مريم بن ادريس : "أسطورة" زرعتها المخابرات الروسيّة في تونس

يوم 28 أفريل 2015، سجّلت منظومة الاعلامية التابعة لبلدية تونس حالة ولادة جديدة. تمّ ادراج المولود الجديد مع تمام الساعة منتصف النهار و 32 دقيقة في الدائرة البلدية باب سويقة. مولود رأى النّور والْتحق بسجلّات الادارة التونسية وهو في ال28 سنة من عمره !
بقلم | 15 جانفي 2018 | reading-duration 12 دقيقة

متوفر باللغة الفرنسيةالإنجليزية
وُلدَتْ يوم 27 ديسمبر 1986 مع تمام منتصف اللّيل في مستشفى شارل نيكول بالعاصمة، وتمّ ادراجها في سجلّ الولادات بتاريخ 30 ديسمبر من العام ذاته. مريم بن ادريس، بلغت موفّى ديسمبر المنقضي 31 سنة من عمرها المفترض. وُلدَ والدها (أ) في ولاية بنزرت، أمّا والدتها (ر) فهي بلغارية الموْلد، أو هذا على الأقلّ ما يتضمّنه سجلّ الولادات عدد 30 بتاريخ 1986 المحفوظ في بلدية باب سويقة.

مريم بن ادريس هي آخر مولود تمّ ادراجه في آخر سجلّ لتلك السنة تحت رقم 8920. غير أنّ منظومة الاعلامية التابعة لولاية تونس لم تضف هذه المولودة الى سجلّاتها الّا بعد مضيّ 28 سنة. في الحقيقة، فانّ مريم بن ادريس لم ترَ النّور يوما ولم يتعدَّ وجودها حدود دفاتر البلدية. فكيف حاول ديبلوماسيّون روس خلق هويّة مفتعلة في تونس؟

أب لم ينجب أبدا !

لئن يغيب اسم الأمّ المولودة في بلغاريا عن دفاتر الحالة المدنية التونسية -باستثناء ذكره في مضمون ولادة مريم ادريس- فانّ الأب المفترض لمريم كان له وجود فعليّ على أرض الواقع وعاش في تونس.

وُلد ا.بن ادريس سنة 1953 في ولاية بنزرت وتوفّي فيها سنة 1987. ولم يسبق لهذا الرجل أن تزوّج مطلقا أو أنجب أطفالا وفق ما أكّدته عائلته خلال الاستماع اليها من قبل فرقة مقاومة الاجرام بتونس بتاريخ 26 ماي 2015.

بالاستناد الى جملة الشهادات التي أدلى بها أفراد عائلته يتّضح أنّ ا.بن ادريس كان، منذ ولادته، يعاني اعاقة ذهنية ثقيلة ولم يسبق له أن استخرج بطاقة تعريف وطنية أو جواز سفر أو قام بزيارة العاصمة. وكان قد توفّي في مسقط رأسه بعيْدَ الميلاد المزعوم لمريم بن ادريس، وفق ما يبيّنه مضمون الوفاة المسجّل في بلدية بنزرت.

روسيّان في باب سويقة

بتاريخ جوان 2010، التقى مراد بن فرج، رئيسُ مصلحة الحالة المدنية ببلدية باب سويقة، لأوّل مرّة شخصا يدعى ميخائيل عندما مرّ هذا الأخير بمصلحته قصد استخراج مضمون ولادة. ميخائيل هو مواطن روسي، هذا كلّ ما أفاد به مراد بعد مضيّ خمس سنوات غداة ايقافه والحكم عليه ب15 سنة سجنا في شهر نوفمبر من سنة 2017.

وكانت الجهات الأمنية قد أوقفت مراد في ماي 2015 بتهمة التخابر مع جواسيس روس لتتمّ احالته الى القضاء التونسي حيث تحدّث عن عودة ميخائيل لرؤيته في مكتبه بعد بضعة أشهر من اللّقاء الأوّل مشيرا الى أنّ صديقه الروسي كان قد دعاه عدّة مرّات لاحتساء قهوة في ضاحية المرسى أو لتناول الطعام معا في حلق الوادي.

