فضيحة سويسليكس: ماذا تُخفي القائمات الاسمية للتونسيين ؟

لم تنأ تونس عن فضيحة الفرع السويسري للحسابات الخاصّة التابع لبنك HSBC حيث كشفت التسريبات وجود قائمة اسمية لنحو 256 تونسي في قلب الرّحى.
بقلم | 11 فيفري 2015 | reading-duration 20 دقيقة

متوفر باللغة الفرنسية
المال لا يعترف بالحدود. هذا ما كشفه الطور الجديد من أطوار قضية الفرع السويسري (بنك الحسابات الخاصّة) التابع لبنك HSBC حيث كشفت القائمات الاسمية التي سرّبها أحد موظّفي الاعلامية بالبنك المذكور وقدّمها للسلطات الفرنسية سنة 2008 وجود تهرّب جبائي متعدّد الجنسيات. المبلغ الجملي للأموال المهرّبة التي وجدت ملاذا “آمنا” لدى البنك ناهز 250 مليار دولار وطال 203 دولة من بينها تونس. وتتمثّل الحصّة التونسية في نحو 679 حسابا بنكيا راجعة بالنظر الى 256 حريفا، 142 منهم أشخاص طبيعيّون بالاضافة الى 32 شخصا معنويا في هيئة شركات غير مقيمة وفق ما كشفته تحرّيات السلطات الفرنسية. جملة هذه المعطيات تحصّلت عليها صحيفة “لوموند” الفرنسية وتمّت معالجتها من قبل المجمع الدولي للصحافيين الاستقصائيين icij ليتبيّن أنّ وسط هذه القائمة الاسمية التي تحتوي على أسماء لأشخاص عاديين توجد أسماء أخرى لشخصيّات مهمّة من بينها رجال أعمال ومشاهير بالاضافة الى أفراد من عائلتي الرّئيس التونسي الأسبق بن علي وزوجته ليلى الطرابلسي.

طفت قضية التسريبات البنكية التي أُطلقَ عليها اسم سْويسليكس #Swissleaks لأوّل مرّة على سطح الأحداث سنة 2008 عندما أقدمَ موظّف الاعلامية التابع للفرع السويسري (بنك الحسابات الخاصّة) التابع لبنك HSBC، ويدعى هارفاي فالسياني، على تسريب قائمة اسمية لحرفاء البنك الى السلطات الفرنسية. وقد تضمّنت القائمة نحو 106458 ينتمون الى 203 دولة، بعضهم فتحوا حسابات مطابقة للقوانين المعمول بها وأمّا البقيّة فقد تعلّقت بهم تُهمُ التهرّب الجبائي.

في موفّى شهر نوفمبر من سنة 2014 أخضعت السلطات الفرنسية تلك المؤسسة البنكية للتحقيق على خلفية وجود شبهة التلاعب والغشّ البنكي والمالي والترابح بطريقة غير قانونية بالاضافة الى تبييض الأموال والغشّ الجبائي خلال الفترة الفاصلة بين سنتيْ 2006 و 2007 . وكان فرع الحسابات الخاصّة للمؤسسة البنكية المذكورة قد وضع على ذمّة حرفائه نظام غشّ وتحيّل يتيح لهم امكانية التهرّب الضريبي عبر افتعال شركات واجهة (وهمية) أغلبها مقيمة في جنّات ضريبية.

الأرقام التونسيّة في القضيّة

قضيّة التسريبات البنكية تهمّ، كذلك، الشأن التونسي على اعتبار أنّ عددا من الأسماء المذكورة في القائمة له علاقة بتونس وفق ما كشفته التحريات التي قامت بها السلطات الفرنسية. خلال الفترة الفاصلة بين سنتي 2006-2007 أمكن لنا تعداد نحو 256 اسما من تونس: امّا يحمل الجنسية التونسية أو وُلدَ في تونس أو يقطن بتونس.

