درج | خلف جدران المعتقل: شهادات مروّعة لمعتقلين سابقين في السجون الإسرائيلية

السجون الإسرائيليّة أشبه بصندوق أسود لا تتضح معالم العنف والتعذيب فيه حتى يخرج من كان داخله وكأنه نجا من “الجحيم” حسب شهادات المعتقلين الفلسطينيين المفرج عنهم. مقال منشور في الأصل على موقع درج.
بقلم | 01 سبتمبر 2024 | reading-duration 5 دقائق

متوفر باللغة الفرنسية
تعذيب، قتل، واغتصاب… ممارسات باتت موثّقة بالصوت والصورة وبشهادات لناجين فلسطينيين من المعتقلات الإسرائيلية. آخر ما تسرّب عن هذه الممارسات ما نشرته القناة 12 الإسرائيلية لمشاهد صادمة تظهر قيام جنود إسرائيليين بالاعتداء الجنسي على أحد المعتقلين الفلسطينيين بسجن “سيدي تيمان” المعروف بأنه “غوانتانامو” إسرائيل.

هذا المعتقل يمارس فيه الجيش الإسرائيلي تعذيباً وانتهاكات بحق المعتقلين ترتقي إلى “جرائم الحرب”، إذ يُحتجز المعتقلون من قطاع غزة ضمن ظروف غير إنسانية، كغيره من المعتقلات التي كشف عن الانتهاكات فيها تقرير لمنظمة “بتسيلم” التي تُعنى بحقوق الإنسان في المناطق المحتلة، تقرير يكفي عنوانه "مرحباً بكم في الجحيم" للإشارة إلى ما يحصل في السجون الإسرائيليّة منذ 7 أكتوبر.

حظيت الحرب الحاليّة على غزة بمقاربة إعلامية مختلفة عن سابقاتها، وكان للمشاهد التي توثق خروج المعتقلين من السجن على منصات مواقع التواصل الاجتماعي الحظ الأكبر في كشف ما يحدث، وما يتعرض له هؤلاء. فالسجون الإسرائيليّة أشبه بصندوق أسود لا تتضح معالمه حتى يخرج من كان بداخله، خصوصاً مع التعديلات القانونية التي منعت زيارة المحامين والمنظمات الدولية للمعتقلين إلا بشقّ الأنفس. 

شهادة محمود بهادر

محمود بهادر (65 عاماً) أمضى 7 أشهر و13 يوماً في المعتقل بعد اقتحام القوات الإسرائيلية شمال القطاع. تعرض بهادر للضرب منذ اعتقاله، ونقله الجيش إلى البركسات، وفيه تعرض للضرب برفقه المعتقلين كافة بشكل وحشي وفق تصريحه لـ “درج”.

يقول بهادر: "كان الجيش الإسرائيليّ يضع قرابة 30 معتقلاً في خيمة، وفي كل تجمع 5 خيم فيها قرابة 150 أسيراً" 

"فور وصولنا لهذه الخيم تبدأ مرحلة الحرب النفسية والعنف الجسدي واللفظي، إذ يتم عصب الأعين و”كلبشة” الأيدي والأقدام، ولا يقدم لنا الطعام إلا مرة باليوم، ويتم التلاعب بنا نفسياً بحيث يقدم لنا الطعام مقابل منع المياه، ولا تتوافر في المراحيض مياه بشكل دائم”.

يواصل بهادر مضيفا: “تم تحويلي الى المخابرات للتحقيق، وتعرضت لأشد أنواع التعذيب بتهمة عملي مع أحد التنظيمات من دون مراعاة عمري الكبير. ولكن بعد سبع جولات من التحقيقات تم تحويلي الى سجن النقب، وكنا نتعرض فيه بين الحين والأخر للتعذيب".

يقول بهادر أن ما مر به والمعتقلون دب الذعر في قلوبهم، إذ أطلق عناصر الجيش الكلاب عليهم بينما هم مقيدون داخل غرف صغيرة ومحكمة الإغلاق، وتعرض بعض المعتقلين للإصابة إثر نهش الكلاب لهم، إضافة إلى تعرض بعض المعتقلين للتحرش الجنسي من الجنود والمجندات.

شهادة عامر عبيد

اعتُقل عامر عبيد (31 عاماً) مع إخوانه الستة ووالدته البالغة 55 عاماً من حي الزيتون بمدينة غزة. يقول عبيد إنهم نُقلوا إلى كبوتسات وتعرضوا لأبشع أنواع التعذيب والإهانة على يد الجنود الإسرائيليين. ويضيف "نُقلنا إلى سجن النقب وهناك كانت أنواع التعذيب الأشد.

"قام جنود الاحتلال بتعذيب أخي ووضع عصا في فتحة شرجه بعنف ما أدى الى إصابته إصابة بالغة. وفور الإفراج عنا جميعاً تم نقله لتلقي العلاج في حين كانت لا تقدم لنا أدنى أنواع الرعاية الصحية في السجون".

