لم أكن أعتقد أنّه بإمكاني فتح نشاط تجاريّ بالحيّ عندما جئت في 2013" معترفة بأنّ الباعة غير التّونسيّين بالسّوق ساعدوا في تشجيع سيّدات الأعمال مثلها، خاصّة و أنّ تسوية أوضاعهنّ القانونيّة في البلاد شبه مستحيلة بالنّسبة لهنّ.

  في غرفة الجلوس، تعرض راشيل بعض منتجات التّجميل المتبقّيّة. تصوير : ياسمين حوامد  

في شقة راشيل التي لم تغادرها منذ الإعلان عن الحجر الصّحّي في أواخر مارس، لا زالت هناك بعض المنتجات المكدّسة على الرفوف والخزائن مع ملصقات تشير إلى أسعارها بالدينار. تشير راشيل: "ما لدي الآن ليس كافياً، لكن لا يمكنني الخروج لطلب المساعدة بسبب طفلتي. لن أسامح نفسي إذا مرضت".مؤكّدة أنها محظوظة لأن رفاقها/رفيقاتها بالشّقّة يساعدون/ـن في الاعتناء بها وبطفلتها.

  زبدة الشّيا، معجون الكاكويّة/الفول السّوداني، زيت النّخيل الأحمر و أكياس من منتجات التّجميل للبيع. تصوير: ياسمين حوامد  

طعم الوطن

اعتاد/ت ميريام، 37 سنة، و إبراهيم، 28 سنة، الذّهاب سويّا إلى سوق بوسلسلة يوم الأحد قبل أن يفترقا لتذهب الأولى إلى الكنيسة ولثّاني إلى المسجد. في ساحل العاج يعيش الإثنان بعيدا عن بعضهما البعض، ميريام في الجنوب المسيحي و إبراهيم في الشمال المسلم. لكن في تونس، يسكن الإثنان في نفس الحي و يتشاركان نفس التّجارب. خلال الحجر الصّحّي، يتقابلان في بعض الأحيان في جولات عرضيّة حول الحيّ، حيث يتحدّثان غالبا عن ابنيْ/ابنتيْ ميريام المراهقين/المراهقتين في أبيدجان و عن مشاريع إبراهيم المستقبليّة فيما يسمّيه "رحلة المغامرة".

  تـ/ يجلس ميريام و ابراهيم قبالة شقتها. تصوير: ياسمين حوامد  

يؤكّد الإثنان أن الباعة الإيفواريّين/ات يلعبون/ـن دورا مهمّا بالنّسبة لهما في تونس، حيث أنّ الحياة ليس سهلة كما كانا يعتقدان.

من ناحيتها، تقول ميريام : "في بلدي، يظنّ النّاس أنّ الحياة ستكون جنّة هنا، و أنّهم سيجنون أموالا أكثر بكثير ممّا يجنونه هناك. ولكن في الحقيقة، الأمر صعب جدّا هنا". مضيفة أنّها قدمت إلى تونس في أكتوبر 2015 متّبعة نصيحة إحدى صديقاتها التي كانت تعتبرها "أختها الصّغيرة" في أبيدجان و لكنّها أصبحت "غريبة عنها" بمجرّد وصولها لتونس.

كان إبراهيم من بين العديد من الإيفواريّين الذين تمّ خداعهم/ـن في أسابيعهم/ـن الأولى في تونس. شقيق صديقه الذي نشأ معه في ساحل العاج سرق منه مرتّب أكثر من شهر، و أُجبر ابراهيم على العودة إلى خانة الصّفر. تقول ميريام أنّها تعلّمت بعد خمس سنوات من العمل هنا أن تستكفي بنفسها معترفة بأنّه "حتّى داخل مجتمع الأفارقة السّود يحتال النّاس على بعضهم/ـن البعض من أجل المال". من جهته، يؤكّد ابراهيم أنّ هناك نفسا تضامنيّا بدأ يظهر ضمن الجالية الجنوب صحراويّة في تونس، خاصة بعد مقتل رجل إيفواري في ديسمبر 2018  بدوافع يُشتبه في كونها عنصريّة.

