أوراق بنما: مزابي و بوشماوي في متاهات الشركات غير المقيمة

كيف تمكّنت عائلتا المزابي و بوشماوي من المرور عبر شركات غير مقيمة بهدف فتح حسابات بنكية في كنف السرية. مكتب موساك فونسكا كان حاضرا بقوة أيضا في هذا الملف.
متوفر باللغة الفرنسيةالإنجليزية
بعد الشخصيات السياسية و مديري بعض الوسائل الإعلامية يلتجئ رجال الأعمال إلى المحامين و الوسطاء كي يشقوا طريقهم وهم متخفون في متاهات أنظمة الشركات غير المقيمة. من بين 11 مليون ونصف المليون من وثائق مكتب موساك فونسكا البنمي نعثر على أسماء أحمد و عبد المجيد و رؤوف بوشماوي و شريكه علي بن مبارك و مزوغي المزابي. 

في حين يعتبر إنشاء حساب بنكي مرتبط بشركة غير مقيمة أمرا يسيرا إلا أن الوسائل تختلف بحسب درجة السرية المطلوبة. فمزوغي المزابي مثلا يحتفظ لنفسه في شركته، بالحق الحصري في الإمضاء والتصرف في حسابه البنكي في سويسرا رغم أنه يعتمد على أسماء ممنوحة prête-noms للتسيير الاداري administrateurs.

أما بالنسبة الى أحمد و عبد المجيد بوشماوي فقد سلكا تمشيا عكسيا حيث تمكنّا من إدارة شركتهما بالوكالة دون أن يظهر اسميْهما في الوثائق الرسمية للشركة.

فيما يتعلق برؤوف بوشماوي وشريكه علي بن مبارك فانّهما لم يلجئا الى اعتماد أسماء ممنوحة prête-noms لفتح حسابهما البنكي في دبي كما أن عملية فتح الحساب عبر شركتهما غير المقيمة لا أثر لها في وثائق مكتب موساك فونسكا.

مزوغي و مزابي يحتكران حق الامضاء على حساب بنكي في سويسرا

قد يتحوّل صندوق بريدي، بالنسبة الى مزوغي المزابي إلى شكل من أشكال الإمضاء في أحد الحسابات البنكية في سويسرا في غمرة العبور الإفتراضي للمحيط الأطلسي المزدحم بالوسطاء. فكيف يتم ذلك؟ 

تقوم شركة أوفشور مسجّلة في الجزر العذراء البريطانية بانشاء حساب بنكي في سويسرا. وبين سويسرا والجزر العذراء جيش من الوسطاء و المستشارين على غرار مكتب موساك فونسكا. فمن الذي يدير هذه الشركة؟ و ماهو دور الأسماء الممنوحة prête-noms التي عادة ما تكون من بين العاملين في هذا النوع من المكاتب، ومن يمسك بزمام الأمور تحديدا؟ أسهمٌ مجهولة تُوزّع على “حامليها” وهويات مخفيّة يحيط بها الغموض من كل جانب. في خضم هذه الوساطات والتفويضات المعقدة يظهر في بعض الأحيان المالك الحقيقي للشركة.

تم إنشاء شركة Satra Company Limited في أفريل 1989من طرف مكتب موساك فونسكا عبر شركته المتخصصة في ال “Nominees” (أسماء ممنوحة) بطلب من أحد حرفائه المقيمين في جينيف. 

“يضع المكتب البنمي إدارييي الشركة الذين يختارهم من بين موظفيه على ذمة حرفائه. هؤلاء الموظفون الوهميون يقومون في بعض الأحيان بمنح أسمائهم لعشرات الشركات غيرالمقيمة لحساب المالكين الحقيقيين لهذه الشركات. ويقتصر دورهم في هذه الحالة على تنفيذ أوامر هؤلاء المالكين و إمضاء الوثائق نيابة عنهم”.

بعد أيام قليلة من انشاء الشركة، تم تسليم شهادتين بقيمة 5000 سهم لكل واحدة على حدى، لحاملي أسهم مجهولي الهوية “au porteur”. و يتعلق الأمر بأسهم لا إسمية ما يتيح الحفاظ على سرية هوية المالكين.

