وأفادت هذه المصادر بأنّ جميع المعتقلين الذين كانوا موجودين داخل سجن صيدنايا قد تمَّ تحريرهم، وبأنّ الشائعات حول وجود زنازين لا يمكن الوصول إليها غير صحيحة، مضيفةً أنّ قوات «ردع العدوان» تُسيطر منذ عصر 8 ديسمبر على السجن بشكل كامل.
وقال رئيس رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا دياب سرّية، في حديث مع الجمهورية.نت ليل أمس، إنّ تقارير صحفية أُعدت في وقت مبكر وعُرِضَت على شاشات التلفزة عصراً، أعطت أيحاءً بوجود معتقلين ما زالوا موجودين حتى اللحظة في السجن، وهو أمرٌ غير صحيح، إذ تمّ الوصول إلى السجناء الموجودين في المنفردات داخل البناء الأحمر وتحريرهم بشكل كامل.
والبناء الأحمر هو البناء المُخصَّص للمعتقلين السياسيين، بينما يضم السجن أيضاً بناءً يدعى البناء الأبيض، يضمّ معتقلين من العسكريين الذين يقضون محكوميات بسبب ارتكابهم جرائمَ أو جُنحاً، وكان كثير منهم قد خرج مسبقاً من السجن عند وصول المقاتلين المحليين إلى سجن صيدنايا لتحرير المعتقلين فيه.
عملية التحرير
عملية تحرير السجن بدأت مع توجُّه عدد من المقاتلين المحليين، الذين كانوا في فصائل الجيش الحر سابقاً من بلدتي رنكوس وعسال الورد في القلمون، نحو صيدنايا واستباقِ وصول قوات «ردع العدوان» إلى المنطقة، وذلك بحسب أحد المقاتلين الذين شاركوا في العملية وتحدّثت إليه الجمهورية.نت.
أَمَّنت المجموعات المحلية سيارتي بيك آب تحملان رشاشات متوسطة من نوع «دوشكا»، وقام عناصر آخرون بمرافقتهم على خمس دراجات نارية. وبحلول الساعة الثانية بعد منتصف ليل السبت فجر الأحد، استطاع المقاتلون اقتحام نقطة عسكرية تبعد عن سور السجن الخارجي مسافة 500 متر، وسيطروا عليها بعد استسلام مُجنّدين كانوا موجودين فيها.
وبعد اقتحام النقطة جرت اشتباكات لمدة 45 دقيقة مع حامية السجن، لتنتهي باتفاق خروج عناصر النظام من السجن دون التعرّض لهم، بعد أن خاطبهم المقاتلون المحليون وحذروهم من وصول تعزيزات كبيرة، ومن تبعات إصابة أحد من المقاتلين أو المدنيين بأذى جرّاء هذا الاشتباك. وأكد دياب سرّية للجمهورية.نت أنّ الرابطة كانت على تواصل مع المقاتلين المحليين، وأرسلت أحد أعضائها إلى المكان على الفور، وعند دخول المقاتلين المحليين بدأوا بفتح الزنازين الموجودة داخل الطوابق الأساسية، وبعد ساعات من العمل الشاق، بسبب عدم توافر معدّات مناسبة، جرى إخلاء جميع السجناء في الزنازين الأساسية.
كان التواصل بين رابطة معتقلي ومفقودي صيدنايا والأشخاص الموجودين داخل السجن صعباً للغاية بسبب وجود محطة تشويش داخل السجن، جرى تدميرها بعد عدة ساعات من قبل الأهالي من أجل تسهيل التواصل، وقال دياب سرّية للجمهورية: «باعتبارنا معتقلين سابقين في السجن، وكنا لحظة الاستعصاء ونعلم ممراته ومواقع الزنازين فيه بدقة، قمنا بمساعدة الأشخاص داخل السجن، ودَلَلناهم على زنازين انفرادية موجود داخل مطبخ السجن الأحمر»، وبحلول الساعات الأولى من الصباح بدأ العمل على فتح مدخل الزنازين الانفرادية الموجود في مطبخ السجن، وجرى إخراج السجناء من تلك المنفردات بالكامل.
الأهالي بين الغبطة والخيبة
وصل المئات من أهالي المعتقلين إلى السجن بحلول الساعة التاسعة صباحاً، بالإضافة إلى صحفيين من عدّة وسائل إعلامية، ما أدى إلى حالة من الفوضى في السجن بحسب المصادر التي تحدّثت إليها الجمهورية.نت. وخلال ساعتين، كان عدد الأهالي الواصلين إلى السجن يفوق سبعة آلاف شخص، بعضهم جاء من حمص وإدلب وحماة، بالإضافة إلى الواصلين من دمشق وريفها، للاطمئنان على أبنائهم الذين يظنون أنهم معتقلون في السجن، وذلك بحسب سرّية وأحد المقاتلين المحليين الموجودين في المكان.