على مدى تلك اللقاءات، كان ميخائيل يبدي حالة من الفضول وأحيانا يتصرّف بكرم عراضا على صديقه، الموظّف لدى الدولة التونسية، بعض "المساعدات" المالية الصغيرة. بعد مرور نحو سنة، أصبح ميخائيل ملحّا و دقيقا في طلباته. فعلى سبيل المثال، كان يرغب في استخراج مضامين ولادة (على الأقلّ لثلاثة أشخاص من مواليد سنة 1986) بدعوى تسوية وضعية عدد من العَمَلَة والعاملات من ذوي/ذوات الجنسية التونسية الذّين/اللواتي يشتغلون لديه. ميخائيل كان مهتمّا، كذلك، بمعرفة أنواع الأقلام التي يتمّ استخدامها خلال ادراج المواليد الجدد في دفاتر الحالة المدنية. هذه الطلبات و الأسئلة لم تُثر فضول مراد على اعتبار أنّها "لم تكن مخالفة للقانون" وفق قوله.

في شهر جوان من سنة 2013 اختفى ميخائيل فجأة وفي جعبته ثمانية مضامين ولادة وجواز سفر مراد، ولكن قبل ذلك كان قد عمد الى مفاجأة مراد من خلال ربط الصلة بينه وبين صديق له روسيّ الجنسية يتقن العربية بلكنة لبنانية يلقّب ب"كريم".

لم يكن مراد مشوّش الذّهن كثيرا في تعاطيه مع كريم، فحتّى رقم الهاتف الذّي كان يستغلّه هذا الأخير هو ذاته الذّي كان مسجّلا باسم ميخائل. من الواضح أنّ الصديقين الرّوسيّين لم يكن لديهما الوقت لمتابعة تلك التفاصيل الروتينية على غرار استخراج شرائح الهاتف الخ … كلّ ما كان يعنيهم هو توجيه كلّ دقيقة من وقتهم وجهدهم للادارة التونسية !

بعض مضامين الولادة لعدد من التونسيين والتونسيات من مواليد 1986، مشروبات ووجبات بين ضاحيتيْ المرسى وحلق الوادي. تقريبا ظلّ الأمر يسير على وتيرته لم يكد يتغيّر مطلقا عمّا كان عليه خلال فترة التعامل مع ميخائيل باستثناء بعض الطلبات الاضافية لكريم الذّي كان مهتمّا بالحصول على المضامين التي تمّ اصدارها خلال فترة تسجيل الولادات بدعوى الحاجة اليها لاتمام "دراسة سوسيولوجية" وفق ما ورد على لسان مراد الذّي ظلّ الى ذلك الوقت يوافق على مدّ "صديقه" الروسي بالوثائق المطلوبة.

وفي خظمّ ذلك كان لابدّ لمراد من قول كلمة لا عندما طلب منه كريم احضار أحد السجلّات (يتعلّق بسنة 1986) الى خارج المكتب، حيث كانت حجّة مراد أنّ "الامر غير قانوني". من جانبه، لم يلحّ كريم على طلبه، وقام بمنحه مبلغا يناهز 150 دينارا.

في مارس 2015، طلب كريم من مراد أن يشرح له سبب عدم تمكّنه من العثور على امرأة تدعى مريم بن ادريس في المنظومة المركزية للاعلامية مشيرا الى أنّها من مواليد 1986 وتمّ تسجيل شهادة ميلادها في باب سويقة. عندها أجاب مراد متعهّدا بالاستفسار حول الموضوع.

كيف يتمّ النفاذ الى المنظومة ؟

بمجرّد عودته الى مقرّ البلدية، قام مراد بالتوجّه نحو القاعة المخصّصة لحفظ دفاتر الولادة، حيث كان يملك حقّ النفاذ بموجب خطّته الوظيفية بصفته مسؤول مصلحة الحالة المدنية. لدى سماعه أمام حاكم التحقيق، أكّد مراد أنّه كان قد عثر بالفعل على الشخص الذي كان يبحث عنه، وهو صاحب شهادة الميلاد رقم 8920 الذي تمّ تسجيله في آخر دفتر لسنة 1986. ولكن كيف تمّ ادراجه في لمنظومة الاعلامية؟

لم يسبق لمراد في اطار ممارسته لعمل أن تعرّض الى مثل هذه الوضعية ما دفع به الى استشارة مسؤول آخر في البلدية يدعى عادل "له تجربة أكبر في المجال". عادل أوضح لزميله أنّ نسيان ادراج أحد المواليد في منظومة الاعلامية ليس بالأمر المستجدّ، مضيفا بأنّه يتوجّب ادراج شهادة الميلاد المقود في قاعدة البيانات حتّى يتمّ حلّ الاشكال.