في الوقت ذاته، تمت صياغة توكيل لفتح حساب بنكي لدى إتحاد البنوك السويسري حيث ظهر إسم مزوغي المزابي الذي صرّح في هذا العقد بأنه “المتحكم في المؤسسة ” و بصفته المُوَكِل فقد فوّض مسيّرين اثنين prête-noms من أجل شَغل المناصب الادراية في الشركة. في المقابل، احتفظ مزوغي المزابي بشكل حصري بحق الإمضاء بإسم الشركة لدى البنك.

توكيل تم بموجبه فتح حساب بنكي لدى إتحاد البنوك السويسرية

في غضون أشهر قليلة، سيتسنّى للمعني بالأمر أن التصرّف في حسابه البنكي في سويسرا كيفما يشاء دون أن يظهر إسمه في الوثائق الرسمية عن طريق شركة مسجّلة في الجزر العذراء و هي خدمة يقدمها مكتب موساك فونسيكا مقابل بعض المئات من الدولارات سنويا.

سنة 1998 طلب الوسيط في جينيف من مكتب موساك فونسيكا تعمير وثائق متعلقة بفتح حساب بنكي و الإمضاء، عن طريق مجموعة المديرين الوهميين للشركة الراجعين بالنظر الى مكتب المحاماة المذكور، على جملة من التراخيص (ترخيص عام متعلق بالإستثمارات الإئتمانية و سندات التعهد، إلخ) عن طريق المدراء الفعليين للشركة لفائدة إتحاد البنوك السويسرية. بعد سنة من هذا التاريخ و تحديدا في أُوت 1999 تم حلّ الشركة.

إمضاء مزوغي المزابي من أجل فتح حساب بنكي لدى إتحاد البنوك السويسرية

بمعنى آخر فإن تمشي مزوغي المزابي يُعتبر أكثر سرية من شقيقه منصف المزابي، فهذا الأخير كان بدوره حريفا لدى بنك HSBC Private Bank حسب قائمات التونسيين في سويسليكس التي نشرها موقع انكيفادا سنة 2015 التي تؤكد أنه فتح حسابا بنكيا بإسمه سنة 2004.

“ليست لدي شركة (…) لا يتعلق الأمر بي أنتم مخطئون”.عندما اتصلنا به هاتفيا لأول مرة يوم 6 ماي، أنكر مزوغي المزابي المعلومات التي تقدمنا بها و أجاب بشكل هزلي “بما أنه لديكم علم بحساب بإسمي فلتمدوني برقمه كي أتمكن من استرجاع أموالي “.

بعد سويعات قليلة أعاد مزوغي المزابي الاتصال ببإنكيفادا: “ماذا تريدون منّي؟ فين تحبّوا توصلوا بالضبط؟ بنبرة مليئة بالانزعاج أشار إلى أنه يُشغّل 2000 شخص في تونس. المزابي استنكر ما وصفه ب”تلويث سمعة شخص يُشغل الكثيرين. أنتم يمكننكم أن تتفهموا الموضوع لكن مالذي يمكن أن يتبادر إلى ذهن التونسي الذي لا تتجاوز جرايته الشهرية ال 500 دينار”. أضاف هذه الكلمات دون أن يقدم توضيحات أُخرى.

تفويض عائلة بوشماوي

حسب وثاثق موساك فونسكا فقد تحصل أحمد بوشماوي ووالده عبد المجيد (تُوُفّيَ) على تفويض عام يخوّل لهما الصلاحيات الكاملة من أجل ادارة شركة Inersa Investments INC التي أُنشئت في الجزر العذراء البريطانية في أوت 1995. كما يسمح التفويض بإنشاء حساب بنكي.

تأسست الشركة برأس مال 50000 دولار بطلب من الشركة الإئتمانية Indosuez S.A (الفرع السويسري من Crédit Agricole التي تلعب دور الوسيط)، بواسطة مكتب موساك فونسكا في جينيف.