يمكن القول، اجمالا، انّ التحريات كشفت وجود علاقة تجمع نحو 679 حسابا بالبلاد التونسية. ويحتوي 230 حسابا جاريا على أموال تعود ملكيتها الى 142 شخصا طبيعيا و32 شركة غير مقيمة. بعد فحص هذه الحسابات تبيّن أنّ المبلغ الجملي الذّي تحتوي عليه يناهز 554 مليون دولار وفق ما كشفه المجمع الدّولي للصحافيين الاستقصائيين.

وتتنوّع برُوفيْلات الحرفاء لتتوزّع كالآتي: ربّات بيوت، متقاعدون، تجاّر، باعة مجوهرات، مسيّرون، موظّفوا بنوك، أطبّاء، سماسرة الماس، طلبة كلّيات صيدلة، صحفيّون…

واذا كان عدد كبير من الحسابات البنكية يعود بالنظر الى تونسيين يقيمون في تونس أو خارجها فانّ الأغلبية الباقية تعود بالنظر الى فرنسيين أو من جنسيات أخرى وُلدوا على الأراضي التونسية، وهو ما يفسّر علاقة ملفّاتهم بالدولة التونسية.

يعود أوّل حساب تونسي تمّ فتحه في تلك المؤسسة البنكية الى تاريخ 1969. عدد من الحسابات تمّ اغلاقه منذ ذلك الوقت في حين ليس هنالك أيّ أثر لاغلاق بقيّة الحسابات ما يؤشّر الى أنّها ظلّت دائما في حالة نشاط الى أن شملتها الوثائق المسرّبة والتي تغطّي الفترة الممتدّة بين سنتي 2006-2007.

عائلتا الطّرابلسي – بن علي

وسط جملة القائمات المشفّرة و المبهمة تبرز حفنة من الأسماء التونسية : خمس شخصيات مقرّبة من النظام التونسي السابق، صدرَ في حقّها قرار من المجلس الاتّحادي السويسري. هذا الجهاز التنفيذي التابع للاتحاد السويسري الذّي يهتمّ بالسياسات الخارجية لدولته، والذّي سبق له أن جمّد عدّة أملاك تابعة لشخصيات مقرّبة من نظام بن علي.

بعد أيّام قليلة من رحيل الرئيس التونسي الأسبق بن علي في جانفي 2011، اتّخذ المجلس الاتحادي السويسري اجراءات قسرية من أجل تجميد الأموال والموارد الاقتصادية الراجعة بالنظر ل”عدّة شخصيات تنحدر من أصل تونسي”. سريان مفعول قرار التجميد انتهى في جانفي 2014.

يتصدّر بلحسن الطرابلسي، صهر الرئيس التونسي الأسبق، قائمة الأسماء التونسية الواردة بالقائمة المسرّبة. شقيق ليلى الطرابلسي هو رجل أعمال وهو مؤسّس مجموعة كارتاجو، التي تحوي عدّة شركات تنشط في قطاعات الطيران والبنوك والفندقة بالاضافة الى الاتّصال الخ (…) حيث يأتي حسابه البنكي ، الذّي تمّ فتحه في جوان 2006، في المرتبة الثانية (بعد بوشمّاوي) ضمن قائمة الحسابات التي ترجع بالنظر الى حاملي الجنسية التونسية. وقد بلغ حجم الاموال التي احتوى عليها هذا الحساب، استنادا الى التسريبات التي تغطّي الفترة الممتدّة الى حدود سنة 2007، نحو 22083648 دولار.