بحلول ذلك الوقت، كان المعتقلون الموجودون في السجن قد خرجوا بشكل كامل، لكنّ رغبة الأهالي بمعرفة مصير أولادهم جعلتهم يرفضون تقبُّل فكرة أنّ السجن فارغٌ تماماً، خاصة مع انتشار شائعة تفيد بوجود زنازين لا يمكن الوصول إليها. وساهم عدد كبير من الحسابات على وسائل التواصل ومجموعات التواصل عبر تطبيق واتساب بنشر هذه الشائعة مع صور وفيديوهات ومعلومات غير صحيحة، كما روّجت شخصيات عامة تلك المعلومات دون التأكد من صحتها، خاصة تلك المرتبطة بوجود أكواد وشيفرات لزنازين سرّية لم يتم الكشف عنها، مع أنّ كل ذلك غير صحيح على الإطلاق.
وصلت فرق الدفاع المدني مساء أمس وباشرت العمل، وصدر بيان عن الدفاع المدني بأنّ فِرَقه استخدمت كل معدّات الكشف الصوتي وأجهزة استشعار يجري استخدامها عادةً للبحث بين الأنقاض عن ناجين، كما قاموا بتكسير عدد من الجدران والأرضيات، ولم يتم الكشف عن وجود أي زنازين سرية جديدة أو معتقلين ما زالوا داخل السجن.
وقال سرّية للجمهورية.نت إن مبادرات أهلية في بلدات التل ومنين استقبلت المعتقلين المُحرَّرين من السجن، والذين قُدِّرَت أعدادهم بين 2000 و2500 معتقل-ة، وتم فرز المعتقلين بحسب محافظاتهم وتأمين باصات لنقلهم إليها، بينما تَجمَّعَ معتقلي دمشق وريف دمشق في جامع السلام بحي برزة في العاصمة دمشق.
2500 معتقل محرّر
لا يوجد إحصاء دقيق أو مصدر موثوق لأسماء المعتقلين المُحرَّرين من السجن حتى اللحظة، كما أنّ المعلومات التي تفيد بوجود ثلاثين ألف معتقل داخل السجن لحظة تحريره هي مُجرّد شائعات، والإحصاء الوحيد حتى الآن هو ما صَرَّحَ به رئيس رابطة معتقلي صيدنايا في حديث مع تلفزيون سوريا، وهو الإحصاء الناتج عن إجمالي عدد المعتقلين الذين تمّ توثيق دخولهم إلى سجن صيدنايا منذ العام 2011، بما يشمل المعتقلين الذي قُتلوا أو توفوا نتيجة التعذيب وسوء المعاملة والظروف، أو المُفرَج عنهم. ومن المؤكد بأنّ عدد المعتقلين المُحرَّرين من السجن لا يتجاوز في أي من الحالات 2500 معتقل.
حالة الوثائق في السجن سيئة للغاية بحسب سريّة، حيث أفاد بأنها تعرّضت للبعثرة نتيجة بحث الأهالي المحموم عن مصير أبنائهم؛ «لا يمكن لوم الأهالي بالطبع» يقول سرّية، إذ أنّ غياب أي دليل عن مصير عشرات الآلاف من المعتقلين المختفين قسراً في سوريا، يجعل من أي بصيص أمل للعثور عليهم أحياء أو معرفة مصيرهم أمراً بالغ الأهمية.
وأشار سريّة إلى أنّ معتقل سجن صيدنايا لا يجب أن يكون السجن الوحيد الذي يتم التركيز عليه، لأن هناك عدداً هائلاً من المعتقلات في سوريا، ويجب معرفة مصير المعتقلين فيها، كما أنّ البلاد تضم معتقلات سرّية لم يجرِ الكشف عنها حتى اللحظة. وفي هذا السياق علمت الجمهورية.نت خلال حديث مع مصدر مُقرَّب من غرفة إدارة العمليات في مدينة حلب، بأنّ مقاتلي «ردع العدوان» اكتشفوا سجوناً سرّية في الأكاديمية العسكرية في حلب، وتحت فرع الحزب في حي الجميلية في المدينة، تمتد تحت الأرض حتى ساحة سعد الله الجابري، وتشير شهادات إلى انتشار هذا النوع من السجون السرّية في سوريا على نطاق واسع.
كانت نهاية «حزينة ومُتعِبة» لواحد من أسوأ سجون العالم، يقول دياب سرّية المعتقل السياسي السابق في سجن صيدنايا. لم يستطع الآلاف من الأهالي من الوصول إلى معلومات عن أبنائهم، والنظام الذي سقط لا يزال يسبب الألم والفقدان للسوريين.