الهوامش
الكامور
حكايات أخرى من الكامور
أحداث الكامور كما يرويها أنيس السعدي، الكاتب العام لنقابة الحرس الوطني بتطاوين
أنيس السعدي معروف بشكل جيّد صلب جموع المحتّجين في الكامور. فلوْلا مهامّه صلب الحرس الوطني لكان واحدا منهم لا يختلف عنهم في شيء. هو ابن تطاوين، لا تختلف روايته للأحداث التي جدّت على علاقة بصمّام الكامور عن تلك التي وردت على ألسنة المحتجّين ذاتهم رغم الاختلاف في بعض التفاصيل الطفيفة.
أضفى التوافق العام في تطاوين بين مختلف الفاعلين، دعما شعبيا غير مسبوق في الجهة للمظاهرات والإضراب الجهوي واعتصام الكامور. غير أنّ الأمر هنا يختلف في نظر عون الحرس حيث يرى أنّه يتوجّب تطبيق القانون وعدم السّماح باغلاق صمّام المضخّة من قبل معتصمي الكامور.
يوجّه أنيس السعدي أصابع الاتهام نحو الجيش بشكل مضمّن بين السطور : فالجيش هو من كان يتحمّل مسؤولية القيادة. و هو الذّي فشل في حماية المنشآت البترولية وضمان تواصل نشاطها. وهو الذّي طلب من الحرس الوطني التدخّل. و في المقابل -دائما وفق أنيس- فانّ الجيش ليس مؤهّلا للتدخّل في مثل هذه الوضعيات، فهو لا يملك سوى الأسلحة النارية، على عكس الحرس الوطني الذي يملك العصا (الماتراك) والغاز المشلّ للحركة.
في الكامور، يمكن لمشاعر الانجذاب أن تحدث المفاجأة. فعندما لا يدّخر المتظاهرون جهدا لكيل المديح للجيش يجد جزء من أعوان الحرس الوطني نفسه غير قادر على إخفاء حقده. وعندما يترك الجيش الوطني المتظاهرين يغلقون الصمّام دون تحريك ساكن لتفادي العنف، بل ويمكّنهم من الكهرباء، وهي شيء حيوي بالنسبة الى المخيّم. عندما يقوم الجيش بكلّ ذلك فانّ الأدوار السيّئة ستنسب حتما لأعوان الحرس الوطني.
لغز شرائح تونيزيانا (أوريدو)
وضع شباب الكامور تنظيما هيكليّا خاصّا به. مسؤول في كلّ خيمة، مجموعة مكلّفة بالتنسيق، وأمّا عن أخذ القرار فانّ الرجوع إلى القاعدة هو الفيصل.
يستخدم المعتصمون شبكات التواصل الاجتماعي وتحديدا فيسبوك من أجل التواصل مع أهلهم وذويهم خارج المخيّم. ويلجأ الشباب إلى تقنية البثّ المباشر عبر فايسبوك من أجل الإدلاء بموقف أو تكذيب شائعة أو أخبار مغلوطة، أو يتمّ اعتماد الشبكة لنشر مقاطع فيديو للاشتباكات أو نشر بيانات… كلّ ذلك من أجل تجاوز التعتيم الإعلامي أو نقص المعلومات المتداولة عبر وسائل الإعلام.
وبالرّغم من أنّ كلّ مشغّلي الهاتف الجوّال غائبون عن الكامور المنتصبة في قلب الصحراء، الّا أنّ شبكة الأنترنت ذات التدفّق العالي تشتغل بشكل جيّد هنا. ويفسّر ذلك كالآتي : قبل وصولهم الى الصمّام، كان المحتجّون قد تلقّوا زيارة مفاجئة من قبل أعوان إحدى شركات الهاتف الجوّال الخاصّة الذّين سجّلوا حضورهم في عين المكان بهدف توزيع شرائح مجانيّة مؤكّدين للمحجتجّين أنّهم قاموا بتحسين خدمة الشبكة في الأنحاء.
“قالوا لنا انّهم يساندوننا”، يؤكّد زبيّر في سياق سرده لتلك الحادثة، مشيرا إلى أنّ الشبكة كانت قد انقطعت قبيْل مواجهات 22 ماي، تاركة المحتجّين في حالة من الارتباك المضني. ومن هنا تفجّرت في الأذهان كلّ الفرضيّات التي لا تخلو من صبغة مؤاماراتية : هل تمّ
الاحتيال على المحتجّين ومن ثمّ تَركهم معزولين عن أهاليهم يواجهون عصا قوّات الأمن بمفردهم دون أن يتمكّنوا من إجراء اتّصالات لطلب المناصرة في ذلك الوقت الحرج ؟ أم تمّ استغلال بطاقات الهويّة من أجل كشف هويّة المحتجّين ومن ثمّ تتبّعهم أمنيا وقضائيا ؟
لئن يميل زبيّر الى ترجيح كفّة هذه الفرضية الثانية فانّه يردف بالقول “الله أعلم”.