  يتّبع ميريام وإبراهيم الطّريق الذي اعتادا أن يسلكاه إلى السّوق كل يوم أحد. تصوير: ياسمين حوامد  

يقول إبراهيم: "مع العمل الشّاق الذي يتعيّن علينا القيام به للعيش هنا، علينا أن نأكل جيّدا" كما يضيف مازحا أن الطّعام التّونسي لا يفي بالغرض. "كلّه خبز، خبز، خبز! الجميع يأكل الخبز والمعكرونة والخبز، ما هذا؟" تومئ ميريام موافقة وتضيف أن مجرّد الحصول على طعام إيفواري هو مصدر للراحة النّفسيّة. يستطرد ابراهيم قائلا: "لا أستطيع العيش من دونه".

يقول أيضا إن مشاركة المنتجات القادمة من وطنه ساعده على تكوين صداقات مع تونسيّين/ات. "عندما نعمل معًا، تـ/يأتي التونسيون/ات إليّ ويسألونني "كيف تعمل جيّدا هكذا يا صديقي؟" فأشرح لهم أنّي: "أتناول هذا الطعام وأستطبّ بهذا الدّواء". "غدا، عندما تذهب لهؤلاء النّساء اقتن لي ما تشتريه عادة". يقول إبراهيم بكلّ فخر: "هكذا تنشأ الصداقات".

  على حافّة الطّريق المؤدّي للسوق الفارغة، تُباع بعض المنتجات في العربات و الشّاحنات. تصوير: ياسمين حوامد  

حجر من نوع آخر

رغم أنّ مخالطتها للباعة الإيفواريّين/ات تذكّرها بموطنها، إلّا أنّ ميريام تعترف بأنّ فكرة العودة تطاردها كما أنّها تعتبر "حكاية الكورونا" قد زادت من مخاوفها.

"أصبحت وضعيّة إقامتي غير قانونيّة بعد ثلاثة أشهر من قدومي، ظننت أنّي سأحصل على بطاقة إقامة غير أنّ أحد اصدقائي أخبرني أن لا أمل في الحصول عليها". بعد فترة وجيزة، بدأت الغرامات تتراكم.

من جهتها تؤكّد ميريام على وجوب "دفع غرامة ماليّة على كلّ الوقت الذي نمضيه هنا. لا مفرّ من ذلك. لذا أنا أحاول أن أرى خاصّة مع 'حكاية الكورونا' هذه. أتعرفين المنظّمة الدّوليّة للهجرة IOM ؟ لا أظنّ أنّهم يعملون/ـن الآن. هذا هو المشكل. و إلّا لكنت سجّلت اسمي حتى يساعدوني على الأقل في تسديد هذه العقوبات والعودة الى بلدي،" بعد خمس سنوات من الغرامات المتراكمة بمعدّل 20 دينار في الأسبوع (ما يعادل 25 يورو في الشّهر).

في 3 ماي، أفادت المنظمة الدولية للهجرة أن معدل توظيف المهاجرين/ات في تونس انخفض من 64٪ إلى 11٪ بداية من تاريخ فرض الحجر الصحي العام في 22 مارس. وقد نسقت المنظمة مع البلديات لتقديم أشكال مختلفة من المساعدة الاجتماعية والاقتصادية للعمال و العاملات غير الموثّقين/ات. كما يتضح من المساعدات المختلفة التي تلقاها الأفراد الذين/اللّواتي تحدثت معهم/ـن إنكفاضة، كان الحصول على المعلومات والمساعدات مضطربا وغير منظّم.

لم تتلق ميريام أي مساعدة: "لا أعرف متى يأتون ليقدّموا المساعدات". من جهتها رفضت راشيل التّواصل مع المنظّمة الدّوليّة للهجرة لأنّها علمت أنّهم يجمعون/ـن أرقام جوازات سفر المستفيدين/ات.

ذهب إستيل و إبراهيم و لينا إلى بلديّة المرسى كلّ على حدة: سجّلت إستيل رقم هاتفها قبل أن تغادر إلى منزلها، مُنع إبراهيم من الدّخول من قبل الشّرطة حيث أُجبر على العودة إلى منزله و تحصّلت لينا على قسيمة شراء بقيمة 25 دينارا من مغازة عزيزة. بعد ذلك بأسبوعين، تلقّت إستيل كيسين من الموادّ الغذائيّة من قبل البلديّة.