ارتبط اسمه ضمن القائمات المسرّبة بوديعتين trust : كافال تراست Kaffal Trust والكاسار تراست The Kassar Trust حيث لم يتمّ الاشارة ضمن الوثائق التي حصلنا عليها لتاريخ فتح الحساب أو حجم الأموال التي يحتوي عليه. وبالرغم من محاولاتنا المتكرّرة لربط الصلة به الّا أنّنا لم نتمكّن سوى من الاتصال بمحاميه الأستاذ الهادي بالأخوة، عبر الهاتف، وبمواجهته بجملة المعطيات التي بحوزتنا رفض التعليق أو الاجابة قائلا انّ واجب التحفّظ يفرض عليه ذلك. من جانبنا، لم تسعفنا تحرياتنا، الى حدّ كتابة المقال، لمعرفة الجهة أو الجهات التي تمّ توطين جملة هذه الشركات على أراضيها.

وللاشارة فانّ بلحسن الطرابلسي هو محلّ تتبّعات قضائية على الأراضي التونسية . وقد نجح في مغادرة البلاد بالتزامن مع مغادرة صهره بن علي البلاد وبالتالي الحكم.

في المقابل فانّ اسم زوجته زهرة الجيلاني يوجد ضمن القائمة ولكن دون الاشارة لتاريخ فتح الحساب أو حجم المبالغ المضمّنة فيه، علما أنّها ابنة رجل الاعمال الهادي الجيلاني، الرئيس السابق للاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، وهو الآخر معني بقرار المجلس الاتحادي السويسري.

عنصر آخر من عائلة الطرابلسي-بن علي اسمه معني كذلك بالاجراءات القسرية الصادرة عن الدولة السويسرية: منتصر المحرزي زوج سميرة الطرابلسي شقيقة ليلى الطرابلسي. هذا العنصر لم يمثّل استثناء هو الآخر اذ لم يتمّ الاشارة في القائمات المسرّبة لتاريخ فتح حسابه البنكي أو لحجم المبالغ المالية المضمّنة فيه، مع الاشارة الى أنّه استحال علينا ربط الصلة به أو بممثّل للعائلة في تونس.

منصف مزابي، رجل أعمال والرّئيس المدير العام لعدّة شركات تنضوي تحت لواء مجموعة مزابي بالاضافة الى أنّه الممثّل الرسمي لمجموعة رينو-نيسان في تونس، هو الآخر لم يغب اسمه عن القائمة الاسمية المسرّبة. المزابي يملك موقعا خاصّا به على الواب يحتوي على سيرته الذاتية والمهنية و يعدّد انجازاته، حيث يتمّ التعريف به داخل الموقع على أنّه “رجل أعمال متميّز”. المزابي معني، هو الآخر بالقرار الصادر عن المجلس الاتّحادي السويسري.

في جانفي 2004 تمّ فتح حساب بنكي باسمه. وقد بلغ أعلى مبلغ مضمّن في حسابه نحو 9684403 دولار. المنصف مزابي لم يشأ أن يدخل في تواصل مباشر معنا بتعلّة أنّه خارج أرض الوطن منذ أسابيع. وقد تسنّى لنا ربط الصلة بالممثّل القانوني ل ARTES ، احدى شركات مجموعة مزابي، الذّي شرح لنا وجود استعداد من قبل رئيسه ل”الدفاع عن شرفه” مؤكدا أنّه قد تكفّل بارسال أسئلتنا له في انتظار أن يتحصّل على الاجابات المطلوبة ولكن دون جدوى.

عنصر آخر طالته الاجاراءات المتّخذة من قبل القضاء السويسري، انّه منصف الماطري، أحد المسؤولين القدامى في الجيش التونسي الذّي حُكم عليه بالاعدام، ثمّ نال العفو، في محاكمة ذائعة الصّيت خلال حكم الرئيس التونسي الأسبق بورقيبة بتهمة محاولة الانقلاب عليه. الماطري هو والد رجل الأعمال صخر الماطري، زوج نسرين بن علي ابنة الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي.

وقد أسّس منصف الماطري رفقة شقيقه شركة للصناعات الصيدلانية، تحمل اسم “أدوية” قبل أن يتمّ ابعاده عن منصب الادارة العامّة سنة 2011 على خلفية “سوء التسيير”. وقد نجح في الفرار نحو فرنسا قبل أن تتمّ محاكمته غيابا بتهمة حيازة أسلحة غير مرخّص لها والمتاجرة في القطع الأثرية لتتمّ ادانته بثماني سنوات سجنا نافذا وخطية مالية مقدارها 31 مليون دينار.

