تسلسل الأحداث
سرعان ما انتشرت على كافة وسائل التواصل الاجتماعي فيديوهات من زوايا ومسافات مختلفة تظهر ما يبدو أنه سقوط عمودي لجسم حارق على سطح سفينة 'Family - العائلة' نتج عنه وميض قوي أشبه بانفجار جراء اصطدام.
فيديو نشرتها صفحة أسطول الصمود على موقع إنستاغرام.
نشر أسطول الصمود على صفحاته الرسمية فيديو آخر مستمّد من كاميرات المراقبة على متن السفينة، يظهر من زاوتين مختلفتين وميضا مفاجئا، ويُسمع فيه ما يشبه طنينا آليا يسبق صوت سقوط جسم على سطح السفينة. يظهر في الفيديو كذلك أشخاص على متنها ذُعروا من شدة الانفجار وأخذوا يصرخون "أنجدونا، أنجدونا".
فيديو نشرتها صفحة أسطول الصمود على موقع إنستاغرام.
ميغيل دوارتي، الناشط الإسباني الذي كان واقفا في تلك اللحظة على سطح السفينة ويظهر في الفيديو أعلاه، صرّح لميدل إيست آي أنه لمح "مسيّرة تطوف على بعد قرابة أربعة أمتار فوق السفينة".
ويواصل الناشط قائلا أن "المسيرة توقفت فوق رؤوسنا، ثم طافت أفقيا وببطء نحو مقدمة السفينة قبل أن تلقي قنبلة على نتج عنها انفجار كبير".
كانت سفينة 'العائلة'، وهي الأكبر من بين سفن الأسطول، راسيةً في المياه المحيطة بمرفأ سيدي بوسعيد على بعد 1.1 كيلومتر تقريبا من حدود القصر الرئاسي بقرطاج.

تحمل 'العائلة' على متنها عدّة شخصيات من بينها الناشطة البيئية غريتا تونبرغ والمحامية والنائبة الأوروبية ذات الأصول الفلسطينية ريما حسن من بين آخرين وأخريات. قدمت السفينة من إسبانيا يوم 7 سبتمبر برفقة سفن أخرى تشكّل جزءاً من أسطول الصمود، وهو ائتلاف يتكون من 'ائتلاف أسطول الحرية'، 'مسيرة غزة العالمية'، 'قافلة الصمود' المغاربية، ومنظمة 'صمود نوسانتارا' الماليزية، ويضم مئات النشطاء من أكثر من 40 دولة. ومن المفترض أن تُبحر السفن يوم 10 سبتمبر بعد اجتماعها في تونس مع بقية السفن الأخرى نحو غزة.
تكذيب رسمي
كانت ردة فعل السلطات التونسية سريعة، حيث لم تمض ثلاث ساعات حتى نشرت الصفحة الرسمية للإدارة العامة للحرس الوطني بلاغا مقتضبا نفت فيه "الأخبار المتداولة حول استهداف مسيّرة لباخرة"، وقالت أن "المعاينات الأولية تظهر أن الحريق اندلع في إحدى سترات النجاة نتيجة اشتعال قداحة أو عقب سيجارة"، نافيةً "أي عمل عدائي أو استهداف خارجي". ودعا البلاغ إلى "استقاء الأخبار من المصادر الرسمية وتجنب الانسياق وراء الشائعات".
استعاد بلاغ لوزارة الداخلية في ساعات الفجر الأولى نفس الفرضية، مضيفا أن الوحدات الأمنية عاينت آثار "نشوب حريق في إحدى سترات النجاة وعدد من هاته السترات"، مؤكدة "السيطرة عليه وعدم وجود أضرار بشرية أو مادية".
في المقابل، يبرز فيديو آخر نشره أحد النشطاء من على متن السفينة في أعقاب العملية أضرارا مادية واضحة تتمثل في آثار احتراق، وما يبدو أنه نقطة سقوط جسم حارق على حافة السفينة وشظايا متفحّمة ومنتشرة في الأرجاء.
فيديو نشرتها صفحة أسطول الصمود على موقع إنستاغرام.
"اعتداء على السيادة التونسية"
خلافا للرواية الرسمية المتمسّكة بعدم وجود ما يثبت أي "عمل عدائي" على حد تعبير السلطات الأمنية التونسية، رجّح أعضاء الأسطول من الأجانب والتونسيين·ـات، إلى جانب شخصيات دولية من أبرزها فرانشيسكا ألبانيزي، المقررة الخاصة لدى الأمم المتحدة للأراضي الفلسطينية المحتلّة، والتي تنقّلت على عين المكان، أن ما حدث هو "هجوم واضح وصريح بمسيّرة على سفينة فاميلي".
وقالت ألبانيزي أنه "في حال ثبت أن ما حصل هو هجوم فإنه يعدّ هجوما على سيادة الدولة التونسية [...] الدولة الوحيدة التي توفّر ملجأً آمنا للأسطول".
من جانبها، تؤكد الناشطة جواهر شنّة، عضو هيئة تنظيم أسطول الصمود في تصريح للتلفزيون العربي أن "الكيان الصهيوني هو الجهة الوحيدة التي قد تتجرأ على الاستهداف الجبان للسفينة، في مخالفة صريحة لكل القوانين الدولية."
"لقد أرعبناه حتى لحقنا إلى موانئنا وهو ما يعني أننا على الطريق الصحيح" تواصل شنة.