كُلف مكتب تصرف يُدعى Newgest Management Ltd بإدارة مجلس الإدارة في 21 سبتمبر 1995. بعد ثلاثة أيام ابلغ الوسيط مكتب موساك فونسكا ببيع الشركة لأحد حرفائه (لم نتمكّن من التعرّف على هويّته) طالبا من المكتب اصدار شهادتين في ملكية “أسهم لحاملها” إضافة إلى اصدار توكيلين عامين لفائدة عبد المجيد و أحمد بوشماوي.

طلب توكيل لفائدة عبد المجيد و أحمد بوشماوي
محضر اجتماع مجلس الادارة من أجل اصدار شهادتيْ ملكية لأسهم لحاملها بالاضافة الى فتح حساب بنكي

وينوي مسيّر الشركة، أيضا، فتح حساب بنكي بالوكالة لدى مؤسسة سيتم إختيارها لاحق .

يمنح هذا التوكيل لحامله حق التصرف في جميع أنشطة الشركة بما في ذلك فتح حسابات بنكية تماما مثل المديرين الفعليين للشركة. الإمتياز الذي تتيحه عملية التفويض يتمثّل في إمكانية التصرف في نشاطات الشركة دون الظهور في الوثائق الرسمية للشركة.

هذه الصلاحيات سيتم سحبها في 29 جوان 2004 غير أنّنا لم نجد أي وثيقة في مكتب موساك فونسكا تشير الى حلّ شركة Inersa Investments أو تُحيل على هوية المستفيد النهائي الذي واصل المكتب المذكور أعلاه إدارة الشركة لصالحه. و قد حاول فريق إنكيفادا الإتصال بأحمد بوشماوي عديد المرات للاستيضاح ولكن دون جدوى.

رؤوف بوشماوي من دبي إلى السيشال

يظهر إسم رؤوف بوشماوي ابن عم أحمد بوشماوي هو الآخر في وثائق المكتب البنمي بصفته مدير شركة Orient Enterprises INC كما هو الحال بالنسبة لعلي بن مبارك رجل الأعمال و عضو إتحاد الصناعة و التجارة. أُنشئت هذه الشركة في السيشال بتاريخ 9 اوت 2003 من طرف المكتب المحلي لموساك فونسكا عن طريق مكتب إستشارة في دبي.

“أعرف علي بن مبارك، فقد كان يعمل في العراق أنذاك و لا أتذكر أنني أنشأت شركة بالشراكة معه (…) ليست لدي أية فكرة عن هذا الموضوع”. هذا ما أكّده رؤوف بوشماوي خلال لقاء جمعه بانكيفادا يوم 5 ماي الفارط. وقد أضاف قائلا “من الممكن أنني تطرقت إلى إمكانية أن نقوم بأعمال مشتركة لكنني لا أتذكر أن حديثنا أفضى إلى شيء… حقيقة لا أذكر.”

يبلغ رأس مال هذه الشركة 5000 دولارا (كما جرت العادة بالنسبة الى هذا النوع من الشركات التي يكون رأس مالها ضعيفا). ويتمتع مديروها بصلاحيات واسعة حيث يستطيعون توزيع الأسهم بشكل اسمي أو بشكل خفيّ الاسم (لحاملها) و تسمية المُدراء وإقالتهم إلخ. حسب وثائق مكتب موساك فونسكا التي تسنّى الاطلاع عليها فانّه لم يتم حلّ هذه الشركة.

تعيين أحمد بن مبارك و رؤوف بوشماوي مديرين لشركة
Orient Enterprises INC.

يعتبر رؤوف بوشماوي “أنه حتّى وان كانت الشركات التي يتمّ انشاؤها في الجنان الضريبية لا تتمتّع بسمعة جيدة فانّ ذلك لا يعني شيئا” (…) فعائلة بوشماوي لها أعمالها في تونس منذ الخمسينات و في العالم منذ السبعينيات ونشغّل 7000 شخصا في ليبيا”. يختم محدّثنا مفتخرا.

