ينص مشروع الدستور الذي عرض على الاستفتاء على أن "القضاء وظيفة مستقلّة يباشرها قضاة لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون" ساحبا منها صفة "السلطة" المستقلة. وفي حين عوض المجلس الأعلى للقضاء كهيئة دستورية مستقلة، بأغلبية أعضاء منتخبين لمراقبة المسار المهني للقضاة، والتشاور في سن القوانين المتعلقة بالقضاء "ويشرف على كلّ صنف من هذه الأقضية مجلس أعلى يتولى القانون ضبط تركيبته واختصاصاته"، تراقب هذه المجالس المسار المهني للقضاة ومن بينهم سيختار رئيس الدولة أعضاء المحكمة الدستورية، لم ينص صراحة على طريقة إرساء هذه المجالس إن كانت معينة أم منتخبة ومستقلة أم تابعة لوزارة العدل إضافة إلى انتزاع حق المجالس في رأي مطابق في تسمية القضاة لتصبح هذه الأخيرة من مشمولاته وحده.
في الحقيقة لا يمكن اعتبار التغيير مفاجئا، إذ صرّح الرئيس في أكثر من مناسبة بأن القضاء "مرفق عمومي كسائر المرافق العمومية يتمتع بالاستقلالية ولا تتدخل فيه أي سلطة أخرى ولكنه لا يجب أن يتحول إلى سلطة داخل الدولة ومستقلا عنها." فالقضاء وفق سعيد مستقل والقاضي ملزم بالاستقلالية، ولكنه يرفض فكرة وجود سلطة قضائية تشرّع، بل يعتبر مهمة القضاء هي تطبيق القانون الذي وضعه صاحب السيادة بشرط أن يكون الذي يمثل صاحب السيادة بدوره مستقلا.
ماذا يعني تغيير القضاء من سلطة إلى وظيفة؟
يعرف معجم لسان العرب الوظيفة كالتالي:"الوظيفة من كل شيء ما يُقدَّر له في كل يوم من رِزق أَو طعام أَو علَف أَو شَراب وجمعها الوَظائف والوُظُف ووظَف الشيءَ على نفسه ووَظّفَه توظِيفاً أَلزمها إياه".
هذا التعريف اللغوي يمكن أن يكون مدخلا إلى تحويل القضاء من أداة علوية قاهرة -وهنا أيضا نستند إلى التعريف اللغوي للسلطة- إلى أداة موظفة وملزمة بإرادة خارجة عنها. في المقابل، يسهب قيس سعيد في الكثير من الأحيان في تبرير رؤيته عن السلط، مستشهدا بنظرية مونتسكيو المعروفة بـ"فصل السلطات الثلاث" وداعيا معارضيه إلى أن "يعودوا إلى مونتسكيو أو إلى عدد من الفلاسفة الآخرين الذين تحدثوا عن مبدأ الفصل بين السلطات" وكما يررد أيضا "السلطة هي للشعب والوظائف توزع".
إحتجاج القضاة والقاضيات يوم 23 جوان 2022 أمام قصر العدالة بتونس العاصمة بعد اسبوعين من إعلان الرئيس قيس سعيد إعفاء 57 قاضيا وقاضية من مهامهم. صور ة لـ.عيسى زيادية.
في الواقع تؤكد نظريات مونتسكيو ضرورة توزيع سلطات الدولة الثلاث على هيئات منفصلة، لتراقب كل سلطة |السلطة الأخرى. والرقابة على السلطات وفق مونتسكيو تكون على نحو يمكن بموجبه إيقاف السلطة بالسلطة، بأن يكون هناك انفصال بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وكذلك بين الهيئات الوسيطة واللامركزية حتى يتسنى منع الحكم من الوقوع في الاستبداد.
أعطى مونتسكيو عدة تبريرات لنظريته، أهمها كون السيادة ملك للشعب، ولا يستطيع ممارستها بنفسه إلا في حالة الديمقراطية المباشرة، وعلى الشعب أن يختار ممثليه، وفي هذه الحالة فإن الجهاز الذي يضم ممثلي الشعب يمتلك السلطة، فإنه يمكن أن يغتصب السيادة وبالتالي فإن الفصل يسمح بتوزيع ممارسة السيادة بين عدة هيئات لا يمكن لأي منها أن تدعي تمثيل الشعب.
