هما يعتبران نفسيهما سعيديْن. يحاولان، بقدر الامكان، التمتع بحياتهما العائلية، غير أنهما يقران أن وضعهما المالي حرج. هذا ملخص لمداخيلهما و مصاريفهما الشهرية :
مرت سنتان و نصف السنة على زواج محمد علي و أمينة. يعود الفضل في هذا الزواج إلى أمّيهما اللّتين تجمعهما علاقة قرابة حيث تنحدران من احدى الجهات الداخلية في البلاد. هما اللّتان اشرفتا على تعارفهما. توقفت أمينة عن العمل خلال فترة حملها، لما تحتوي عليه المواد التي تستعملها في المختبر من موادّ خطرة قد تتسبب في الأذى لها ولجنينها. قبل الانجاب، ادّخرت أمينة شيئا من المال ببيعها سوارا فضلا عن ادّخار البعض من منحة “أمل” التّي دأبت الدولة على تقديمها ،وفق شروط، للعاطلين عن العمل. واجمالا فقد نجحت في ادخار 1200 دينار تحسبا لمجيء الطفل. بالرغم من أنّهما يميلان دائما الى ترشيد الانفاق إلا أنه بات من الصّعب عليهما مجاراة تكاليف الحياة. بالنسبة لمحمد علي، كان للثورة أثر هام على أسعار المواد الأساسية، ما يثقل الميزان في آخر الشهر. وقد تسبّب قدوم الطفل في حرمان تلك الأسرة الصغيرة من دخل راتب باكمله اذ لم يتمّ تعويضه بأيّ شكل من الأشكال وفق ما أفادنا به الزوج محمد علي : “كان من المفترض، بعد ميلاد ابني، أن احصل على إعانة بقيمة 7 دينار في الشهر علما أنّ رزمة الحفاضات تكلف 8 دينار ! كان من المفروض علي القيام ببعض التصريحات الادارية. لكن لبعد الأدارة، كان يلزمني صرف ما يناهز الاعانة في البنزين ! تخليت عن الأمر “. وكما يمكن ملاحظته هنا، من خلال هذا الرسم البياني الذّي يوضّح المعاملات المالية للزوج، فانّ اواخر الشهر تكون صعبة جدّا.
المنطقة الرمادية
“في البداية، لم أكن أفهم كيف كانت تصرف النقود. أذن قررنا يوما التعمّق في الحديث في ذلك. على اثرها، قررنا تسيير الأمور معا. أدركت عندها حقيقة الأشياء، و تساءلت كيف سيّر محمد علي الأمور حتى الآن. بدأت عندها بتنظيم المصاريف في أضرفة معدة لكل انفاق محتمل مثل استعمال المكيف لزمن أطول او اذا ما كان علينا اقتناء شيء ما …” توضح أمينة.
« نحاول تدبر الأمور معظم الوقت و في آخر الشهر نجد حسابنا على المكشوف بما يقارب 300 – 350 دينار .و هذا الوضع يراوح مكانه منذ أشهر. بالتالي، بأات أسحب، في بداية الشهر، أكبر مبلغ ممكن، لاستعمل في آخر المطاف الحساب المكشوف. قبل الثورة ، كان حسابي المكشوف لا يتعدى 70-80 دينار في الشهر »،
مع ازدياد سنّ الابن، تزداد المصاريف. اذ يفترض أن نخصّه بعناية أكبر، ملابس أكثر، تغذية أوفر الخ… وهذا ما يجعل محمد علي و أمينة أمام اجبارية البحث عن حلول تمكنهما من تلبية الحاجيات المتنامية للعائلة.
المستقبل
الآن، وقد تجاوز طفلهما سقف السنة من العمر، تعتزم أمينة العودة الى العمل مجددا حيث يحتاج الزّوجان الى دخل إضافي يؤمّن لهما العيش اللائق. أمينة تتمنى إنجاب طفل آخر و ذلك لاعتبارات مهنية أيضا. فهي لا تود أن تحد من نشاطها باطالة إجازة الأمومة لبضع سنوات أخرى. يطمح الزوجان للعمل لبضع سنوات بالخارج, وقد سجّلا بوكالات التوظيف. في نظرهما، هذا هو الحل الوحيد الذي سيمكنهما من ادخار المال لشراء منزل او على الأقل قطعة أرض و أن يصبح لهما يوما ما منزل صغير خاصّ بهما.
« انّ الرحيل ومحاولة العودة بمبلغ مهم سمكّننا من تسديد ديوننا المتخلّدة بذمّتنا جرّاء قرض الزواج الذي أخذناه، وهو ما سيتيح لنا طلب قرض آخر لشراء المنزل دون صعوبة »،
ككثير من الشباب، تجتذبهما فكرة العمل بالخليج و يرغبان في أن تتاح لهما هذه الفرصة. غير انهما ينتظران الحصول على عرض تتوفّر فيه الظروف اللّائقة والمتمثّلة أساسا في سكن لائق وراتب مقبول. “وفي حال عدم توفّر ذلك سأكون مجبرا على تقديم دروس خصوصية بهدف جمع مقدار أكثر من المال، غير أنّني في هذه الحالة سأكون مضطرّا للبحث عن معهد آخر لانه ممنوع علي أعطاء دروس خصوصية لتلامذتي”، يوضح محمد علي.
“اليوم، المهندسون هم الطبقة الوسطى”
ردا على سؤالنا عن مكانته في المجتمع، يجيب محمد علي أن الأساتذة كانوا يُعتبرون، خلال فترة ما قبل الثورة، مكوّنا من مكوّنات الطبقة الوسطى ومرجعا للدولة في هذا النطاق. الان، تغير الوضع كثيرا . “حسابي المكشوف يعادل نصف راتبي الشهري. اليوم، يمكن القول انّ المهندسين هم الطبقة الوسطى .”