يواصل رجل الأعمال شارحا: “ان إلتجأنا الى هذا النوع من الشركات فذلك لا ينفي الإيفاء بالإلتزامات الجبائية التي تفرضها تلك البلدان المستضيفة للشركة (…) صحيح أنّ هنالك شركات يتمّ تاسيسها من قبل البعض من أجلالاستعانة بها للحصول على عمولات بعيدا عن الأنظار ولكنّ هذه الوضعية لا تنطبق علينا فنحن مقاولون و لنا نشاطات حقيقية”.

يستنتج رؤوف بوشماوي أنه “في بعض الأحيان نلتجأ إلى الخارج بحثا عن النجاعة العملياتية أو بغاية الحصول على ضمانات بنكية”. مؤكّدا مرة أخرى أنه لا يتذكّر إنشاء شركة عن طريق موساك فونسكا.

بعد أيام قليلة أقرّ الرجلان بوجود شركة Orient Entreprises INC. و تمّ قد انشاء الشركة بوساطة من مكتب إستشارة في دبي حيث يقيم الشريكان. حسب علي بن مبارك “تُستغل الشركة للإستجابة لطلبات العروض في العراق و في بلدان الخليج في ميدان التغذية أو البناء”. برغم تأكيده على فتح حساب بنكي في دبي الّا أنه شدد على أنه لم يتم إستعماله قط “كانت لدينا أهداف لم نتمكّن من انجازها (…) لكنني أؤكد أن كل شيء تم بشكل قانوني”.

الذاكرة المتعثّرة

“لا يوجد حساب في البنك ” .. “لست لدي أسهم” .. “رأس مال الشركة ليس ذا شأن” “هذه الشركة لم يكن لها يوما أي نشاط”. هذا النوع من الاجابات كان بمثابة النموذج النمطي للردود التي واجهت فريق انكيفادا خلال اللقاءات التي جمعته بأغلب الشخصيات التونسية التي وردت أسماؤهم في وثائق بنما.

لماذا يتم، إذن، إنشاء شركة في الجنان الضريبية؟ “انشاء هذه الشركة كان الهدف منه معاضدة شركة تونسية غير مقيمة متخصصة في التجارة الدولية، مُصدرة كليا. ويتمثّل هذا الامتياز في صفة (بريطانية) التي تصبغ اللشركة على خلفية تأسيسها في الجزر العذراء البريطانية .. بالاضافة الى كونها و مقيمة في “الغرب” وهو ما يعطيها بُعدا دوليا”. هكذا أجاب رجل الأعمال محمود الطرابلسي خلال لقاء جمعنا به سابقا على خلفية تحقيق أجريناه -في نفس السياق- حول شركة جمعته بنعمان الفهري الوزير الحالي.

الطرابلسي كان قد “نسي” أن يحل شركة كان يديرها مع نعمان الفهري في التسعينات ليتم حلها نهائيا في نوفمبر 2011. كما أن رؤوف بوشماوي لا “يتذكّر” أنّه أسس شركته. بالنسبة الى جمال دلالي مؤسس القناة التلفزية “تي آن آن” فقد كان يريد أن “يحمي الملكية الفكرية للعلامة التجارية للقناة” عن طريق شركة في الجزر العذراء البريطانية.

تفسر نائلة شعبان المختصة في القانون المالي أن الميزة الأساسية لهذه الجنان الضريبية تتمثل في غياب أي نشاط أو هوية أو أموال. يتعلق الأمر بصَدَفة فارغة أو صندوق بريدي و شهادة تكفي للقيام بنشاطات مالية أو تجارية في العالم في كنف السرية التامة.

تدور حول هذه الشركات جملة من مكاتب المحاماة و البنوك أو المتصرفين أو الوسطاء بالاضافة الى الأسماء الممنوحة التي تشغل لاحقا خطّة المديرين الوهميين لآلاف الشركات دون أن تغادر أمكنة عملها أو إقامتها وذلك بغرض التمويه على المالكين الحقيقيين والتغطية على عن مسالكهم و حماية هويات المستفيدين الحقيقيين.