في حياة أخرى : نافخ النار ومروّض الأفاعي في الكامور
جوان 2017، شهر رمضان يوشك على الانتهاء ولكنّ جموع المحتجّين مازالت لم تُبارح مكانها في الكامور. وبالرغم من إمضاء الاتفاق مع الطرف الحكومي منذ أيّام الّا أنّ علي وشقيقه مهاب احتفلا بعيد الفطر في المخيّم. بالنسبة إليهما، كلّ الظروف تصلح لتقديم عروضهما الفرجوية في انتظار أنّ يتمّ تطبيق التعهدات والإجراءات التي أعلنتها الحكومة.
ينطلق علي ومهاب في عرض ما في جُعبتهما من موهبة على ايقاع الموسيقى. سنة 1996، تعرّف في مدينة الحمامات السياحية أثناء جولة ترفيهية، على “فاكير” معروف جيّدا في عالم العروض الفرجوية وأجواء الفنادق. علي لم يفوّت آنذاك فرصة مشاهدة أحد عروض صديقه الجديد “الفاكير” الّا أنّه لم يجد في الفقرات التي تمّ تقديمها، على غرار ترويض الأفاعي و نفخ النيران واللعب بالسيوف، أمرا مبهرا، “بالنسبة الينا، هذا الأمر لا يعدو أن يكون سوى لعب أطفال”. في ذلك الوقت كان تعاطي هذا النشاط مجديا، لذلك قرّر علي جلب أخيه وعددا من أصدقائه من أجل تدريبهم وتشكيل فريق عمل للانطلاق لاحقا في هذه التجربة المهنية.
على مدى سنوات العمل، تسنّى لعلي ومهاب التنقّل بين عدد كبير من مدن تونس والمغرب بشكل عام لتقديم عروضهما الفرجوية. وقد صعدا على ركح قرطاج وتجوّلا بين المهرجانات الصيفية والحفلات الخاصة والسهرات التنشيطية داخل الفنادق السياحية. الآن، لا يرى الشقيقان مستقبلا لهذا النشاط جرّاء الأزمة الخانقة التي تعصف بالقطاع السياحي، حيث تقلّصت العروض وبدأ نجم النشاط في الأفول، “لن نتمكّن من الذهاب بعيدا بهذا النشاط…”.
هل ينعم أنور السكرافي بالعدالة ؟
كذب الناطق الرسمي للحرس الوطني، بالفعل، في سياق تعليقه عن حادثة الوفاة التراجيدية لأحد معتصمي الكامور بتاريخ 22 ماي. فأنور السكرافي -وفق ما تؤكّده مقاطع الفيديو- لم يكن واقفا خلف سيارة كانت بصدد التراجع إلى الخلف ما تسبّب في دهسه بشكل عرضي. لقد قُتل هذا الشاب ذو ال23 سنة على الفور عندما كان سائق سيارة الحرس يسير بسرعة كبيرة جدّا بين جموع المحتجّين.
منذ ذلك الحين، لم تسجّل قضيّة مقتل السكرافي أيّ جديد يذكر ولم يعترف الحرس الوطني بمسؤوليته تجاه الواقعة. كلّ ما حصل فقط لم يتعدّ عتبة وضع نصب تذكاري على شاكلة رخامة في المكان الذي سقط فيه “الشهيد” من قبل المعتصمين . يقبع ملفّ القضية الآن بين يدي القضاء العسكري، حيث تمّ فتح بحث تحقيقي في الغرض و الاستماع الى عدد من الشهود، غير أنّ شباب تطاوين يسيطر عليهم اليأس وعدم التفاؤل في ما يتعلّق بمآل القضية : “تماما مثلما حصل للقضايا المتعلّقة بالثورة (…) لن تكون هناك محاكمات”.
بالنسبة الى المحتجّين الذين كانوا شهود عيان على ما حدث يوم المواجهات، فانّ الأمر يتعلّق بغياب إرادة فعلية لمعاقبة المذنب المسؤول عمّا يصفه المحتجّون “بالقتل العمد”. لو كانت الإرادة موجودة لتمّت الإجابة على سؤال مركزي وحيد : “من كان يقود السيارة آنذاك ؟”.
الأستاذ محمد شلغوم، المحامي القائم بالحق الشخصي في القضية، صرّح لموقع انكيفادا انّ “التحقيق العسكري مازال يُراوحُ مكانه”. فآخر السماعات، وفق مصدرنا، كانت قد تمّت بتاريخ 17 أكتوبر 2017، في حين تمّ استدعاء القائد الميداني للعملية الأمنية التي تمّ تنفيذها
في الكامور بتاريخ 22 ماي، بصفته شاهدا”. قاضي التحقيق العسكري مازال لم يوجّه أيّ تهمة لأيّ شخص في هذه القضية.
من جانبه، لم يقدّم الناطق الرسمي لوزارة الدفاع، عند الاتصال به هاتفيا أيّة توضيحات بخصوص مآل القضية واكتفى بالقول انّ “القضيّة بين يدي القضاء العسكري ولا علاقة للوزارة بذلك”.