سنة 2006 تمّ فتح حساب بنكي في الفرع السويسري لبنك HSBC دون الاشارة الى المبالغ المالية المضمّنة.

حاولنا ربط الصلة به أو بأحد الاطراف المنتمية الى عائلته، وبعد نقاش مع ابن شقيقه طارق الماطري أوضح لنا هذا الأخير أنّه قام باحالة مطلبنا الى أحد أحفاد منصف الماطري الّا انّنا لم نحض بأيّ اجابة الى حدّ الساعة.

رجال الأعمال

أفراد عائلتي الطرابلسي- بن علي ليسوا الوحيدين الذّين وردت أسماؤهم على قائمة الحسابات البنكية المسرّبة من فرع الحسابات الخاصّة التابع لبنك HSBC.

رجل الأعمال طارق بوشمّاوي، رئيس سابق لهيئة التحكيم التابعة للاتحاد الافريقي لكرة القدم، تصدّر القائمة. فقد كشفت التسريبات امتلاك شقيق وداد بوشماوي، رئيسة اتّحاد الأعراف التونسيين، لحساب مفتوح منذ تاريخ جويلية 2004 علما أنّ آخر عملية مالية في هذا الحساب تمّ تسجيلها بتاريخ ماي 2007. وقد ناهز أعلى مبلغ مضمّن فيه 48862484، مع الاشارة الى أنّه (أي بوشماوي) موطَّن في مصر.

طارق بوشماوي تمّ تعريفه في القائمات البنكية على أنّه المدير العام ل”المجموعة العائلية”.

في الحقيقة فانّ لطارق بوشماوي أربع حسابات بنكية على علاقة به. فبالاضافة الى حسابه الشخصي، هنالك حسابان يتعلّقان بفرع تابع للمجموعة العائلية يحمل اسم “هادي بوشماوي وأبناؤه (HBS International Ltd)، أحدهما تمّ فتحه سنة 1996، في حين يوجد حساب رابع يتعلّق بشركة غير مقيمة تحمل اسم le trust Mellow Trust. وبحسب القائمات البنكية فانّ هذه الشركات الثلاثة تمّ توطينها في الباهاماس وهي احدى الجنّات الضريبية ولا وجود لأيّة معلومة حول المبالغ الحقيقية المضمّنة في هذه الحسابات الثلاثة.

وبالرغم من المساعي الجادّة لربط الصلة به الّا أنّنا لم نجد أيّ سبيل لذلك.

في النهاية يمكن القول انّنا نجحنا في اقناع شخصيّتين اثنتين، من بين الشخصيات التونسية التي وردت أسماؤها في القائمات البنكية، للحديث الينا والردّ على تساؤلاتنا. هاتان الشخصيّتان قدّمتا شهادتهما حول ممارسات تلك المؤسسة البنكية.

يوسف زرّوق رجل أعمال تونسي متقاعد، أُثير حوله جدل اعلامي واسع على اثر نشر تحقيق صحفي أتى على دور الوساطة الذّي لعبه في اطار صفقة لصناعة قطار، فاز بها المصنّع Gautrain وتتعلّق بتصنيع قطار لحساب جنوب افريقيا. 

زرّوق تلقّى أسئلتنا وأجاب عنها دون صعوبة بعد أن تأكّد من “سلامة التمشّي” مؤكّدا-على غرار منصف المزابي- أنّه سبق وأن تعرّض الى محاولات ابتزاز.

