حبيبة الغريبي و وداد الونيسي .. رحلة شاقّة من العتمة الى الاضواء

هما بطلتان ، الاولى في الملاكمة و الثانية في سباق الحواجز .يمكن اعتبار مسيرة حبيبة غريبي و وداد يونسي مزيجا من خيبات الامل و النجاحات و العثرات التي يمكن ان تعترض اي امراة تطمح ان تكون بطلة رياضية في تونس .
بقلم | 21 نوفمبر 2015 | reading-duration 15 دقيقة

متوفر باللغة الفرنسية
“أحب أن أكون متغنجة حتى و أنا في السباق ،حيث اتعمد ان أتجمل قبل العدو بقليل ” .كانت تلك كلماتها الاولى قبل أن تحاورنا .لم تكن تستعد لسباق الحواجز فقد كانت أظافرها الارجوانية مشذبة وكان شعهرها منسابا بعناية.

في أحد الفنادق التونسية,جلست البطلة الاولمبية حبيبة غريبي على أريكة ولم تخنها سوى عصبية أرجلها النحيلة .

استقبلتنا وداد يونسي في قبو أحد قاعات الرياضة في تونس العاصمة التي تم تحويلها إلى ناد للملاكمة.ابتسمت باقتضاب و هي على وشك أن تسدد لكمة جانبية قوية لخصمها حالما لا حظت انه لم يكن يقظا و لكنها استدركت في آخر المطاف …

“ترتكز استراتيجيتها على العدوانية لذا اختارت ان تتدرب مع الذكور “هكذا علق مدربها رضا هلالي و هو ينظر اليها.

الإستراحة الوحيدة التي تسمح لنفسها بها تستغلها وداد لتشرب قليلا من الماء و تعدل غطاء رأسها دون أن يقلل ذلك من يقظتها. كما تغتنم ذلك لتسدي بعض النصائح للمبتدئين من حولها. لكل هذه الاسباب لن تحاورنا الملاكمة إلا عند انتهاء التدريب.

في فندق الشيراتون، ثبتت حبيبة عيناها على الصحفية وبدأت تستعد للحديث لمعرفتها الجيدة بكيفية اجراء المقابلات الصحفية نظرا لعامل الخبرة و التمرس.

البطلة المقاتلة

حبيبة غريبي
عدسة أمين بوفايد

لا تعرف وداد و حبيبة بعضهما البعض. فعلى المستوى الشخصي، انطلقت كل منهما في ميدان الرياضة منذ عشر سنوات و النقطة المشتركة الوحيدة بينهما أنهما امرأتان رياضيتان مولعتان بالنجاح.

غير ذلك فهما يتعارضان في كل شيء.

مسيرة حبيبة غريبة العصامية تشبه الى حد ما الروايات الأمريكية. نشأت هذه المرأة في ريف القيراون لتبلغ اليوم المنابر الاولمبية. في ما مضى، كانت تحبذ أن تذهب من قريتها إلى المدرسة سيرا على الاقدام وهاهي اليوم تتألق في الملاعب و تعود إلى وطنها مظفرة بالتتويجات. ولدت العداءة وسط سبع أخوات و اخوة، وقد كانت تروي طفولتها الدافئة في حضن أب مولع بالرياضة كان بطلا في ركوب الخيل.

«كان ابي يحدثني عن محمد القمودي، ذاك العداء التونسي الأول الذي حاز ميدالية اولمبية. كان ابي يلح كي يقلّني إلى المدرسة على متن السيارة لكنني كنت أحبذ أن اذهب سيرا على القدمين. مثّل انتقالنا من الريف إلى المدينة ومن بعد ذلك إلى صفاقس أول إنقطاع عن هذا العالم وقد واجهت صعوبة في تقبل الامر ».

نادي الملاكمة بالمنار
عدسة أمين بوفايد

لم يعد الأمر متعلقا بالعدو طلبا للعلم بل من أجل التباري ، ففي سن الخامسة عشر رافقت صديقتها صدفة لحضور مباراة في المعهد.