بعد الاستيضاح حول الحلول الممكنة، طلب مراد -وفق قوله- من زميلتيْه أمال ومنية القيام بتسجيل شهادة الميلاد المتعلّق بمريم بن ادريس ومن ثمّ ترجمته الى اللّغة الفرنسية وهو ما تمّ بالفعل.مسار ادارج مريم بن ادريس في قاعدة البيانات تمّ اقتفاؤه من قبل عدنان بن سعيدان رئيس مصلحة الاعلامية في بلدية تونس القصبة.

وفق هذا الأخير فانّ موظّفي وموظّفات مختلف البلديات لا يمكن لهم/هنّ بأيّ حال من الأحوال النفاذ الى قاعدة بيانات الحالة المدنية والقيام بأيّ عمليّة مهما كان نوعها دون التعريف بأنفسهم مسبقا من خلال ادخال المعرّف السرّي الخاصّ بهم/هنّ. هذا المعرّف يجب ألّا يكون متاحا لأيّ شخص باستثناء موظّفي و موظّفات مصلحة الاعلامية. وبعد التمكّن من الولوج الى قاعدة البيانات يصبح بامكان الشخص القيام بتعديلات على البيانات علما أنّ كلّ عملية جديدة يتمّ تسجيلها مرفقة باسم القائم بها بالاضافة الى تاريخ التعديل.

بناء على ما سبق فانّ ادراج شهادة الميلاد الخاصّ بمريم بن ادريس كان قد تمّ بتاريخ 28 أفريل 2015 من قبل موظّفة تشتغل في بلدية باب سويقة تدعى ريم، وهي من، ذاتها، من قامت بالتحقّق من التسجيل واستخرجت نسختين من مضمون الولادة.

بعد الساعة الواحدة بعد الظهر بقليل أي "خارج التوقيت الاداري" عمدت بثينة الى ترجمة الوثيقة واستخرجت أربع نسخ باللغة الفرنسية من مضمون الولادة. بعد نحو نصف ساعة قامت منية بادخال تعديلات على الترجمة واستخرجت نسخة أخرى. بعد ساعة أخرى من الزمن قامت ريم باستخراج اربع نسخ أخرى باللغة الفرنسية.

و بالاستناد الى سجلّات النفاذ المسجّلة خلال ذلك اليوم، يتبيّن أنّ ثلاثة أشخاص كانوا قد عمدوا الى ادراج شهادة الميلاد غير المسجّلة وترجمتها خلال الفترة الممتدّة بين منتصف النهار والساعة الثالثة بعد الظهر، غير أنّه لا يوجد أيّ أثر لأمال رغم الاتيان على ذكرها من قبل مراد بصفتها كانت مكلّفة بانجاز تلك المهمّة وفق قوله.

في آخر لقاء له مع كريم موفّى شهر أفريل من سنة 2015، قدّم مراد ل"صديقه" الروسي مضمون ولادة مازال حديث الادراج في قاعدة البيانات آنذاك. بعد نحو 15 يوما تمّ ايقاف مراد.

ثغرات في المنظومة

بالنسبة الى مراد فانّ مشكلته الأساسية تتلخّص في أنّ زملاءه وزميلاته لم تكن لهم/لهنّ الرّغبة في تأكيد الرواية التي وردت على لسانه "خوفا من نيل المصير ذاته" وفق ما تؤكّده محامية الدّفاع لموقع انكيفادا. من جهتها، تصرّ منية -احدى الموظّفين- على أنّها "لم يسبق أن كان أيّ علم بهذه الحكاية". بتاريخ مارس 2016، تمّ اجراء مكافحة بين مراد وكلّ من ريم وبثينة ومنية، فكانت روايات النساء الثلاث متناسقة.

فبثنية "لم يسبق لها أن أضافت أيّ اسم للمنظومة أو ترجمت مضون الولادة"، حيث ليس من الممكن -وفق قولها- أن تكون قد سجّلت حضورها من خلال النفاذ الى قاعدة البيانات خلال الساعة 13:03 على اعتبار أنّها عادة ما تكون خلال تلك الفترة خارج العمل لأنّه وقت تناول وجبة الغداء. من جانبها، تؤكّد ريم أنّها كانت في ذلك الوقت بصدد تعويض زميلها في مصلحة أخرى وبالتالي فانّه 6وفق قولها- من غير الممكن أن تكون قد نفذت الى قاعدة البيانات. منية هي الأخرى تفصّت من المسؤولية مؤكّدة أنّهنّ كنّا قد أعطين كلمات السرّ الى رئيسهنّ في العمل (مراد) بداية من سنة 2011 أو 2012، وهو ما أكّدتها ريم بدورها.