في سياق تعريفه بنفسه، قام بشرح مهنته دون حرج. ” أنا أتموقع بين الشركة والحريف” ليتقاضى لقاء خدماته مبالغ مالية. انّه يمتهن الوساطة ولا يُخف ذلك. علاقاته العائلية كان لها، دون ريب، دور في مساعدته في نشاطه المهني، فهو خال زهرة الجيلاني، زوجة بلحسن الطرابلسي وابنة الهادي الجبلاني الرّئيس السابق لاتّحاد الأعراف التونسيين.

بسؤاله عمّا اذا كان يملك حسابا بنكيا في الخارج أجاب :” لديّ الكثير من الحسابات، فأنا مقيم في الخارج، فرنسا والكويت، منذ سنّ العشرين”.

يوسف زرّوق يملك، فعلا، حسابا بنكيا في فرع الحسابات الخاصّة التابع لبنك HSBC تمّ فتحه سنة 2006 , وقد سجّل هذا الحساب في أعلى مستوياته ايراد مبلغ يناهز 3299278 دولار.

هذا الحساب تمّ اغلاقه سنة 2009 أو 2010 فهو لم يعد يتذكّر ذلك بالتدقيق:” لقد كان ذلك خلال الفترة التي أرادت فيها تلك المؤسسة البنكية التخلّص منّا، نحن العرب، ممّن لا يملكون الكثير من المال”.

اسم آخر ورد ضمن القائمة البنكية المسرّبة. انّه محامي الأعمال سمير العبدلّي، الذّي يشتغل على عقود الصفقات البترولية اضافة الى أنّه كان قد ترشّح الى رئاسية 2014 في تونس. استقبلنا بابتسامة في مكتبه الذّي مازالت جدرانه الى حدّ الآن تحتفظ بمعلّقات حملته الانتخابية.

وفق القائمة البنكية المسرّبة فانّ هذا المحامي يملك حسابا مفتوحا منذ جويلية 2006. وعلى ما يبدو فانّ هذا الحساب لم يتمّ استعماله الّا في مناسبة واحدة للقيام بمعاملة مالية يبلغ قيمتها 80000 دولار. الأستاذ العبدلّي أنكر في البداية علمه بوجود هذا الحساب البنكي.

ويحصر محدّثنا وظيفة هذا الحساب في امكانية وحيدة: أحد الحرفاء قام بفتحه، دون أدنى شكّ، من أجل تحويل مبلغ مالي يمثّل أتعابهُ، عندما كان مقيما في دبيْ علما أنّه مازال الى الآن يقيم هناك وفق قوله. ويضيف محدّثنا موضّحا:” ليس هنالك غشّ أو تهرّب جبائي في المسألة لأنّه، حتّى وان تمّت استرجاع تلك الأموال، فانّها لن تكون خاضعة للضريبة”.

“في كلّ الأحوال، وبصفتي غير مقيم بالاضافة الى أنّ أنشطتي المتعلّقة بصفتي محام دولي في التقاضي والتحكيم والتفاوض و سندات الأسواق والتدقيق القانوني، قد يكون هذا سببا لإنشاء حساب يحمل مبلغا مماثلا بناء على طلب من زميل أو أحد الحرفاء الأجانب. لا يمكن لنا أن نؤكّد وجود مثل هذا الحساب قبل التثبّت مع حرفائنا القدامى”. كان هذا فحوى التوضيح الذّي أرسله لنا المحامي سمير العبدلّي عبر البريد الالكتروني بعد يوم من لقائنا به في مكتبه.

ما ورد على لسان العبدلّي من توضيحات هو مجانب للصواب حيث تؤكّد القائمات البنكية المسرّبة أنّه مسجّل عبر وثائق تونسية وهو ما يعني أنّه مقيم في تونس على عكس ما أكّده المحامي حين ادّعى أنّه كان خلال ذلك الوقت مقيما في دبي وأنّه ما يزال الى حدّ الآن يقيم هناك.