“لن أنسى انني لبست حذاءرياضيا و عدوت مع المتابرين وفزت في ذلك السباق. كما انني لن أنسى الالعاب الاولمبية في بكين سنة 2008”.

الرياضية الاولى تمثل الحماسة و سذاجة الانتصار أما الثانية فتمثل التواضع و الاحباط الذي يمكن أن يعتري الانسان عندما لا يكون التتويج في انتظاره.

تتناغم ذكرى الانتصار الحلو و الفشل الأول في مسيرة البطلة .

اكتشف مدرب ما حبيبة عندما كانت في المعهد فانخرطت في نادي رادس حيث تحصلت على تتويجها الوطني الأول بعد ذلك انتقلت إلى فرنسا مع فريق ” فرنكوفيل سيزام” في باريس. منذ ذلك الحين ، صارت حبيبة تعدو من أجل البرونز و الفضة و تحطيم الارقام القياسية .

تحتل حبيبة المرتبة الثانية عالميا و في الأولمبياد في إختصاص 3000 متر عدو حواجز فاصبحت بذلك العداءة التونسية الثانية بعد محمد القمودي التي تحصل على ميدالية اولمبية و أخر انتصاراتها كانت الفوز بالميدالية الذهبية في بروكسل في سبتمبر 2015 بذلك حطمت الرقم القياسي الافريقي في اختصاصها.

منذ ثلاث سنوات مضت ، كانت حبيبة خجولة في حوار على السكايب و هي تحمل جهاز لتقويم الأسنان في الوقت الذي تزامن مع أحرازها ميدالية فضية في كأس العالم بكوريا الجنوبية و الميدالية الفضية في الألعاب الاولمبية في لندن سنة 2012 .

في تلك الفترة،لم تكن معروفة كما اليوم لكن ذلك لم يقلل من اعتدادها بنفسها كرياضية متحدية بجرأة الجدال الدائر في بلدها حول لباسها الرياضي “غير المحتشم ” كما يعتبره البعض.

اليوم تعلوها إبتسامة عريضة فهي لم تتزحزح عن قناعاتها و لا تتردد في اهداء نجاحاتها إلى النساء التونسيات.

حبيبة في فندق الشيراتون
عدسة أمين بوفايد

«يقولون انني أعدو بملابس غير محتشمة. ماذا أفعل حيال ذلك ؟ شخصيا، المهم بالنسبة الي ان ذلك لا يمنع المحجبات من تهنئني في الشارع ،كما أن والدي يفتخران بابنتهما»

اما وداد فهي لا تبحث عن المجد فقد حازته في سلم أقل درجة من حبيبة عندما لمسته في عديد البطولات الدولية الى جانب عدة أحزمة فهي بطلة العالم العربي في الملاكمة الفرنسية و بطلة العالم في ملاكمة الهواة في مناسبتين سنتي 2004 و 2014

لكن ما تفتقده فعلا هو عرفان بلدها فقصتها تشبه الى حد ما قصة العم توم لكنها تمر الان بوضع غير ملائم فليس لها بطاقة تعريفية في ويكيبيديا كما لا يوجد اسمها في قائمة الفائزين في الفضاء الرقمي كما هو الحال بالنسبة لحبيبة دون اعتبار بعض مقاطع الفيدو التي توثق لمبارياتها الى جانب صفحتها الشخصية على الفيسبوك و بعض المقالات التي تروي باحتشام نجاحاتها.

وداد في كأس ألعاب القوى بقابس سنة 2015
وداد في روما ،الميدالية الذهبية سنة 2014

تنحدر وداد من حي الكبارية في إحدى ضواحي العاصمة وتعيش في عائلة متكونة من 5 أفراد. و تمثل الملاكمة بالنسبة لها نشاطا يوميا و لكنها في الوقت ذاته بمثابة الفيروس الذي لا تستطيع الافلات منه .يتسم المحيط الذي ترعرعت فيه وداد بالمحافظة و العنف في بعض الأحيان و هو ما يجعل حياتها أقسى مقارنة بالرجل لذلك فضلت ان تختص في رياضة الرجال كما تقر هي بذلك .