مراد واصل التمسّك بروايته مؤكّدا أنّه كان قد أعطى كلمة السرّ لموظّفة أخرى تدعى أمال نظرا لكونها لم تكن تملك كلمة سرّ في ذلك الوقت. بالرّغم من ذلك، ليس هنالك أيّ أثر لأمال في اختبارات النفاذ المجراة على قاعدة البينات ولم يتمّ مطلق الاستماع الى روايتها في هذه القضية.

عادل، الزّميل ذو الخبرة، بدا هو الآخر غير مهتمّ بتقديم يد المساعدة لزميله خارج الأطر القانونية المتعارف عليه. كلّ ما قام به لم يتعدّ عتبة ارشاد زميله الى كيفية اضافة شهادة ميلاد سابقة بشكل لا يشذّ عن القانون مع احترام التراتيب الادارية المعمول بها من ذلك ارسال طلب كتابي للادارة العامة صاحبة الصلاحيات، يتضمّن تعليلا في الغرض. عادل أكّد خلال الاستماع اليه في اطار قضيّة الحال أنّه كان، قبل عشرين عاما، قد قام بعملية تثبّت شاملة من الدفاتر الراجعة بالنظر لبلدية باب سويقة بما في ذلك تلك التي تعود الى سنة 1986 ليتمّ على اثر ذلك تسجيل كلّ شي في دفتر آخر تحت أرقام الوثائق الموجودة. وبناء على ذلك فانّ عادلا لا يتردّد في التأكيد أنّ شهادة الميلاد رقم 8920 المضمّنة بالدفتر رقم 30 لسنة 1986 لم تكن موجودة في ذلك التاريخ.

انتبه .. دفتر قد يخفي آخر !

ادراج شهادة الميلاد المفتعلة للمدعوّة مريم ادريس في دفاتر الحالة المدنية لم يكن كافيا حيث ظلّ عائق آخر يحُول دون اتمام المهمّة بأمان. هذا العائق يتمثّل أساسا في اجبارية ادراج شهادة الميلاد في دفتر ثاني يوجد لدى المحكمة بالتوازي مع الدفتر الأوّل الذّي يظلّ محفوظا في البلدية.

تشير المعطيات الموجودة في ملف القضيّة الى أنّ الدفتر رقم 30 لسنة 1986 الموجود في بلدية باب سويقة يتضمّن شهادة ميلاد اضافية مقارنة بالدفتر المماثل الموجود لدى المحكمة والذي يحمل رقم 8920. بالرّغم من ذلك فانّ مراد ظلّ متمسّكا بروايته متعلّلا بأنّ الولادات التي يتمّ الابلاغ عنها موفّى ديسمبر يحدث أن يتمّ ادراجها في أوّل دفتر من السنة اللاحقة. بعد التثّبت في هذه الفرضيّة، لا وجود لأيّ أثر لمريم بن ادريس في الدفتر الأوّل من سنة 1987 بالمحكمة.

في اطار التحقيق القضائي، تمّ تسخير خبير في الخطّ لاجراء اختبار يتمثّل أساسا في المقارنة بين مختلف الكتابات الخطّية لشهادات الميلاد المدرجة مع تلك التي تحمل رقم 8920 سعيا الى اثبات وجود عملية تدليس. وقد خلص الاختبار الى أنّ احد التوقيعات يبدو مطابقا لتوقيعات أحد الأعوان على شهادات ميلاد أخرى في حين يبدو توقيع ثان مدلّسا. خلاصة القول : تمّ "تجميد" الادراج اللّاحق لشهادة ميلاد مريم بن ادريس.

