مركز الاصغاء ، ملجأ النساء ضحايا العنف

عندما تدخل امرأة معنّفة مركز الاستماع والتوجيه للنساء ضحايا العنف يتم توجيهها إلى غرفة منفصلة بابها الخلفي ابيض مغطى بملصقات شُطبَت فوقها عبارات "الإفلات من العقاب و الاغتصاب" وهي غرفة انتظار مهيأة بعناية فائقة لتشعر تلك النسوة بالراحة.
بقلم | 22 سبتمبر 2016 | reading-duration 5 دقائق

متوفر باللغة الفرنسية

في شقة بمنطقة لافايات في وسط مدينة تونس تتوجه النساء ضحايا العنف للحصول على الدعم بمركز الإصغاء. ضوء خافت و قهوة تفوح رائحتها من المطبخ: شقة مقسمة إلى مساحات صغيرة حيث صممت بعناية حتى تتمكن تلك النسوة من تحرير ما بداخلهن و توجيههن على النحو الأفضل.

عندما تدخل النساء ضحايا العنف للمركز يتم توجيههن لغرفة الانتظار. صور هيفاء مزلوط

مرافقة و ليس استضافة

يُهيمن اللون الأبيض على جدران المركز. وقد اختير تصميم الغرفة بعناية و ذكاء، هذا ما صرحت به أميرة النفزاوي منسقة مراكز الاصغاء التابعة لجمعية النساء الديمقراطيات، مشيرة الى أنّ”غرفة الانتظار للنساء ضحايا العنف لا تشبه غرف الضيوف الأخرى” ، مضيفة بأنه “يوجد مركز الاستماع والاستقبال وهناك مطبخ تعدّ فيه المرأة القهوة بحرية تماما كما لو كانت بمنزلها”. 

“عندما تأتي الأمهات صحبة أطفالهن، يجدن مكانا مناسبا ليلعب فيه الأطفال بالاضافة الى مكتب، حيث تجلس المرأة لاحتساء القهوة أو تدخين سيجارة في فضاء مستقل حتى لا تشعر بالتوتر فمنذ تجديد المركز أصبحت النساء تشعرن براحة أكبر و تتحدثن بأكثر أريحية عن العنف المسلط عليهن”.

و تضيف محدثتنا قائلة: “أحيانا يرهقهن التعب فيتمددن رفقة أطفالهن لتأخذن قسطا من الراحة “.

انطلقت الحكاية مع لجوء بعض النساء اللاتي تعرضن للعنف جمعية النساء الديمقراطيات بحثا عن ملاذ.

وبعد التفكير في هذا الأمر على المستوى المغاربي، انطلقت حملة سنة 1993 لمكافحة العنف ضد المرأة. وفي نفس السنة، تم عقد ندوة حول هذا الموضوع و من ثمة تأسس مركز الاستماع. إلا أنه تم منع تلك الحملة من قبل النظام في ذلك الوقت (…) ما دفع بالجمعية للنضال من أجل اقتلاع الاعتراف”.

وتوضّح السيدة أميرة النفزاوي بأن ” الجمعية تعرضت للعديد من الصعوبات في سبيل التعريف بالمركز”. ففي البداية تم استقبال عدد قليل من النساء ثم ذاع صيت الجمعية وبدأت النساء بطَرق أبوابها شيئا فشيئا.

تختلف طريقة مرافقة هؤلاء النساء باختلاف قصصهن. تضيف المرافقة قائلة: “هناك نساء مازلنا نتابعهن منذ سنة 1993، وحتى سنة 1991 و كنا قد تابعنا احداهنّ أكثر من 20 سنة. إذ ظلت ترتاد المركز للتحدث إلى الأخصائيين النفسيين وأعضاء الجمعية و اليوم نحن نتابع ابنتها كشكل من أشكال الوقاية حتى لا تقع في نفس المشاكل التي عاشت على وقعها أمها”.

و يضمن مركز الاستماع متابعة هؤلاء النساء ضحايا العنف فيستمع لمشاكلهن و هن يروين قصصهن لكنه لا يلعب دور الأخصائيين الاجتماعيين، فهو لا يوفر لهم المسكن و لا يجري تحقيقات على مستوى الأسرة.

نحن نرافق ونوجّه و ونستمع، ولكن لا نؤمّن المسكن لأننا نعتقد أن الاستضافة هي دور مصالح الشؤون الاجتماعية و خاصة دور الدولة فالاستضافة ليست من مشمولات الجمعيات.