في الحقيقة هذا بالضبط ما يفعله قيس سعيد الذي سعى إلى احتكار تمثيل سيادة الشعب منذ 25 جويلية 2021، فإن كان يتعلل اليوم بأنه يمنح الشعب حق تقرير مصيره بالاستفتاء على الدستور، إلا أنه قدم دستورا كتبه بمفرده ووفق تصوراته الشخصية لنظام الحكم وتوزيع السلطات، والتي لم يقع التداول فيها ولا مناقشتها. كما أن تفعيل العمل بالدستور المقترح لم يرتبط صراحة بضرورة التصويت عليه بـ"نعم" بل جعل شرط دخوله حيز التطبيق هو إعلان نتائج الإستفتاء.
منصة إعلامية مستقلة في طليعة الابتكار التحريري
أنشئ حسابك الآن وتمتع بميزات النفاذ الحصري ومختلف الخاصيات المتقدمة التي توفرها لك. تحصّل على عضويتك وساهم في تدعيم استقلاليتنا.
تسجيل الدخولهل يخدم تأويل الرئيس للقضاء كوظيفة استقلاليته؟
يعتبر الحوار حول "السلطة" و"الحكم" ليس حوارا مستجدا أو حديثا في الديمقراطيات الغربية كفرنسا مثلا، أين مازال موضوعا للنقاش العام فقد يكون اللُبس اللغوي في ترجمة هاتين المفردتين قد فتح المجال أمام تأويل مختلف، له ركائز نظرية تكسبه شرعية التواجد في التصور الجديد لتونس حسب رابح الخرايفي الباحث في القانون الدستوري.
يقول رابح الخرايفي في حواره لإنكفاضة: اختلاف اللفظ حمّال لرؤية مخالفة تضع المبدأ المعمول به طويلا وهو "فصل السلطات الثلاث" محل التساؤل وهو ما يرفضه من يسميهم بـ"سلفية القانون" الذين يتهمون كل من يتفكّر في المبدأ بالاستبداد. يرى الخرايفي كذلك أن ما جاء في الباب الخامس من مشروع الدستور حافظ لاستقلالية القاضي مادام لم يفرض عليه تدخلا في حكمه ولا في نقلته وترك مسألة التأديب والترقية بيد الهياكل القضائية وليس "الوظيفة التنفيذية."
ينفي الخرايفي فكرة تبعية القضاة للوزارة، معتبرا أن دورها ينحصر في الجانب الإداري بعيدا عن التدخل في قراراتهم. وهو تبرير لا يتفق معه ضرورة اخصائيو وباحثو القانون والقضاة أنفسهم وهم "الأعلم" حسب رئيس جمعية القضاة الشبان والقاضي المعزول مراد المسعودي في حوار لإنكفاضة.
في التقاليد الغربية ومواصلة للمثال الذي اتخذناه أعلاه، لا نجد عبارة "سلطة قضائية" في دستور الجمهورية الفرنسية في بابه الثامن، أين "يعد القضاء جسما محصورا في التطبيق الميكانيكي للقانون الذي لا يكون استقلاله مطلقا، وهو بذلك صوت القانون (أي القضاء) ومبررات ذلك أن القضاء ليس منتخبا فلا يمكن أن يكون سلطة كما أن نزع طابع السلطة عنه يزيد من إلزامية القوانين المحددة له ما يضمن عدالة أفضل وعدم انحرافه عن هذه المهمة على أن يضمن عدم تدخل السلطات الأخرى فيه".
الاصطفاف مع المرجعيات الفكرية التي يتحدث عنها الرئيس وهي تقريبا أفكار فلاسفة الأنوار، يحيل إلى أن عبارة وظيفة بمعناها الفرنسي Fonction لم تستعمل من قبل صراحة. وحتى الناظر في الترجمات المنشورة لروح التشاريع/القوانين لمونتسكيو لا يجد أثرا لمثل هذه العبارة سوى "إن للدولة وظائف تشريعية وتنفيذية وقضائية". وهو لا ينفي عنها ضرورة صفة السلطة المستقلة بذاتها، وهي الأطروحة التي يدعمها عدد من رافضي ورافضات المسودة وهو ذاته ما نجده أيضا في دول القانون الانقلوسكسوني، ففي الولايات المتحدة مثلا تعد السلطة القضائية مساوية للسلطتين الأخرتين.