هويّة مفتعلة حيّة-ميّتة

خلال سنتيْ 2010-2011 نفّذ مكتب التحقيقات الفدرالي (آف.بي.آي) عمليّة نوعية أطلق عليها تسمية "غوست ستوري" (قصص الأشباح) بهدف تصفية ما يناهز العشرة جواسيس روس مصنّفين ضمن خانة "غير الشرعيين". هؤلاء الجواسيس "غير الشرعيين" يتخفّون خلف هويّات تمّ افتعالها على المقاس، قد تكون في بعض الأحيان هويّة مفتعلة لمواطن(ة) ينتمي (أو تنتمي) الى البلد المضيف. ولئن كان من الصّعب الحصول على هذا النوع من الهويّات الّا أنّ النجاح في الحصول عليها يتيح لمستخدمها عديد المزايا بما في ذلك اكتساب وجود ملموس على الورق ما يسمح بايجاد غطاء جيّد لعمليات الاختراق. ومع ذلك فانّ الجواسيس "غير الشرعيين" يظلّون دائما في مرمى الخطر على اعتبار عدم انتمائهم للجسم الديبلوماسي وبالتالي عدم تمتّعهم بالحصانة.

ميخائل صاليكوف و كيامران راسيم أوغلي راجيموف (يقدّم نفسه تحت اسم كريم ابراهيم) لم يكونا ضمن قائمة الجواسيس "غير الشرعيين" في تونس. بل هما ديبلومسيّان يشتغلان في السفارة الروسية بتونس.

على مدى اقامتهما في تونس، نجح ميخائيل وكريم في ربط الصلة، بدرجات مختلفة، بما لا يقلّ عن أربعة موظفين/موظّفات في عدد من البلديات. واستنادا الى اعترافات هؤلاء الموظفين/الموظفات فانّ المواطنيين الرّوسيّين كانا قد تمكّنا من الحصول على وثائق رسمية فارغة وحيازة عدد من دفاتر الولادات والوفيات أو الاطلاع عليها علاوة عن فهم اجراءات الحالة المدنية في تونس بالنسبة الى التونسيين أو الأجانب المقيمين في تونس بشكل مفصّل.

سامية، رئيسة مصلحة في بلدية بنزرت، اعترفت بأنّها كانت قد مكّنت المواطنين الروسيّين من النفاذ الى كلّ أنواع الوثائق الادارية بالاضافة الدفاتر، ما أتاح لهما الاهتداء بشكل يسير الى هويّة والد الهويّة المفتعلة الملقّبة بمريم بن ادريس. في المقابل، يؤكّد مراد أنّه لم يسبق له مطلقا أنّ مكّنهما من النفاذ الى الوثائق. بالرغم من ذلك، كان مراد قد رضخ في نهاية المطاف الى طلبات كريم ومكّنه من استخراج مضمون ولادة لامرأة لم يكن لها أيّ وجودي مادّي حتّى وان لم يتسنّ لهذه الهويّة المفتعلة أنّ تظلّ موجودة لأكثر من بضعة أسابيع قبل كشفها.

منذ شهر جوان 2013، استنادا الى ملف القضية، لم يعد هنالك أيّ أثر لمخائيل حيث يتبيّن بشكل جليّ أنّ كريم كان قد أخذ عنه المشعل لاتمام المهمّة حتّى اسدال الستار عن المغامرة. يوم 16 ماي 2015، كان لسامية موعد مع كريم قصد استرجاع بعض الدفاتر التي كانت بحوزته. ذلك الموعد لم يكن سوى كمينا للاطاحة بالرّوسي على اعتبار أنّ سامية كانت في حالة ايقاف آنذاك.

لدى الاستماع اليه اعترف كريم بأنّه سبق له أن طلب من موظّفي أربع بلديات عددا مهمّا من الوثائق المتعلّقة بالحالة المدنية. كريم أكّد في سياق متّل أنّه كان قد طلب من مراد أن يمكّنه من شهادة ميلاد مريم ادريس. بالنسبة الى الأسباب، فقد رفض كريم الاجابة، ليتمّ اطلاق سراحه بشكل سريع ومن ثمّ ترحيله نظرا لانتمائه الى السلك الديبلوماسي.

من جانبه لم يحظَ مراد بهذه الفرصة، فقد تمّت ادانته خلال شهر نوفمبر المنقضي وحُكمَ عليه ب15 سنة سجنا. سامية حُكمَ عليها هي الأخرى، بمعيّة الموظّفين الاثنين الآخرين، بثماني سنوات من السجن النافذ. ميخائيل وكريم لن تتاح لهما الفرصة مجدّدا للعودة الى أرض تونس … الّا اذا في صورة التخفّي وراء هوّيات مفتعلة.