العنف القائم على الجندر

نقل العاملات الفلاحيات: المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية يدق ناقوس الخطر بعد مأساة جديدة في الكاف

توفيت ثلاث عاملات فلاحيات وأصيبت أكثر من عشرين أخريات يوم 29 ماي 2025 في منطقة دار السلام (الكاف)، إثر حادث جدّ خلال نقلهن إلى إحدى الضيعات الفلاحية. بعد أيام قليلة، أطلق المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية تحذيرًا جديدًا: فرغم صدور مرسوم سنة 2024 لتنظيم هذا النوع من النقل وتوسيع الحماية الاجتماعية للمعنيات، لم تُسجّل أية خطوة فعلية لتطبيقه.
بقلم | 04 جوان 2025
متوفر باللغة الفرنسية
فقدت ثلاث عاملات فلاحيات حياتهنّ وأصيبت 27 أخريات يوم الخميس 29 ماي بمنطقة دار السلام بولاية الكاف إثر اصطدام بين شاحنة تنقل عاملات فلاحيات وعربة أخرى. أعاد هذا الحادث المأساوي إلى الواجهة واقعًا معروفًا لكنه مُهمَل، يتمثل في ظروف النقل غير الإنسانية والخطيرة التي تتعرّض لها آلاف النساء العاملات في القطاع الفلاحي.

بعد الإعلان في البداية عن حالتي وفاة، ارتفع عدد الضحايا خلال اليوم مع تسجيل وفاة عاملة ثالثة. وتم نقل المصابات إلى المستشفى الجهوي بالكاف، بعضهن في حالة حرجة، حسب المعطيات الأولية من وسائل الإعلام المحلية، كما أصيب سائق الشاحنة.

مأساة متكررة

هذا النوع من الحوادث ليس استثناء، بل هو جزء من سلسلة طويلة من الكوارث المشابهة. ففي أفريل 2019، تسبّب حادث مماثل في منطقة السبالة (سيدي بوزيد) في وفاة 17 عاملة فلاحية. ورغم تكرار مثل هذه الحوادث، لا تزال ظروف النقل على حالها دون تغيير إذ تتم غالبًا في شاحنات غير مهيّأة، دون أحزمة أمان، ومحمّلة فوق طاقتها.

نقل قاتل في قلب الهشاشة

يكشف حادث الكاف سلسلة من الإخفاقات والإهمالات والسياسات العمومية غير المناسبة. وبحسب تقرير نشره المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (FTDES) في ماي 2025، تعمل أكثر من 500 ألف امرأة في القطاع الفلاحي في تونس. السواد الأعظم منهن بدون عقود عمل ولا تغطية اجتماعية ولا وسيلة نقل آمنة.

يشكّل النقل أحد أخطر عناصر هذه الهشاشة المنظّمة حيث تُنقل العاملات في ساعات الفجر في شاحنات متهالكة وعلى طرقات ريفية غير مهيّأة. كما يساهم نظام "كراء اليد العاملة" عبر وسطاء يُعرفون بـ"السمسارة" في تعميق هشاشتهنّ وحرمانهنّ من أي وسيلة دفاع أو تعويض في حال وقوع حوادث أو نزاعات.

وهم التأطير القانوني

في أكتوبر 2024، صدر المرسوم عدد 4 لسنة 2024 يتعلّق بنظام الحماية الاجتماعية للعاملات الفلاحيات. وكان من المفترض أن يُحدث صندوقًا للحماية الاجتماعية، ويُؤطّر النقل الفلاحي الآمن، ويوسّع دائرة المستفيدات من التغطية الاجتماعية.

لكن وفقًا للمنتدى، يبقى هذا المرسوم "غير مفعّل بسبب غياب النصوص التطبيقية وانعدام الإرادة السياسية". وينصّ المرسوم على إعفاءات مؤقتة من المساهمات لمدّة 3 سنوات، ومنح دعم لوسائل النقل، والاعتراف بمشقة العمل الفلاحي.

ومع ذلك، لم يتغير شيء على الميدان إذ لا تزال العاملات يشتغلن خارج الإطار القانوني، بأجور تتراوح بين 10 و20 دينارًا في اليوم، دون عقود أو راحة أسبوعية أو تأمين.

كان من المفترض أن يكون مرسوم 2024 خطوة إصلاحية هيكلية، إذ نصّ على ضرورة وضع 9 نصوص تطبيقية، و4 قرارات وزارية، و3 اتفاقيات بين وزارات (الصحة، النقل، المالية) لتفعيله.  لكن لم يُنشر أي من هذه النصوص إلى اليوم ولم يتم وضع أي آلية متابعة.

الأسوأ هو أن المرسوم لا يُطبّق بأثر رجعي، ما يعني أن عائلات العاملات المتوفّيات، مثل ضحايا حادث الكاف الأخير، لن تحصل على أي تعويض في إطار هذا النص القانوني الجديد.

يد عاملة نسائية مهمّشة ومعرّضة للخطر

تمثّل هؤلاء النساء العمود الفقري للقطاع الفلاحي، وهو قطاع أساسي للأمن الغذائي الوطني. لكن واقعهنّ يتّسم بالفقر والتهميش والاستغلال.

85٪ من العاملات لا يملكن أي عقد رسمي حسب بيانات وزارة الفلاحة ويتم تشغيلهن بصفة غير قانونية، وأحيانًا بأجور عينية، دون ضمانات دنيا أو اعتراف قانوني بوضعهنّ المهني.

تُعيد مأساة الكاف تسليط الضوء على ما حذرت منه المنظمات المدنية والنقابات لسنوات، أي فشل الدولة في حماية هؤلاء العاملات اللواتي ينحدرن غالبًا من المناطق الداخلية المهمّشة مثل الكاف، القصرين أو سيدي بوزيد وغيرها. وتتفاقم هشاشة هؤلاء النساء بسبب ارتفاع نسب الأمّية في صفوفهن، والاعتماد الاقتصادي على العمل الموسمي، وهشاشة النسيج الاجتماعي الذي يتواجدن فيه بسبب الهجرة الريفية والفقر متعدّد الأبعاد.

مسؤولية الدولة وضرورة التحرّك العاجل

شدّد المنتدى في تقريره على أن "الإصلاحات الشكلية لا تكفي"، وأن "الحماية الاجتماعية لا يجب أن تكون رفاهًا مرهونًا بالميزانيات". كما طالب المنتدى بتطبيق فوري وفعّال للمرسوم، وبتوفير وسائل نقل قانونية وآمنة، وبالاعتراف الكامل بوضع العاملات الفلاحيات كمشتغلات محترفات لهن حقوق.

ويُحذّر المنتدى في الختام أن "هذه ليست أقدارًا حتمية، بل مسؤوليات سياسية".
Inkyfada Landing Image

منصة إعلامية مستقلة في طليعة الابتكار التحريري

أنشئ حسابك الآن وتمتع بميزات النفاذ الحصري ومختلف الخاصيات المتقدمة التي توفرها لك. تحصّل على عضويتك وساهم في تدعيم استقلاليتنا.

منصة إعلامية مستقلة في طليعة الابتكار التحريري. تسجيل الدخول