خلال فترة المراهقة، و بعد أن جربت عديد الرياضات الدفاعية كالكاراتي و التكواندو و شاهدت فيديوهات لمباريات ليلى إبنة الملاكم محمد علي كلاي، قررت أن تتخصص في الملاكمة .

فاجادت بسرعة الملاكمة الفرنسية و الانجليزية من خلال التدرب في نواد صغيرةحتى اضحت الملاكمة بالنسبة لها بمثابة الادمان.

«عندما تعلقت بالملاكمة لم يتقبل محيطي الاجتماعي أن تمارس الفتاة هذا النوع من الرياضة، حتى أن عائلتي لم تستوعب الفكرة و حدث أن تخاصمت مع ابي و تظاهرت بانني اهجر البيت كي أنال مبتغاي في أن الاكم فكنت أقضي أياما عند عمتي لاواصل التدرب. عندما بدأت احصد الألقاب تفهم والداي شغفي بالملاكمة».

لكن المجد لا يمكن أن يكون مصدرا للرزق فخلال اثنتي عشر سنة مارست خلالها الملاكمة بانتظام قضت منها ثماني سنوات و هي تطالب وزارة الشباب و الرياضة بمنحها شهادة مدرب كي تؤهلها لتدريب التلاميذ في اطارمهنة قارة إلى جانب المباريات التي لا تتمتع فيها باي منحة أو دعم وقد حاولت مرارا أن تنال هذه الشهادة دون جدوى و لا تفسير لذلك سوى البيروقراطية.

«أصبحت أكره الملاكمة فهي تستهلكني دون أن اتقاضى شيئا في المقابل لكنها كل ما اجيده اليوم و لا استطيع التراجع عنه. في المرة القادمة سوف احمل لهم ميداليتي و جميع أحزمتي كي يعرفوا من أكون ففي العام الماضي نلت لقبا عالميا في روما و لم تعطني الوزارة فلسا واحدا بحجة أنهم لم يتلقوا ملفي ».
وداد اليونسي وهي تتدرب
عدسة أمين بوفايد

التصميم و الغضب

في نادي المنار الذي تتدرب فيه ليلا، تتتالى ضربات وداد في الحلبة مع منافسها. رغم أنها تصبح في بعض الاحيان أقل إنضباطا، الا انها لا تفقد اصرارها البتة كما هو الحال بالنسبة لحبيبة في المضمار. كلتاهما تعملان منفردتين في اختصاصهما، فعلى الرغم من مدربيهما المختلفين تبقى هاتان المراتان الوحيدتان اللتان تمثلان تونس في هذا الاختصاص.

«عندما أعدو أفكر فيما أنا بصدد فعله و ما سافعله في السباق و أين أتموقع و أقاوم و أنا أحدث نفسي محاولة ان أكون دائما الأفضل».

لقد تعودت أن تجد لها مكانا متقدما حتى و هي وحيدة.

في أخر سباق كانت كل دولة ممثلة باثنين أو ثلاث عداءات على عكسي و كنت أراهم متلاحمات. و كنت أقول لنفسي ان كلهن اجتمعن ضدي و رغم ذلك كنت أقاوم. دفعتني الأمريكية و اقتربت مني الكينية محاولة الضغط علي. كان سباقا مثيرا جدا فالجميع أراد أن يفوز في النهاية لكن في أخر المطاف أحدثت الألمانية المفاجأة “.

بالنسبة لمدربها الفرنسي “جون ميشال درنجي ” الذي يدربها منذ عام ، تعتبر حبيبة محظوظة لأنه كان من الممكن أن لا تعود مجددا للعدو بعد أن اجرت سنة 2010 عملية جراحية نتيجة ورم على مستوى القدم.