احتجاج القضاة والقاضيات يوم 23 جوان 2022 أمام قصر العدالة بتونس العاصمة بعد اسبوعين من إعلان الرئيس قيس سعيد إعفاء 57 قاضيا وقاضية من مهامهم. صور ة لـ.عيسى زيادية.
"لا يمكن أن تتحول السلطة إلى وظيفة فهي بذلك تكون مرتهنة لتوصيات ورغبات الوزارة التابعة لها ما ينفي عنها طابع إمكانية مراقبة ومحاسبة السلطة الأخرى" كما أنها الفكرة الأساسية لنظرية مونتسكيو حسب الباحث في القانون، مهدي العش، وهو ما يدعمه أيضا القاضيان يوسف بوزاخر ومراد المسعودي.
يقول المسعودي: "يريد قيس سعيد أن تنفلت رئاسة الجمهورية من الرقابة كليا لتنفرد بالسلطة وتجعل من البقية وظائف خاضعة لتعليماتها. ما يخول للرئيس الإعفاء والمعاقبة متى أراد وهو ما يتنافى مع مبدأ الفصل بين السلطات ويتعارض مع الديمقراطية".
تفسر الأطراف الرافضة للمشروع تناول السلط على أساس وظائف بأنها تأويل شخصي للرئيس، يريد به فرض سيطرته على كل ما يمكن أن يتحول إلى حجر عثرة، في سبيل تطبيق رؤيته في الانفراد بالسلطة، خاصة وأنه علاوة على حذف المجلس الأعلى للقضاء والتشريع لمجالس لم يحدد كيفية تكوينها وملغيا دورها في تسمية القضاة يجعل "الإمرة" ، بيده وحده.
"المقصد يبرر الإجراء"
لم يفلت مسار قيس سعيد برمته من النقد على أساس تعسفه على الإجراءات، البداية كانت بإعلان حل المجلس الأعلى للقضاء في 6 فيفري 2022 بمرسوم رئاسي، بتعلة تقاعسه عن محاسبة القضاة الفاسدين. تلاه قرار الإعفاء الذي شمل قضاة لم تصدر في حقهم قضايا ولم يتم استدعاؤهم من طرف التفقدية، علاوة على تجاهل حدود المساءلة الدنيا وجمع قضايا إدارية بقضايا أخلاقية وأخرى جنائية، إضافة الى صرف منحة لأشخاص يتهمهم بالفساد في حين أن الغرامة لا تمنح إلا لمن مسّهم عجز صحي أو وظيفي على حد قول بوزاخر.
بوزاخر أرجع خطوات الرئيس، إلى منهج كامل يتبعه منذ 25 جويلية 2021 لإزاحة كل معرقل لمشروعه، ويعتبر أن قرار حل المجلس الأعلى للقضاء القديم سببه اعتراضه عن مسائل معينة أراد الرئيس تمريرها، كقانون الصلح الجزائي حتى إن كان رأي المجلس محددا بطابع تشاوري. كذلك يرى مهدي العش أن قيس سعيد لا يكتفي بإزاحة ما يعيقه فعليا في تطبيق رؤيته بل يأبى حتى النقد والرفض ولو كان غيره ملزم بالتطبيق.
المتمعن في أقوال وأفعال قيس سعيد يفهم جيدا أن الرجل يرى في نفسه قائدا لمسار إصلاحي في لحظة تاريخية فارقة، متبنيا خطابا تبريريا في كل مرة يتخذ فيها قرارا بأنه جاء ليصلح ما أفسده الآخرون. ورغم أن غالبية ما يتخذه يتناسى إلى حد بعيد، السياقات الاجتماعية والاقتصادية والحقوقية، تحت غطاء الحالة الاستثنائية التي منحته سلطة مطلقة في فرض تصوراته و"تقنين" أفكاره التي يقول أنها تحقيق لإرادة الشعب لا تُرى له قنوات تواصل لا مع الشعب مباشرة ولا عبر الإعلام الذي يعاديه منذ صعوده إلى رئاسة الجمهورية.
