الإتّجار بالأطفال والعبودية المنزلية في تونس بالأرقام

عمل إجباري، تسوّل، استغلال جنسي، تختلف العناوين ولكنّ ضحاياها الأساسيين أطفال أصطادتهم ماكينة الإتجار بالأشخاص في تونس. ولكن من بين الحالات المسجلة، تعتبر تلك التي تخص "العبودية المنزلية" قليلة ولا تمثل الواقع على اعتبار أنّ مكافحة الإتجار بالأشخاص بدأت للتوّ وفق المعطيات الرسمية. 
بقلم | 08 جانفي 2019 | reading-duration 10 دقائق

متوفر باللغة الفرنسيةالإنجليزية
أحصت وزارة الداخلية ما بين سنتي 2017 و2018، سبع حالات لضحايا العبودية المنزلية من القاصرات. « هذا الرقم لا يعكس الواقع، بل من المفترض أن يتضاعف مائة مرة، لتكون لنا فكرة حقيقية عن حجم الظاهرة »، تأسف روضة بيّوض، رئيسة الإدارة الفرعية للوقاية الإجتماعية في وزارة الداخلية.
يمسح أحمد العرق المتصبّب على جبينه، ويقول متحسرّا : »لو لم يدفع بي والداي إلى العمل لما كنت هنا الآن ». أحمد هو الابن البكر لعائلة من 5 أفراد. والده، العامل اليوميّ، لا يشتغل بانتظام، أمّا والدته فهي ربّة بيت. يدرك أحمد أنه ما من خيار آخر أمامه سوى مساعدة أبويه، أي أن يعيش حياة لم يخترها، بل فرضتها عليه قلّة ذات اليد.   

وتضيف روضة بيّوض أنّ العبودية المنزلية تعتبر، خلافا للأشكال المعروفة الأخرى من الإستغلال، شكلا يصعب التفطن إليه، إذ أنّ الفتيات الصغيرات يعشن في عزلة داخل البيوت، بحيث يصعب على السلطات التفطن إلى وضعهن. لذلك « يجب أن تتم توعية الناس كي يبلغوا عن هذه الحالات ». 

وبصفة عامة، عندما يتعلّق الأمر بالمعينات المنزليات، فإن مصادر معلومات وزارة الداخلية قليلة وهي تعتمد أساسا على الإشعارات التي تأتي من قبل مندوبي حماية الطفولة المنتشرين على كامل تراب الجمهورية، أو على قرارات النيابة العمومية أو على قضايا تثيرها وسائل التواصل الإجتماعي، حيث يعتبر الفايسبوك مصدرا مُحبّذا لجمع المعلومات.

لكن في أغلب الأحيان، يتم التبليغ عن حالات الفتيات ضحايا العبودية المنزلية في إطار التبليغ عن قضايا أخرى. « ويكون ذلك في حالة اعتداء جنسي تعرضت له الفتاة داخل المنزل الذي تعمل فيه أو لأنه تم اتهامها باطلا بالسرقة من قبل مشغّليها الذين يريدون إذلالها »، كما تفسّر روضة العبيدي، رئيسة الهيئة الوطنية لمكافحة الإتجار بالأشخاص.

ومن بين الحالات المسجّلة، هناك حالة تم الحديث عنها كثيرا في وسائل الإعلام بعد أن تداولتها وسائل التواصل الإجتماعي، وهي لفتاة تم تصويرها في فضاء تجاري بصحبة مشغّلتها. « تمكنت قوات الأمن من العثور على المرأة في وقت قصير وتكفّلت الدولة بحماية الضحية »، تقول رئيسة الهيئة بفخر.

لكنها لم تكن المرة الأولى التي يتم فيها التبليغ عن وضعية هذه البنت بالذات -تؤكد روضة بيّوض- حيث أعلمت إدارة المدرسة التي كانت البنت تدرس فيها مندوب حماية الطفولة بغيابها. وبأمر من القاضي، تمت إعادتها إلى مقاعد الدراسة، قبل أن يرسلها والدها، للعمل من جديد، بعد أشهر قليلة.