” كانت واعية بخطورة العملية لكنها أصرت على اجرائها .كنت اتابعها منذ عشر سنوات و الأكيد أنها مثال للمقاومة و الاصرار .اليوم رغم انه لا يزال في قدمها بعض بقايا معدنية لكنها حققت مؤخرا رقما قياسيا معجزة جعلها تحتل المركز الثاني عالميا”.

في عمر الواحدة و الثلاثين و الرابعة و الثلاثين يبدو أن الرياضتين في مرحلة مفصلية من مستقبلهما فاما أن تواصلا طريقيهما مضحيتين بالباقي و امّا التوقف عن ممارسة الرياضة. فحبيبة التي تبلغ من العمر 31 سنة تزن 52 كغ و وداد 75 كغ في سن 34 سنة.

“يعتبر تألقهما في هذا المجال في حد ذاته معجزة فرغم أن بورقيبة شجع الرياضة النسائية إلا أنه من الصعب أن تكون المرأة رياضية متألقة في مجتمع أغلب افراده من المسلمين “حسب تقدير عزالدين بن يعقوب منظم مباريات الملاكمة في تونس و في فرنسا فبالنسبة له تعتبر حبيبة و وداد إستثناء فيما يتعلق بطول تجربتهما أو بالنسبة لمقاومتهما.

“حبيبة هي بالفعل التونسية الوحيدة التي توغلت في هذا الاختصاص دون إعتبار المثال المغربي و الجزائري و هو نفس الحال بالنسبة لوداد فما عدى أحلام قريسة التي توجت بطلة العالم لا أجد مثالا أخر يضاهيهما.

برغم أن الاولى وجدت لها مكانا تحت الضوء على عكس الثانية إلا أن كلتاهما تتحليان بنفس الاصرار. فبالنسبة لحبيبة يتعلق الأمر بسعيها إلى استدامة نجاحها المتأخر نسبيا وذلك بتحقيق ميدالية اولمبية أما بالنسبة لوداد فهي تسعى إلى تأمين عيشها و الظفر بلفتة من بلادها.

لقد عرفتا النجاح في ظرف تعيش فيه الدولة ظروفا إقتصادية صعبة بالتالي لم تكونا تنتظران الكثير منها. فبفضل مجهوداتهما الشخصية نجحتا في بناء تألقهما “حسب شاكر بلحاج الذي كان يتبع حبيبة غريبة منذ 2008 و ملمّا بعالم الرياضة و يدير أعمال حبيبة غريبة.

استحقت حبيبة غريبي تتويجاتها بجدارة على إعتبار أنها لم تفقد اصرارها رغم مرورها بظروف صعبة في بدايتاها.

«على مدى 5 سنوات لم يكن لدي شيء فقد كانت تنقصني التجهيزات المناسبة و لم يكن لدي تمويل كما أنني لم اتمتع بالتربصات الملائمة لكن رغم ذلك كانت النتائج طيبة ».

رغم النتائج التي احرزتها سنة 2004 و الميدالية التي تحصلت عليها سنة 2006 في الكأس الافريقية فقد اتهمت سنة 2012 الجامعة التونسية للرياضة بتهميش الرياضات الفردية.

لقد كنا ست فتيات في هذا المجال ولم تكن لي العلاقات المناسبة أما الآن وبحكم انني الوحيدة التي واصلت في هذا الاختصاص و حصدت عديد الجوائز العالمية أصبح العديدون يهتمون بي بعد ان عانيت الكثير جراء عقلية هذا المجتمع .

فهم يشجعون الفتيات على ممارسة الرياضة لكن فيما بعد لا يتم دعمهن على الأقل عندما يتعلق الأمر بالوصول إلى مستوى تنافسي كبير “.

لقد اكتسبت حبيبة طيلة سنوات معاناتها قوة إرادة تحدت كل الامتحانات.