التفحص في نوايا الرئيس، واتخاذ مسافة كافية من الرافضين·ات والمؤيدين·ات يجعل التساؤل عن مدى فاعلية قراراته وتوجهاته في تطبيق "مقاصده" -وهي العبارة المحبذة لديه حين يتحدث عن مقاصد الدولة والقوانين- تساؤلا ضروريا. فهل يمكن أن يحدث إصلاح في ظل فوضى إجرائية وانتفاء للحقيقة بغياب المعلومة الموثوقة؟
في نفس الموضوع
في حوار لموقع "نواة" يقول الرئيس الشرفي لجمعية القضاة الإداريين أحمد صواب، إن قرار إعفاء القضاة مثلا كان يمكن أن يتخذ بناء على مؤيدات وأدلة واضحة، يمكن أن توفرها الدولة عبر أجهزتها الرسمية. ففي علاقة بالفساد المالي والإثراء غير المشروع، يرى صواب أنه كان يمكن إجراء تحقيقات عبر البنك المركزي، البورصة، دفتر خانة، القباضة، البلدية، دون تشويه القضاة وبفاعلية مضمونة.
وهنا فعلا يظهر حجم الخطأ الذي ارتكبه قيس سعيد الذي لم يستعمل من آليات الدولة سوى قرارا راديكاليا، ربما يستفيد منه القضاة الفاسدون بأن يحتموا بالتضامن القطاعي فيما قد يظلم به أبرياء.
دأب قيس سعيد على أن يتحدث وحده، رافضا الاستماع لمحدثيه ومصرا على لعب دور المعلّم الذي يحيط علمه بكل شيء، في حين ظهر في جلسة إعلان عزل القضاة والقاضيات ساردا لتقارير. يقول، مراد المسعودي، إنها تقارير أمنية عبارة عن وشايات بقضاة وقاضيات رفضوا الانصياع لرغبات الأمنيين في إيقافات تعسفية، وأذون تفتيش غير قانونية وتجاوز للصلاحيات. فكيف يمكن لقيس سعيّد أن يتأكد بمفرده في كل ملف، وأن لا يشوب قراراته خطأ في ظل عدم إجراء محاكمة عادلة؟
لا يمكن الاختلاف حول حاجة الإصلاح إلى تكريس العدالة وكشف الحقيقة، وأن تطوير القضاء لا يمكن أن يحدث وفق رؤية أحادية ورأي شخصي لا يقبل النقد. كما لا يخفى أن الزعامة حلم قيس سعيد الذي يرى أنه يحمل مشروعا مقدسا، يصبغه بعبارة إرادة الشعب معتبرا إياه كتلة واحدة تنفي على المواطنين.ات تمايز إراداتهم·ن وفردانيتهم·ن كفاعلين·ات إجتماعيين·ات وسياسين·ات.
اتخذ الحكم الديمقراطي نفسه عبر التاريخ أشكالا ودلالات مختلفة، ففي المجتمعات القديمة كان "الشعب" يضم فقط ملاك الأراضي أو الرجال البيض أو الرجال دون النساء أو الأسياد دون العبيد. و بعد حكم قيس سعيد قرابة 3 سنوات يظهر أن "الشعب" الذي يعود إليه هم القلة المحيطة به أو أعضاء تنسيقياته، الذين أكدوا لإنكفاضة أن قنوات تواصل مباشرة مازالت قائمة بينهم وبين الرئيس. ذات الرئيس الذي يرفض الإجابة عن السؤالات الصحفية أو الجلوس مع المكونات المدنية والاجتماعية.