عمليات التلاعب البنكي

يوسف زروق شرح بشكل برقي عمليات التلاعب التي سلكها البنك بالقول: “لقد جاءتني امرأة من البنك وطلبت منّي فتح حساب، وهو ما قمت به بالنيابة عن أولادي، دون أن أضع فيه فلسا واحدا. لقد كانت عملية نصب واحتيال من طرف البنك”.

ابنة يوسف زرّوق وابنه كلاهما ورد اسمه على القائمة البنكية المسرّبة. بالنسبة الى قمر فانّ الأمر يتعلّق برقم حساب مختلف ولكنّه يحتوي على المبلغ ذاته الذّي يحتوي عليه حساب والدها، وأمّا عن محمود، ابنه، فقد كان خالي الذّهن في ما يتعلّق بهذه القضيّة حيث رفض الاجابة عن تساؤلاتنا في حين كان والده يجيب بعبارات مقتضبة “أنا من فتح هذا الحساب”. حساب محمود كان يتضمّن مبلغا هزيلا مقارنة بالبقية، 3415 دولار، علما أنّه فُتح سنة 2006.

يوسف زرّوق أشار، كذلك، الى أنّ البنك كان، آنذاك، يحاول استقطاب الأثرياء التونسيين من خلال اغرائهم ببطاقات الائتمان “بلاتونيوم”، وهو مقترح يتناغم مع ” التباهي الذّي يجد تقديرا لدى التونسيين” علما أنّ البنك “قام أيضا بعمليات تبديل للعملة” عبر استلام مبالغ بالدينار التونسي ومن ثمّ تبديلها بالعملة الصعبة.

طرحنا سؤالا على محدّثنا حول مدى شرعية هذا الحساب البنكي فأجاب بالقول انّه لم يكن آنذاك مقيما في تونس وأنّه، بالتالي، لم يكن خاضعا للضريبة التونسية ولا الفرنسية.

من جانبه أكّد الأستاذ العبدلّي أنّه كان على بينة من نظام المالية المعقد الذي يقدمه البنك من أجل استقطاب الحرفاء وجعل حساباتهم بمنأى عن السّلطات الجبائية لبلدانهم.

وأسماء أخرى أيضا

توجد حسابات أخرى على القائمات البنكية المسرّبة تحتوي مبالغ ضخمة على غرار حساب صابر دبوسي، تاجر تونسي مقره في سويسرا، والذي تناهز القيمة القصوى للمبالغ المضمّنة فيه حوالي 20 مليون دولار، علما أنّ الحساب تمّ فتحه في عام 2007.

تميمي كبلوطي، جزائري نال الجنسية التونسية في أكتوبر 1998، يشتغل في قطاع السّمعي البصري يملك هو الآخر حسابا بنكيا في المؤسسة البنكية ذاتها مفتوح بتاريخ نوفمبر 1998. ويحتوي هذا الحساب على مبلغ أقصى يناهز5000000 دولار. وتوضّح الخانة المخصّصة لتعاليق الحرفاء ضمن القائمات البنكية أنّ الكبلوطي طلب من البنك عدم الاتّصال به في تونس.

صلاح الدّين بشير قرفال، ليبي الجنسية، يملك هو الآخر حسابا خاصا بقيمة 3000000 دولار، مع الاشارة الى أنّه الممثّل القانوني لشركتين مُوَطّنتيْن في الجزر العذراء البريطانية. اسم صلاح الدّين مرتبط بشركة أسّسكوم سارل ASSICOM Sarl المُوَطّنة في 22 نهج آلان سافاري تونس. هذه الشركة تملك حسابا تمّ فته في سبتمبر 2004 ويحتوي على مبلغ يناهز 1596069 دولار.

الفرنسي التونسي سليم بوريشة، مُصنّع اليخوت، ورد اسمه هو الآخر في القائمة البنكية حيث فتح حسابا في نوفمبر 2002 بمبلغ يناهز957806 دولار.

لم يتسنّ لنا، طيلة فترة بحثنا، كشف الستار عن الأسماء التي تملك عددا آخر من الحسابات البنكية الواردة في القائمات البنكية المذكورة.