يتابع عبيد، "تعرض أخي الآخر لموقف أدخله في صدمة بسبب إطلاق الجنود الكلاب عليه داخل الحمام وأصيب بعضة من أحد الكلاب، بينما تعرضت أنا للضرب المبرح في الصدر ما نتجت منه كسور في الضلوع”.

أسوأ ما شهده عبيد هو وفاة شيخ كبير داخل المعتقل بسبب تعرضه للاغتصاب من عدد من الجنود، والسبب حسب عبيد "ربما لم يتحمل وطأة ذلك".

شهادة عدنان الجماصي

عدنان الجماصي من مدينة غزة، تعرض منذ اعتقاله في 16 ديسمبر الماضي لمعظم أنواع التعذيب من الجيش والمخابرات الإسرائيلية، وتم تحويله إلى سجن النقب بعد أربعة شهور من التعذيب والتنكيل. ولكن ما كان لافتاً للانتباه بالنسبة إليه أن من كانوا يقومون بتعذيبه هو والشبان الآخرين يتحدثون اللغة العربية بشكل جيد.

يقول: "كان أحد السجانين يقوم بحرق لحيتي بالسيجارة بين الحين والآخر حتى احترق جلد وجهي”.

"الانتقام من الشعب الفلسطيني"

الناطق بإسم هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينيين ثائر شريتح، يكشف لـ”درج” أن عدد المعتقلين من الجيش الإسرائيلي خلال الحرب في غزة يزيد عن 4000، تم الإفراج عن 1500 منهم، لافتاً إلى أن معظمهم معتقلون في سجن عوفر والنقب وسجون سرية أخرى.

يقول شريتح: “طواقمنا والمحامون التابعون للهيئة تواصلوا مع عدد كبير من الأسرى الذين تم الإفراج عنهم وأدلوا بشهاداتهم، ليتضح أن جزءاً كبيراً منهم أجمعوا على أنهم تعرضوا للتعذيب والتجويع والتهديدات بالاغتصاب”.

يضيف شريتح: “أكد الكثير من الأسرى وجود عمليات بتر أطراف من دون تخدير أو وجود كوادر طبية متخصصة، إضافة إلى تعرضهم للترهيب بالكلاب واعتداء الكلاب عليهم ومحاولات اغتصاب جنسي بالكلاب للأسرى فيما هم مقيدون، وإلقاء بعض الأسرى داخل غرف توجد بداخلها جثث لأسرى آخرين". ويلفت الى أن ممارسات التعذيب هذه تأتي في إطار "الانتقام من الشعب الفلسطيني".

"جرائم حرب"

يقول مدير مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان علاء السكافي، إنه وفق القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، تمارس السجون الإسرائيليّة جملة من الانتهاكات والجرائم التي تُدرج تحت بند "جريمة حرب"، وذلك بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب واتفاقية جنيف الرابعة، والمادة المشتركة التي تمثل قواعد آمرة وملزمة للجميع، إضافة إلى مخالفة اتفاقية مناهضة التعذيب على رغم توقيع إسرائيل عليها.

يضيف السكافي لـ”درج”، “أن ما يخضع له المعتقلون يرتقي الى “جريمة ضد الإنسانية”، وهذا ما نصت عليه المادة 7 من ميثاق روما المنشأ لمحكمة الجنائية الدولية 1998، والممارسات في السجون الإسرائيليّة تعتبر انتهاكاً لاتفاقية جنيف التي تضبط قوانين الحرب.

تشير مؤسسة الضمير في تقرير لها، إلى أن السلطات في إسرائيل لغاية الآن ما زالت تخفي معلومات المعتقلين المقتولين. إذ كشفت تقارير عن مقتل عشرات المعتقلين داخل المعسكرات والسجون من دون تمكّن العائلات من معرفة مصير أبنائها، ومن دون كشف مصلحة السجون عن أسماء القتلى.

بدوره، يعرب المرصد الأورومتوسطي عن استغرابه من تضارب مزاعم الجيش الإسرائيلي، الذي ادعى أن المعتقلين كانوا مقاتلين شاركوا في هجوم سابق، وتم الإفراج عنهم لاحقاً، معتبراً أن هذه الرواية مغلوطة وغير صحيحة، وتم استخدامها للانتقام من المدنيين الفلسطينيين والاعتداء على كرامتهم.

يؤكد المرصد أيضاً أن جرائم التعذيب والمعاملة غير الإنسانية التي يمارسها الجيش الإسرائيلي تعتبر”جرائم حرب” و”جرائم ضد الإنسانية”، محذّراً من إشراك المدنيين الإسرائيليين في مثل هذه الممارسات، ومعتبراً ذلك “جريمة حرب” أيضاً.