في نفس الموضوع
هل تكفي المحاسبة لإصلاح القضاء؟
برر قيس سعيد قرار إعلان حل المجلس الأعلى للقضاء الذي مثل وفقه بداية التحرك الفعلي لإصلاح القضاء بالقول: "لقد أُعطيت الفرصة تلو الفرصة، وتمّ التحذير إثر التحذير حتى يُطهّر القضاء نفسه. ولا يمكن أن نُطهّر البلاد من الفساد ومن تجاوز القانون إلاّ بتطهير كامل للقضاء. هناك تأخّر وتلكّؤ وتأخير متعمّد في فتح الملفّات، بالرّغم من أنّها جاهزة. ولا يمكن أن يستمرّ الوضع دون نهاية(…) الواجب المقدّس يقتضي منّا اتّخاذ هذا القرار حفاظا على السّلم الاجتماعيّة وحفاظا على الدّولة، ولن نقبل بأيّ تطاول على القضاة الشرفاء، كما لن نقبل بأيّ تجاوز للقانون."
احتجاج القضاة والقاضيات يوم 23 جوان 2022 أمام قصر العدالة بتونس العاصمة بعد اسبوعين من إعلان الرئيس قيس سعيد إعفاء 57 قاضيا وقاضية من مهامهم. صور ة لـ.عيسى زيادية.
وكما هو الحال دائما يحضر في خطابات قيس سعيد التهديد والوعيد والعقاب، وهو الشأن في علاقة بالقضاء في حين لا تظهر أية تصورات أو أفكار نابعة من الإشكاليات الواقعية للتطوير وتغيير السائد، فحديثه عن الملفات القابعة في رفوف المحاكم وعدّدها بـ6000 ملف إرهابي ماهي الا تضخيم وتهويل غير مبررين استنادا الى إجابة مراد المسعودي الذي يصفها بملفات وشايا على أساس النكايات، وليست بالأهمية الموهومة وإلا لكنا نعيش على وقع الأعمال الإرهابية يوميا على ذاك الأساس. ويضيف المسعودي: "إن العدد يظهر بخطورة قصوى لغير العارفين والعارفات بالمحاكم، ذلك أن محكمة كبرى كمحكمة تونس من العادي أن يتجمع فيها عدد كبير من القضايا سريعا ومن العادي أيضا أن تعالج سريعا."
ومن بين الإشكاليات التي يرى المسعودي أن الرئيس لا يخوض فيها هي المشاكل المادية وعدم تكريس ميزانية ملائمة لكمّ القضايا الموجودة. كما يرى مهدي العش من جهته أن القضاء ماهو إلا وحدة صغيرة من شبكة كبرى، لا يمكن أن تقع معالجة فساده دون معالجة الوحدات الأخرى من البوليس إلى الكتّاب العامين والمحامين وأنه من غير المنطقي أن يلقى كل اللوم على القضاة وحدهم.
بموازاة أزمة شح الموارد المادية والبشرية التي يتذمر منها القضاة، فإنهم ينتقدون طريقة سير إجراءات الأبحاث. يقول مراد المسعودي: "إضافة إلى أننا كقضاة ليست لنا شرطة قضائية متخصصة، إذ يتم اختيار أعوان ضابطة عدلية ليسوا حرفيين في بعض الأحيان. كما أن التعليمات بين السلطة والسلطة لا تصل قوية ومتماسكة إذ يتخاذل أعوان الأمن في بعض الأحيان كغلق الهاتف على وكيل الجمهورية بتعلة أنهم تابعون وتابعات للداخلية وليس لوكيل الجمهورية سلطة عليهم.
ويواصل: "من المفروض أن يكون جهاز الضابطة العدلية تابعا لوزارة العدل في شكل شرطة قضائية تعمل في تكامل مع تعليمات القاضي الذي يدير الأبحاث وليس بناء على مزاج أعوان الأمن".
في المحصلة أخذ قيس سعيد بزمام الأمور تقريبا في كل المجالات، "يولي ويعزل من يومه" بذريعة إصلاح "لا يتم" وتمثيل للشعب "لا يتم"** يضعف من مقبولية قرارات أحادية تسلط على رقاب من يراهم فاسدين ومن آرائهم غير جديرة بالنظر في مشهد ديستوبيا تكون فيه "السلطة ليست وسيلة؛ بل غاية. فالمرءُ لا يقيم حكمًا استبداديًا لحمايةِ الثّورة، وإنّما يشعل الثورة لإقامة حكم استبدادي."***