أفادت لينا أنّه في حي بوسلسلة، عرض عليها العديد من التّونسيّين/ات شراء موادّ غذائيّة، وأنّ صاحبة المنزل الذي تؤجّره، والتي تعتبرها كأمّ لها، لم تتقاضى إيجار شهر أفريل. يقول إبراهيم كذلك أنّه "يمكننا حقّا أن نشكر التّونسيّين/ات في هذا الوقت"، حيث تلقّى هو و ثلاث من أصدقائه أكياساً من الموادّ الغذائيّة من طرف "متبرّع مجهول" يتجوّل في الحيّ.

بالنظر إلى ما وراء الأزمة الحاليّة، تظافرت جهود مجموعة من الجمعيّات الجنوب صحراويّة تحت مسمّى خلية التضامن الأفريقية كوفيد-19. تعمل المجموعة في الغالب من خلال صفحتها على فايسبوك، وقد دخلت في شراكات مع العلامات التجارية الكبرى والعديد من المتطوعين لتوزيع المواد الغذائية ومواد التنظيف على المهاجرين/ـات من بلدان جنوب الصّحراء المحتاجين/ـات.

في يوم 22 أفريل، التقت المجموعة مع رئيس مجلس نوّاب الشّعب راشد الغنّوشي لاقتراح إجراءات سياسيّة تتجاوز التّدابير الرّسميّة التي اتّخذتها الدّولة لحماية المهاجرين أثناء الوباء: تعليق غرامات الإقامة ابتداء من 1 مارس إلى حين نهاية الأزمة الصّحّيّة. من بين المقترحات كذلك، طرحت المجموعة تقنينًا شاملا للمهاجرين من جنوب الصّحراء غير الموثقين/ات الذين/اللّواتي يعيشون/يعشن في البلاد، وإلغاء العقوبات الزائدة المعلقة، وتسهيل الحصول على الإقامة القانونية للعمّال و العاملات. كما طالبت المجموعة بإغلاق مراكز الاعتقال التي تسجن المهاجرين/ات بسبب وضعهم غير القانوني في البلاد.

شلل مجتمعيّ

أصبح التّواصل بين سكّان حي بوسلسلة من المهاجرين/ات صعبا منذ تمّ إغلاق السّوق الأسبوعيّة. تقول ميريام: " من الصّعب معرفة من يعاني و من لا يعاني. نحن نحترم القواعد و نلتزم بالبيت" و تضيف راشيل: "لقد أصاب الفيروس مجتمعنا بالشّلل، الله وحده يعلم ما يخفيه المستقبل".

الأحد 26 أفريل، تقف ميريام في أحد أركان السّوق المقفرة منذ أسابيع. تصوير: ياسمين حوامد

من غير الواضح كم سيستغرق الأمر من الوقت حتى تسترجع الأسواق نشاطها و ازدهارها المعتاد، لكن العديد من الأشخاص، على غرار الخمسة الذين/اللّواتي تحدّثت معهم/ـن إنكفاضة ليس لديهم/ـن ترف الانتظار واكتشاف ما ستؤول إليه الأمور. بدأ مخزون راشيل ينفذ. وأصبحت لا تستطيع تخيّل السّفر ذهابا و إيابا بين البلدين آخذة بعين الإعتبار فكرة العودة إلى وطنها مرّة واحدة و إلى الأبد.

"ربما حالنا سيكون أفضل في بلدنا"، حسب تعبير راشيل.

بعد خمس سنوات من العمل كمعينة منزليّة تريد ميريام العودة إلى منزلها ورؤية أطفالها، لكنّها لا تخفي خشيتها ممّا قد يحصل لها في مطار تونس-قرطاج. "أدعو الله أن يسير كلّ شيء على ما يرام و أن أغادر هذه السّنة، هو الوحيد القادر على مساعدتي في العودة. حقّا، لا أريد البقاء هنا".

تهدف لينا و إستيل إلى إيجاد وظائف قارّة. ترغب لينا في الدراسة وإيجاد طريقة للتقدم بطلب للحصول على الإقامة. وتقول إستيل أنّها لا تملك خطة، لكن من السابق لأوانه التفكير في العودة إلى بلدها.

من جهته، يريد إبراهيم الذّهاب إلى مكان آخر. "لقد بدأتُ المغامرة للتّو. غادرت أهلي و وجدت نفسي وحيدا هنا. لكنّني الآن أدعو الله الّا أبقى هنا. أريد أن أواصل، سأذهب حيثما يريدني الله أن أذهب".