فتح حساب في الخارج: قانوني أم لا ؟

انّ الحرفاء التونسيين الذّين وردت أسماؤهم في القائمات البنكية ليسوا بالضرورة في وضعية غير قانونية، اذ بامكان مواطن تونسي مقيم في الخارج فتح حساب بنكي، تماما مثلما يحقّ لشركة مقيمة في تونس فتح حساب في اطار انجازها لصفقة في الخارج وفق ما ينصّ عليه المنشور 2008 الصادر عن محافظ البنك المركزي التونسي. هذه العملية يتوجّب أن تتمّ بعد اشعار البنك المركزي.

بالنسبة الى الأشخاص غير المقيمين ممّن يمتلكون أموالا في الخارج، فانّه يتوجّب عليهم اعادتها بمجرّد تغيير الاقامة. هؤلاء الأشخاص مطالبون باعادة تلك الأموال وفق ما ينصّ عليه الفصل 20 من المحور الثاني من مجلّة البورصة.

الفصل 20 من المحور الثاني من مجلّة البورصة والتجارة الخارجية

“يلتزم أي شخص مقيم عادة في تونس وأي شركة تونسية أو أجنبية تمّ انشاؤها في تونس – وفقا للشروط والآجال المحددة من قبل البنك المركزي التونسي- بإعادة كامل قيمة العملة الصعبة المتأتية من تصدير المنتوجات الى الخارج والتعويض عن الخدمات المقدمة في الخارج، وبصفة عامة، من مجموع الدخل أو المنتجات في الخارج. ”

هذه الأحكام تمّ تعديلها بموجب الفقرة الأخيرة من المادة نفسها التي أضافها المرسوم المؤرّخ في 24 أكتوبر 2011 المتعلّق بتنقيح قانون البورصة، حيث يُعفى من هذا الالتزام الأفراد الطبيعيون في ما يخصّ الأصول التي تم إنشاؤها في الخارج:

الفصل 20 من المحور الثاني من مجلّة البورصة والتجارة الخارجية

” يُعفى من واجب إعادة الأموال، الأفرادُ التونسيون العائدون من الخارج الى تونس والأفراد الأجانب المقيمون في تونس ممّن لهم أصول تمّ انشاؤها في الخارج قبل تاريخ تغيير مكان الإقامة.”

الى هذا المستوى يبدو من الضروري التأكّد ما اذا كان النصّ يحمل مفعولا رَجعيا أو لا وما اذا كان تعريف “المقيم” -وفق ما نصّ عليه اشعار الصرف عدد 3 الصادر عن وزارة التخطيط والمالية والمتعلّق بتعريف مفهموم الاقامة، تمّ احترامه أم لا، على اعتبار أنّ ما يهمّنا الآن هو “درجة اندماج المعني بالأمر في حياة البلد” أكثر من الجانب القانوني للاقامة الاعتيادية. فمن مفهوم “الاقامة” تنساب الأسئلة الجبائية. 

انّ كثافة المعلومات المتوفّرة على القائمات البنكية المسرّبة وجملة التقاطعات المتاحة جعلت انجاز هذا التحقيق على غاية من التعقيد فضلا عن صعوبة تحديد أماكن اقامة الأشخاص الذّين وردت أسماؤهم في القائمات.

في الأثناء فانّ جملة الممارسات التي أتاها فرع الحسابات الخاصّة HSBC Private Bank تشي باحتوائها لقرائن قويّة للتهرّب الجبائي. سنعود، للاشتغال بأكثر تفصيل على جملة الأشخاص التونسيين الذّين وردت أساؤهم في القائمة بالاضافة الى جملة الخطوات التي قامت بها السلطات التونسية من أجل استعادة الأملاك المكتسبة عبر عائلتي الطرابلسي-بن علي بطريقة غير شرعية دون أن نغفل عن التطرّق الى نزيف رؤوس الأموال.