فقد كانت تدرس و تستعد جيدا لمواجهة جميع منافسيها . وكانت تشاهد المقابلات و تجمع المعلومات، وأستطاعت بعزمها ومثابرتها كل من لم يؤمن بامكانياتها.

أما بالنسبة لوداد فالاحباط و الغضب ساهما في تحفيزها وهي على الحلبة و هو ما يرسم ملامح استراتيجيتها و يصنع قوة ضرباتها.

«عندما أكون على الحلبة استحضر جميع مشاكلي و اركز عليها و احسد منافسي لان بلاده وفرت له كل شيء على عكسي واقول في قرارة نفسي أن هذا اللقب يجب ان يكون من نصيبي و انني سأحرزه كي أضيفه الى تتويجاتي على أمل أن تلتفت الوزارة لدرجة أنني اتعمد تجاهل مدربي بحكم وجودي في الحلبة فاطلب منه فقط أن يحذرني عندما لا يبقى سوى 30 دقيقة على نهاية المباراة».

هي بالفعل مختلفة مقارنة بحبيبة التي رافقها مدربها لمدة 14 عاما متبعة نصائحه حرفيا خلال 4 أو 5 ساعات من التدريب يوما دون هوادة “فانا لا أفتح أي قارورة ماء عندما اتدرب فتناول المنشطات ليس من صنيعتي”.

هذا الالتزام الحديدي هو الذي يمكن أن يربحها الذهب فقد بات من الوارد أن تسترد الميدالية الذهبية الاولمبية لسنة 2012 عندما تم إلغاء المسابقة بسبب تناول المتسابقة الروسية “يليفا زربوفا” للمنشطات.

وداد مستعدة للهجوم
عدسة أمين بوفايد

خيبات أمل

عندما تضرب وداد فهي تفعل ذلك بقوة ودون تردد حتى أنها تصيح في بعض الأحيان. في عدة مناسبات تتعمد أن تغيظ منافستها و هو ما جلب لها إحترام زملائها الذكور. في النادي كانت هناك فتاتان مبتدئتان ترمقانها بعين الحاسد. مسحتُها الباذنجانية وشكلُ وجهها البيضاوي يخلوان من كل ايحاء إحتفالي حتى أن تعرقها يتبع حركات جسدها الرشيقة في كل ضربة من ضربات قدمها و حبات العرق تضفي لمعانا على كل نظرة توجهها لمشاهديها لتشجعهم على ما هو أفضل .

تقوم وداد بساعتين من التدريب الجماعي ثلاث مرات في الاسبوع خارج الحلبة وتتصرف مثل اي ملاكمة هاوية أخرى ربما لأنها لم توفق في جعل الناس يصنفونها كمحترفة. رغم ذلك فإن انحناء الجميع أمامها هذه الليلة يثبت أنها بالفعل كذلك. بعد أن أنهت تدريبها نزعت عصابة الرأس و أسرّت لنا بمرارة:

«لا أشجع أي فتاة على ممارسة الملاكمة حتى انني عندما أشاهد احداهن تتدرب أقول لها “الم تجدي أي رياضة أخرى ما عدى الملاكمة؟ كان هناك رجال يريدون الزواج بي لكن عندما كانوا يعلمون انني ملاكمة يخيورنني بينهم و بين الرياضة وقد كنت دائما اختار الرياضة. لقد وهبت عمري للرياضة و هذا ما أصبحت عليه».

النظام ،الراحة ،الحمية

قفزت حبيبة في المصعد كي تغير ملابسها الرياضية فحصة كمال الجسم اليومية تقتضي أن تكون في اللباس المناسب فهذه الفتاة لا تستهويها العطل فهي تفتقد عادة للتدرب .

لم تتردد البطلة في العدو لبلوغ القاعة ” فأنا بصدد فقدان عضلاتي بسبب الراحة ” كانت تتندر مستشعرة حزام بطنها باناملها و بلغة الواثقة توجهت إلى أحدى الالات الرياضية الموجودة في القاعة.