« يحدث أن يتمّ استغلال الطفل من جديد بعد أن تتكفّل به الدولة لأنه لا توجد آلية مراقبة، كما أنّ الإمكانيات غير كافية »، تُبيّن المسؤولة في وزارة الداخلية، مضيفة « الإستثناء الوحيد هو حين يتم تلقي تبليغ آخر ».   

  في سنة 2017، تعهّد مندوبو حماية الطفولة بأكثر من 13.000 تبليغ، نصفها تقريبا يخصّ الفتيات، إلا أن عددا قليلا جدا منها ارتبط مباشرة بحالات استغلال اقتصادي وتسول، دون أن تتوفّر احصائيات حول العبودية المنزلية.

من جهتها، أحصت الهيئة الوطنية لمكافحة الإتجار بالأشخاص، ما بين غرة أفريل 2017 و31 جانفي 2018 نحو 742 ضحية، من الأطفال والبالغين، أي أن شخصا من بين عشرة أشخاص كان ضحية العبودية المنزلية، دون أن يتم تحديد عدد الضحايا من القصّر.

« بالنسبة للأطفال، فإن الحالات التي تم التفطّن إليها تخص الجريمة المنظّمة أو التسوّل. ليس هناك إلى حد الآن عمل جاد حول موضوع المعينات المنزليات القاصرات »، حسبما تُوضّح روضة العبيدي.

لتجاوز هذه الوضعية، تُراهن رئيسة الهيئة على عمل توعوي على صعيد واسع. « نحن نعيش دون أن نعلم مع الإتجار بالأشخاص. اليوم أصبح الناس يسمعون عن العبودية الحديثة، ويدركون أن تشغيل بنت قاصر يُعدّ جريمة. »

في سنة 2017، تدخّلت وزارة الداخلية في 183 قضية مرتبطة بالإتجار بالأشخاص. وتم تسجيل 20 حالة اعتقال في نفس الفترة، منها 11.4% من القضايا كانت مرتبطة بالعبودية المنزلية، 5 منها تخص ضحايا قاصرات (والحالتين المتبقيتين تم تسجيلهما من قبل وزارة الداخلية في 2018).

الأشخاص الموقوفون أو المطلوبون للعدالة في إطار الإستغلال المنزلي للقاصرات هم أساسا المشغّلون والمشغّلات، الأولياء (أو الأوصياء القانونيون) وأيضا الوسيط.

“تختلف الأساليب التي يستعملها الوسطاء وهي ثلاثة أساليب تحديدا »، كما تُبيّن ذلك روضة بيّوض. هناك الأسلوب التقليدي، الذي أصبح قليل الإستعمال بسبب الأخطار التي قد يتعرّض لها الوسيط، عندما يتم التوجّه إليه في فضاء عام، وهو يجلس في المقهى، أو يوم السوق الأسبوعية.

ولكن على إثر ما أثارته بعض القضايا من صدى إعلامي، أصبح العديد من الوسطاء يتجنبون الظهور، ولا يسمحون للأشخاص الباحثين عن معينات منزليات أن يتصلوا بهم مباشرة، ويعتمدون أكثر على العلاقات الشخصية أو على إعلانات ينشرونها في مواقع إعلانية.

يتمثّل الأسلوب الثالث في الإعتماد على أشخاص ينحدرون من الجهات المهمّشة ويعيشون في المدن الكبرى. وذلك بحكم قربهم من العائلات التي ترغب في إرسال بناتها للعمل. ومن خلال تواصلهم مع المشغّل أو المشغّلة، يقترحون مساعدة الضحايا على إيجاد عمل، ويأخذون مقابل ذلك مبلغا ماليا.