لم تكن هذه المرة الأولى التي يلمح فيها أعضاء الأسطول مسيرات تحوم فوقهم. حيث صرح تياغو آفيلا، عضو الهيئة التسييرية للأسطول، يوم 2 سبتمبر، أنهم "رأو مسيرات تطوف فوق السفن بينما هي متواجدة على بعد 8 ساعات من جزر مينوركا بالباليار الاسبانية". وهو ما اعتبره آفيلا آنذاك ينذر بحالة "خطر" كونه يذكّر بالهجوم على سفينة 'كونشنس - الضمير'.
وكانت سفينة 'كونشنس' التابعة لائتلاف أسطول الحرية قد تعرضت يوم 2 ماي الماضي إلى هجوم مزدوج بمسيرات أثناء تواجدها في المياه الدولية قبالة سواحل مالطا بعد مغادرتها بنزرت في طريقها نحو غزة لنقل مساعدات طبية وغذائية إلى القطاع المحاصر.
في نفس الموضوع
ألحق الهجوم آنذاك أضرارًا جسيمة بهيكل السفينة وتسبب في اندلاع حريق تم احتواؤه بصعوبة. كما أُجلي الركاب الستة عشر الذي كانوا على متنها، من عاملين·ـات إنسانيين وأفراد الطاقم في عملية إنقاذ طارئة. بينما لم يُسفر الهجوم عن أي خسائر بشرية عدا عن بعض الإصابات الطفيفة.
وكانت السفينة قد غادرت ميناء بنزرت في تونس قبل أيام، في حين لم تتبنَّ أي جهة هذا الهجوم، إلا أنّ المنظمين·ـات وجهوا أصابع الاتهام للكيان الصهيوني، مشيرين إلى سوابقه في عمليات الاعتراض البحرية العنيفة من بينها الهجوم على سفينة 'مافي مرمرة' سنة 2010.
تاريخ من الهجمات الصهيونية على تونس
تعرّضت تونس في تاريخها وفي عدة مناسبات إلى هجمات صهيونية على أراضيها تراوحت بين القصف والاغتيالات. أبرزها مجزرة حمام الشط التي حدثت في غرة أكتوبر 1985. وقد شنت ست طائرات تابعة للكيان المحتلّ سلسلة من الغارات المتتالية على مقر منظمة التحرير الفلسطينية (OLP) بمدينة حمام الشط في الضاحية الجنوبية لتونس العاصمة.
اقتحمت الطائرات الإسرائيلية الأجواء التونسية ولم تواجه أي تصدّ أثناء تحليقها، وأسقطت على الموقع قنابل يزن كل منها طنًا. أسفر القصف الذي سرعان ما تبنّته تل أبيب، عن مقتل 50 فلسطينيًا وفلسطينية و15 تونسيًا، بالإضافة إلى أكثر من مئة جريح وجريحة.
في نفس الموضوع
وفي يوم 16 أفريل 1988، تم اغتيال خليل إبراهيم محمود الوزير، المكنّى 'أبو جهاد'، وهو سياسي وعسكري فلسطيني أصبح وزيرا لاجئًا بعد تهجير عائلته على يد المليشيات الصهيونية خلال حرب النكبة عام 1948. وقد حدث الاغتيال في منزل كان يقيم به في سيدي بوسعيد بالضاحية الشمالية للعاصمة تونس.
بعد ذلك ببضع سنوات، اغتيل صلاح مصباح خلف الملقّب بـ 'أبو إياد' يوم 14 جانفي 1991 في عملية منسوبة للموساد الإسرائيلي جرت في ضاحية قرطاج بالعاصمة. أبو إياد هو سياسي فلسطيني بارز وأحد مؤسسي حركة التحرير الفلسطينية (فتح) وقائد القائد الأجهزة الأمنية الخاصة للمنظمة.
وفي وقت غير بعيد، في ديسمبر 2016، اغتال جهاز الموساد الإسرائيلي المهندس التونسي محمد الزواري أمام منزله في مدينة صفاقس. أُطلقت على الزواري 20 رصاصة باستخدام مسدسات عيار 9 مليمتر مزودة بكاتمات صوت. وأظهرت التحقيقات أن التخطيط للعملية بدأ قبل ستة أشهر عبر شركتين وهميتين أقامهما أجنبيان في تونس.
الأسطول ماضٍ في طريقه
تؤكد جواهر شنة، عضو الهيئة التسييرية أن "الأسطول سيواصل الإبحار في اتجاه غزة يوم الأربعاء 10 سبتمبر، رغم اختراق السفينة ". وأشارت شنّة إلى أنّ عدداً من المرافقين·ـات كانوا قد رجّحوا تأجيل الرحلة بسبب سوء الأحوال الجوية، غير أنّ "ما حدث دفعنا إلى الإصرار على مواصلة الإبحار في الموعد المقرّر".
ويُذكر أنّ الرحلة قد تأجلت في أكثر من مناسبة حيث تم تأجيل انطلاق القسم المغاربي من أسطول الصمود العالمي من تونس عدة مرات بسبب سوء الأحوال الجوية وتأخر انطلاق السفن من برشلونة. فتم تأجيله أولاً من الخميس 4 سبتمبر إلى الأحد 7 سبتمبر، ثم مجدداً إلى الأربعاء المقبل، لينضم إلى السفن المتجهة من إسبانيا وإيطاليا نحو غزة لكسر الحصار المفروض على الفلسطينيين·ـات في سياق حرب الإبادة والتجويع على القطاع.