حبيبة تتدرب في قاعة كمال الأجسام عدسة أمين بوفايد
« الأهم بالنسبة للرياضي هي الراحة فعندما يرتاح يقوم باستعادة طاقته وتاهيل عضلاته فهو عندما يعدو يجب أن يقوم بذلك بشكل ذكي بمعنى أن لا يجهد نفسه كي يستطيع أن يكمل حتى النهاية».

نقطة أخرى تجمع البطلتين وهي الحمية القاسية”اليوم أكلت كعكة محلاة لكن يعد ذلك استثناء “بالنسبة لحبيبة فإن الأكل له مكانة خاصة في جملة تضحايتها المهنية”.

«في الصباح و خلال التمرين أتناول المعجون و البيض والكثير من الفواكة الجافة و التين و التمر.أنا احتاج إلى الكثير من الراحة و لا أشاهد التلفاز و آخذ حماما و آكل و آخذ قيلولة و هكذا دواليك كالآلة في شكل نظام عسكري. رغبتي الوحيدة هي قطعة من الشوكولاتة السوداء لكنني استطيع أن أكل الأطعمة التونسية كالكسكسي بالخضار وهذا مفيد بالنسبة لي ».

منذ أن تحسنت ظروفها المعيشية أمكن لحبيبة أن تهتم بعائلتها ماديا وأن تكون شقيقتها إلى جانبها لتعينها في الأعمال اليومية فحسب مدير اعمالها تحسن دخلها السنوي من 30 ألف دينار في بدايتاها إلى 300 ألف دينار هذا العام .اليوم تتحمل الدولة جزء من الأعباء في شكل مكافأة بعد الحصول على الميداليات الاولمبية بفضل داعميها و الاشهارات كالحفاظات الصحية” نانا” سنة 2013 و شركة السيارات ستروان سنة 2015 .

«في السابق كنت اعمل كحارس ليلي. عدنما أستيقظ على الساعة السابعة اذهب لأتمرن الى حدود الثامنة ليلا. بهذا الشكل استطيع أن اشتري اللحم والسمك للاعداد البدني للمباراة. لا استطيع أن أتمتع بهذا النظام يوميا فانا لا أغير نظام الأكل إلا عند إقتراب موعد المبارايات».

حبيبة في حصة كمال الأجسام

عدسة أمين بوفايد

الترويج الاعلامي المستقبل

ترفع حبيبة الدمنبل و تغير حركاتها في كل مرة متهيئة للصورة و هي التي كانت إلى مدى بعيد متجاهلة من طرف العدسات التونسية .أما اليوم فقد مرت حبيبة غريبي من البرامج التلفزية إلى تكريم رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي فاصبح اسمها معلوما عند العموم.

«أعتقد أنّ الشباب يحتاج إلى أن يحلم فلا أريد أن يقولوا أن الهجرة إلى الخارج هي الحل كي تكون رياضيا مشهورا فالميزة الاولى التي يجب أن يتمتعوا بها هي أن يكونوا مستعدين للتضحية بالوقت و العائلة و الاصدقاء و أن يتمتعوا بروح رياضية كي يكونوا ابطالا».

رغم ذلك فقد اختارت حبيبة أن تتدرب في الخارج بدعم من عائلتها وقد كان ذلك قرارا صعبا لكنه مثّل منعرجا في مسيرتها.حسب مدربها ” لا يتعلق الامر فقط بمغادرة البلاد بل أيضا بتغيير الاختصاص إلى العدو بالحواجز وكان الأمر صعبا في البداية لكننا نرى النتائج الطيبة اليوم”. اليوم تقوم حبيبة بحصص التدريب في إفريقيا الجنوبية و في جنوب فرنسا مع العائلات الرياضية الفرنسية الكبرى في إختصاص العدو.