تقول أميرة النفزاوي”غالبا ما تتصل بنا النساء من تلقاء أنفسهنّ و ذلك بنسبة تقدر ب 90٪ ” أما النساء الأخريات فيتم احالتهن الى مركز الاصغاء عن طريق أقاربهنّ. فليس من السهل بالنسبة للمرأة -وفق النفزاوي- أن تتحدث عن العنف في مجتمع أبوي فهو أمر يجلب لها العار. و أضافت: ” نحن نطالب المرأة بأن تأتي (من تلقاء نفسها)، لأنها أن اتصلت فهذا يعني أنها قد حطمت جدار الصمت حول العنف”. 

يحتوي المركز، كذلك، على عدة غرف استماع و ملصقات تبطن جدران الممر للتنديد بالعنف ضد المرأة. صور هيفاء المزلوط.

الإصغاء التضامني

بعد 23 سنة من تجربة الإصغاء و المتابعة، تطوّر المركز من خلال إنشاء عدة أقطاب لمساعدة النساء بدءً بالاستقبال. “نحن نشرح للمرأة بأن وجودنا بجانبها هو دعم لمطالبها حتى تكون مستقلة بذاتها و تتم تبرئتها، ولكن لا يحق لنا اتخاذ القرارات مكانهن”.

ووفق ما أفادتنا به المنسقة فانّ المرحلة الثانية تتمثل في الإصغاء، إذ تقوم إحدى الناشطات بالجمعية التي كانت قد تلقت تدريبا حول الإصغاء التضامني بالاستماع للنساء المتضررات: “إن الاستماع التضامني هو خاصية من خاصيات الجمعية وهذا يعني أننا نصغي إلى النساء دون أن نشعرهن بالذنب و دون أحكام أخلاقية، بل نحن نصغي إليهن من باب التعاطف معهن”.

و تتعلم من تقوم بالإصغاء بألا تبدي رأيها حتى لا تأثر على شهادتهن، حيث يتم تدريبها لمدة ستة أشهر حيث تبدأ التدريب من خلال حضور جلسات الإصغاء قبل أن تتمكن من المشاركة في المقابلة.

و نظرا لصعوبات التمرين، تشعر بعض الأعضاء المنتميات إلى الجمعية بأنهن غير قادرات على تحمل هذه المسؤولية بشكل مستمر.

تقول محدثتنا في هذا السياق “إنه لأمر إنساني أن تتعب المصغية، فهي أيضا لديها مشاكل خارج إطار العمل”.

إذا كانت المكلفة بالاصغاء تعاني هي الأخرى مشاكلَ ، فلا يمكنها الإصغاء لمشاكل النساء ضحايا العنف.

لا تتوقف مهمة الجمعية في حدود الإصغاء فقط، فهي تساعد النساء أيضا على تلقي المساعدة القانونية.

توضح المحامية الخطوات القانونية والاستشارات دون الحكم على تلك النساء المتضررات: “كل المحاميات اللاتي تعملن معنا تقمن بتدريب مسبق على الإصغاء التضامني.”

و تضيف قائلة: “وتنطبق نفس القاعدة على الأخصائيات النفسيات إذ يجب عليهن تلقي تدريب على الإصغاء التضامني”. إذ بعد ستة أشهر من العمل كمصغية تستطيع أن تؤمن الدعم النفسي للنساء.

بعد ذلك هناك مرحلة المرافقة والتوجه. إذ يقوم المركز بتوجيه النساء إلى هياكل مختلفة و مراكز استضافة وحماية الأطفال وأخصائيين اجتماعين و حتى وزارات أخرى. “إضافة إلى ذلك فهن دائما مرفقات برسالة من مركز الإصغاء موقعة من رئيسة المركز أو السكرتيرة أو أوقع أنا عليها حتى نضمن المساعدة والدعم لتلك النساء”.

وهناك مراكز مختلفة لإيواء تلك النساء إذ توجد الأغلبية منهن في تونس الكبرى ولكن يوجد بعض الفروع في مختلف ولايات الجمهورية.

كما يقدم المركز أيضا المساعدة المالية لتغطية التكاليف القانونية، مثل عدول الإشهاد و العدول المنفذين بالنسبة الى النساء اللاتي تشكون ضعف الحال. وهناك شبكة من أصدقاء الجمعية من المحامين تتطوع للقيام بمرافقة تلك النساء.

ووفقا للاستطلاع الذي أجراه مركز الدراسات والبحوث والتوثيق والإعلام حول المرأة (الكريديف) المنشور في مارس 2016 فانّ 53.5٪ من النساء اللاتي شملهن الاستطلاع تعرضن للعنف (الجسدي والنفسي أو حتى الجنسي) في الفضاء العمومي بين سنتي 2011 و 2015 و منذ بداية السنة، تمت مرافقة ما يقارب 400 امرأة من قبل مركز الاستماع والتوجيه للنساء ضحايا العنف