أحد الملفاّت التي عالجتها وزارة الداخلية، يشير الى هذا النوع من الوسطاء، حيث « وجدت السلطات في الحساب البنكي للوسيطة ثلاثين تحويلا مصرفيا »، كما تؤكد بيّوض، مبيّنة أن المُتهمّة كانت محل تتبع قضائي ولكن رغم ذلك تم تركها في حالة سراح. « إذا لم يطبّق القضاء القانون، فسيذهب جهدنا سدى ». ولكن أي قانون يجب تطبيقه؟

في أوت 2016، تمت المصادقة على القانون الخاص بمكافحة الإتجار بالأشخاص. يحتوي القانون على عقوبات مشدّدة، في حق كل من يساهمون في استغلال الأطفال وتسخيرهم للعبودية المنزلية. ويواجهون عقوبة بـ10 سنوات سجنا وخطية بـ50 الف دينار، وقد تتضاعف العقوبة في حالة العود.

بعد سنة، صادق البرلمان على قانون القضاء على العنف ضد المرأة. وتخصّ المادة 20 من القانون، « المعينات المنزليات » وتحتوي على عقوبة أقل بعشرين مرة في حق المشغّل والوسيط، في حين، أن هذا الفعل يُعتبر جريمة أو جنحة في قانون الإتجار بالأشخاص.

بعد سنة، صادق البرلمان على قانون القضاء على العنف ضد المرأة. وتخصّ المادة 20 من القانون، « المعينات المنزليات » وتحتوي على عقوبة أقل بعشرين مرة في حق المشغّل والوسيط، في حين، أن هذا الفعل يُعتبر جريمة أو جنحة في قانون الإتجار بالأشخاص.

« هل هذا انفصام في تشريعاتنا؟ »، تتسائل روضة العبيدي. وتضيف « عندما تترك الوضعية غامضة بهذا الشكل، فإن المساواة أمام القانون ليست مضمونة ».   

بالنسبة الى رئيسة الهيئة الوطنية لمكافحة الإتجار بالأشخاص، فإنه لابد من مراجعة قانون الشغل وقوانين خاصة أخرى، بما أن بعض الأحكام تسمح بتشغيل القُصّر في مجالي الفلاحة والصيد البحري. « هكذا يمكن بسهولة معرفة الفئات المستهدفة، إذا اعتبرنا من هم دون 18 سنة، أطفالا، وبالتالي يجب عدم تشغيلهم ».

بغض النظر عن هذا التضارب بين التشريعات المختلفة، فإن القضاة لا يُطبقون القوانين الجاري بها العمل في حالات استغلال الأطفال. « ليس هناك عقوبات سجنية، فعادة يحكم القاضي بخطايا مالية »، تؤكد روضة بيّوض.

في سنة 2017، نظر القضاء في 18 ملفا فقط مرتبطة باستغلال الأطفال، منها 7 ملفات تم تكييفها على أساس أنها « إتجار بالأشخاص ».

معظم الضحايا هم من الأطفال، وخاصة الفتيات. ومن بين المتهمين والمتهمات في هذه القضايا، يوجد متهمة واحدة تم الحكم عليها بشهر سجنا لأنها استغلت رضيعا للتسوّل.

تُبيّن معطيات وزارة العدل أنه، إلى غاية 31 جانفي 2018، لا تزال معظم الملفات القضائية في طور التحقيق. وأنه تم الإفراج عن شخص واحد فقط بعد أن تمّت تبرئة ذمته، في حين لا يزال ثمانية آخرون موقوفين، وقد تمّ اتهامهم بالإتجار بالأشخاص.

« ستندهشون من عدد القضايا التي سجلناها حاليا مقارنة بالعام الفارط »، تبين روضة العبيدي، دون أن تعطي تفاصيل أخرى. وتعدّد كل الإجراءات التي تم اتخاذها لمكافحة هذه الجرائم، والتدريبات التي أٌعطيت لأعوان الأمن وكذلك للقضاة، عدا الحملات التوعوية التي تم تنظيمها والمٌوجّهة للرأي العام.

« لا أستطيع القول انّه تم تكوين كل أعوان الأمن والقضاة ووكلاء الجمهورية، ولكننا حققنا نتائج طيبة ». في النهاية، هناك طفولة مدمرّة وظروف عيش سيئة، و »لكن مهما كانت الوضعية المالية، لا يجب أن يدفع الأطفال الثمن ».