قبل التقاعد والاهتمام بعائلتها ينصب تركيز حبيبة على 2016 و 2020 “فمع تقدم السن من الجيد أن تبقى متحفزة خاصة مع نجاحاتها الأخيرة لكن يجب التخطيط لذلك موسما بموسم والهدف الاول سيكون “ريو” “كما يفسر ذلك جون ميشال ديرنجي .

على العكس من ذلك تعيش وداد مسيرتها يوما بيوم لأن الملاكمة تستهلكها فمهما فعلت فهي لا تستطيع أن تهاجر و تترك عائلتها خلفها ” .

«فمع كل مباراة أقول في قرارة نفسي أنها ستكون الأخيرة لكن بعد ذلك و رغما عني أجد نفسي بصدد التحضير للمسابقة. لقد ندمت على إختيار الملاكمة. كان من المفروض أن اتخصص في رياضة أخرى لعلي اتحصل على عرفان من نوع ما».
وداد تستعد للقيام بحركة لكمة و قدم .
عدسة أمين بوفايد

كانت تظهر على الملاكمة علامات التعب فبين أعمدة القاعة التي تتدرب فيها كان صوتها يدوي و كأن التعبير على هذا النحو يمكنها من التخفيف من وطأة التعب.

“في عمر الرابعة والثلاثين لا راتب لي فالى حد اليوم أخذ من أمي مصروف اليوم. قبل أن آتي إلى النادي اعطتني 10 دينارات لاستقل سيارة الاجرة و الرتل ذهابا وايابا وأصل إلى بيتي في منتصف الليل. يعتقد الناس الذين يقطنون في حيي انني مترفهة و لي حساب بنكي و انني لا أريد أن ابذر ثروتي. عندما يشاهدونني في السوق يسألني الناس كيف لبطلة مثلي أن أقوم بالتسوق في هذا الفضاء “.

لا مجال للتراجع رغم أنها لا تمثل بلدها وتبقى وداد نموذجا بالنسبة لشبان حيها.

«يريدونني أن أدربهم كي ينقصوا من وزنهم فانا أتدرب عادة مع الذكور إذا كان لزاما علي أن أثبت انني قوية فحتى عندما أتلقى ضربات قوية يجب أن أثبت لهم أن ذلك لم يؤثر في ».

تقول انّ لها خطيبا لكنهما لم يستطيعا الزواج لتبقى بذلك الملاكمة سبيلها الوحيد كتلك المسابقات المبرمجة في فرنسا في ديسمبر المقبل. أما بالنسبة لحبيبة يجب أن تبقى في أوجها كي لا تسقط في النسيان وهو شيء يومي في عرف الاعلام التونسي.

وداد وسط عدد الملاكمين
عدسة أمين بوفايد

لا تقتصرالاشكاليات التي تعترض هاتين الشاباتين على هذا التخصص، ففي اختصاص السباحة نددت سارة لجنف في عديد المناسبات بنقص الدعم من طرف الجامعة التونسية للرياضة. 

حبيبة تتطلع للالعاب الاولمبية “ريو” في كل حصة تدريبية
عدسة أمين بوفايد

“يتعلق المشكل اساسا بالميزانية أو بالسياسة إزاء هؤلاء الأبطال الشبان اكثر منه بالتردد في دعمهم لكن الأمر بصدد التحسن “كما يؤكد ذلك عز الدين يعقوب . ففي بلد تعتبر فيه المرأة نموذجا للتحضر تعطي حبيبة و وداد صورة أكثر واقعية بصفتهن نساء شاهدات على حدود هذا الانعتاق و الاشكاليات التي يتخبطن فيها .

“لهذا السبب اتعرض في كل مداخلاتي إلى المرأة التونسية لأنه صحيح أن لديهن مكاسب لكن ليس في كل المجالات فالرياضة النسائية يجب أن يتم تشجيعها أكثر مهما كانت الاختصاصات “كما لخصت حبيبية غريبي .